Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (7) بعد العنصرة- العدد 32

8 آب 2021

كلمة الرّاعي

إرضاء الله

”وَلكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ“ (عبرانيين 11: 6)

 

من يطلب الله يؤمن أنّه موجود، ومن يؤمن بوجوده يطلب أن يعرفه ومن يعرفه يحبّه ومن يحبّه يريد إرضاءه لأنّ في رضاه فرحًا وحياةً أبديّة.

كيف يرضى الله علينا، حين نقبل كلمته حياةً لنا، ونرفض كلّ كلمة أخرى ليست منه.

ما هي كلمته لنا يا ترى؟ يجيبنا بولس في رسالته على أهل رومية قائلًا: ”يا إِخْوَةُ، يجبُ علينا نحنُ الأقوياءَ أنْ نَحْتَمِلَ وَهَنَ الضُّعَفاءِ ولا نُرضِيَ أَنْفُسَنَا. فليُرْضِ كلُّ واحدٍ مِنَّا قريبَهُ للخيرِ لأجلِ البُنيان“ (رومية 15: 1—2).

محبّتنا لله لا تنفصل عن محبّتنا للقريب. موقفنا من الآخَر، القريب، هو موقف انتقاد في أدنى حالاته، ودينونة بشكلٍ عام. حين نرى أخًا ضعيفًا، ما هو موقفنا منه يا ترى؟! هل نتفهّم ضعفه؟! هل نقبله؟! هل نتعاطف معه؟! هل نسعى لمساعدته على مواجهة أوجاعه وصعوباته؟! كيف نتصرّف بإزاء خطيئة الآخر وسقطته؟!محبّة الله، أي حفظ وصيّته، هي ما ينقّي علاقتنا بالآخَر لأنّ الكلمة الإلهيّة تطهِّر ضمائرنا ونوايانا وأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا…

*       *       *

من هو القويّ؟! من هو الضَّعيف؟!

مقاييس الإيمان تتناقض مع الَّتي للعالم، ”لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ“ (2 كو 12: 10). قوّتنا في المسيح هي حرّيّتنا من كلّ ضرورة، لأنّنا نعرف أنّ حاجتنا هي فقط ”إلى الواحد“ (لوقا 10: 42). الضّعيف هو من يرى نفسه محتاجًا لغير الله. القويّ هو الَّذي يرى اللهَ كلّ حياته. لكنّ، مسيرتنا هي انتقال مستمرّ من ضعف إلى قوّة، بالتّوبة، بنعمة الرّوح القدس السّاكن والفاعل فينا.

يتقوّى الإنسان بالله في كلّ مرة يُرضي فيها الأخ للبُنيان في المسيح. من يُرضي نفسه يخسرها ومن يُرضي الله يربحها. ورضا الله هو أن نعضد الضّعيف ونبنيه في المسيح لينمو إلى ”ملء قامته“ (راجع أفسس 4: 13).

أنت لا تستطيع أن تسند أحدًا ما لم تتب، لأنّ التّوبة دخول إلى حقيقة البشريّة كلّها وفهم لمخاضها ومعرفة لأعماقها. فالإنسان هو الإنسان، وما في الأعماق واحد: خطايا وضعفات وعقد وأوجاع، وبرّ وقوّة وسلام وراحة. الأوّل من طبيعة سقوطنا، والثّاني من صورة خَلْقِنَا. كلّ إنسان فيه الجمال والبشاعة، والحقّ والباطل، والنّور والظّلمة.

*       *       *

”بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ“ (أمثال 9: 10). من لم ينمو في مخافة الله لا يثبت لديه فهم الحياة أنّها زائلة وأنّ الرّبّ يريدها لنا أبديّة. العلاقة مع الله، كانت قديمًا، مبنيّة على الخوف بسبب النّاموس، أمّا مع المسيح فانتقلنا إلى علاقة مختلفة إلى بنوّة الله في ابنه، لنتحرَّر من خوفه بحبّه، ونسلك في مخافته ورهبة خسارة ودّه، كونه أظهر لنا في يسوع أنّنا أحبّاءه (يو 15: 15).

أن نطلب رضا الله خوفًا منه شيء، وأن نطلب رضاه حبًّا به شيء آخر. المهمّ أن يعرف الإنسان نفسه، ويفهم مكانة الله في حياته وبالنّسبة له، وأن لا يرى في نفسه أكثر أو غير ما هو عليه في حقيقته. هذا يتطلّب شفافيّة مؤلمة، لأنّ المعرفة صليب، والصّليب أداة خلاص إذا ما ارتبط بالمسيح في حياتنا.

*       *       *

أيها الأحبّاء، بالإيمان نرضي الله إذ نثق به ونسلّمه حياتنا بطاعة كلمته. لا معنى لحياتنا بدون الرّبّ، وحياتنا تأخذ قيمتها وتحقّق مغزاها في تشبّهنا بالمسيح الَّذي ”تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ“ (1 بطرس 3: 18).غاية كلّ شيء أن نأتي إلى الآب، هذا يتمّ بالابن، ”أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي“ (يو 14: 6). هذا هو رضا الله الَّذي علينا أن نطلبه، أي هو يرضى علينا إذا ما حقَّقنا إنسانيّتنا وغاية وجودنا وهي أن نقتني الحياة الأبديّة، ”وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ“ (يو 17: 3).

ما يرضي الله، يا أحبّة، هو أن نحيا. لهذا خَلَقَنَا وأَوْجَدَنَا. ”أَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ“ (كولوسي 3: 3). حين نموت عن العالم، نحيا في المسيح وبه نحيا في الله أي نشارك الله سرّ الوجود الَّذي يهبنا إيّاه بشركتنا في سرّ الحبّ الإلهيّ مع أقانيم الثّالوث القدّوس.

البداية هي محبّة الله بطاعة الوصيّة، وطاعة الوصيّة بمحبّة الإنسان… هذا هو الطّريق… فهل نريد أن نسلكه؟!…

ومن له أذنان للسّمع فليسمع.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة