Menu Close
070925

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد قبل عيد رفع الصَّليب

العدد 36

الأحد 07 أيلول 2025

اللّحن 4- الإيوثينا 2

أعياد الأسبوع: *7: تقدمة ميلاد السَّيِّدة، الشَّهيد صوزن، البارَّة كاسياني (كاتبة التَّسابيح) *8: ميلاد سيِّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة *9: تذكار جامع للقدِّيسَين الصِّدِّيقين يواكيم وحنَّة جدَّيّ المسيح الإله، الشَّهيد سفريانوس *10: الشَّهيدات مينوذورة وميتروذورة ونيمفوذورة *11: البارَّة ثيوذورة الإسكندريَّة، القدِّيس آفروسينوس الطبَّاخ *12: وداع عيد ميلاد السَّيِّدة، الشَّهيد في الكهنة أفطونومس *13: تقدمة عيد الصَّليب، تذكار الشَّهيد كورنيليوس قائد المئة ورفقته، تجديد هيكل القيامة

كلمة الرّاعي 

ميلاد والدة الإله: فجر الخلاص

في اليوم الثَّامِن من أيلول من كلِّ سنة، تحتفل الكنيسة المقدَّسة بعيد ميلاد سيِّدَتنا والدة الإله الفائقة القداسة، الَّذي يصفه القدِّيس أندراوس الكريتيّ بأنَّه "عيد الابتداء"، إذْ فيه بدأ اتِّحاد الكلمة بالجسد في التَّدبير الإلهيّ.

يعود أصل الاحتفال بعيد ميلاد والدة الإله إلى أواسط القرن الخامس الميلاديّ في أورشليم، حينما كُرِّست كنيسة على اسم والدة الإله مريم قرب البركة الغنميّة (بركة بيت حسدا). كان هذا التَّكريس حدثًا روحيًّا كبيرًا، إذ ارتبط المكان تقليديًّا ببيت يواكيم وحنَّة، والدَيْ العذراء، بحسب التَّقليد الكَنَسيّ. ومنذ ذلك الحين، بدأ المؤمنون يجتمعون سنويًّا في هذا الموضع في الثَّامِن من أيلول لإحياء ذكرى ميلادها. مع مرور الزَّمَن، انتقل العيد من أورشليم إلى سائر الكنائس الشَّرقِيَّة، ودخل رسميًّا في الرُّزنامة الكنسيَّة كأحد الأعياد السَّيِّديَّة الكبرى المرتبطة مباشرةً بِسِرِّ التَّدبير الخلاصيّ. ومن اللَّافِت أنَّ السَّنَة الطَّقسيَّة تبدأ في أوَّل أيلول، فيأتي عيد ميلاد والدة الإله كأوَّل عيد سيِّديّ في السَّنة، بينما يختمها عيد رقادها في ١٥ آب، وكأنَّ الكنيسة تقول أنَّ والدة الإله تحيط بدورة أعيادنا من بدايتها إلى نهايتها، حاملةً في أحشائها سرّ المسيح من التَّجسُّد حتَّى المجد. هذا التَّرتيب اللِّيتورجيّ ليس صدفة، بل هو تعبير لاهوتيّ–رمزيّ عميق: فكما أنَّ مريم هي بداية التَّدبير الخلاصيّ بالتَّجسُّد، هكذا أيضًا تحتضن مسيرة الكنيسة من بدايتها إلى اكتمالها في الملكوت.

*             *             *

يواكيم وحنّة كانا بارَّين ومع ذلك لا ولد لهما، لكنَّهما حين وصلا إلى حدود اليأس من رحمة الله استجاب الرَّبُّ صلاتهما، ورزقهما ابنةً مختارة منذ البدء لتكون أمًّا للكلمة المتجسّد، كما يقول نشيد الأناشيد: "كُلُّكِ جميلةٌ يا خليلتي ولا عيب فيك" (نش 4 :7). وتعبّر الكنيسة في طروباريَّة العيد، عن معانيه. فميلاد والدة الإله مصدر للفرح الكَوْنيّ إذْ "بشَّرَ بالفَرَحِ كلَّ المسكونةَ"، وذلك  لأنّه منها "أَشرَقَ شمسُ العدْلِ المسيحُ إِلهُنا"، "فحلَّ" اللَّعنة الَّتي ورثها البشر من السُّقوط "ووهب" البركة الإلهيّة عِوَضًا عنها، "وأبطل" الموت وأباده، ولكن ليس هذا فقط بل منح البشريَّة فيه الحياة الأبديَّة وملكوت السَّماوات. مِن هنا، مريم تربط بين أسرار الميلاد والتَّجسُّد والفداء في وحدة واحدة.

في هذا الإطار، يهتف القدِّيس يوحنَّا الدِّمشقيّ في عظته حول هذا العيد: "هلمّوا أيُّها الشُّعوب من كلِّ جنسٍ ولسانٍ ورتبة، نحتفل بميلاد بهجة العالم بأسره". وهو يرى في ميلاد مريم بداية تحقيق النُّبوءات وبزوغ نجمة الصُّبح الَّتي تبشّر بشمس العدل - يسوع المسيح، ويصفها بأنَّها "السَّماء الثَّانية" الَّتي أشرق منها شمس البِرّ. فمنذ لحظة ولادتها، بدأ الفرح السَّماويّ يقترب من الأرض، لأنَّ الله أعدَّ في شخصها الهيكل الحَيّ الَّذي سيسكن فيه.

*             *             *

يعلّمنا الكتاب المقدَّس أنَّ الله يهيّئ الخلاص عبر التَّاريخ بخطوات متتابعة. ميلاد مريم هو خطوة جوهريَّة في سِرِّ التَّدبير الإلهيّ، لأن منها يولد المخلّص الَّذي يخلّص شعبه من خطاياهم (مت 1:21). ويربط القدِّيس أندراوس الكريتيّ بين ميلادها وبدء اتِّحاد اللَّاهوت بالنَّاسوت، إذ بدونها ما كان يمكن للتَّجسُّد أن يتمّ لأنّ الله هكذا ارتضى. لكنّ هذا الخلاص لن يكتمل إلَّا بالصَّليب، حيث يُعلن المسيح محبَّته الكاملة للعالم (يو 3:16). قنداق العيد يربط بين هذا الميلاد وتجديد البشريَّة كلّها، لإنَّ يُواكيمَ وحنَّةَ بميلاد مريم "مِن عارِ العُقْرِ أُطلِقا"، وبالمسيح المولود منها "آدَمَ وحَوَّاءَ مِن فسادِ المَوتِ" أُعتِقا. لهذا يُعيِّدُ شعبُ الله إذ قد تحرَّر بالمولود من الَّتي وُلدت من يواكيم وحنّة من نتائج السُّقوط الأوَّل إذ تجدَّدت البشريّة في المسيح يسوع ابن المتجسِّد من البتول وظهرت الخليقة الجديدة، من خلال "والدةَ الإلهِ المُغَذِّيَةَ حياتِنا".

لكنَّ، ميلاد والدة الإله لا ينفصل عن الصَّليب، فهو بداية المسيرة نحو الجلجثة، حيث ستقف مريم عند أقدام الصَّليب (يو 19 :25)، ناظرةً آلام ابنها من أجل خلاص العالم. وكأنَّ الكنيسة، بوضع عيد ميلادها في ٨ أيلول، تهيِّئنا روحيًا لعيد رفع الصَّليب في ١٤ أيلول، لتقول لنا: "الفرح الحقيقيّ لا ينفصل عن سِرّ الفداء، والمجد يمرّ عبر الصَّليب"،  وفي هذا السِّياق، يعلّم القدِّيس نيقولا كاباسيلاس أنَّ تواضع مريم ونقاوتها جذبا الله ليحلّ فيها، وهذا التَّواضع نفسه هو الَّذي جعلها ثابتة تحت الصَّليب، مؤمنةً رغم الألم.

*             *             *

يا أحبَّة، الكنيسة لا تحتفل بميلاد أحد من القدِّيسين سوى الرَّبّ يسوع المسيح، ووالدة الإله مريم العذراء، ويوحنّا المعمدان، لأنَّ ولادتهم مرتبطة مباشرةً بسرِّ التَّدبير الخلاصيّ. فميلاد مريم يذكّرنا بأنَّ كلَّ حياةٍ بشريَّة مشروع قداسة، وأنَّ الله قادرٌ أن يحوّل حتّى العُقر واليأس إلى رجاء وفرح كما حصل مع يواكيم وحنّةَ بميلادها هي الَّتي صارت رمزًا لتجديد البشريَّة والحياة بالمولود منها مخلّص العالم. من هنا ارتباط العيد بالصَّليب الَّذي يعلّمنا أنَّ الفرح المسيحيّ ليس سطحيًّا، بل هو فرح الفداء والخلاص بالمصلوب، فرح من يعرف أنَّ الألم يمكن أن يصير طريقًا إلى القيامة بيسوع المسيح الرَّبّ...

في ميلاد والدة الإله، نرى يد الله الَّتي تُهَيِّئ الخلاص بصبرٍ وحكمة. وفي عيد الصَّليب، نرى اكتمال هذا الخلاص في محبَّةٍ باذِلَة حتّى الموت. من يسلك مع الله لا يخيب، لكنّه بالصَّبر في الإيمان والرَّجاء يُثمر حياةً جديدة وغلبةً على الخطيئة والموت. لذلك، فلنحتفل بالعيدَيْن معًا كمسيرةٍ واحدة: من فجر النِّعْمَة في بيت يواكيم وحنّة، إلى شمس الخلاص على جبل الجلجثة. ولنرفع مع العذراء أنظارنا إلى ابنها المصلوب، قائلين: "تعظّم نفسي الرَّبَّ وتبتهج روحي بالله مخلِّصي" (لو 1:46)، ولننظر قبره الفارغ معها ومع النِّسوة حاملات الطِّيب والرُّسُل عالمين أنَّ قبور يأس هذا العالم قد اُفرغَت بالمسيح الغالب على الصَّليب والمولود من فتاة الله المختارة مريم الَّتي صارت أمّ الله... وأنَّ فجر الحياة الجديدة قد بزغ اليوم...

ومن له اذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرَّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ الملاكِ الكرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة تقدمة ميلاد السَّيِّدة (بِاللَّحْنِ الرَّابِع)

اليَوْمَ مِنْ أَصْلِ يَسَّى وَمِنْ صُلْبِ دَاوُدَ تُولَدُ لَنَا مَرْيَمُ الفَتَاةُ الإِلَهِيَّةُ. لِذَلِكَ كُلُّ البَرِيَّةِ تَبْتَهِجُ وَتَتَجَدَّدُ، وَتَفْرَحُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ مَعًا. فَيَا قَبَائِلَ الأُمَمِ سَبِّحِيهَا، فَإِنَّ يُوَاكِيمَ يَبْتَهِجُ، وَحَنَّةَ تُعَيِّدُ صَارِخَةً: العَاقِرُ تَلِدُ وَالِدَةَ الإِلَهِ الـمُغَذِّيَةَ حَيَاتَنَا.

قنداق تقدمة ميلاد السَّيِّدة (باللَّحن الرَّابع)

إنَّ المَسكونَةَ، بمولدِكِ الموقَّر، تتزَّين عقليًّا بزينة الرُّوح غير الهَيُولي، فتهتفُ نحوكِ بسرورٍ قائلةً: إفرحي أيّتها العذراءُ يا فخرَ المسيحيّين.

الرّسالة (غل 6: 11- 18)

خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ وَبَارِكْ مِيرَاثَكَ.

إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَصْرُخُ إِلَهِي.

يَا إِخْوَةُ، أُنْظُرُوا مَا أَعْظَمَ الكِتَابَاتِ الَّتي كَتَبْتُهَا إِلَيْكُمْ بِيَدِي. إِنَّ كُلَّ الَّذينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُرْضُوا بِحَسَبِ الجَسَدِ يُلْزِمُونَكُمْ أَنْ تَخْتَتِنُوا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِئَلَّا يُضْطَهَدُوا مِنْ أَجْلِ صَلِيبِ الـمَسِيحِ. لِأَنَّ الَّذينَ يَخْتَتِنُونَ هُمْ أَنْفُسُهُمْ لا يَحْفَظُونَ النَّامُوسَ، بَلْ إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا لِيَفْتَخِرُوا بِأَجْسَادِكُمْ. أَمَّا أَنَا فَحَاشَى لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلَّا بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيحِ الَّذي بِهِ صُلِبَ العَالَمُ لِي، وَأَنَا صُلِبْتُ لِلْعَالَمِ. لِأَنَّهُ فِي الـمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الخِتَانُ بِشَيْءٍ وَلا القَلَفُ، بَلِ الخَلِيقَةُ الجَدِيدَةُ. وَكُلُّ الَّذينَ يَسْلُكُونَ بِحَسَبِ هَذَا القَانُونِ فَعَلَيْهِمْ سَلامٌ وَرَحْمَةٌ، وَعَلَى إِسْرَائِيلِ اللهِ. فَلا يَجْلِبْ عَلَيَّ أَحَدٌ أَتْعَابًا فِيمَا بَعْدُ فَإِنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. آمِين.

الإنجيل (يو 3: 13- 17)

قَالَ الرَّبُّ: لَمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ إِلَى السَّمَاءِ إِلَّا الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ البَشَرِ الَّذي هُوَ فِي السَّمَاءِ. وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحَيَّةَ فِي البَرِّيَّةِ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ البَشَرِ لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونَ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوَحِيدَ لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونَ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةَ. فَإِنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ الوَحِيدَ إِلَى العَالَمِ لِيَدِينَ العَالَمَ، بَلْ لِيُخَلِّصَ بِهِ العَالَمَ.

حول الرِّسالة

"لأَنَّ الَّذين يَخْتَتِنُونَ هُمْ لاَ يَحْفَظُونَ النَّامُوسَ، بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا أَنْتُمْ لِكَيْ يَفْتَخِرُوا فِي جَسَدِكُمْ" (الآية 13) ما المشكلة عند أهل غلاطية؟ هم كانوا يهودًا وآمنوا بالمسيح لكنهم أبقوا على العادات والتَّقاليد اليهودِيَّة، ممَّا يعني أنَّه لكي يُصيَّر الوثنيّ مسيحيًّا، بنظر هؤلاء، عليه أن يحفظ الشَّرائع اليهوديَّة أوَّلًا ثم يأتي المسيحيَّة. طبعًا فَهِمَ الرَّسول بولس هذا الموضوع جيِّدًا على أنَّه ضدَّ الإيمان القويم، ويحطّ من قيمة العمل الخلاصيّ للمسيح؛ بمعنى آخَر، الوثنيّ الَّذي يؤمن مباشرةً بالمسيح، لا يستطيع المسيح أن يخلّصه. وضعت تلك الجماعة، الَّتي حاربها بولس الرَّسُول، قانونًا يُفيد بأنَّ على الوثنيّ أنْ يختتن قبل انضمامه إلى المسيحيَّة، لذلك أوضح الرَّسُول السَّبب وراء ذلك: "لكي يفتخروا في جسدكم" أي لكي يُبيِّنوا للنَّاس أنَّ إيمانهم وعاداتهم اليهوديَّة وكلّ ما يؤمنون به لا زال معمولًا به، فأتى ردّ الرَّسُول: "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلَّا بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (الآية 14)؛ هذا يعني، وبحسب الرَّسُول، أنَّ شيئًا واحدًا مهمّ في هذا العالم وهو صليب المسيح الَّذي بواسطته نتطهَّر ونستنير ونتَّحِد بالله في المسيح. أمّا الدَّعوات الَّتي تدّعي المسيحيَّة، مثل الأحزاب الَّتي تحمل راية حماية المسيحيَّة، والتَّعاليم الدِّينيَّة الخاطئة الَّتي تحمل اسم المسيح، والمراكز الاجتماعيَّة الغريبة عن فكر المسيح، والجماعات السِّرِّيَّة (مثل الماسونيَّة)، والمال، والانتماء العائليّ، والأفكار الاجتماعيَّة المنحرفة وخاصَّةً الآتية علينا من الغرب كالشُّذوذ الجنسيّ والفَلَتان الأخلاقيّ... هذه كلّها الَّتي يفتخر بها معظم النَّاس، ويفتخر بأنَّه ينتمي إليها ويُجاهِر بها -والأسوأ أنَّهم يستخدمون اسم المسيح باطلًا- هذه كلِّها ستنتهي عند الممات مع الفكر والادّعاءات جميعها كما يقول المزمور 146: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ تَهْلِكُ أَفْكَارُهُ" (الآية 4)، لأنَّ المسيح ليس حاضِرًا فيها، فما الفائدة الَّتي جنيتها منها، هل افتخر بالأشياء الزَّائلة الَّتي لا تستطيع أن تساعدني؟ لذلك تكلَّم بولس الرَّسُول بالمنطق الإلهيّ، وقال أنَّه لا يمكن أن يكون الاِفتخار إلَّا بشيءٍ واحدٍ فقط وهو صليب المسيح الَّذي به فُتح مجال الخلاص للعالم، من لا يريد أن يَخْلُص ويعيش في الظُّلمة البرَّانيَّة، بعيدًا عن المسيح، فليفتخر بالأمور الأخرى الَّتي سيخسرها في نهاية المطاف ويخسر المسيح أيضًا. ومَن أراد أن يَخْلُص ويعيش مع المسيح فليفتخر فقط بصليب المسيح ولا يتعالى على النَّاس، مهما كانت مكاسبه في هذا العالم.

الشُّموسيَّة ورئاسة الشُّموسيَّة في التَّقليد الأرثوذكسيّ

تُعَدّ الشُّموسيَّة (διακονία) أولى درجات الرّتَب الكهنوتيَّة في الكنيسة الأرثوذكسيَّة، وقد نشأت في الكنيسة الأولى كخدمة جوهريَّة لتنظيم الجوانب العمَلِيَّة والرٌّوحيَّة من حياة الجماعة المؤمنة. يذكر سفر أعمال الرُّسُل (6:1-6) أنَّ الرُّسُل اختاروا سبعة رجال مملوئين من الرُّوح القدس والحكمة للخدمة، وعلى رأسهم القدِّيس استيفانوس، الَّذي صار أوَّل رئيس شمامسة وأوَّل الشُّهداء. ومنذ ذلك الوقت ارتبطت الشُّموسيَّة بالرُّوحانيَّة والخدمة العمليَّة معًا.

في التَّقليد الأرثوذكسيّ لا تُفهَم الشُّموسيَّة كخدمةٍ ثانويَّة، بل كوظيفةٍ ليتورجيَّة وروحيَّة متكاملة. فالشَّمامسة يشاركون بشكلٍ مباشر في خدمة المذبح، وقراءة الإنجيل، وتقديم الطِّلبات من أجل الشَّعب، إلى جانب مساعدة الأسقف أو الكاهن في إدارة الأسرار الكنسيَّة. وقد شدَّد القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفَم في كتابه "عن الكهنوت" على أهميَّة الشَّمامسة، معتبرًا أنَّهم يمثِّلون حلقة وصل بين الشَّعب والأسقف، وأنَّ دورَهم يتجاوز مجرَّد المساعدة الشَّكليَّة.

ومع تطوُّر التَّنظيم الكنسيّ ظهرت رتبة رئيس الشَّمامِسَة  (Πρωτοδιάκονος – Protodikonos)، وهو الشَّمّاس الأوَّل الَّذي يُمنَح مسؤوليَّة قيادة الشَّمامسة الآخَرين وتنظيم الخدمة اللِّيتورجِيَّة، خاصَّةً في الكاتدرائيّات الكبرى وأثناء وجود البطريرك أو المتروبوليت. وقد أشارت الدَّساتير الرَّسوليَّة في القرن الرَّابع إلى هذه الرّتبة بوصفها مركزًا لتنسيق الخدمة وضمان الانسجام اللِّيتورجيّ.

تاريخيًّا، لعب رئيس الشَّمامسة أدوارًا محوريَّة، ليس فقط في الليتورجيا، بل أيضًا في إدارة بعض شؤون الكنيسة، إذْ كان يُعتَبر مساعدًا مباشرًا للأسقف في الشُّؤون الإداريَّة والرَّعويَّة. أمَّا في العصور البيزنطيَّة، فقد ارتبطت هذه الرّتبة بالبلاط الإمبراطوريّ، حيث كان رئيس الشَّمامِسَة يحظى بمكانة بارزة بين رجال الدِّين.

أمَّا في الدِّراسات الحديثة، فقد تناول John Chryssavgis  في كتابه The Diaconate: A Full and Equal Order  أهميَّة إعادة إحياء دور الشُّموسيَّة كخدمةٍ قائمةٍ بذاتها، لا مجرَّد تمهيد للكهنوت. كما يؤكِّد المطران Kallistos Ware  في كتابه The Orthodox Church على أنَّ الشَّمامسة يشكِّلون بُعدًا رَعويًّا وروحيًّا ضروريًّا في بنية الكنيسة.

إنَّ الشُّموسيَّة، في جوهرها، دعوة إلى الخدمة بالمحبَّة والتَّواضع، ورئاسة الشَّمامسة ليست سلطة بقدر ما هي قيادة في الخدمة، موجَّهة نحو بُنيان الجسد الكنَسيّ. فهي تُجسُّد صورة المسيح الخادِم، وتذكّر الكنيسة بأصالتها كجماعةٍ قائمة على المحبَّة والَّذياكونيّا (الخدمة).