نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 20 تشرين الأوّل 2019
العدد 42
الأحد (18) بعد العنصرة
اللّحن 1- الإيوثينا 7
أعياد الأسبوع: *20: الشَّهيد أرتاميوس، جراسيموس النَّاسِك الجديد *21: البارّ إيلاريون الكبير، القدِّيسة مارينا الَّتي من رايثو *22: أفيركيوس المُعَادِل الرُّسل، الفتية السَّبعة الَّذين في أفسس *23: الرَّسول يعقوب أخو الرَّبّ وأوَّل أساقفة أورشليم *24: الشَّهيد أريثا (الحارِث) ورفقته *25: الشُّهيدان مركيانوس ومرتيريوس، طابيثا الرَّحيمَة الَّتي أقامها بطرس *26: العظيم في الشُّهداء ديمتريوس المفيض الطِّيب، الزَّلزَلَة العظيمَة.
كلمة الرّاعي
قلب الإنسان
”اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟“ (ارمياء ١٧: ٩)
هذه هي حقيقة الإنسان الخفيّة على نفسه، أو الّتي لا يريد أن يواجهها في ذاته، لأنّها تكشف له زيف صورته في عين قلبه وأمام الله وأمام النّاس...
صار قلب الإنسان مخادعًا لمّا تجاوب مع الشّيطان -الحيّة، إذ سقطت البشريّة في التّمحور حول نفسها ورفضها لحاجتها الوجوديّة والكيانيّة لله (راجع سفر التكوين الاصحاح ٣).
* * *
الإنسان صار في الضّلال لأنّه استغنى عن نور الألوهة فيه، مكتفيًا بنور الطبيعة الإنسانيّة المخلوقة على صورة الله. اكتفى الإنسان بالصورة الظّاهريّة للحياة وبنى نظرته للوجود بناء على الملموس والمعقول... فَقَدَ ”الثّقة بما يُرجى“ أي ”الإيمان“ (راجع عبرانيين ١١: ١). لذلك، تراه صار شكَّاكًا غير مصدِّق للحقّ، لأنّه لم يعد يطلب حقّ الله بل مَظْهَرَ الحقّ الَّذي يُرضي حياته الكاذبة. لقد بَطُلَ الإيمان في قلوب النَّاس، حتَّى الَّذين هم في الظّاهِر من المؤمنين والمعلِّمين. الرّبّ يسوع كشف لنا هذا الأمر لمّا قال: ”كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟...“ (يوحنّا ٥: ٤٤).
* * *
”يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي“ (أمثال ٢٣: ٢٦). لا يريد الله منّا أعمالًا عظيمة في أعين النّاس، بل قلبًا نقيًّا متواضعًا متخشِّعًا منسحقًا حرًّا من كلّ تملُّك وعبوديّة. قد نعطي الله حياتنا، في الظَّاهر، لكن قلبنا بعيد عنه، ”يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا“ (متّى ١٥: ٨).
* * *
الإنسان المسيحيّ هو ”إنـسـان الـقـلـب الـخـفـيّ“ (١ بطرس ٣: ٤)، أي حياته ”مُسْتَتِرَة مع المسيح في الله“ (كولوسي ٣: ٣). الله هو الَّذي يرى حقيقة قلب الإنسان بوضوح كلّيّ وهو وحده الَّذي يعرفه. الإنسان نفسه يجهل ما في أعماق قلبه لأنّه لا يستطيع الولوج إلى الدّاخِل من دون النّعمة الإلهيّة.
وكيف نقتني النّعمة الإلهيّة؟ بالصَّلاة والصَّوم!
وما هي الصّلاة الحقّة وما ارتباطها بالصَّوم؟ هي هذه الرّغبة الصَّادقة بمعرفة الله، والشّوق العميق المُنْطَلِق من مركز القلب، أي الذّهن (نوس—νους)، بكلّ قوّة الكيان الإنسانيّ لفتح أبواب الرّوح على الكشف الإلهيّ. للوصول إلى هذه الصّلاة لا بدَّ من النُّسك، أي جهاد الجسد بالصّوم لتهذيب الإرادة البـــشريّة وتدريبها على طاعة الوصيّة الإلهيّة.
* * *
يعرف الإنسانُ حقيقتَه لمّا يكشفُ له اللهُ ذاتَه. فقط بالكشف الإلهيّ يستطيع الإنسانُ أن يعرفَ نفسَه، وأوّلُ ما يـعـرفُـه هـو أنّـه عَـدَمٌ، أنّـه لا شــيء، أنّـه إذا هبَّت فيه الريح ليس يثبت“ (مزمور ١٠٢: ١٦). هذا بدء المعرفة أنّ الإنسان لا يأتي من نفسه ولا يثبت في نفسه بنفسه بل بمشيئة الله الكائن وحده.
* * *
”لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَـنِـينَ وَبَـنَـاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ“ (٢ كورنثوس ٦: ١٧ و١٨).
أيها الأحبّاء، لن نستطيع أن نعرف قلبَنا ونطهّره من كلّ نجاساته واحتيالاته وخبثه إن لم نتب، إن لم نجاهد في عيش كلمة الرّبّ وطاعة وصاياه، إن لم نسهر ونُصلِّ ونَصُم عن أفكارنا ونوايانا الـشّـريرة، إن لم نطلب أن يحرِّرَنا الحقّ.
سقط الإنسان لأنه أغويَ وخُدِعَ بالأكل من شجرة معرفة الخير والشّرّ، وها هو اليوم يسقط باستمرار لأنّه مال إلى الشّرّ وهو لا يريد أن يعرف التّمييز بين الخير والشّرّ إذ ما زال متمسِّكًا برأيه هو ولا يريد أن يرى. إنّ هذه النّعمة، الإبصار، تُعطى للصّادقين والتّائبين والمتواضعين...
فهل من طالب لله حقًّا؟!...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانحاً العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
طروباريّة الشّهيد أرتاميوس (باللَّحن الرّابع)
شهيدُك يا ربُّ بجهادهِ، نالَ منكَ إكليل غير البالي يا إلهنا، لأنّه أحرز قوّتك فحطم المغتصبين، وسحق بأس الشّياطينِ الّتي لا قوّة لها. فبتوسّلاته أيّها المسيح الإله خلّص نفوسنا.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأَسرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (2 كو 9: 6– 11)
لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا
ابتهِجوا ايُّها الصِّدّيقون بالرَّبّ
يا إخوة، إنَّ من يَزرعُ شَحيحًا فَشحيحًا أيضًا يحصُدُ، ومَن يَزرَعُ بالبَركاتِ فبالبركاتِ أيضًا يحصُد. كلُّ واحدٍ كما نَوى في قلبه، لا عَن ابتئاسٍ أو اضطرارِ، فإنَّ الله يُحبُّ المُعطي المُتَهَلِّل. والله قادِرٌ على أن يَزيدَكم كُلَّ نِعمةٍ حتَّى تكونَ لكم كُلُّ كِفايةٍ كُلَّ حينٍ في كلِّ شَيء، فتَزدادوا في كُلِّ عَمَلٍ صالح، كما كُتبَ: إنَّهُ بَدَّدَ، أعطى المساكينَ، فَبرُّهُ يدومُ إلى الأبد. والّذي يَرزُقُ الزّارعَ زرعًا وخُبزًا للقوتِ يَرزُقكم زرعَكم ويُكثِّرُه ويَزيدُ غِلالَ برِّكم، فتَستَغنُونَ في كلِّ شيءٍ لكُلِّ سَخَاءٍ خالِصٍ يُنشِئُ شُكرًا لله.
الإنجيل (لو 8: 27– 39) (لوقا 6)
في ذلك الزَّمان، أَتَى يسوعُ إلى كورَةِ ﭐلجِرجِسِيِّينَ، فـﭑسْتَقْبَلَهُ رجُلٌ منَ ﭐلمَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلِ، ولم يَكنْ يَلبَسُ ثوبًا ولا يأْوِي إلى بَيْتٍ بل إلى القبور. فلمَّا رأى يسوعَ، صاحَ، وخَرَّ، وقالَ بِصوتٍ عظيم: "ما لي ولَكَ يا يسوعُ ﭐبْنَ اللهِ العَلِيِّ. أَطْلُبُ إليكَ ألَّا تُعَذِّبَنِي". فَإنَّهُ أمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الإنسانِ، لأنَّهُ كانَ قد ﭐخْتَطَفَهُ مُنْذُ زَمانٍ طَوِيلٍ، وكانَ يُرْبَطُ بسلاسِلَ، ويُحْبَسُ بِقُيودٍ، فيُقَطِّعُ الرُّبُطَ ويُسَاقُ مِنَ الشَّيطانِ إلى ﭐلبَرارِي. فسألَهُ يسوعُ قائلًا: "ما ﭐسْمُكَ". فقالَ: "لَجِيَون"، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانُوا قد دَخَلُوا فيهِ، وطَلَبُوا إليهِ أن لا يَأمُرَهُم بالذَّهابِ إلى ﭐلهاوِيَة. وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في ﭐلجبلِ، فَطَلَبُوا إليهِ أن يأذَنَ لهم بالدُّخُولِ فيها، فأَذِنَ لهم. فخَرَجَ الشَّياطينُ من الإنسانِ ودخَلُوا في ﭐلخنازيرِ، فوَثَبَ ﭐلقطِيعُ عَن ﭐلْجُرْفِ إلى ﭐلبُحَيْرةِ فـﭑختَنَقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَرَبوا فأخبَروا في ﭐلمدينةِ وفي ﭐلحقولِ، فخرَجُوا ليَرَوْا ما حَدَثَ وأتوا إلى يسوعَ فوَجُدوا الإنسَانَ الَّذي خَرَجَتْ مِنهُ الشَّياطينُ جَالِسًا عندَ قدَمَي يسوعَ لابِسًا صحيحَ ﭐلعقلِ، فَخافُوا. وأَخْبَرَهُم النَّاظِرُونَ أيضًا كيْف أُبْرِئَ ﭐلمجنُونُ. فسألَهُ جمِيعُ جُمهورِ كُورَةِ الجِرجِسِيِّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ ﭐعْتَراهُم خوفٌ عَظِيم. فدَخَلَ السَّفِينَةَ ورَجَعَ، فسَأَلَهُ الرَّجُلُ الَّذي خَرَجَتْ مِنه الشَّياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفهُ يسوعُ قائِلًا: "ارجِعْ إلى بيتِكَ، وحَدِّثْ بما صَنَعَ اللهُ إليك". فذَهَبَ وهُوَ يُنَادِي في ﭐلمدينةِ كُلِّها بما صَنَعَ إليهِ يَسوع.
حول الرّسالة
في هذا المقطع من الرّسالة، يتوجّه الرّسول بولس إلى أهل كورنثوس لأنّهم وعدوه بإرسال شيءٍ ما أو مُساعدات، لكنّهم لم يَفوا بوعدهم له، وهذه التّبرّعات هي لسدّ حاجة المؤمنين وليس لاستعماله الشّخصيّ. ويوضح الرّسول المبادئ الـمُهمّة للعطاء، فالعطاء يجب أن يكون بسخاءٍ، وبألّا يخاف الكورنثيّون من العَوَز والفقر لأنّ الرّبّ نفسه سيَهبهم في المقابل بركاتٍ ونِعَماً لا تُحصى منذ الآن وفي الحياة الآخرة.
نجد هنا مقارنةً بين العطاء بِشَحٍ والعطاء بسَخاءٍ، فالحصاد سيكون إمّا شحيحًا وإمّا مُباركًا. إذًا دعوتنا هي للزَّرع منذ الآن في هذه الحياة بسخاءٍ بِذَارًا صالحةً، حتّى إذا أتت ساعةُ الحصادِ نجمعُ ما زرعناه وما سيهبنا الله من نِعَمٍ، وإلّا فلن نجد شيئًا لنجمعه، فالخيار هو في أيدينا نحن منذ الآن.
الله هو وحده فاحص الكِلَى والقلوب، وحده يعرف نيّة كلّ إنسانٍ، لهذا يضع الرّسول الموضوع عند الشَّخص نفسه، يعطيه الحرّيّة والحكم لضميره، ولكن يبيّن له أهمّية العطاءِ بتَهَلُلٍ وفَرحِ، لأنّ المحبّة هي الّتي تُعطي الفرح والمكافآت. أمّا في المقابل، مَنْ يُعطي عن اضطرارٍ فسيحصل على الحزنِ والكآبةِ والخوفِ لأنَّه بعيدٌ عن المحبّة والتَّقوى، وتكون عطيَّته كَمَنْ يُقدّم ذبيحةً غيرَ مقبولةٍ لدى الله، لا بل مكروهةً.
ثُمَّ نرى تنازل الرَّسول بولس لضعفات هؤلاء الأشخاص، فيطلب من الله أن يهبهم "كفايتهم"، فهو لم يطلب لهم من أجل الأمور الأرضيّة الزّائلة، بل يحاول أن يطمئنهم بأنّهم لن يقعوا في العَوَز إن وهبوا مالهم، بل إنّ الله قادرٌ على أن يُعطيَهم كفايتهم في كلّ ما يحتاجون إليه، ولكن ينبّههم كي لا يزدروا عطيّة الله لهم ويُسيئوا استعمالها. يطمئنهم ثمّ يوجّه نظرهم نحو السّماويّات، يسأل لهم الاكتفاء في الجسديّات، وأمّا في الرّوحيّات "فوفرةً" ونِعَماً من لدن الله.
أمَّا استشهاده بالعهدِ القديم (مز 111: 9) فهو كي يوضح لهم كيف يكون العطاء، إنّه ليس عطاءً عاديّاً لأنّه يستخدم كلمة "فَرَّقَ" أي بَدَّدَ وأعطى من دون سؤالٍ أو شرطٍ، أعطى بوفرةٍ، وزّعَ يُمنةً ويُسرةً من دون حسابٍ، هذا هو البِرُّ في عيني الله بأن يُعطي الإنسان بمحبةٍ كليةٍ مُتَخَلِّيًا عن كلِّ ما له من دون شروٍط أو حساباتٍ أرضيَّةٍ مَحَبَّةً بالآخرِ بالله الخالق والمُبدعِ والرّازقِ. وهذا ما يدوم ويبقى ذِكره إلى الأبد، المالُ إن خُبِّئ يُفقد، وأمّا إن وُزِّعَ فيدوم دائمًا.
ويحاولُ أيضًا أن يُذكِّرَهم ويُشَدِّد على أنّ الله هو وحده الّذي يعطي الخيرات الأرضيّة، ليقول لهم بأنّ غِناهم هو بركةٌ من الله وليس من ذاتهم، هو الّذي رزقهم ما هو في حوزتهم "البذار والخبز" إشارةً إلى كلّ الخيرات الأرضيّة. الله أعطاهم الخيرات الأرضيّة، وسيَزيدها لهم، لا بل سيُدفقُ عليهم بركاتهِ السّماويّةَ ونِعَمَه فوقها، فقط إن سلكوا في البِرِّ الّذي بِحَسْبِ الله "غلّاتِ برّكم". وهكذا فعندما يرى الله سخائنا سَيُغنينا أكثر فأكثر لنستمرّ في هذا البِرِّ، فنشكر الله على إحسانه وبركاته علينا، والمحتاجون بدورهم يشكرون الله على هذا الإحسان المُقدَّمِ إليهم.
الله هو المُعطي كلّ شيءٍ، الخيرات الأرضيّة والخيرات السّماويّة، فهو أَنْعَمَ علينا لكي نساعد نحن مَنْ هم في احتياجٍ، وهذا الحركة تُنشئ بركةً لنا، وشكرًا لله من المُوزِّعِ ومن القَابِل.
تحمّل التّجارب بشكر
اجتمعت بعض السّيّدات لدراسة سفر ملاخي، وعندما وصلْنَ إلى الآية الثّالثة في الإصحاح الثّالث "فيجلس ممحّصًا ومنقّيًا للفضّة"، تأمّلن ماذا يمكنهنّ أن يعرفن من تلك الآية عن صفات الله.
فتبرّعت إحداهنّ أن تبحث في عملّية تمحيص وتنقية الفضّة، وتوافيهنّ في الاجتماع القادم، فاتّصلت بأحد صنّاع الفضّة، وطلبت منه أن تراقبه وهو يعمل، ولم تذكر له سببًا سوى أنّها تريد أن تعرف كيف تُنقّى الفضّة.
وبينما هي تراقبه، أخذ الصّانع قطعة من الفضّة ووضعها في وسط النّار للتّسخين، وشرح لها أنّه يضع الفضّة في المنطقة الأكثر سخونة في اللّهب، وذلك ليُحرق الشّوائب.
وفكّرت المرأة… إنّ الله يضعنا أينما كان "اللّهب أكثر سخونة". ثمّ تذكّرت عبارة أنّه "يجلس ممحّصًا ومُنقّيًا للفضّة".
فسألت الصّانع: هل صحيحٌ أنه يجب أن تجلس أمام النّار وأنت تنقّي الفضّة؟
فأجابها الصّانع: ليس فقط أن أجلس مُمسكًا بالفضّة بل يجب أن أراقبها أيضًا جيّدًا طوال الوقت، لأنّها لو تُرِكَتْ دقيقة أطول في النّار تَفْسُد.
سكتت المرأة بُرهَةً وسألته: وكيف تعرف أنّ الفضّة قد صارت مُمحّصة ومُنقّاة تمامًا؟
فابتسم الصّانع وقال: هذا سهل يا سيّدتي، عندما أرى صورتي فيها.
هكذا يا أحبّة، من دون التّجارب لن نعكس نور المسيح، لن نحافظ على صورته وشبهه، يقول القدّيس أنطونيوس: "من دون تجارب لا أحد يَخْلُص"، إذًا التّجربة هي لخلاصنا من أهواءنا وما أكثرها.
"أتى الفرح إلى العالم كلّه من خلال الصّليب". تأتي التَّجارب أوّلًا، ثمّ بعد ذلك الفرح، ونبتهج داخليًّا على الرّغم من التَّجارِب الخارجيّة.
عندما نتألّم، نستطيع أن نشارك الرَّبّ يسوع في آلامه، "وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضًا في الضِّيقات، عالمين أنّ الضّيق إنّما يُنشئ صبرًا، والصّبر تزكية، والتّزكية رجاء، والرّجاء لا يُخزي، لأنّ محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالرّوح القدس المُعطى لنا" (رو 5: 3- 5).
مِنْ جَرَّاء التّجربة ومن بعدها التّوبة خرجت مزامير النبي داوود، من جَرَّاء التّجربة والتّوبة خرجت صلاة منسّى ملك اليهوديّة، وغيرها الكثير مِن عَطايا الرَّبّ يسوع.
إذًا يا أحبّة علينا أن نضع نُصْبَ أعيُنِنَا "أنّه بضيقاتٍ كثيرةٍ ينبغي أن ندخل ملكوت السّماوات" (أع 22:14).