الخِيانة الزّوجيّة، سرّ الزّواج- النّهار أونلاين – الأحد في ١٧ شباط ۲٠١٩
المطران أنطونيوس (الصوري) – متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس
سرّ الزّواج
“لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا” (سفر التّكوين 2: 24). هذا كان تأسيس سرّ الزّواج مع الإنسان، إنّه سرّ الوحدة بين الرّجل والمرأة. هذا ما شاءه الله منذ البدء. لذلك، يقول الرَّبّ يسوع المسيح في الإنجيل مُستطردًا، حول هذه المسألة، “إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ” (إنجيل متّى 19: 6).
هل يتعاطى البشر مع الزّواج على أساس أنّه سرُّ (Mystère) وعطيّةُ الوَحدة من الله وفيه وبه بين الرّجل والمرأة؟ هل ينطلقون في تأسيسه على مبدأ وحدانيّته وديمومته الأبديّة كعهد بين البشر فيما بينهم ومع الله وأمامه ولأجله، أم يتعاطونه على أنّه أمر قابل للانفكاك كعقد بشريّ له شروطه وأحكامه؟!…
* * *
ليس الزواج حاجة بمعنى أنّ الإنسان لا يستطيع العيش والوجود إن لم يتزوَّج، إنّه طريق قداسة وتوق للوَحدة مع الله من خلال التّمرُّس على تنقية الحبّ البشريّ من تمسُّكه بنفسه، أي من التّملُّك والاستئثار والتّسلُّط والشّهوة، بواسطة حبّ الله وطاعته في الوصيّة الّتي هي الطّريق إلى الوحدة بين الشّريكين من خلال الاتّحاد بالله في السّرّ (Sacrement). حاجة الإنسان الحقيقيّة والوحيدة كيانيًّا هي إلى الحبّ اللّامتناهي الّذي هو الله نفسه. لماذا؟! لأنّ الإنسان على صورة الله، وهذه هي صورة الله فيه: الحبّ (Agapy).
في اللّغة اليونانيّة القديمة ثلاثة تعابير تدلّ على الحبّ: إيروس (Éros)، فيلي (Phily) وأغابي (Agapy). التّعبير الأوّل مُرتَبِط بالشّهوات الجسدانيّة، الثّاني بالصّداقة والثّالث بالمحبّة الكَيانيّة الّتي يحبّنا بها الله. مِن هنا، الكثير من الزّواجات تتمّ بناءً على الـ”إيروس” فلا يكون فيها أساس روحيّ وإنسانيّ حقيقيّ بل ارتباط جوهريّ بلذّة العيون وشهوة الجسد. زواجات أخرى قد تتمّ على أساس الـفيليَّا” فيكون فيها تفاهم وانسجام ولكن في الإطار الإنسانيّ والاجتماعيّ فلا تثبت ويكون انفكاكها بالخيانة ربّما أو بالانشداد نحو شخص آخر بتأثير انوجاد الـ”إيروس” مع الـفيليَّا”. الحالتين الأولتين حتّى لو كان الإيمان بالله وبسرّ الزّواج موجود عند الشّريكين يصعب الحفاظ على الأمانة فيهما أو الحفاظ عليهما لأنّهما ليستا مبنيّتين على الحبّ اللّامتناهي واللّامَشروط الّذي في الـ”أغابي” وجوهره الإدراك أنّ الآخَر هو حياتي.
الحبّ في الزّواج إن لم يتطوّر مع الزّمن والمعرفة والإيمان ليرتقي من الإيروس إلى الفيليَّا فالأغابي يبقى الزّواج في حدود العلاقات البشريّة بينما هو في أساسه مُرتَبِط بالحُضور الإلهيّ من خلال النّعمة الّتي تتنزَّل على العروسَين في السّرّ (Sacrement) ما يجعل الزّواج عهد بين العروسين والله على الأمانة والسّعي إلى تطهير الحبّ بالتّضحية والبذل وعطاء الذّات في الحنان المنقِّي للشّهوة من عبوديّتها للذَّة الجسد وارتقائها إلى انسكاب الواحد في الآخَر بالتّواضع وإخلاء الذّات بنعمة الله، وعهد بين الله والعروسين على سكب روحه القدّوس عليهما في طاعتهما للكلمة الإلهيّة الّتي تجعلهما “جسدًا واحدًا” في وَحدة مع الله وفيما بينهما. هذه الوحدة لا يمكن أن تكون دون الله، وخارج هذا السّرّ لا وحدة حقيقيّة بين المتزوِّجين. فقط الله قادر أن يجعل الإثنين واحدًا وما يجمعه الله لا يستطيع إنسان أن يفرّقه، أمّا إن كان ليس الله هو الجامع فالزّواج غير مبنيّ على الصّخر ولا ثبات له في ذاته.
* * *
ما لم يكن الله أساس الزّواج فلا بناء متين يواجه الزّلازل والأعاصير والرّياح العاتية الدّاخليّة والخارجيّة الّتي لا بدّ أن تأتي وتكون في مسيرة تطهير الحبّ البشريّ من الأنا الغيضة لارتقائه بالنّعمة وتحوّله إلى حبّ من لَدُنِ الله فـ “إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ الْمَدِينَةَ، فَبَاطِلًا يَسْهَرُ الْحَارِسُون …” (سفر المزامير 127: 1).
العودة إلى الله بصدقٍ وعمقٍ، والتزام الآخَر في الحبّ الّذي بالنّعمة الإلهيّة هي الجواب للفرح السّرمديّ السّماويّ، منذ الآن، في الحياة الزّوجيّة الّتي هي أيقونة صغيرة لجمال ملكوت الله وإشعاعه في العالم من خلال الوحدة الثّلاثيّة العناصر بين الرّجل والمرأة والله. هذه هي الأمانة المخلِّصة …
أنقر هنا للقراءة على موقع النّهار