Menu Close

العدل والحقّ والرّحمة- النّهار أونلاين- الأحد في 7 تمّوز 2019

المطران أنطونيوس (الصّوري)- متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس

العدل والحقّ والرّحمة

“لأَنَّ الرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ. الْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ وَجْهَهُ …” (سفر المزامير 11: 7).

العدل، بعامّة، هو الإنصاف أي أن يأخذ المرء ما له ويعطي ما عليه، وهو ما قام في النفوس أنّه مستقيم، وهو ضدُّ الجور والظُّلم. المسألة الأساسيّة والإشكاليّة هي: ما المقاييس التي تُبنى عليها الأحكام ومن أين تُشتَقُّ؟! …

الإنسان ليس وليد ذاته، مع أنّه هو يختار طريق حياته. مركَّبٌ هو هذا الكائن ليس فقط من جسد ونفس بل في بنيانه الشّخصانيّ. كلّ شخص يُبنى بصفاته، المُدرَكة منه وغير المدركة، بواسطة أهله بالجسد، بيته، بيئته القريبة والبعيدة … ليس الإنسان بسيطًا. لذلك، لا يستطيع أن يرى بوضوح. إيمانيًّا وروحيًّا، العدل هو الرؤية النقيّة للذات في خطيئتها وبرّها أي في حقيقتها العارية، وهذا لا يمكن أن يكون بدون نعمة الله التي تكشف ظلمات الكيان البشري …

*        *        *

إيمانيًّا، العدل مرتبط باستقامة الحياة أي بالسلوك في طريق الوصيّة الإلهيّة لأنّ كلمة الله هي التي تكشف الحقّ من الباطل وتحدّدهما في إطار سرّ الالوهة المُعلَنَة للبشريّة بالمحبّة الإلهيّة … العدل سرّ محبّة الله لكشف الخطيئة وعلاجها في الحقّ … من هنا، لا عدل عند البشر ما لم يكن بروح الله، لأنَّ غاية العدل خلاص الإنسان وتحريره من كلّ عبوديّة داخليّة وخارجيّة … لأجل ذلك، القوانين لا تحدِّد العدل ولا تحدُّه لأنّ العدل لا ينفصل عن المحبة في عين الله وناموسه … البشر يضعون أنظمتهم وقوانينهم انطلاقا من تراثاتهم الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة ومن خبراتهم في عيشهم مع بعضهم البعض، وبالتالي هذه لا بدّ أن تتغيَّر بحسب تغيّر أصولها ومنابعها.

ليس من قانون ثابت في هذا العالم. العدل غايته حماية الفرد وصون حقوقه وتحديد واجباته في إطار حفظ حريته الشخصيّة واحترامه لحريّة الآخَر بالمُطلَق. لكن، من المسؤول عن إعلان العدل وتطبيق احكامه؟! … الحكومات ومؤسسات الدولة المختصة جزء يرتبط بالشعوب في انتمائها لبلدان وأنظمة محدَّدة، لكن، ومصدر كلّ تنظيم هو الإنسان الشخص …

*        *        *

العدل ميزانه معرفة الله ومعرفة الذات. من لا يعرف الله لا يستطيع أن يكون عادلًا، ومن لا يفقه نفسه غير قادر أن يسلك في الحقّ، ومن لا يُدرك حقيقة الوجود وغايته لا يمكن أن يثبت في البِرّ. الحقّ أساس العدل، والعدل يكتمل بالرحمة. من يطلب الحقّ يبادر بالعدل ويُثبَّت بالرحمة حُكمه. غائيّة العدل إثبات الحقّ وتحصينه بالرحمة … لا يقوم العدل دون الحقّ والرحمة، لكن ما هو الحقّ؟! … وما هي الرحمة؟! …

الله هو الحقّ وهو أيضًا الرحمة. جوهر العدل معرفة مشيئة الله، وطريقه صنعها بالسلوك في استقامة طاعتها بإتمام وصاياه … لا يقدر على إتمام العدل إلّا من عرف ذاته خاطئًا وسلك تائبًا إلى الله بدينونة نفسه في الحقّ وطلب رحمته … السالك في البرّ والعامل بالتقوى يمنحه الله أن يصنع العدل ويحكم فيه، إذ يمنحه الحكمة الإلهيّة التي هي مصدر العدل.

يقتني الإنسان حكمة الله بالنعمة الإلهيّة التي تنسكب على طالبيها إذا ما سلكوا في التواضع. لأنّ قمّة الحكمة التواضع وجوهرها المحبّة بتمييز. من لا يحبّ لا يعدل، ومن يعدل عرف الله وأبصر نور وجهه.

لا تستقيم الحياة بين الناس ولا يمكن أن تبنى مجتمعات دون عدل. لكنّ عدل الله غير عدل الناس، لأنّه الطريق إلى الرحمة والتبرير لتجديد الحياة والغلبة على الخطيئة والموت … فقط عندما يطلب الناس عدل الله لنفوسهم يُدركون أنّهم هالكون دون رحمته، وهكذا يتعلّمون الرحمة في العدل والعدل برحمة … هذا هو طريق الإنسان الحقّ الذي يبني بشرًا أسوياء ويُنشئ مجتمعات إنسانيّة … روح المحبّة هو الأساس في كلّ عمل لترتقي الخليقة إلى حيث يشدّها الإله منذ خلقها بكلمته وروحه ..

أنقر هنا للقراءة على موقع النّهار

مواضيع ذات صلة