في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيدان أونيسيفوروس وبرفيريوس *أمّنا القدّيسة البارّة مَطرونة الحمصية *أمّنا القدّيسة البارّة ثيوكتيستي *أبونا القدّيس سمعان المترجم *القدّيس البارّ يوحنّا القصير *الشّهيد أنطونيوس الَّذي من بلد الشّام *القدّيس البارّ نكتاريوس، أسقف المدن الخمس *القدّيستان البارّتان أوستوليا وسوباترا *القدّيس هيلاّديوس *القدّيسان البارّان أفثيميوس ونيوفيطوس الآثوسيّان *القدّيس البارّ أونسيفوروس الكهفيّ الكييفيّ *الشّهداء الرّوس الجُدُدْ ألكسي زادوفورنوف ومَن معه *القدّيس البارّ إبراهيم المتوحّد المنوفيّ المصريّ.
* * *
✤تذكار أبينا البار يوحنّا القصير (القرن الرابع)✤
عاش في برية الإسقيط في مصر وكان كبيراً عظيماً في الرهبان جداً. كان مطيعاً لأبيه بموا ملازماً له حتى موت معلّمه. يُنقل عنه أنّ معلّمه دفع إليه مرّة غصناً يابساً وأمره أن يغرسه ويسقيه كل يوم جرّة ماء. وكان موضع الماء بعيداً فكان يمضي في العشية ويعود غداة اليوم التالي. داوم على ذلك ثلاث سنوات إلى أن اخضرَّ الغصن وأعطى ثمرة فجاء بها إلى الشيخ فأخذها الشيخ إلى الكنيسة، في الأحد التالي، ودعا الإخوة قائلاً: “هلمّ كلوا من ثمرة الطاعة“.
عندما أشرف معلّمه على الموت واجتمع حوله الشيوخ أمسك بيد تلميذه يوحنّا وباركه وسلّمه إليهم قائلاً: “هذا ملاك لا إنسان“.
وعُرف بتواضعه أيضاً حتى قال عنه أحد الآباء: “إنّه بتواضعه علّق الإسقيط كلّه بإصبعه الصغير“. وقد اعتاد الآباء أن يقولوا فيما بينهم: “حقاً إنّ يوحنّا أُعطي من الله أكثر منا لأنّه بتول طاهر“.
كانت له دالة عند الله فطلب منه مرّة أن يرفع عنه الآلام فكان له ما أراد. فلما علم الشيخ بالأمر أنّه قد استراح وليس ما يقاتله بعد، خاف عليه وقال له: “امض اسأل الله أن يرجع إليك القتال، لأنّه بالقتال تنجح النفس وتفوز“. فلما جاءه القتال لم يصلّ كي يرتفع عنه بل كان يقول: “أعطني يا ربّ صبراً على الاحتمال“.
وكانت العادة في زمن الحصاد أنّ ما يجمعه الشيوخ يحتفظون بنصفه والنصف الآخر يوزّعونه على المحتاجين. أما القدّيس يوحنّا فكان يعطي الكل ولا يبقي لنفسه شيئاً.
وفي معرض الحديث عن التواضع وحبّه للفقراء أنّ إخوة سألوه مرّة: “ماذا تقول يا أبانا هل يجب أن تُقرأ المزامير كثيراً؟ فردّ قائلاً: إن الراهب لا تفيده القراءة والصلوات ما لم يكن متواضعاً محبّاً للفقراء والمساكين”.
قيل عنه إنّه متى أبصر إنساناً أخطأ كان يبكي بكاء شديداً ويقول: “إن هذا أخطأ اليوم ولكنّه ربما يتوب. أما أنا فإنّي أخطئ غداً وربما لا أُعطى مهلة كي أتوب. هكذا يجب أن نفكر ولا ندين أحداً“. ولهذا كان يسافر مسافات بعيدة لهداية الخطأة.
وقال عن نفسه: “أنا أشبه إنساناً جالساً تحت شجرة عظيمة، ينظر إلى الوحوش والذئاب وهي مقبلة نحوه. فإذا لم يستطع ملاقاتها يهرب صاعداً إلى الشجرة لينجو منها. هكذا أنا جالس في قلاّيتي أبصر الأفكار الخبيثة تأتي إليّ، فإذا لم أستطع صدّها هربتُ إلى الله بالصلاة ونجوت”.
قال في أهمية الصوم والجوع أنّه إذا أراد ملك الاستيلاء على مدينة فإنّه يمنع عنها الطعام والماء أولاً، فيستسلم له سكانها بسبب الجوع. هكذا هو حال أهواء الجسد. إذا عاش الإنسان بالصوم والجوع فإنّ أعداء النفس تمرض.
وقد ميّز الله صفيّه يوحنّا بمعرفة الخفايا. فعندما كان يقدّس الأسرار كان يعرف مَن يستحق التناول ومَن لا يستحق. لهذا فإنّ كثيرين تابوا ورجعوا إلى الله بكل قلوبهم.
ومن تعاليمه: “أريد الإنسان أن يأخذ قليلاً من جميع الفضائل. وبالتالي عندما تستيقظ كل صباح ابدأ من جديد، في كل فضيلة ووصية، وذلك بصبر عظيم وخوف وطول أناة ومحبّة لله من كل الجسد والنفس، وبتواضع كبير وصبر على ضيقات القلب والسجن أيضاً، بصلاة كثيرة وشفاعات وتنهّد وعفّة في اللسان وحفظ للعين، محتملاً الإهانة وغير غضوب، مسالماً وغير مقابل الشرّ بالشرّ، غير مراقب هفوات الآخرين ونقائصهم وغير معتبر نفسك ذا شأن كونك دون الخليقة كلّها، في رفض للماديات والجسديات، في صليب وجهاد، في مسكنة الروح ونسك ونوح وصوم وتوبة، في جهاد في الحروب، في تمييز، في عفّة نفس، في هدوء في العمل وشوق إلى عيش المحبّة، في سهر الليل، في جوع وعطش وبرد وعري، في أتعاب، قافلاً قبرك كأنّك متّ منذ الآن وكأنك تعتقد أنّ موتك بات وشيكاً في كل ساعة“.
سأله أحد الآباء مرّة: “ما الذي يجعل الراهب راهباً؟” أجاب: “التعب، لأنّ على الراهب أن يتعب في كل عمل…“.
وعندما قربت ساعة انتقاله ظهر له الربّ يسوع المسيح وأعلمه بذلك. وصباح الأحد التالي باكراً جاءت إليه رتب الملائكة وطغماتها. فلما رآها القدّيس فرح جداً ووقف يصلّي باسطاً يديه صوب الشرق، وأثناء ذلك أسلم الروح. وقد كان له من العمر ثمانون سنة، ونال منزلة الملائكة الأطهار والرسل الأبرار. اقترن موته بشفاء المرضى وطرد الأرواح الشرّيرة إثر عبوره ببعض المضنوكين. واستمرّ ذلك بعد أن واروه التراب.