في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* الشّهيد في الكهنة باسيليوس أسقف أنقرة * الشّهيدة دروسيس الأنطاكيّة * الشّهيدة دروسيس الرّوميّة والعذارى الخمس اللّواتي معها* الشّهيدتان كلّينيكا وباسيليسّا * الجديد في الشّهداء أفثيميوس القسطنطينيّ* أبونا الجليل في القدّيسين بولس، أسقف ناربون* القدّيسة البارّة ليئة الأرملة * أبونا الجليل في القدّيسين ديوغراتيا، أسقف قرطاجة.
* * *
✤الشّهيد في الكهنة باسيليوس أسقف أنقرة✤
كان باسيليوس كاهنًا في أنقرة زمن أسقفيّة مركلّس. وهو وإن كان قد حمل نفس الإسم الّذي حمله باسيليوس، أسقف أنقرة الآريوسيّ المعتدل، فإنّه لم يحمل فكره بحال بل كان ينادي بالإيمان القويم بحماسٍ كبير.
ورد أنّ حياته كانت سامية وكلامه لا شائبة عليه. بَشّر بكلمة الله بحميّة ومثابرة. ولمّا حاول باسيليوس الأسقف بثّ سمومه في المدينة، من خارجها – لأنّ الآريوسيّين المُتطرّفين عملوا على نفيه منها – لم يكفّ باسيليوس الكاهن عن مناداة النّاس، بجسارة الأنبياء، أن يحذروا الفخاخ المنصوبة لهم وأن يثبتوا يقظين في الإيمان القويم. حاول الأساقفة الآريوسيّون، عام 360 م، منعه من عقد اجتماعات كنسيّة فلم يرضخ لهم بل دافع عن الإيمان أمام الأمبراطور قسطنديوس، الآريوسيّالنّـزعة، نفسه.
وعندما حاول يوليانوس الجاحد استعادة الوثنيّة ولم يأل جهدًا في إفساد المؤمنين، جال باسيليوس في المدينة كلّها حاثًا المسيحيّين على الصّمود وألّا يلوّثوا أنفسهم بالأضحية والسّكائب بل أن يقاوموا الوثنيّة، برجولة، من أجل الله. حنق عليه الوثنيّون ثم ألقوا القبض عليه وجرّروه أمام ساتورنينوس الوالي متّهمين إيّاه بمحاولة إثارة الفتنة وقلب مذابح عديدة وتحريض الشّعب على الآلهة والتّعرّض لقيصر ودينه. سأله الوالي إذا كان الدّين الّذي اعتمده قيصر غير حقّاني، فأجاب: أتؤمن أنت نفسك بهذا؟ أيمكن أن يُقنع إنسان له عقل نفسه بأنّ تماثيل صمّاء يمكن أن تكون آلهة؟ فأمر الوالي بتعذيبه. وقال له خلال التّعذيب: أما تظنّأنّ قوة قيصر عظيمة وهو قادر أن يقتصّ من الّذين يعصونه؟ الخبرة خير معلّم وهي الّتي ستربّيك. إخضع لقيصر واعبد الآلهة وضحّ أحلى لك! فأجاب القدّيس، وقد كان إلى الآن غارقًا في صلاة عميقة: هذا ما لن أفعله أبدًا! فأعاده الوالي إلى السّجن ونقل خبره إلى يوليانوس سيِّده. فأثنى قيصر على تدابير عامله وأوفد اثنين من حاشيته يساعدانه في محاكمة السّجين. أحد هذين حاول استمالة باسيليوس فلم يلقَ غير الخيبة. أُوقف القدّيس أمام الوالي والمُعاونين الآخرين للإستجواب ثم أُحيل على التّعذيب من جديد. إثر ذلك قُيِّد بسلاسل حديديّة ثقيلة وأُلقي في هوّة أعمق من الّتي أُلقي فيها أوّلًا.
في تلك الأثناء خرج يوليانوس من القسطنطينيّة إلى أنطاكية ليستعدّ لحملته على الفرس. فلمّا بلغ أنقرة الغلاطيّة عُرض باسيليوس عليه فحاول قيصر، بتذاك، أن يظهر بمظهر الحكيم الرّؤوف فقال له: أنا أيضًا عارف بأسراركم وبإمكاني أن أعلّمك أنّ المسيح الّذي تثق أنت به مات في زمن بيلاطس البنطي على غير رجعة. فأجاب الشّهيد: مخدوع أنت! كفرت بيسوع وهو الّذي أعطاك سدّة المُلك. لكنّه سينتزعها منك وسينتزع حياتك أيضًا. كما دككت هياكله سوف يقلب عرشك. وكما خرقت شريعته القدّوسة، تلك الّتي كثيرًا ما كنت تذيعها على النّاس وأنت بعد قارئ في الكنيسة، ودستها بقدميك، سوف تهمل جثّتك على الأرض وتبقى بلا مراسم دفن وستُداس من النّاس. فأجاب يوليانوس: كان في نيّتي أن أطلقك لكنّ وقاحتك واستخفافك بنصيحتي وكيلك التّهم لي تجبرني على معاملتك بطريقة أخرى. لذلك أنا آمر أن يُسلَخ جلدُك في سبع مواضع من بدنك كلّ يوم إلى ان تُسلَخ كلّك! قال يوليانوس ذلك ودفعه إلى الكونت فرومنتينوس، قائد الحرس الأمبراطوري، لتنفيذ الحكم.
وبوشر بنـزع لحمانه فكان صبر القدّيس عجيبًا. ولم يمض على باسيليوس وقت طويل حتّى طلب مواجهة الأمبراطور.
نقل فرومنتينوس الرّسالة إلى يوليانوس ظنًّا منه أنّ باسيليوس رضخ. للحال طلب يوليانوس أن يُحضر إلى هيكل أسكلابيوس. فلما التقيا دعا قيصر باسيليوس إلى الانضمام إليه في تقديم الأضاحي. فأجاب القدّيس أنّه لا يمكنه أبدًا أن يعبد أصنامًا عمياء صمّاء. ثم تناول قطعة من لحمة كانت قد قُطعت وتُركت معلّقة بجسده في طرفها ورماها ليوليانوس قائلًا: خذ، كلْ هذه القطعة ما دمت تحبّ اللّحم، واعلم أنّ الموت لي هو ربح. إنّي من أجل يسوع المسيح أتألّم. هو وحده ملجأي وسندي وحياتي! فخرج الإمبراطور لتوّه غاضبًا مُهانًا خزيانا وارتبك فرومنتينوس لأنّه خشي على نفسه ممّا سبّبه لسيّده من إحراج. وإذ صبّ جام غضبه على باسيليوس شرع جنوده يضاعفون الجهد في سلخ لحمان الشّهيد حتّى بانت أحشاؤه وبكى العديد من شهود العيان لرؤيته. كان باسيليوس يصلّي بصوت عال. وفي المساء أُعيد إلى السّجن.
في اليوم التّالي غادر يوليانوس إلى أنطاكية ولمّا يُنعم على فرومنتينوس بشرف مقابلته. فعزم الكونت على دفع العار الّذي لحقه عن نفسه بمزيد من العنف يوقعه بباسيليوس. خلال تلك اللّيلة، على ما ورد، زار الرّبّ يسوع عبده وشهيده في السّجن وشفاه من جراحه. فلمّا وقف رجل الله أمام فرومنتينوس، في اليوم التّالي، عجب هذا الأخير لمنظره وتحيّر لكن استبدّ به الغيظ وبلغ حدّه فأمر به فطُرح أرضًا وطُعن بحراب في الظّهر محمّاة إلى أن لفظ أنفاسه. كان ذلك في التّاسع والعشرين من حزيران من السّنة 362 م. غير أنّالشّرق والغرب معًا يعيِّدان له في الثّاني والعشرين من آذار.