Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (16) بعد العنصرة- العدد 40

02 تشرين الأوّل 2022

كلمة الرَّاعي

هواجس رعائيّة: النَّهضة

” يَا لَيْتَ كُلَّ شَعْبِ الرَّبِّ كَانُوا أَنْبِيَاءَ

إِذَا جَعَلَ الرَّبُّ رُوحَهُ عَلَيْهِمْ“ (عدد 11: 29)

الكنيسة هي شعب الله وإسرائيل الجديد، هي الخليقة الجديدة في المسيح يسوع ابن الله المتجسِّد. كلّ عضو في جسد المسيح يُشارك ما للمسيح من الله الآب، ”لأَنَّ الْكَلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ، وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ، وَآمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي“ (يو 17: 8). يسوع أعطانا ”الوصيَّة“ الّتي من عند الآب، وهذه الوصيّة هي طريق الحياة الأبديَّة للمؤمن، ”يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ“ (يو 6: 68).

النّهضة هي توبة المؤمن أي عودته إلى الكنيسة أي إلى عيشه كعضو في جسد المسيح. كلّ عضو في الجسد له دور، وأدوار الأعضاء تتكامل في تنسيق بُنيان الجسد ليكون الكلّ في ملء قامة المسيح.

المَسيحيّ المُعَمَّد يقتني ثلاث صفات من المسيح الرّبّ، لأنّه بالمعموديّة يلبس المسيح، فيصير ممسوحًا لله أي ملكًا ونبيًّا وكاهنًا. النَّهضة هي أن نحيا بنوّتنا لله في صفات الابن الوحيد المتجسِّد الّتي وُهِبْنَاها يوم وُلدنا من جرن المعموديَّة.

*          *          *

”وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ“ (1 بط 2: 9).

المؤمن دوره أن ”يُخبِر بفضائل“ مَن أنار حياته بالحقّ الَّذي في الحبّ الإلهيّ. ليست الفضائل إلّا صفات الله الّتي يجب على المؤمن أن يعيشها بقوة الَّذي أقامه من عتاقة الإنسان إلى الحياة في جدَّة الإنسان الحقّ وآدم الجديد.

لا يكون للمسيح من لا ينهض باستمرار من العتاقة إلى الجِدّة ومن الموت إلى الحياة من خلال عيش في الإنسانيّة الجديدة الّتي بالمسيح يسوع النّاهض من بين الأموات والمُمجَّد عن يمين الآب.

المسيحيّ المؤمن لا يستطيع إلّا أن يكون في النّهضة الدّائمة والمستمرّة لأنّه ابن الوصيّة الإلهيَّة، إنّه يتحرَّك باستمرار إلى الأمام بتجديد الذّهن والفكر والقلب ممتدًّا نحو المسيح بتخلّيه عن كلّ تعلُّق بغيره لكي يبقى على الأمانة والعفّة للعريس الإلهيّ…

*          *          *

ينهض الإنسان ويصير كاروزًا للحقّ والحياة حين يتغيَّر فكره وقلبه وحين تنقلب حياته وأولويّاته. يصير هدفه من كلّ شيء أن يتمجَّد الله لأنّ مجد الله هو حياة الإنسان على صورة المسيح. النّهضويّ هو من يحارب أهواءه ويكشفها ويعرّيها ويحاربها، لكي تتطهَّر طبيعته وتتحرَّر من كلّ طبيعة أُخرى مخالفة ليسوع المسيح الإنسان.

من هنا، النّهضة هي حركة نُبوَّة تبدأ في القلب ”لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ“ (إر 1: 10)، أي لتدمّر ما في الإنسان من أوثان مستحوذة عليه ولتبنيه هيكلًا للكلمة الإلهيّ…

لا نهضة بدون انزراع الكلمة الإلهيّة في القلب وبدون سقايتها بدموع التّوبة الّتي من نعمة الرّوح القدس. لا تُزرع الكلمة في أرض غير صالحة أو في أرض مزروعة، لابُدّ من تنقية الأرض وفلاحتها وإزالة كلّ ما فيها، وهذه هي التّوبة.

لذا، تبدأ النّهضة بالتّوبة أي بمعرفة النّفس، ومعرفة النّفس تتمّ بعِشْرَةِ الكلمة الإلهيَّة الّتي هي ”حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِه“ (عب 4: 12).

روح النّبوّة فاضت على الَّذين بالمسيح في الرّوح القدس، وهي لذلك تُطهِّر من انسكَبَت عليه، أوَّلًا، ليُبْصِر بالنّور غير المخلوق حقيقته ويعرف الطّريق الَّذي ينبغي أن يسلك فيه، ويموت عن كلّ ما ليس من يسوع ليطلب يسوع في كلّ نَفَسٍ يتنفَّسه. لا نهضة دون صلاة ”بلا انقطاع“ (1 تس 5: 17)، أي دون اللَّهج بالله.

*          *          *

أيّها الأبناء الأحبّاء، كلّنا مدعوّون أن نكون على صورة المسيح وأن نحيا بروحه، لأنّنا إذا سلكنا طريقًا آخر نخسر خلاصنا إذ نحيا، حينها، لأنفسنا، ”لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ“ (1 كو 2: 16).

النّهضة هي أن نعرف الرّبّ من خلال معرفتنا لفكره، أوَّلًا، أي عبر التهامنا لكلمته واغتذائنا منها حتّى الامتلاء، فندخل بسرّ الكلمة إلى سرّ الرّوح ونصير ناطقين بكلمة الرّوح الّتي تُطهّرنا وتخلقنا جُدُدًا في ولادة التّوبة المستمرَّة إلى أن ينطق الله ذاته فينا فنصبح كلمته إلى العالم الّتي لا تعود إليه فارغة بل تعمل ما يُسرُّ به وتنجح في ما يرسلها له (إش 55: 11). ”اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ …“ (إش 55: 6)

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة