Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد بعد عيد رفع الصَّليب- العدد 38

18 أيلول 2022

كلمة الرَّاعي

هل نخجل بالرَّبّ؟! …

”مَنْ يَستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق

الخاطئ يستحي به ابنُ البشر متى أتى في مجد

أبيه مع الملائكة القدِّيسين“ (مر 8: 38)

الإيمان ليس مغامرة نحو المجهول بل هو مسيرة يقينيّة النّتائج ومؤكَّدة. من يعيش إيمانيًّا يسلك في ”الطّريق“ الَّذي كشفه الله في ابنه والَّذي هو هو (أي الابن) يسوع المسيح. الإيمان، تاليًا، هو عَيْش يسوع المسيح أي أن يصير هو حياتنا. كيف نتمِّم هذا الأمر؟ يجيبنا الرَّسول بولس: ”مع المسيح صُلبتُ فأحيا لا أنا بل المسيحُ يحيا فيَّ“ (غل 2: 20)، أيّ أنِّي عندما آمنت بيسوع قبلت أن أُصلَبَ معه أي أن أَصلُبَ إنساني العتيق الَّذي هو من هذا العالم وأُميته مخلِيًا ذاتي من روحه لكي اقتني روح يسوع فيصير هو حيٌّ فيّ ولست أنا، فيما بعد، أحيا من العالم ومن إنسان الخطيئة والجسد بل من يسوع نفسه.

*          *          *

الخجل أو الحَياء بإزاء الإعلان عن إيماني بيسوع مصدره الخوف على صورتي أمام الآخَرين الَّذين أنا أعطيهم بهذا الموقف الجبان سطوة وسلطة عليَّ تتحكَّم بمواقفي الَّتي تصير، بالضَّرورة، خاضعة لمشيئة غيري وليس لحُرِّيّتي، مع أنّي بحرّيّتي اخترت أن أكون تابعًا للآخَر الَّذي أعطيته بإرادتي سلطة ليتحكَّم بحرّيّة ضميري وتاليًا بإنسانيّتي…

*          *          *

من يخجل بالمسيح أمام الآخَرين لعدم معرفته أو بسببٍ من جهله يجلب على نفسه دينونتَين: الأولى، بسبب عدم إيمانه بحقّ الكلمة والكلمة الحقّ أي هو غير واثق أنّ الله حقّ والمسيح هو الحقّ لذا يخجل به ويخاف من الشَّهادة له؛ والثَّانية، لأنّه جاهل أي هو غير جِدِّيٍّ في علاقته مع الله وإيمانه والسَّبب أنّه، في الحقيقة غير مؤمن بوجود الله، وهذا ما عبّر عنه كاتب المزامير حين قال: ”قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: ’لَيْسَ إِلهٌ.‛ فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا“ (مز 14: 1 و53: 1). نتيجة عدم الإيمان فساد الحياة والسّلوك في الرّجاسة والنّجاسة والدّنس… والابتعاد عن كلّ أمر صالح لأنّ بغية النّفس هي إشباع الأهواء وليس القداسة…

العالم يشدّنا إلى أسفل، إلى شهوات النَّفس والجسد الّتي تُشبٍع روح الزِّنى فينا، وروح الزِّنى لا تَشبَع، كما أنّها لا تتعلَّق بملَذَّات البَدَن وحسب بل هي في جوهرها سلوك عَكْسيّ في طلب الحاجة الجوهريّة لدى الإنسان إلى الحبّ الإلهيّ. عوض أن يطلب الإنسان الله الخالق لكي يُشبع كيانه وترتوي روحه يطلب أوثانًا يعبدها ويخلقها في ذاته ليملأ حياته منها حين يريد أن يُشبع حاجته إلى الحبّ والمجد والسّلام والفرح والرّاحة… الزِّنى هو ترك الله وعبادة الإنسان لشهواته وأهوائه…

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، في هذا العالم لا بدّ لي كمؤمن من اتّخاذ موقف جذريّ من حياتي وغايتها وطريقها، إذ بناءً على هذا الخيار أقف بإزاء ما يواجهني من تحدّيات انطلاقًا من إيماني. ليس العلم مقياس المعرفة الرّوحيّة، بالعكس قد يصير العلم سببًا للانحراف حين يُعمِلُ الإنسان عقله ويستعمله ليسود على الإيمان بالمنطق، في حين أنّ الإيمان يتخطّى المنطق والعقل وإلّا لما كان إيمانًا.كذلك، ينحو الكثيرين إلى إسقاط مفاهيم العالم على الإيمان عوض أن ينظروا بعين الإيمان إلى ما في العالم من فكر وتعليم ليطهّروه بالكلمة الإلهيّة، وشرط هذا الأمر أن يحيا الإنسان في روح الله وليس أن يحيا روح العالم فيه.

كلّ شيء في الحياة يوجد منه ما هو حقيقيّ وحقّانيّ وما هو مزيّف وباطل. لأنّه ليس أمام الإنسان سوى طريقين لا ثالث لهما: ” الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ“. من يختار الحقّ يختار الحياة الأبديّة وخيرات الدّهر الآتي، ومن يختار الباطل يختار الموت الأبديّ والعذابات الَّتي لا نهاية لها.

*          *          *

يا بنيّ، لا تخجل بربِّكَ ولا تستحي بكلامه، لأنّ كلامه حياة فيّاضة وهو حصنك وحياتك. لا تخف من المستكبر والمتعجرف، لماله أو سلطته أو علمه أو جماله …، لأنّ الكبرياء جهل لا يُسبَرُ غوره وعاقبته ألمُ ندامةٍ في يأسٍ أبديّ. إشهد بالحقّ وجاهر به. قلْ الكلمة الَّتي من ربِّك والَّتي تعلّمتها من الكنيسة وآبائها، كلمة الإنجيل والوَحي الكتابيّ وشهادة الشّهداء. لا تساوم في ما لله لئلّا تخسر نفسك إلى الأبد. كُنْ شجاعًا في مواقفك لأنَّ ”كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ“ (عب 4: 12).

أنت لا تقدر أن تقول عن الحقّ باطلًا ولا عن الباطل حقًّا، ”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ“ (1 كورنثوس 6: 9—10).

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة