Menu Close

نشرة كنيستي- أحد الابن الشّاطر- العدد 8

20 شباط 2022

كلمة الرَّاعي

نصائح عمليَّة في التّوبة

“وَنَحْنُ لَمْ نَسْتَعْطِفْ وَجْهَ الرَّبِّ تَائِبِينَ

كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ أَفْكَارِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ …” (با 2: 8).

المؤمن بالتّوبة يحيا وينمو ويتقدَّس لأنّها عطيّة الله لطالبيه لكي ينقِّيَهم ويرفعهم إلى ملكوته منذ الآن…

الإنسان لا يريد أن يتعب لذلك يطلب الرّاحة، والرّاحة إن لم تكن في الرّبّ وبنعمته فهي من الكسل ومن الشّرير وبالنّتيجة ثمرتها ألم وموت روحيّ.

التّوبة هي التّحرُّك ضدّ الكسل، وأوّل مظاهر الكسل طلب الملذّات السّهلة المنال أي كلّ ما “يعزّي” الجسد من طعام وشراب وعقاقير وشهوات بدنيّة إلخ.

طريق التّوبة هو محاربة الكسل، والكسول في الرّوح بحاجة لمن يشجّعه ويمسكه بيده ”ليشدّه“ معه إلى الأمام. إذا لم ينوجد هذا الشّخص تتراجع حال الإنسان إلى مزيد من الانغماس في حياة الكسل والتَّراخي والبُعد عن الله والغَرَق في مستنقعات الخطيئة.

*          *          *

أُطلُب أن تكونَ حرًّا. للحرّيّة ثمن. أُكْسُرْ قيود الخوف من الموت الّتي تتحكّم بحياتك. اِعْرَفْ أنّك مائت واقبلْ أن تموت طوعًا عن كلّ ما يجعلك تظنّ أنّك حيّ.

من هنا، للتَّوبة أعمال أساسيّة تساعدنا عليها وهي: الصّلاة (الخاصّة واللّيتورجيّة والقلبيّة)، الصّوم، عِشرة الكتب المقدَّسة، قراءة سير القدّيسين وتعاليمهم، مرافقة أناس أتقياء، عدم الجلوس في مجالس المستهزئين، حفظ الحواسّ … والأهمّ هو التَّدرُّب على الثّقة بالله وإسلام أمورنا وما يجعلنا مضطربين وقلقين إليه لكي نعرف قوّة عنايته وحنان رحمته وكثرة تعزياته.

كلّ هذه الأمور الّتي ذكرناها أعلاه وغيرها غايتها أن يتحوّل القلب أن ينكسر بتلقّفه النّعمة الإلهيّة الّتي يريد الله أن يهبه إيّاها ليطهّره ويجعله له مسكنًا. فقط حين يبدأ القلب بتحسُّس ألم الخطيئة نظرًا لما تكون قد أوصلَتْهُ إليه من وضعٍ نفسيّ وجسديّ مُزرٍ، فقط حينذاك تنوجد عند الإنسان الطّاقة لِرَفْضها والصّراخ من عمق الأوجاع الجحيميّة ليستعطف وجه الرّبّ، أي هو يصير قابلًا للتّوبة لأنّ نار الآلام كسرت فيه روح التّشامخ والتّعالي ومن وجعه الكبير يصرخ طالبًا التّحرُّر من هذا الموت الّذي يعيشه ويخنقه…

*          *          *

ها إنّ الصّوم الكبير على الأبواب، وهو مناسبة لا تُفوَّت للانطلاق في مسيرة التّوبة، كونه موضوع على هذا الأساس أي أن يساعد المؤمن على الجهاد الرّوحيّ ويُحرِّك فيه روح الخشوع والاتّضاع من خلال اللَّحن والكلمة.

تتكثَّف القطع الخشوعيّة والمناسبات اللّيتورجيّة في الصّلوات والّتي تتحدّث عن واقع اﻹنسان السَّاقط والمأسور لأهوائه وخطاياه وعن رحمة الله الواسعة وانتظاره رجوع الابن الضّال في كلّ حين.

نحن نصوم لنطلب محبّة الله ولنعبِّر  له عن محبّتنا. على حياتنا أن تكون مبنيّة على روح الصّوم أي روح الحرّيّة بتعلّم الصّبر والتّخلّي طلبّا للفرح والسّلام، فنتخلّى عن الوقوع في إغراء ما يَلُذُّنا إذ نسلك بالحكمة عالمين أنّ خبرة الكنيسة النُّسكيّة وتعليمها في هذا المجال يجب أن يكونا لنا النِّبراس المُزدوج ذي النّور الواحد الَّذي يقودنا ويُرشدنا إلى تحقيق ذاتنا. من يخضع لخبرة الكنيسة وحكمتها يدخُل في روح التّوبة وينمو في معرفة الله ويقوى بالنِّعمة وتزيد غلبته في معاركه الرّوحيّة.

روح التّوبة هي روح التّواضع، والكنيسة ترفعنا قليلًا قليلًا بالمسيرة الصّياميّة إلى المطارِح الّتي ترتاح فينا نفوسنا شرط أن نلتزم بما تضعه لنا كطريق.

بناء عليه، نقترح على محبّتكم أيّها الأبناء أن تسلكوا كالتّالي ليكون صيامكم مثمرًا ومؤدِّيًا إلى توبة رؤوم وتجديد للفكر والنّفس والرّوح والجسد:

  1. أخذ القرار بقراءة الكتاب المقدَّس من الدّفة إلى الدّفة خلال السَّنة، ولا سيّما قراءة العهد الجديد بكامله خلال هذه الفترة من التّريودي إلى الفصح؛
  2. الالتزام بعيش آية واحدة كلّ يوم؛
  3. الالتزام بالصّلوات الخاصّة اليوميّة (في البيت)؛
  4. الالتزام بالصّلوات الّتي تقام في الكنيسة واللّيتورجيا الإلهيّة؛
  5. فحص الضّمير يوميًّا وتسجيل الخطايا والهفوات والزّلات من جهة، والأعمال الصّالحة ومقدار الالتزام بالبرنامج اليوميّ من جهة ثانية؛
  6. طاعة الكنيسة حرفيًّا بما تحدُّده من وقت وطريقة للصّيام من امتناع عن الزّفرين وغيره؛
  7. التّحضير لسرّ الاعتراف والتّوبة، لا سيّما الاعتراف والاسترشاد قبل بدء الصَّوم وفي خلال الصَّوم وقبل الفصح؛
  8. طلب النَّصيحة من الأب المعرِّف حول كتاب روحيّ أو أكثر لقراءته خلال الصَّوم؛
  9. الهروب من الدَّينونة وحفظ الحواسّ وتخفيف الواجبات الاجتماعيّة وزيادة الاشتراك في النَّشاطات الرُّوحيّة وزيارة الأديار.
  10. تنظيم الوقت وافتدائه بالأعمال الصَّالحة لأنّ الأيّام شرّيرة؛
  11. التّوكّل على الرّبّ وعدم الخوف من الغد؛
  12. الإكثار من افتقاد المتألّم والمريض ومن يحتاج تعزية.

من يصنع هذا يحيا في الفرح والسَّلام المتأتّيَين من اضطرام الحبّ الإلهيّ في القلب بفعل ثمار النّعمة إذ ينظر الرّبّ صدق جهادنا ورغبتنا باقتناء حبّه…

ومن استطاع أن يقبل فليقبل…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة