Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد بعد عيد الظّهور الإلهيّ- العدد2  

09 كانون الثّاني 2022

كلمة الرَّاعي

معمودية الرّبّ في الأردنّ

“وإذا صوت من السّماء قائلَا: هذا هو ابني

الحبيب الَّذي به سُررت…” (مت 3: 17)

عنوان متناقض، كيف للرّبّ أي الإله أن يعتمد بالمياه لمغفرة الخطايا بحسب معموديّة يوحنّا المعمدان؟! يسوع المسيح الإنسان يجيب يوحنّا المعمدان قائلًا: “دع الآن، فهكذا ينبغي لنا أن نتمّ كلّ برّ” (مت 3: 15). هذا هو التّواضع الأقصى الَّذي لم يستطع يوحنّا أن يفهمه بعقله ولكنّه بتواضعه أطاعه. التّواضع الأكبر يشجّع التّواضع الأصغر، أي أنّ المتواضع يتعلّم ممن لديه تواضع أكثر، لأنّ التّواضع لا ينفصل عن المحبّة كما أنّ المحبّة لا تنوجد دون التّواضع.

استعلن الله في الأردنّ محبَّة وتواضعًا في سرّ الابن المتجسِّد الَّذي حنى عنقه أمام عبده ليتلقّى منه غسل الماء للتّوبة عن خطايا البشريّة بأسرها هو البريء من أي عيب كإنسان ومصدر كلّ طُهر كإله. محبّة الله الآب لخليقته تجلَّت بإرساله ابنه الوحيد المولود منه قبل كلّ الدّهور خُلوًّا من زمن لكي يبذل نفسه لأجل انتشال الخليقة من براثن إبليس وتحريرها من سطوته عليها بالخطيئة. والرُّوح القدس ظهر بهيئة حمامة لأنّه روح المصالحة وروح تجديد الخليقة وإبداعها من جديد في الابن المتجسّد الحاضر في مياه الموت الَّتي بنزوله فيها يجعلها ماء ولادة لحياة جديدة بالروح الحالّ عليه، “هذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ” (1 يو 5: 6).

الرُّوح القدس الَّذي أسلمه الرّبّ يسوع المسيح على الصّليب (راجع مثلًا مت 27: 50) ليجدّد به الخليقة هو نفسه ظهر بهيئة حمامة عند معموديّته من يوحنّا واستقرّ عليه كإنسان. في يسوع المسيح الإنسان تحقَّقت الخليقة الجديدة في المعموديّة واستُعلنت على الصّليب وتفجَّرت فيها الحياة الجديدة بالقيامة وانسكبت عليها من قيام الإنسان الجديد عن يمين العظمة في الأعالي إذ سكب الآب روحه من خلال ابنه المتجسِّد على كلّ الخليقة في العنصرة.

*          *          *

ما أعظم محبّة الله لنا نحن البشر. كيف لنا أن نعرفها، ولو قليلًا، بالخبرة؟ الكلام عن محبة الله كثير ولكن المهمّ كيف لنا أن ندخل في خبرة عيش هذا الحبّ الإلهيّ. الله دخل حياتنا دخل الزَّمن عاش فيما بيننا، هذا هو “عمّانويل” الله معنا. الله لم يعد فوق أو غير مُدرَك أو غير منظور، مع أنّه بقي كذلك، ولكنّه صار في ابنه المتجسِّد معنا في كلّ شيء مشاركًا لنا في كلّ ما لنا، برضاه هو وبمشيئته، ما خلا الخطيئة. هو شاء أن يشاركنا طبيعتنا الضّعيفة وبها يغلب إبليس والخطيئة والموت بالتّواضع الأقصى في المحبّة الّتي هي غير المحدودة، هذا التّواضع الَّذي هو موت الخوف من الوِحدة وغلبة الحياة في الحبّ والشّركة…

حبّ الله لنا في ابنه هدفه ليس فقط أن يعلّمنا المحبّة الإلهيّة بل أن يعطينا إيّاها أن يهبها لنا، لأنّنا لا نستطيع اقتناءها إلّا كعطيّة النّعمة الإلهيّة إذ هي سرّ حياة الله وسرّ وجودنا وأبديّتنا. دورنا أن نتعلّم منه كيف نواضِعُ ونوادِعُ أنفسنا عبر حملنا الصّليب في اتّباعنا له، وبقدر ما نتخلَّى عن أنانا بقدر ما نفسح المجال للنّعمة الإلهيّة أن تفعل فينا. وبقدر ما نشابه يسوع المسيح الإنسان في اتّضاعه وإخلائه ذاته بقدر ما نصير أبناء لله وأحبّاء الله الَّذين بهم يُسرُّ.

معموديّة يسوع في الأردنّ هي رسمُ موته على الصّليب عن العالم وموت العالم فيه لولادة وخلق جديد به وفيه. إنّها معموديّةُ تَبَنِّينَا من الله في يسوع الَّذي اعتمد لأجل خطايانا، “فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ” (رو 8: 15). بِبِرِّ يسوع حصلنا على هبة الحياة الأبديّة والخلاص، لأنّنا به عرفنا الله الآب والله الابن والله الرُّوح القدس ثالوثًا واحدًا ومتساويًا في الجوهر وغير منفصل. الله الآب تبنّانا في يسوع، وما إعلانه عن ذاته في سرّ الابن المتجسِّد الظّاهر في الماء ليعتمد من يوحنا باستقرار الرُّوح القدس عليه بهيئة حمامة سوى كشف علنيّ لصيرورتنا بيسوع أبناء الله الأحبّاء. الإنسان لم يعد عبدًا بعد، لأنّ واضع النّاموس بخضوعه للنّاموس وتعهّده في ذاته لخطايا البشريّة جعلنا نتخطّى النّاموس إذ مات عنه وأمات سلطانه على الإنسان الجديد ووَلَدَنَا فيه أبناءً لله بالنّعمة الإلهيّة أي قادرين بقوّة الله على غلبة الخطيئة والموت وتذوُّق حياة الدّهر الآتي بإخلاء الذّات حبًّا بالَّذي تبنّانا…

ومن له أذنان للسّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة