حقوق المساكين- النّهار أونلاين- الأحد في ٣١ آذار ۲٠١٩
المطران أنطونيوس (الصوري)- متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس
حقوق المساكين
” مِنِ اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَصْنَعُ الْخَلَاصَ وَاَسْتَعْلِنُ بِهِ” (سفر المزامير 12: 5).
المسكين لغة هو الفقير الذي ليس لديه ما يكفيه، أو البائس الذي لا يملك شيئًا، كما أنَّه الخاضِعُ الضعيف الذليل. بكلمات أخرى المسكين هو المحتاج لمقوّمات الحياة والذي لا سند له من الناس. هؤلاء هم الذين يتحكّم بهم أهل السلطة والمال ويستعبدونهم. والمسكنة لا تتوقّف على الافتقار عن المادّيّات، إذ يوجد من هم مفتقرون إلى الرأي الحكيم والجرأة ومعرفة الحقّ، ومن هم ضعفاء ومذلولون أمام الذين يخضعونهم ليس بتحكّمهم بحاجاتهم المادية فقط ولكن أيضًا بتحكّمهم بوجودهم من خلال المراكز التي يطلبونها منهم وطموحاتهم الاجتماعيّة أو السياسيّة أو غيرها …
يوجد، إذن، فئتان من المساكين: (1) المفتقرون إلى الطعام والشراب ومقوّمات الحياة و(2) المفتقرون إلى الحقّ. الفئة الأولى الرب هو مخلّصها وعاضدها، والثانية الرب مؤدّبها وديّانها. المصيبة الكُبرى هي حين يجتمع هذان النوعان من الفقر في شخص أو جماعة!
* * *
هل يوجد من يستطيع أن يخلِّص المسكين ويمنحه حقوقه ويرد له إنسانيّته المهدورة عند أقدام الظّالمين والطغاة والمحتكرين والمرائين؟! … من هو هذا الحاكم العادل وما هي صفاته؟! …
إنّه من “يَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.
(…) وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، (…)” (سفر إشعياء 11: 2 – 5). الرب وحده هو الحاكم العادل، ومن يؤمن بالله ويُعطى سلطان الحكم عليه أن يعرف بأنّه إذا لم يحكم بمقتضى مخافة الرب وبروح الكلمة الإلهيّة فحكمه هذا سيصير دينونة أبديّة عليه. السلطان يُعطى للبشر لأجل أن يتمّوا مشيئة الله التي أساسها إحقاق العدالة للمساكين والبائسين والمهمّشين. أمّا إذا زاد الحاكم طغيانًا ولم يمل أذنه إلى طلبات الشعب المسكين الذي يعيش بالجهد والكدّ والضيق، وبقي صراخ البائسين يصعد إلى أذنيّ الرب، حينها سوف “يَحْطِمَ (الله) صَوَالِجَةَ الظَّالِمِينَ” (سفر يشوع بن سيراخ 35: 23) وأموالهم “تَجِفُّ كَالسَّيْلِ” (سفر يشوع بن سيراخ 40: 13).
كلّ من يكون صاحب سلطة فهو مُطالب من الله بثمرتها في الحق، أدرك ذلك أم لم يُدرك. الخطر على أصحاب السلطة والمال هو أن يسقطوا في ذواتهم أي أن يعتقدوا أنّهم يتحكّمون بمصائر الناس، يظنّون أنّهم آلهة ولو لم يُقِرُّوا بذلك علانية فأعمالهم وأقوالهم وأفكارهم تبكّتهم أمام منبر العليّ. أنظروا ما الذي حدث لهيرودس لما انتشى بالمتملقين القائلين له: “هذَا صَوْتُ إِلهٍ لاَ صَوْتُ إِنْسَانٍ!” (سفر أعمال الرسل 12: 22)، لم ينتظر الرب عليه زمنًا ليجيبه إذ “فِي الْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ” (سفر أعمال الرسل 12: 23). الدود هو الأهواء التي تتآكل الإنسان من الداخل لأنّه يصير في حالة من الجوع الدائم التي لا يشبعها شيء سوى تراب القبر، وألمه يكون الموت الروحي الذي يجعله بعيدًا عن الله ولو سلك في حرف الشريعة وذلك لأنّ قلبه مسلوب لكبريائه وأنانيّته.
أيّها الحكّام “ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ وَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، فَرَائِضِي، حَسَبَ كُلِّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا آبَاءَكُمْ، وَالَّتِي أَرْسَلْتُهَا إِلَيْكُمْ عَنْ يَدِ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ” يقول الرب. وأنتم أيها المؤمنون كونوا صادقين في إيمانكم مستقيمين في حياتكم، ابتعدوا عن الشر “ارْجِعُوا إِلَيَّ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، فَأَرْجِعَ إِلَيْكُمْ” (سفر زكريا 1: 3).
توبوا! …