اليأس- النّهار أونلاين- الأحد في ٣٠ حزيران ٢٠١٩
المطران أنطونيوس (الصّوري)- متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس
اليأس
اليأس عكس الرجاء. إنه استسلام لفقدان الايمان بتغيير واقع ما أو الاعتقاد الثابت بعدم إمكانية تخطي مسألة أو صعوبة معينة أو تلبية حاجة محدّدة…
حرب الشيطان على الإنسان جوهرها إيقاعه في اليأس. حاجات وملذات العالم المعاصر تهدف إلى جعل الإنسان رهين ما يُعرض على من أفكار وأهداف خداعة طلبا للسعادة التي يحددها أسياد الأسواق الدنيوية.
* * *
أسباب اليأس كثيرة ومتعددة ولا مجال لذكرها كلها. المهم أن نحدد مصدرها. خوار الإيمان يؤدي إلى اليأس. العالم اليوم يحارب الله. الإلحاد الفكري والعملي والفساد الأخلاقي ثمار الحضارة المعاصرة المبنية على تأليه الفردانية واستباحة كل المبادئ الإنسانية والإيمانية والثوابت الأخلاقية الأنطولوجية والأنثروبولوجية باسم الحرية الشخصية. هي صفقة القرن مع الشيطان بواسطة أبناء هذا الدهر الذين يخططون لجعل البشرية نوعين: أسياد متحكمين منفصلين وعبيد مسوقين بشهواتهم وأهوائهم ومشتركين في همومهم وهواجسهم المفروضة عليهم بخبث …
* * *
اليأس يجعل الإنسان لا قرار له ولا طاقة. إنه استسلام تام للرغبة بالموت. اليأس موت قبل الموت. يهوذا الإسخريوطي يأس فانتحر. يأس لأنه خاب رجاؤه بتحقيق مشروع حياته أي أن يحكم اليهود العالم بالمسيح كملك، وبالتالي أن يكون شريكا في السلطة. اليأس هو الخضوع للامعنى وللعدم٠ هذا ما يولّد مرارة في النفس لا يستطيع الانسان أن يحتمل وجعها، مما يدفع به إلى الرغبة بإيقاف الألم عبر إنهاء ما يسببه. قد يقتل الانسان نفسه أو آخر … المهم أن ينتهي الألم.
* * *
ما هو علاج اليأس؟! … الرجاء “وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا” (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 5). الرجاء من الله يأتي. يتنزل علينا عطية حب من لدن العليّ. من هنا، الرجاء ثابت و يقيني، لا شك فيه لأن الله صادق (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ٣ : ٤). ليس الرجاء تمنيات وأمل يمكن أن يتحقق أو لا يتحقق. إنه أمر موثوق ومؤكد. لماذا؟! لأن الله حي وفاعل …
طبعا، ما لم يكن الإنسان مؤمنًا بأن الله موجود وعامل وحاضر في تاريخ البشرية لا يستطيع أن يترجى خلاصًا في هذا العالم. الخلاص من الطرق المسدودة لا يمكن أن يكون إلا بقوة الله الذي يحل عقدنا المستحيلة بأبسط مما يمكن أن يتصوره عقلنا الصغير والمحدود. المسألة هي مسألة إيمان بالله لأن أعمال الإنسان على نفسه أو على البشر فقط باطل …
* * *
إذا كان الموت هو نهاية الحياة فبئس الحياة إذ لا معنى لها سوى العدم. إذا لم يوجد استمرارية للكائن البشري بعد انعدام النسمة من الجسد فما قيمة الإنسان سوى تراب ورماد … خارج الإيمان لا أجوبة على هذه الأسئلة. إذا كان الخالق لا يهتم بصنع يديه فهو ظالم ولا يمكن عبادته. لكن الباري محب وعطوف ورحيم ووديع ومتواضع. هذا هو الإيمان بالخالق في المسيحية. الرب لم يترك خليقته فريسة لليأس المتأتي من الموت الروحي بل منحها رجاء الغلبة بالمسيح على موت الروح والجسد.
اليأس الأكبر هو يأس الأنسان من نفسه. هذه حرب تعرض للمؤمن وغير المؤمن. الشرير موجود ويبث سمومه للبشرية وفيها. فقط من كان عنده روح الرب يستطيع أن يميز التجارب الروحية من النفسية. الحرب النفسية تطال غير المؤمن والمؤمن والحرب الروحية يخوضها من أراد أن يحيا بروح الله…
أن نحيا مع الرب وأن نموت عن ذواتنا لأجله هذا أفضل بكثير من أن نحيا لأنفسنا. الله هو الحياة ومعه لا مجال لليأس … بعيدًا عن الله يطالنا الاحباط وتغلبنا رغبة الموت ونستسلم لليأس …
الله خلقنا للحياة وهو الحياة والحق والنور … فلا ندعنّ الكذاب يخدعنا ويقودنا بحسده وظلمته إلى اللاوجود …
الله حي … الله محبة … حيث الله هناك فرحنا والله ما على كل موت …