Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (19) بعد العنصرة- العدد 42

15 تشرين الأوّل 2023

كلمة الرّاعي

المَجْمَع المَسكونيّ السّابع

مِنْ شهر أيلول إلى تشرين الأوّل من العام 787م.، اِلتَأم المَجْمَع المَسكونيّ السّابع في مدينة نيقية، برعاية الإمبراطورة إيريني بصفتها الملكة الوَصيّة على ابنها القاصر قسطنطين السّادس البرفيريّ الَّذي لم يكن قد تجاوز العاشرة من العمر.

رَأَسَ المَجمع البطريرك طراسيوس، بطريرك القسطنطنيّة، وحضره ممثّلون عن البابا أدريانوس وبطاركة كلّ من الإسكندريّة وأنطاكية وأورشليم. وقد بلغ عدد المشتركين 376 شخصًا، إلى جانب عدد كبير من الرّهبان.

سبب انعقاد المجمع كان تحديد موقف الكنيسة في مسألة إكرام الإيقونات، استنادًا إلى المَجامع المسكونيّة السّابقة وتعليم الآباء، وإعادة استعمال الإيقونات في الحياة الكنسيّة بعد أن كانت الدّولة ومُناصِريها حظّروا إكرام الإيقونات وعملوا على مُصادرتها وإتلافها ومُلاحقة مكرّميها والمُدافعين عنها في حرب دامت مئة وعشرين سنة.

وجدير بالذّكر أنَّ الاِضطهاد كان قد بدأ بمرسوم ملكيّ أصدره الإمبراطور لاون الثّالث الإيصوريّ عام 725م. وامتدّت فترة الاِضطهاد الأوّل إلى عام 787م.، حيث أُحْرِقَتْ الإيقونات وقُتِلَ المُدافِعون عنها ونُكِّلَ بهم مِنْ عِلمانيّين وإكليروس. وانتهت المرحلة الأولى في ظلّ حكم الإمبراطورة إيريني الّتي دعت إلى انعقاد المجمع المسكونيّ السّابع.

المرحلة الثّانية من الاِضطهاد امتدّت من العام 813م. لغاية العام 842م. بعد موت الإمبراطور ثيوفيلوس المُحارِب للإيقونات، قامت الإمبراطورة ثيودورا بوقف هذا الاضطهاد الشَّنيع.

*          *          *

ما يقوله محاربو الإيقونات أنّ الله حَرَّم في وصاياه رسمًا له لأنّه لم يُرَ ولا يُرى. ويعتبرون أنّ إكرام الإيقونات لا يجوز لأنّه حينئذٍ يعبد النّاس المادّة. طبعًا، حرّم الله على العبرانيّين الصّور والمنحوتات: “لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ…” (لاويين 26: 1) و “لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا صُورَةً مَّا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ أَسْفَلُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ…” (تثنية 5: 8). بالتّأكيد، الله لا يُرى ولا يُوصَف ولا يُدرَك بألوهيّته، لذلك لا يُمكِن تَصويره. أمَّا الرَّبّ يسوع المسيح الإله-الإنسان فنصوّر شخصه في طبيعته البشريّة وذلك لأنّ “الْكَلِمَة صَارَ جَسَدًاوَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا” (يوحنا 1: 14). هنا تكمن المسألة الأساسيّة في موضوع إكرام الإيقونات واستعمالها في العبادة. لو لم يظهر الله في الجسد لما استطعنا تصويره، “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ…” (1تيموثاوس 3: 16). قبل التّجسُّد، أعلن الله عن تجسّده في العهد القديم في مواضع عديدة، وخاصَّة لمّا ظهر لإشعياء النّبيّ في الرّؤيا: “رَأَيْتُالسَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ” (إشعياء 6: 1). عندما نَرسُم الرَّبّ في طبيعته البشـريّة لا نكون قد خالفنا الوصيّة الإلهيّة لأنّنا لا نَرسُم الألوهة إذ هي غير  منظورة وغير مدركة بل نُؤكِّد سرّ التّجسُّد بتصويرنا لجسد ابن الله المُتألّه، للإنسانيّة المُتألِّهَة في المسيح يسوع “ابن الإنسان”، كما يسّمي هو نفسه في الإنجيل. لمّا “صار الكلمة جسدًا” صار الجسد كلمة وكُتِب في الإيقونة. لذلك، في كنيستنا الأرثوذكسيّة لا نتكلّم على رسم الإيقونات بل على كتابة الإيقونات (εικονογραφία). ومن هنا، من يتقبّل سُكنى “الكلمة الإلهيّ” فيه بكلمة الكتب المقدّسة بروح الله يتحوّل هو نفسه إلى كلمة مكتوبة عن الرَّبّ، إلى إيقونة، وهذا هو حال القدّيسين ولذلك نصوّرهم.

*          *          *

غاية التّجسُّد وسِرُّ التَّدبير الخَلاصيّ كلّه هو أن نصير إيقونات أي أن نُشبه الله ونتشبّه به. لنحقّق هذا علينا أن نترك الله يكتبنا بإصبع رحمته حافرًا قلوبنا الحَجريّة الصوّانيّة بألم طاعة كلمته بسكب روحه فينا للتّوبة، أوَّلًا، طريقًا للتّنقية ليصير هو ظاهِرًا فينا بالوَصيّة المُعاشَة المَحفور هو فيها إيقونة في قلوبنا تحوّلنا إليها متى صارت هي حياتنا. “يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ” (يوحنا 6: 68). فقط كلمة يسوع تمنحنا حياة أبديّة وتجعلنا أبناء الدّهر الآتي، أي إيقونات لأبناء الملكوت الَّذين هم كلّهم على صورة ومثال يسوع المسيح.

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة