Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (17) من متّى- العدد 5

29 كانون الثّاني 2023

كلمة الرّاعي

المؤمن والخروج الدَّائم من العالم

فلنُطهِّرْ أنفُسنا من كلّ أدناسِ الجسَدِ والرُّوحِ،

ونكمِلِ القداسةَ بمخافَةِ الله“ (2 كو 7: 1)

في هذا الزَّمن الَّذي نعيش فيه، صار التزام الوصايا الإلهيّة أمرًا مُستغربًا عند النَّاس، بعامّة، لأنّ منهج الخطيئة استحكم بعقول البشر. مفهوم ”مخافة الله“ صار يُجَابَهُ، عند بعض الَّذين يتعاطون الإيمان، بالإعلان أنّ الله محبّة وبالتّالي لا خوف منه أو أمامه أو معه. هذا ينعكس في تربية الأولاد وفي العلاقة معهم في المنزل وفي المدارس، من خلال مفهوم ”حرِّيَّة الفرد حقوقه“ والَّذي يمتدّ مع الإنسان في كلّ مراحل حياته، وهذا ما يتمّ استغلاله لضرب الإنسانيّة لأنَّك حين تتعاطى المبادئ الإيمانيّة وانبثاقاتها الأخلاقيَّة بروح عالميَّة ومنطق تحليليّ عقليّ بعيدًا عن سرِّ الله والإيمان تنحرف عن الحقّ وتقع في الفردانيّة والأنانيّة.

إذا نظرنا إلى نتائج هذه المفاهيم على حياة النّاس ورُقِيِّهِم الأخلاقيّ لوجدنا ثمارًا إيجابيّة وأخرى سلبيّة. الايجابيّات ترتبط باحترام الإنسان وكرامته من خلال حقّه بالعيش الكريم والطَّبابة والتّعليم ووجود محاسبة وقانون لإحقاق شيء من العدالة الاجتماعيّة. لكنَّ، السلبيّات الّتي طرأت بسبب هذه المفاهيم تتخطّى كلّ حدود لأنّها تنتهك سرّ كينونة الإنسان وحقيقته الوجوديّة الجوهريّة. لذا، تحت عنوان أنَّ الله محبّة تُنتَهَكُ صورة الله في الإنسان من خلال دفع هذا الأخير إلى العيش ككائن حَيّ يطلب لَذائذ الجسد وإشباع رغائبه ضاربًا بعرض الحائط كلّ نظرة إلى حقيقة ومعنى الإنسانيّة كما تُظهرها الطَّبيعة نفسها وكما تُستَعلن في المسيح الإله المتجسِّد.

*          *          *

المرأة الكنعانيّة، في إنجيل اليوم، تمثِّل الإنسانيّة الّتي تعبد أهواءها وابنتها المعذّبة هي ثمرة هذه الأهواء في حياتها.

اليوم العالم كلّه تحت سطوة الإعلام الَّذي يريد أن يضع الإنسان تحت قيود عبادة ملذّاته وشهوات جسده الّتي هي الأوثان القديمة معروضة بطرق جديدة وجذّابة أكثر من ذي قبل ومن زاوية أخرى ليست هي الخوف من الإلهة بل بالعكس هي طلب التّنعّم في الحياة وشغف اللَّذَّة وشبقها الّتي قد تتغطَّى أحيانًا بصورة أرقى نسمّيها ”حياة الرَّفاه“.

الرَّبُّ أتى لتكون لنا الحياة ”ولتكون أفضل“ (يو 10: 10)، لكن ما هو الأفضل في عين الله ليس الأفضل في عين العالم والعكس صحيح. لذلك، يدعو الرَّسول بولس المسيحيّين: ”اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ“(2 كو 6: 17—18).

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، الحياة المسيحيَّة خروج دائم ومستمرّ ومتواصل من العالم. هي حركة انفصال عن العالم المُستعبَد لفرعون أي أسياد المال والسّلطة وعن مصر أي الرَّفاه والملذّات. الرَّاحة، بمعنى طلب الكسل وإشباع الشَّهوات، هي مصدر قلق آنيّ وأبديّ في آن لأنّ الرَّاحة الحقيقيّة وهي السّلام الدّاخليّ يأتي من سُكنى روح الله في الإنسان وليس من محفِّزات خارجيّة جسد-نفسانيَّة           (psychosomatique) يزول مفعولها بعد قليل من زوال مسبّباتها.

طريق السَّلام الدَّاخليّ والاستقرار والفرح هو محبّة الله الّتي تجعل الإنسان يسعى إلى الطّهارة في النّفس والجسد، وهذا المسعى إلى طهارة القلب هو الخروج المطلوب من العالم رغم وجودنا في العالم، كما قال الرَّبُّ لتلاميذه: ”لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ“ (يو 15: 19).

أن نخرج من العالم لا يعني الامتناع عن حياة العالم، فحسب، بل هو السّلوك في ”القداسة بمخافة الله“(2 كو 7: 1)…

ومن استطاع أن يقبل فليقبل!…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة