Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (11) بعد العنصرة- العدد 34

20 آب 2023

كلمة الرَّاعي

الكاهن والرِّعاية

”يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟قَالَ لَهُ:نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ.قَالَ لَهُ: ارْعَ خِرَافِي“ (يو 21: 15)

مذبح الرّبّ هو الإنسان. سرّ الذّبيحة أتمّه المسيح لخلاص العالم ببذله دمه على الصّليب ليحرِّر الإنسان من سلطان الموت. هو راعي الخراف، والخراف هي له. خادم المذبح ليست الخراف له بل للذّي انتدبه ليخدمه في الخراف النّاطقة. خادم المذبح هو واحدٌ من الخراف، هو قائدها، ولكنّ الرَّاعي واحد وهو المسيح. ”أنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل…“ (حز 34: 15—16).

الرَّاعي الَّذي على قلب الله هو من يتشبّه بالله الرَّاعي. خلاص النّفوس يبدأ بالاهتمام بآلام البشر وأمراضهم وضعفاتهم، هذا من ناحية، كما يرتبط جوهريًّا بالعدل بين الخراف وعدم وجود من يتسلّط على الآخَرين بقوّته أو بنفوذه أو بمصالحه …، هذا من ناحية أخرى.

الرِّعاية لها وجهان: العناية برحمة وحنان والتَّأديب في الحَقّ بحزمٍ واستقامة. غياب أحد الوَجْهَيْن يُؤدّي إلى خلل. هذان الوجهان يصحّان للرَّاعي والرَّعيّة. المسؤوليّة متبادلة بين الرَّاعي والرَّعيَّة. روح الشّركة يجب أن تحكم العمل في طاعة كلمة الله. العمل يجب أن يتناسق مع البنيان الكنسيّ، أي أنّ الشَّعب المؤمن مع الكاهن يعملون في طاعة الله بكلمة حقّه المقطوعة باستقامة من خلال الأسقف. لا بُدَّ مِنَ الشَّركة الدّائريّة                        (Périchorèse) في الخدمة الكنسيّة كجوهر لاهوتيّ لكلِّ عملٍ كنسيّ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه لا يوجد هرميَّة تراتبيّة بل هرميَّة مسؤوليّة وأبوّة والَّتي هي عكس التّراتبيّة الهرميَّة حيث رأس الهرم فوق والقاعدة أسفل، إذ هرميَّة المسيح الّتي كشفها لنا هي الّتي يكون رأسها في الأسفل وقاعدتها في الأعلى. الرأس يحمل ثقل كلّ ما فوقه وليس العكس. هذه هرميّة ”إخلاء الذّات“ الّتي جسّدها المسيح في سرّ تدبيره الخلاصيّ، والّتي على خادم المذبح أكان أسقفًا أم كاهنًا أن يعيشها.

*          *          *

اليوم، التَّجارب تحيق بالكلّ، لا سيّما الضيقة المادية التي يعاني منها بلدنا وأيضًا التَّحدّيات الأخلاقيّة الّتي تواجه المؤمن والعائلة. مطلوب اليوم أكثر من أي وقت رعاية متجدِّدة وتواصل أقوى بين الرَّاعي والرَّعيَّة لتثبيت الرَّعيَّة في الحَقّ والاهتمام بحاجات الخراف النّاطقة المتعدِّدة عبر المشاريع المختلفة الّتي تحافظ على العائلة وتبني الأطفال وتثقّف الشَّبيبة وتسند الضُّعفاء وتعزّي المتألِّمين. قيادة الرَّاعي أساسيّة في هذا المجال بالتّعاون مع مجالس الرَّعيّة والجمعيَّات المُختلفة.

المسؤوليّة، اليوم، تزداد ثقلًا ولذا وجب على الرُّعاة أن يَزدادوا قوّة روحيَّة. هذا يتمّ بصلاتهم وصومهم وتعفّفهم واتّضاعهم، هذا من جهة، وبوقوف المؤمنين ومجالس الرَّعايا والجمعيّات المختلفة بجانبهم في كلّ عمل مطلوب.

الهدف واضح والرُّؤية معروفة، إذ كلّ شيء هو لأجل خلاص الإنسان. الأسقف هو الرَّاعي الأوّل، وهو يرعى عبر الكهنة خراف المسيح النَّاطقة، كما أنّ واجبه أن يراقب صحّة التّعليم والخدمة واستقامتهما. الكهنة يقودون المجالس المختلفة في رعاياهم ويربّون خدّامًا قادةً معهم، لأنّ القائد النّاجح هو الَّذي يلد قادة ويُشركهم معه في الخدمة. القيادة في الكنيسة أساسها روح الخدمة والاتّضاع، إخلاء الذّات وطاعة الكلمة الإلهيَّة، التّضحية والمحبَّة الّتي لا تطلب لذاتها شيئًا.

حين يكون الأسقف قويًّا بنعمة الله يقوى الكهنة، وحين يكون الكهنة أقوياء بنعمة الله يقوى الأسقف، وحين يكون الأسقف والكهنة أقوياء بنعمة الله تقوى الرّعايا والنّور في الظُّلمة يضيء.

رجاؤنا في الخدمة أن يصير شعب الله كلّه قدّيسين. والقداسة يتعلّمها الإنسان بالعِشرة مع القدّيسين. على الإكليروس أن يكونوا قدّيسين ليعلّموا القداسة. ولا قداسة دون تقوى، ولا تقوى دون صلاة وصوم، ولا صلاة وصوم دون ثمار هي الفضائل. الإكليروس يجب أن يقتنوا الفضائل الإلهيَّة ليصيروا معلّمين للكلمة بالحياة والقول.

*          *          *

ليتكامل العمل وينمو، لا بُدّ من تحديد المسؤوليًّات الواجبة على الإكليروس والمؤمنين، وهنا يقول الرَّسول بولس: ”إنْ كُنَّا نحنُ قد زَرَعنا لكم الرُّوحِيَّاتِ أفيكونُ عَظيمًا أنْ نَحْصُدَ مِنكُمُ الجسديَّات؟“، أي أنّ عمل الإكليروس الأساسيّ هو البُنيان الرّوحيّ للمؤمنين، وبالمُقابل على المؤمنين أن يكرّموا خدّامهم في المسيح لأنّه يكرّمون المسيح فيهم بأن يؤمّنوا لهم معيشة لائقة والاحترام الواجب كَوْن هذه هي مسؤوليّتهم في حياة الشَّركة الكنسيَّة. طبعًا، البشارة عمل الجميع بتكامل المواهب في الجسد الواحد الَّذي للرَّبّ، ولكن ”أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذينَ يَعْمَلُونَ فِي الأَشْيَاءِ الْمُقَدَّسَةِ، مِنَ الْهَيْكَلِ يَأْكُلُونَ؟ الَّذينَ يُلاَزِمُونَ الْمَذْبَحَ يُشَارِكُونَ الْمَذْبَحَ؟ هكَذَا أَيْضًا أَمَرَ الرَّبُّ: أَنَّ الَّذينَ يُنَادُونَ بِالإِنْجِيلِ، مِنَ الإِنْجِيلِ يَعِيشُونَ“ (1 كو 9: 13 و14).

الرَّاعي هو المبشِّر باستمرار في حياته الخاصَّة والعامَّة، في عائلته، في كلّ قَوْل وفعل وفي رسالته البشاريّة التَّعليميَّة. على الكاهن أن يصير راعيًا على صورة معلّمه، أن يحبّ خراف الرَّبّ حتّى بذل دمه وحياته لأجلها على صليب إخلاء الذّات مِنْ كلّ مصلحة وتسلُّط لكي يقدّم للرّبّ، حين يقف أمامه، في الدّينونة شعبًا مستعدًّا وأمّة مقدَّسة.

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة