Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (6) بعد العنصرة – العدد 30

24 تمّوز 2022

كلمة الرَّاعي

الكاهن والرِّعاية: رجل المواهب

في رسالة هذا الأحد السّادس بعد العنصرة، تتلو علينا الكنيسة المقطع الإنجيليّ من رسالة الرَّسُول المُصطفى بولس إلى أهل رومية (12:6—14)، حيث يتحدّث الرَّسُول عن المواهب في الكنيسة المُعطاة من الله للمؤمنين لأجل تكميل الخدمة في جسد المسيح انطلاقًا من إيمانه بأنّ الجماعة المسيحيَّة هي مجموعة أعضاء مترابطة عضويًّا بعضها ببعض وبالتَّالي متكاملة مع بعضها البعض، ”هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ“ (رو 12: 5).

يطلب الرَّسُول من المؤمنين أن يقوم كلّ منهم بدوره كعضو في جسد المسيح بناء على الأساس الَّذي هو أنّنا لسنا لأنفسنا بل للرَّبّ وأنَّ الحياة المسيحيّة هي تقدمة حياتنا ذبيحة محبّة للَّذي بذل نفسه لأجلنا لكي نتقدّس معه وبه وفيه، إذ يطلب منّا قائلًا: ”فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ“ (رو 1 و2).

الخدمة المطلوبة من المؤمن في الكنيسة هي، إذًا، بحسب الموهبة المُعطاة له ولكن بناءً على تقديم الحياة كلّها لله ذبيحة مَرضيَّة أي كعبادة عقليَّة، بمعنى آخَر الحياة والخدمة بحسب النِّعمَة الواحدة في المواهب المتعدِّدة هي ذبيحة حياتنا المقدَّمة كعبادة أو ليتورجيا دائمة في خدمتنا اليوميّة والمستمرَّة للمسيح في جسده وفي العالم…

*          *          *

الكاهن هو المذبوح أبدًا طالما هو في هذا العالم باختياره قبول النِّعمة الإلهيّة الَّتي للنَّاقصين تكمّل وللمرضى تشفي، هذه النِّعمة الَّتي تنتدبه إلى الحفاظ على وديعة خراف المسيح الَّذين ستُطلَب نفوسهم منه في يوم الرَّبِّ الرَّهيب. كلّ المواهب الَّتي يتحدّث عنها لرسول بولس في رسالة هذا الأحد تُعطى للكاهن وهو مسؤول عن استثمارها وسيُحاسب على ما فعله بها لأجل بنيان جسد المسيح ولأجل خلاص نفوس الَّذين أُوكِل برعايتهم، لأنّهم أمانة يجب أن يردّها للرَّبّ في الدُّينونة…

الكاهن هو نبيّ الإيمان لأنّه يحمل حرارة الرُّوح في البشارة ونقل الكلمة الإلهيّة الَّتي هي الحقّ، فلا يجوز له أن يحيد عن الحقّ أو أن يُحابي الوجوه أو يخضع لمشيئة النَّاس لئلّا يغادره روح القوّة ويصير خاضعًا لإبليس عدوّ الحقّ والكذّاب وأبو الكذّاب.

هو، أيضًا، الخادم للرَّعيّة لأنّ الرَّبّ علّمنا قائلًا: ”وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا” (مت 20: 27). هو، إذًا، يستعبد ذاته للكلّ ليربح الكلّ للرَّبّ، إنّه لا يطلب ما لذاته بل ما للرَّبَّ وهو يعلم أنّه مهما فعل فما هو إلّا عبد بطّال صنع ما قد أُمِر به (راجع لوقا 17: 10).

الكاهن هو أيضًا وأيضًا الْمُعَلِّمُ والْوَاعِظُ والْمُعْطِي بِسَخَاءٍ والْمُدَبِّرُ بِاجْتِهَادٍ والرَّاحِمُ بِسُـرُورٍ. هذه الصِّفات أو المواهب يجب أن يتحلّى بها الكاهن وأنْ يعيشها في كلّ حياته ورعايته للنُّفوس الَّتي سيُسأل عنها عند مجيء ربّنا يسوع المسيح في مجده مع الملائكة القدِّيسين.

لا يمكن للكاهن أنْ يكون كسولًا أو متكبّرًا أو أنانيًّا أو جاهلًا أو غير قادر على نقل الكلمة الإلهيّة أو أن يكون بخيلًا أو ديَّانًا أو قاسي القلب أو عبوسًا أو غير متسامح. كلّ هذه الصِّفات تُعطى لمن يجِدُّ في اقتنائها، ويخسرها من كانت لديه ولا يستثمرها في خدمة الرَّبّ.

الكاهن هو قائد سفينة رعيّته بإخلائه لذاته لِيَسُود فيه المسيح فيكون الرَّبّ فيه الكُلّ في الكُلّ وهذا يكون كاهنًا إلى الأبد على رتبة ملكيصادق.

الكاهن هو رجل صلاة وتوبة وعزيمة قويّة هو لا يخاف شيئًا أو بشرًا لأنّه يحيا ليكون أمينًا لسيّده الَّذي إذا ما وجده أمينًا في كلّ لحظة يطلبه فيها يستجيبه في صلباته وتضرُّعاته وتوسُّلاته لأجل رعيّته ويمنحه كلّ خير وبركة من الرُّوحيّات والماديَّات، لأنّ من يحبّون الله لا يحتاجون إذ الرَّبّ أمين أن يكفيهم في كلّ حين.

الكاهن راعٍ على صورة الرَّاعي الصَّالح الوحيد الرَّبّ يسوع المسيح، عليه أن يسعى في طلب الخروف الضّال وأن يكون قدوة لخراف المسيح في المحبّة والتَّضحيّة والتَّجرُّد والنَّقاوة والصَّلاة والخدمة. الكاهن الحقّ تراه مرسومًا في كلمته الّتي ينطقها بالرُّوح القدس لأنّه ليس عنده كلمة سوى يسوع ينطقه حياة وشهادة يوميَّة في الزِّيارة والافتقاد والتَّعليم والوعظ والتّنبّوء لكي يُرضي من جنّده…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة