Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (20) بعد العنصرة- العدد 44

30 تشرين الأوّل 2022

كلمة الرَّاعي

الغنى والفقر 

”لِلثَّعَالِب أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ“ (مت 8: 20)

حالة ”التّعتير“ الأكبر هي حين يصير الإنسان دون مسند رأس، لا بيت له ولا مَن يسأل عنه ولا من يهتمّ لأمره. الأصعب حين يكون هذا الإنسان يحيا تحت أنظار الآخَرين وهو مُهمَل ومنبوذ أو مُحتقَر. يصير الإنسان أحيانًا لا شيء في نظر الآخرين أي هو غير موجود أي غير محبوب… أن تنوجد في اللّامحبوبيّة يعني أن تحيا مظلومًا من البشر، أن تختفي من الوجود بالنّسبة إليهم…

لكن، هل يترك الرّبّ الإنسان؟ هل ينساه؟…

”لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ“ (إش 53: 2—3). هذه هي صورة عبد الرّبّ أي يسوع المسيح إلهنا الَّذي أتى وشاركنا بؤسنا وفقرنا وآلامنا وغربتنا. النّاس في غربةٍ عن بعضهم البعض، والمؤمن غريب في الأرض. المسيح أتى ليجمع المتفرّقين إلى واحد وليتبنّى الغرباء فيجعلهم أبناء الله وورثته.

*          *          *

يعتقد النّاس، بعامّة، أنّ وجودهم وقيمته ترتبط بما يملكون أي بغناهم الأرضيّ. المثل العامّيّ يقول: ”معك قرش بْتِسْوَا قرش“. بناء على المقتنيات تُقدَّرُ الكرامات. هذا منطق العالم.

لكنّ، السّؤال الجوهريّ هو: من أين تأتي قيمة الإنسان؟ ومن أين يستمدُّ أهمّيّته؟

الجواب في المسيحيّة هو أنّ قيمة الإنسان وأهمّيته تأتيان من صورة الله فيه ومن مدى تشبّهه بخالقه. أي أنّ حقيقة الإنسان وكينونته لا تنفصل عن حقيقة الله، وعظمة الإنسان كرأس الخليقة تأتي من تمييزه عند الخلق عن باقي الكائنات، إذ أنّ حياته يستمدُّها من روح الرّبّ أي من الله ذاته: ”وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً“ (تك 2: 7). الإنسان تراب من الأرض وروح من الله. لذا، حقيقة الإنسان هي أنّه كائن أرضيّ-سماويّ. ما هو أرضيّ زائل وما هو سماويّ خالد. من يطلب الزّائلات يحيا في طين الحمأة (الطِّينُ الأسْوَدُ الْمُنْتِنُ الْمُتَغَبِّر) وهو إلى الهباء. من يطلب السّماويّات يكون قلبه فوق وهو عائش أسفل فيصير إطلالة الملكوت على العالم.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، من يطلب الغنى فليغتني بالرّبّ ومن افتقر فليفتقر للرّبّ. ”حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا“ (مت 6: 21).

ما نفع ما نملك ما لم يكن لعيش سرّ الشّركة، لأنّ الله شركة محبّة في سرّ الوحدة. الإنسان لا يمكنه أن يفرح ما لم يغتني بالرّبّ أي يمتلئ منه، ولن يفرح بالرّبّ ما لم يدخل في شركة ووحدة مع الإنسان ومع الكون، ولن يدخل في شركة مع أيّ آخَر ما لم يفتقر من نفسه أي يحيا إخلاء الذّات ولن يحيا الإخلاء ما لم يحبّ الله أوَّلًا وقريبه كنفسه.

الغنى هو أن تربح الملكوت منذ الآن بالشّركة مع الله والآخَر، والفقر هو أن تربح العالم وتخسر نفسك…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة