Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (5) بعد العنصرة (آباء المجمع المسكونيّ الرّابع)- العدد 29

17 تمّوز 2022

كلمة الرَّاعي

العقيدة والحياة: طبيعتا المسيح

”إنّ المسيحَ هو نفسُه. تامٌّ في الألوهة وتامٌّ في البشريّة.

إلهٌ حقٌّ وإنسان حقّ“ (المجمع المسكوني الرابع)

كلمة الله صادقة لأنّها تحمل الحقّ أي تكشف سرّ الله. فلا حقّ ينوجد خارجًا عن الكلمة الإلهيَّة. كلّ ما ومَن هو من الله ينسجم مع كلمته ويترجمها حياة في كلّ آنٍ. ليست الكلمة الإلهيّة فلسفة أي يمكن أن تبقى على مستوى التَّنظير العقليّ، بل هي حياة حقيقيَّة مُختَبَرَة، هي عيش بالرُّوح القدس.

آباء الكنيسة على مرّ العصور هم الَّذين يحفظون الإيمان في حياتهم اليوميّة وفي تعليمهم. هم يَلدون أبناء الكنيسة في إنجيل الحقّ لحياة جديدة، إذ ينقلون إلينا خبرة عيش ”الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ“ (يهوذا 1: 3).

تحديدُ العقيدة جاء كردِّ فعلٍ على نشوء هرطقات تخالف بتعليمها خبر حياة الكنيسة والمؤمنين، ممّا اضطرّ الكنيسة إلى الالتئام في المجامع المحليّة أو المسكونيّة (الَّتي كان يدعو إليها الأباطرة) لتوضيح الإيمان ونبذ التّعاليم المخالفة للحقيقة وتحديد الإيمان من خلال الصِّيَغ العقائديّة الّتي هي وليدة خبرة الآباء والكنيسة في عيش الإيمان بالرَّبّ وعطيّة الرّوُح القدس الَّذي ألهم واضعيها.

*          *          *

انعقد مجمع خلقيدونية سنة 451 للنَّظَر بمسألةٍ كانت تقضّ مضجع الكنيسة وهي تتعلّق بشخص الإله المتجسّد. كان أوطيخيوس (Εὐτυχής) رئيس دير في القسطنطينيّة يضمّ أكثر من ٣٠٠ راهبًا، يدعمه ديوسقورس بطريرك الإسكندريّة، هذا قال إنّ طبيعتَي المسيح، الطَّبيعة الإلهيّة والطَّبيعة البشريّة، اتّحدتا وصارتا بعد تأنّسه طبيعة واحدة، إذ ابتلعت الطَّبيعة الإلهيّة الطَّبيعة البشريّة. وقد سند تعليمه هذا كانت على مقولة لعامود الإيمان القدِّيس كيرلُلس الإسكندريّ وهي أنّه يوجد “طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسِّد”، حيث كان يقصد قدّيسنا بكلمة ”طبيعة“ الشَّخص أو الأقنوم. رفض الأقباط والسّريان والأرمن، تعليم مجمع خلقيدونيّة الَّذي أكدّ إيمان الكنيسة بوحدة شخص المسيح وبـ”الطَّبيعتين في المسيح”، الطَّبيعة الإلهيّة الكاملة والطَّبيعة البشريّة الكاملة. بالنّتيجة انشقّ الأقباط والسّريان والأرمن عن الكنيسة لرفضهم عقيدة وحدانيّة أقنوم الكلمة الإلهيّ الَّذي هو شخص واحد في طبيعتين كاملتين إلهيّة وبشريّة.

تعليم أوطيخا يرفضه اليوم الَّذين انشقّوا عن مجمع خلقيدونية، وخاصّة أنّه يؤمن بوجود طبيعتين للمسيح قبل التَّجسُّد (وفي هذا يتشابه مع أوريجنّس الإسكندريّ في نظريّة الوجود الأزليّ للأرواح)، غير أنّه لم يعترف سوى بطبيعة واحدة بعد التَّجسُّد إذ اعتبر أنَّ اللّاهوت قد امتصَّ النّاسوت وأذابه فيه كما تذوب نقطة عسل عندما تسقط في محيط من الماء. الحوار العقائديّ بين الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة والمشرقيّة قد أظهر أنّ الاختلاف العقائديّ أساسه في جزء كبير منه لغويّ.

*          *          *

مسألة وحدة شخص الرَّبّ يسوع المسيح ومحافظة كلّ طبيعة من طبيعتَيه على خصائصها  هي مسألة جوهريّة للخلاص، لأنّه لو لم تعد الطَّبيعة البشريّة الّتي للمسيح موجودة في أقنومه أي لو أنّها ذابت في الطَّبيعة الإلهيّة، حينها لا يعود من معنًى للتَّجسُّد ولا إمكانيّة لتألّه الإنسان إلّا بذوبانه في الله أي خسارته لوجوده الشّخصيّ. من هنا، إنّ اتّحاد الطَّبيعتين الإلهيّة والبشريّة في أقنوم الكلمة الإلهيّ هو ”دون اختلاط ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال“. هذا يؤدِّي إلى ما سمّاه الاباء تبادل الخصائص من خلال الوَحدة في الأقنوم. فما هو للإله نطلقه على الإنسان وما هو للإنسان نطلقه على الإله. فالإله مات ولكن بالجسد أي بالطَّبيعة البشريّة وليس الإلهيَّة، لهذا يقول الرَّسول بولس        عن اليهود بأنّهم ”لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ“ (1 كو 2: 8). أيضًا، ما هو للإله صار مُشتركًا مع الإنسان، لذلك الألوهة كشفها يسوع لتلاميذه حين تجلَّى أمامهم على جبل ثابور وفي كلّ أعماله وعجائبه.

نتيجة هذا علينا كبشر، أنّا في المسيح صرنا مشاركين الحياة الإلهيّة أي ما لله صار مُعطى لنا، وقوّة الألوهة وصفاتها فاعلة فينا. على هذا الأساس صرنا أبناء الله أي مشاركين ليسوع المسيح ابن الله الوحيد في ميراث أبيه أي في ملكوته أي في تغيُّر طبيعتنا لتصير متّحدة بالطَّبيعة الإهيّة بواسطة النّعمة غير المخلوقة.

*          *          *

أيّها الأحبّاء، هذه هي دعوتنا في المسيح أن نصير آلهة بالنَّعمة وليس في الجوهر أي أنّ الله بيسوع المسيح يهبنا في الرُّوح القدس صفاته وحياته ويُتْحِدُنا به إلى الأبد.

إذا لم يكن للمسيح طبيعتين متّحدتَين في أقنومه الواحد الإلهيّ بدون انقسام أو انفصال أو امتزاج أو اختلاط فلا شركة لنا مع الله ولا روح قدس يسكن فينا بالنِّعمَة ولا ميراث لنا في الله لأنّنا لا يمكننا أن نتّحد به.

الله يريدنا أن نصير مثله لذلك أعطانا ابنه الَّذي وحّدنا فيه ليقيمنا معه ”خليقة جديدة“ كاملة في الكامِل…

ومن استطاع أن يَقبَل فليَقبَل …

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة