نشرة كنيستي- أحد السّجود للصّليب المُقدَّس- العدد 14
04 نيسان 2021
كلمة الرّاعي
الصَّليب فرح كلّ المسكونة
هل نحن نمجِّد الألم حين نكرِّم صليب الرَّبّ؟! هل نحن قَوْمٌ نتلذَّذ بالأوجاع حين نحتفل بآلام المسيح وصلبه؟! طبعًا لا!… نحن جماعة قياميِّين، لأنّ الصَّليب صار لنا في المسيح تحقيقًا لغلبة الحياة على الموت والحبّ على البغضاء والحسد.
العالم الَّذي لا يعرف الله بحسب يسوع المسيح أو بحسب الكلمة الإلهيّ المبذور في نفس كلّ إنسان مَبيع لشهواته أي هو تحت حكم الشّيطان. يسوع المسيح ابن الله الوحيد وكلمته هو رسم أقنوم الآب (راجع عبرانيين 1: 3)، والإنسان مخلوق على صورة الابن في البشريّة الحاملة سرّ الثّالوث.
الصَّليب لا قيمة له خــــلاصيَّة بذاته، هو صار رمزًا للتّنازل الإلهيّ الأقصى ولمحبَّة الثّالوث اللّامتناهيّة للبشريّة والخليقة جمعاء وللمجد الإلهيِّ المبيد الجحيم … عليه حقَّق المسيح ولادة البشريّة الجديدة من جنبه… الكنيسة…
* * *
الخليقة الجديدة في المسيح، ترنّمت بترنيمة جديدة نحو حمل الله الخروف المذبوح لأجل العالم قائلة: ”مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ…“ (رؤيا 5: 9-10). المسيح مات على الصَّليب ليجعل البــــــشـــــر أخصَّاء لله وأبناء له، أي الَّذين يؤمنون به، فيصيرون على شبه ابنه ملوكًا وكهنة يملكون على الأرض في سرّ السِّيادة بالمحبَّة والاتّضاع ويكهنون له بتقديم الذّات ذبيحة ”ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ…“ (رومية 12: 1) أي بعيش سرّ المسيح فيهم من خلال خبرة صنع مشيئة الله الصّالحة في طاعة الوصيَّة بقوّة الرّوح القدس. هذه هي البشارة والكرازة الَّتي يطلبها المسيح من تلاميذه من المسيحيِّين. هذا هو معنى حَمْلُ الصَّليب في إِثْرِ المسيح…
* * *
في العالم، حيث تسود الخطيئة ويحكم إبليس، لا يستطيع الإنسان أن يسلك في البِرِّ بدون ألم، لأنّ طبيعتنا صارت ضعيفة، وبيئتنا ممزوجة بمظاهر وأفكار وأعمال وروح الشّرّ والخطيئة. من هنا، لا يمكن لإنسان أن يتبع المسيح في هذا العالم دون أن يحمل الصَّليب، أي دون أن يقبل بالموت عن العالم وحياته ومنطقه وفكره ومتطلّباته وحاجاته وما يولِّده كلّ يوم من أوهام ضرورات للوصول إلى السّعادة. صليب الإنسان المعاصِر، بالمعنى العالميّ للصّليب، هو عدم شبعه واكتفائه ممّا يستعبده له العالم. هذا صليب عالميّ يؤدّي إلى موت أبديّ. أمّا صليب الرّبّ فهو قبولنا حمل الألم والضّيقة والغربة عن العالم لأجل طاعة الله. هذا صليب يؤدّي إلى حياة أبديَّة. ”فإنَّهُ ماذا يَنْتَفِعُ الإنسانُ لو رَبحَ العالَم كُلَهُ وخَسِرَ نفسَهُ؟ أمْ ماذا يُعطي الإنسانُ فِداءً عن نَفْسِهِ؟“ (مرقس 8: 36—37). للحرّيّة ثمن، والثّمن قد دفعه المسيح وهو دمه المقدَّس (راجع: 1 كورنثوس 6: 20 و7: 23؛ عبرانيين 10: 29)، فمن يستهين بهذا السّـــرّ يخســـر حياته الأبديَّة، لأنَّه لا أحد يستطيع أن يخلِّص الإنسان إلّا رئيس كهنتنا العظيم الَّذي أدخلنا معه إلى قدس الأقداس إلى ملكوت السّماوات بدمه مرَّة وإلى الأبد.
* * *
أيُّها الأحبّاء، الصَّليب، بالنّسبة لنا، يحمل في ذاته قوّة القيامة والحياة الجديدة لأنّ المسيح عليه غلب الشِّرِّير وقيَّد التِّنّين المولِّد أفكار الفساد أعـني إبليس. في المسيح وعلى الصَّليب ”ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ“ (1 كو 15: 54). في المسيح القائم من بين الأموات دُشِّنت الخليقة الجديدة الَّتي فيها الله هو ”الكلّ في الكلّ“ (1 كو 15: 28).
في هذا الأحد نضع الصّليب بين الرّياحين والزّهور والورود ونرنّم: ”لصليبك يا سيّدنا نسجد ولقيامتك المقدسة نمجّد“. صار الموت لأجل المسيح بابًا للحياة الّتي لا نهاية لها. كلّ شيء في هذه الفانية يبهت ويبلى أمام حياة الدّهر الآتي حيث ”مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ“ (1 كو 2: 9).
إنّ سرّ الصَّليب هو أنِّي ”أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّـرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ“، إنّه سرّ قوّة الله الظّاهرة والفاعلة في ضعف الإنسان. لا وَهَن في المسيح، لأنَّني ”أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي“ (فيليبي 4: 13). بهذا صار الصَّليب سلاح غلبتنا في هذا العالم بإيماننا واتّحادنا بيسوع المسيح الرّبّ الَّذي صُلِبَ عليه مفجِّرًا الجحيم ومطلقًا حياته في العالم بروح الآب له المجد إلى الأبد آمين.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما