Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (21) بعد العنصرة- العدد 45

06 تشرين الثّاني 2022

كلمة الرَّاعي

الحرب على الكنيسة

الشّيطان لم ولن يتوقَّف عن محاربة الإنسان أو بالأحرى مشروع الإنسان في البشر لأنّه يُحارِب الله. وحرب الشّرير خطيرة لأنّها ترتدي طابع الحضارة والرُّقيّ الإنسانيّ! …

لماذا الحرب على الإنسان لأنّه هو “كنيسة الله”، “هيكل الرَّبّ”. الحرب هي ضدّ المسيح يسوع، الإنسان الحقيقيّ الوحيد.

ترتدي هذه الحرب أيضًا طابع إبادة البشر عبر الحروب والأمراض والعُقم. لها وَجهان، واحد إيجابيّ الظّاهر سلبيّ الجوهر وآخر سلبيّ المَظهر والفعل.

الشّيطان يعمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة. الطّريقة المُباشرة هي عبر بثّ أفكاره المُنحرفة في النّفوس الضّعيفة، والغير المباشرة هي عبر البشــر المسبيّين منه الّذين ينشـرون خبثه وكذبه ودماره عبر الوعود الزّائفة بالحرّيّة والعيش الكريم والسّعادة.

*          *          *

الحصن الوحيد في العالم ضدّ الشّيطان هي الكنيسة جسد المسيح، الكنيسة المُستقيمة الرّأي والحياة والتّقليد. يظنّ البَعض أنفسهم مُستقيمين وهم مُنحرفين ويتّهمون غيرهم بالانحراف. هذه من أصعب الحروب لأنّ الشّيطان يوهم النّاس بأنّهم في الحَقّ في حين هم في الباطل، ومن يكون في الحَقّ يُظهرونه وكأنّه في الباطل. حرب الشّيطان في الكنيسة تمويهيّة لأنّه كما يقول الرّسول بولس، بعد خبرة مع الأرواح الشّرّيرة، بأنّ”الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!” (1كورنثوس 11: 14). مقياس الاستقامة في الإيمان هو المحبّة أي الحُنوّ ونبذ روح الدّينونة. لا يستطيع أحد أن يكون قائمًا في الحقّ دون أن يكون رَحيمًا. حرب الأصوليّة على الكنيسة وفيها هي من الشّرّير الَّذي يخدع غير المختَبَرين موهِمًا إيّاهم بأنّهم روحيّون إذ يتمسّكون بحذافير الشّريعة الإلهيّة حرفًا دون روح فيوقعهم في الفرّيسيّة البَغيضة وخداع الذّات فيما هم يكونون مُمتلئين عُقَدًا وأهواء. هذه حرب اليَمين.

مقياس السّلامة الرّوحيّة الاتِّزان، والاتِّزان عدل ورحمة، بذل وتأديب، دينونة للذّات وتبرير للخاطئ، طاعة كاملة للوصيّة الإلهيّة وحَمْلٌ لضعف الآخَر.

*          *          *

السّعادة في البَشَـرَة وَهْمٌ، لأنّ سِفرَ الجامعة يقول: “بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ … الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ…” (1: 2 و8). السّعادة يطلبها الإنسان في الرّفاه، والرّفاه يرتبط بالتّطوّر والازدهار، والحضارة تزعم منح الإنسان الرّقيّ والفرح. لكن، ها إنّ الشّعوب المُسمَّاة مُتحضِّـرَة قد شوَّهَتِ الإنسانيّة دمّرت العائلة ورباط المحبّة بين الإخوة بمزاعم الحرّيّة والاستقلاليّة.

*          *          *

الاستقلاليّة والفردانيّة هما وهم حرّيّة قاتلة، لأنّ الإنسان لا يقوم دون رباط حبّ مع الآخَر، والحبّ ليس عواطف ومشاعر ودغدغة أحاسيس، المحبّة إخلاء للذّات وموت عن الأنا وفرح بالآخَر في الله. والحضارة اليوم تبني الإنسان على هذا الأساس أي أنّه قائم بذاته لذاته، وهذا ما يدفع البشـر والمجتمعات إلى مزيد من التّقوقع والانفلاش. التّقوقع بسبب محوريّة الأنا وإلغاء الآخَر والانفلاش بسبب تشيـيء الذّات والآخَر واستهلاكهما في سبيل لذّةٍ ما. حرب العالم و”أمير هذا العالم” أي “إبليس” هي ضدّ بُنيان الإنسان على “الصّخرة” أي المسيح. كلّ ما يُصنَع وكلّ ما يُقدَّم لإنسان اليوم هو لكي ينسـى المسيح. هذه حرب اليسار.

*          *          *

“لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ” (فيليبي 1: 21) هكذا أعلن بولس الرّسول وهكذا اختبر بعد حروب وجهادات واضطّهادات. هذه هي خلاصة الوجود: المسيح هو الحياة. من عرف المسيح وَجَدَ ضالّته وإجاباته عن كلّ أسئلته الوجوديّة ودخل سرّ الفرح السّرمديّ ومن رفضه دخل دوّامة ألم وضياع لا نهاية لها…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة