نشرة كنيستي- أحد تجلّي ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح- العدد 32
06 آب 2023
كلمة الرَّاعي
الحرب بين أبناء النّور والظّلمة
”وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“ (يوحنّا 3: 19)
الرَّبّ يسوع المسيح هو ”نور العالم“ (يوحنا 8: 12). هو نور ليس بالمعنى المجازيّ للكلمة، بل بالمعنى الفعليّ الكيانيّ والجوهريّ، لأنّ ”الله نور وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ“ (1 يوحنا 1: 5).
حين تجلَّى الرَّبُّ يسوع على جبل ثابور أمام تلاميذه، ”تَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ تَلْمَعُ بَيْضَاءَ جِدًّا كَالثَّلْجِ، لاَ يَقْدِرُ قَصَّارٌ عَلَى الأَرْضِ أَنْ يُبَيِّضَ مِثْلَ ذلِكَ“ (مرقس 9: 2—3). لقد كشف سرّ ألوهيّته من خلال إظهار نورها غير المخلوق الّذي يحمل في ذاته كلّ الطّاقات الإلهيّة المؤلِّهة للبشر… هذا النّور غير المخلوق هو نور المعرفة الكلّيّة لله بحسب ما يستطيع كلّ إنسان أن يتقبّل تبعًا لحالته الرّوحيّة ونقاوته، وهو النّور الّذي يكشف أسرار الوجود للإنسان، كونه سرّ خبرة الدّخول في الوحدة مع الله… وهذا هو التَّألّه…
* * *
اليوم، نحن نعيش في زمن تكثَّفت فيه ظلمة نفوس البشر، صاروا قساة القلب والرّقاب ”مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلًا وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا، نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ للهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، بِلَا فَهْمٍ وَلَا عَهْدٍ وَلَا حُنُوٍّ وَلَا رِضىً وَلَا رَحْمَةٍ“ (رومية 1: 29—31). ها هو التّاريخ يعيد نفسه، البشر لا يتعلّمون بل يزدادون عنادًا لأنّهم متمسّكون بكبريائهم وريائهم… شرّهم صعد أمام الله (راجع يونان 1: 2)، فهل من ينادي بالتّوبة؟!…
الإنسان، في كلّ عصر، هو هو، لأنّ أهواءه هي نفسها، لأنّ نفسه ما زالت في السّقوط… وإنسان السّقوط هو إنسان الخطيئة، لذلك قال الجامعة: ”مَوْضِعَ الْحَقِّ هُنَاكَ الظُّلْمُ، وَمَوْضِعَ الْعَدْلِ هُنَاكَ الْجَوْرُ!“ (3: 16). من يصنع الخطيئة ومن لا يريد أن يتوب يظلم نفسه، أوَّلًا، ولا يقدر أن يعدل لأنّه ليس له في ذاته قوّة الحقّ الّتي بالرّوح القدس، لأنّ روح الله لا يسكن في إناءٍ معاند!…
* * *
”فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ“ (يوحنا 16: 33). المسيح وحده غلب الشّرير، إبليس، وعالم الشّيطان. لا غلبة للإنسان على الشّرّ إلّا بالمسيح وفيه. خارج الكنيسة لا تستقرّ النّعمة الإلهيّة في أحد. فقط في جسد المسيح يسكن الرّوح القدس. هو يتحرّك ويفعل في كلّ الخليقة، ولكنّه ساكن في جسد المسيح… ملء النّعمة في الكنيسة، عمل النّعمة في الكون كلّه. من كان للمسيح عاش في طاعة كلمته. كلمة يسوع حياة أبديّة (راجع يوحنا 6: 68) ونور لخطى الإنسان وقلبه (راجع أمثال 6: 23). من يرفض كلمة المسيح هو ابن للظّلمة، والكلمة تدينه في اليوم الأخير. أبناء النّور هم أبناء طاعة الكلمة الإلهيّة، ولذلك هم في حرب لا هوادة فيها مع الشّرّ… وما هي أسلحة هذه الحرب؟! إنّها ”أسلحة النّور“ (رومية 13: 12) أي منطقة الحقّ ودرع البِرّ وأحذية البشارة بإنجيل السّلام وترس الإيمان وخوذة الخلاص وسيف الرّوح أي كلمة الله، هذا هو سلاح الله الكامل (راجع أفسس 6: 13—17).
* * *
”الضَّلاَلُ وَالظُّلْمَةُ خُلِقَا مَعَ الْخَطَأَةِ، وَالَّذِينَ يَرْتَاحُونَ إِلَى الشَّرِّ، فِي الشَّرِّ يَشِيخُونَ“ (سيراخ 11: 16). الشّرّير يخسر حياته إذ يفكّر بالشّرّ في قلبه لأنَّ مخافة الله ليست أمام عينيه، والبارّ يربحها لأنّه يلهج بكلمة الله الّتي تنير مهجته. حيث ذكر الرَّبّ يسوع فهناك النّور والنّعمة، وحيث نُكران الرَّبّ يسوع ورفضه فهناك الظّلمة والنِّقْمَة.
الإنسان على صورة الله هو، لذلك، لا يمكن له أن يجد راحة وسلامًا وفرحًا ما لم يدخل في علاقة كيانيّة مع خالقه أي ما لم ينفتح على النّور الإلهيّ بطاعة الوصيّة الّتي تنقّي القلب والكيان. لا شركة بين النّور والظّلمة، ومن كان ابنًا للنّور فلا يقدر أن يقبل بأعمال الظّلمة أي أعمال الشّرّ الّتي تناقض محبّة الله ومحبّة الإنسان. من هنا، أبناء النّور أعداء للظّلمة وحياتهم في النّعمة الإلهيّة تصير نورًا من الله يبدِّد ظلمة هذا العالم.
مَنْ كان مِنَ النّور يُقْبِلُ إلى النّور ويصير نبراسًا يهتدي به الّذين يبحثون عن الحقّ… عن الحبّ… عن الله…
ومن له أذنان للسّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما