Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد (8) بعد العنصرة- العدد 32

07 آب 2022

كلمة الرَّاعي

التّجلّي حقيقة الإنسان

ترتّل الكنيسة في سَحَر عيد التَّجَلِّي: “أيُّها المسيح لمّا لبستَ آدم بجملته، غيّرتَ الطَّبيعة الَّتي أُظلمتْ قديمًا، وجعلْتَها لامعةً، وألّهتها بتغيّير صورتك”.

كلمة “تَجَلِّي” تَرِدُ في النَّصِّ الإنجيليّ بعبارة”Metamorphosis”  الّتي تعني “تغيّر”. المقصود هنا تغيّر “إلى ما بعد الشَّكل- أبْعَد مِنَ الشَّكْل”، فكلمةMeta  تعني “بعد” Beyond، وكلمة(μορφή) morphe  تعني الشَّكل.

طبيعتنا البشريّة صارت مُظلِمَة بعد السُّقوط. ماذا يعني هذا الأمر؟

قبل السُّقوط كان الإنسان يسكن في النِّعْمَة الإلهيَّة والنِّعْمَة تسكن فيه باتّحاد أقنوميّ في حرّيّة الطَّاعة بالمحبّة لله. والنِّعْمَة الإلهيّة هي نور الله غير المخلوق الَّذِي ينبعث من الجوهر الإلهيّ أي من الآب بِالابْن في الرُّوح القدس. كان الإنسان متّحدًا بالإله، بالثَّالوث القدّوس، وشريكًا في حياة الله، في هذه الحياة الإلهيّة الّتي هي شركة الحُبّ الإلهيّ (perichoresis). كان نور الله يملأ كيان الإنسان، كان الإنسان واحدًا في ذاته، غير منقسم على نفسه، حياته هي عطاء الذّات بالكُلّيّة للخليقة

وشركائه في الطَّبيعة الَّذِين كان واحدًا معهم، كانت حياته هذا الامتداد بالحبّ نحو الله عبر الخليقة والآخَر. هذه كانت حقيقة الإنسان الدَّاخليّة والخارجيّة. عندما سقط الإنسان انقسم على ذاته والكلّ، صار يوجد حاجز من الظُّلمة بين ذاته الخارجيّة وذاته الدّاخليّة، صار داخله غير ما يُظهِر وخارجه غير ما يُبطِن. هو لم يعد يعرف ذاته لأنَّ الخطيئة أَدْخلَتْ إلى كيانه “حائط السِّياج المتوسِّط” (أفسس ٢: ١٤)، هذا الحائط هو الحاجز الَّذِي مُنِع الإنسان بواسطته من الدُّخول إلى الفردوس بعد السَّقْطَة. المسيح أتى ليزيل الحاجز بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان والله وبين الإنسان والخليقة، وما تجلّي الرَّبّ أمام تلاميذه سوى إعلانه عن إعادة هذه الوحدة بين الإنسان وذاته والله والخليقة في شخص ابن الله المتجسِّد.

    *   *   *

ها هي النِّعْمَة الإلهيّة تستقرُّ مجدَّدًا في الطَّبيعة البشريّة بواسطة أقنوم يسوع المسيح. ها هو النُّور الإلهيّ غير المخلوق يُنير كيان الإنسان من جديد في يسوع. ما كشفه الرَّبُّ يسوع لتلاميذه الثَّلاثة الشُّهود على حادثة التَّجلّي ليس سوى حقيقة الإنسان الآتية أي طبيعته المتجلِّيَة في ملكوت السَّماوات. هذه حقيقة الإنسان الأنطولوجيّة (ontological) والآخريّة (eschatological).

الطَّريق إلى هذه الحقيقة الإيمانيّة الّتي عاشها وما زال يَعيشها آباء الكنيسة هو التَطهُّر والإستنارة والتَّألُّه.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

مواضيع ذات صلة