الأحد 31 تمّوز 2022             

العدد 31

الأحد (7) بعد العنصرة

اللّحن 6- الإيوثينا 7

أعياد الأسبوع: *31: تقدمة عيد زيّاح الصَّليب الكريم المُحيي، القدّيس أفذوكيمس الصِّدِّيق، القدّيس يوسف الرّامي *1: بدء صوم السّيّدة، عيد زيّاح الصّليب الكريم المُحيي، الشّهداء الفتيان المكابيّين السّبعة وأمّهم صلموني ومعلّمُهم لعازر *2: نقل عظام استفانوس أوّل الشّهداء ورئيس الشّمامسة *3: الأبرار اسحاقيوس وذلماتس وففستس، القدّيسة سالومة حاملة الطّيب *4: الشّهداء الفتية السّبعة الّذين في أفسس *5: تقدمة عيد التّجلّي، الشّهيد إفسغنيوس، القدّيسة نونة أمّ القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ *6: تجلّي ربنّا وإلهنا يسوع المسيح.

كلمة الرّاعي 

زيّاح الصَّليب وصَوْم السَّيِّدة

جهاد الإمساك ونِعْمَة الحفظ بالبركة

تُعيِّد الكنيسة المقدَّسة في الأوَّل من آب لِعِيد زيّاح الصَّليب الكَريم المُقدَّس. كانت العادة في القسطنطينيّة، في مثل هذا اليوم، أنْ يُصار إلى إخراج عود الصَّليب من كنيسة القصر المَلَكيّ إلى كنيسة الحكمة المُقدَّسة والتّطواف به بمواكبة حشد من الكهنة والشّمامسة  يُبَخِّرونه في الطَّريق ويتبعهم حشود من المؤمنين. كانوا يتوقّفون أوّلًا عند بيت المعموديَّة الصَّغير حيث يجري تقديس المياه بتغطيس الصَّليب فيها ثمّ يُصار إلى نَضْحِ المؤمنين بها. من ثَمَّ يتوجّه الموكب إلى كنيسة الحكمة المُقدَّسة (آجيَّا صوفيَّا) حيث يوضع الصَّليب في الكنيسة للتَّبَرُّك.

في الأيَّام التّالية، يُطاف بِعُودِ الصَّليب الكريم في كلّ الأحياء على مدى أيّام صوم السَّيِّدة العذراء إلى مساء عيد الرّقاد في 14 آب. نَشَأَ هذا العيد والزّيَّاح بعد أن تعرَّضت المدينة المتملّكة لوباء، وشُفي شعبها وزال الوباء بعد التّطواف بِعُود الصَّليب في المدينة وحولها. وهكذا صار هذا العيد يُحتَفَل به سنويًّا من أجل حماية سكّان العاصمة من الأوبئة الَّتي هي سريعة الانتشار في الأيّام الحارّة من السَّنة.

*          *          *

في الأوّل من آب ننطلق في مَسيرة صوم السَّيِّدة، هذا الزَّمن المحبوب لدى الشَّعب المؤمن والَّذي يصومه البعض بالانقطاع عن الزَّيت والنَّار إكرامًا لوالدة الإله. إنّ هذا الصَّوْم يدلّ على المكانة الَّتي تتمتّع بها أمُّ الرَّبّ في الوجدان الكنسيّ والشَّعبيّ كشفيعةً للمؤمنين. ولذلك، وضعت الكنيسة صلاة التَّعزية، البراكليسي، الَّتي تُقام كلَّ يومٍ من أيّام هذا الصَّوْم والَّتي يُشارك فيها المؤمنون بكثافة.

الإمساك أي الصَّوْم هو أساس الجهاد الرُّوحيّ. مَظَاهِرُهُ يجب أن تنبع من تَقْوَى داخليّة وقناعة راسخة بأهمّيّته في محاربة الأهواء والأرواح الّتي في الهواء، لأنّ التَّجربة تدخل الفكر من خلال الحواس الَّتي هي نوافذ القلب.

الإمساك والصَّليب صِنْوَانِ لأنّ كلًّا منهما أداة مؤلِمة ولا مَفَرَّ منها للخلاص والغلبة على الشِّرّير. من هنا، ذكرى الزّياح بصليب الرَّبّ تُشَدِّد المؤمن في بداية صوم السَّيِّدة وترافقه بركته وقوّته خلال كلّ مدة الإمساك.

في هذا الإطار، نقرأ في صلاة المساء لعيد زيّاح الصَّليب ما يلي: ”أيّها البشرُ المتوغّلون في تيّارِ الحياة، والمندفعونَ في عاصفِ أمواجِ الأهواء، لِنُبَادِرْ بإيمانٍ نحوَ العودِ الكريمِ كأنّما إلى سفينةٍ خلاصيّة، فإنّهُ يُسكِّنُ الزّوابعَ والرّياحَ ويُبيدُ الأهواء، فنَبْلُغَ بسرورٍ إلى الميناءِ الهادِئ الخلاصيّ“.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، ها زمن جهاد روحيّ يأتينا، ها زمن ربيع النّفوس يوافينا، لأنّ جهاد الإمساك مع الصّلاة بقوّة وبركة عود صليب الرَّبِّ المُكَرَّم فرصة لنا لنتطهّر ونتنقَّى. ها إنّ النّعمة تنتظر من يطلبها والبركة تترقَّبُ من يَنشُدُها. الطّريق واضح وصريح: إمساكٌ عن الطّعام عربونًا للإمساك عن الأهواء، وصليبُ الرَّبّ سلاحُ غلبة بيد المؤمن على الشّرير وزبانيّته.

زمن الصَّوْم دائمًا فرصة انتصار تُعطى لنا بالصَّلاة والامساك للتَّدرُّب والتّعلّم من خبرة الكنيسة المقدَّسة وآبائها وقدّيسيها. ما أحْوَجُنا في هذا الزَّمان إلى روح جهاديّة في وجه الرُّوح الانهزاميّة، إلى روح صلابةٍ في وجه روح الرَّخاوة، إلى روحِ قوّةٍ في وجه روح الضّعف، إلى روح العفّة في وجه روح الشّهوة، إلى روح الشّركة في وجه روح الأنانيّة، إلى روح التّواضع في وجه روح الكبرياء والتّسلُّط وإلى روح الإيمان الفاعل بالمحبّة في وجه روح الإلحاد العمليّ الفاعل بالأَثَرَة...

اليوم، صليب الرّبّ ينبّهنا ويوقظنا من سبات غفوة الموت الرّوحيّ لكي يمنحنا رجاءً بالغلبة إذا اتّكلنا على الَّذي صُلِب عليه لأجل حياة العالم وإذا قبلنا أن نَصلب العالم على صليب المحبّة الإلهيّة وأن نُصلب نحن لأجل العالم حبًّا بالَّذي بذل نفسه لأجلنا...

الكلّ إلى فناء، يبقى وجه ربّك وحده إلى الأبد وأنت تبقى معه أيضًا إذا كنت إليه بالحبّ والشّركة والاتّضاع والأمانة... طريقك إليه صليبه الَّذي تختبره حياة متجدِّدة بالتَّوبة في جهاد الصّلاة والإمساك والمحبّة لله وللقريب...

ومن استطاع أن يقبل فليقبل...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)

إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.

طروباريّة القدّيس يوسف الرّامي (باللَّحن الثّاني)

إنَّ يوسُفَ المُتَّقي أَحْدَرَ جسدَكَ الطَّاهرَ من العُود، ولفَّهُ بالسَّباني النَّقيَّة وحنَّطَه بالطِّيبِ، وجهَّزَهُ وأضجعَهُ في قبرٍ جديد، لكنّكَ قُمْتَ لثلاثةِ أيّام يا ربّ، مانِحًا العالم الرَّحمةَ العُظمى.

قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)

تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.

الرّسالة (رو 15: 1-7)

خلِّص يا ربُّ شعبَكَ وبارك ميراثَك

إِليكَ يا ربُّ أصرُخُ إلهي            

يا إخوةُ، يجبُ علينا نحنُ الأقوياءَ أن نحتملَ وَهْنَ الضُّعفاءِ ولا نُرضيَ أنفسَنا. فليُرضِ كلُّ واحِدٍ منَّا قريبَهُ للخيرِ لأجل البُنيان، فإنَّ المسيحَ لم يُرضِ نفسَهُ، ولكنْ، كما كُتِبَ، تَعييراتُ مُعَيِّريكَ وقعَتْ عليَّ. لأنَّ كلَّ ما كُتِبَ من قبلُ إنَّما كُتبَ لتعليِمنا، ليكونَ لنا الرَّجاءُ بالصَّبرِ وبتعزية الكُتب. وليُعطِكُم إلهُ الصَّبرِ والتَّعزيةِ أن تكونوا مُتَّفقي الآراءِ في ما بينَكم بحسَبِ المسيح يسوع، حتّى إنَّكم بنفس واحدةٍ وفمٍ واحدٍ تمجّدون الله أبا ربِّنا يسوعَ المسيح. من أجل ذلك فليتَّخذ بعضُكم بعضًا كما اتَّخذكم المسيحُ لمجدِ الله.

الإنجيل(متّى 9: 27-35)(متّى 7) 

في ذلك الزَّمان، فيما يسوع مُجتازٌ تبعهُ أعميانِ يَصيحان ويَقولان ارحمنا يا ابنَ داوُد. فلَّما دخل البيتَ دنا إليهِ الأعميانِ فقال لهما يسوع: هل تؤمنانِ بأنِّي أقدِرُ أن أفعَلَ ذلك؟ فقالا لهُ: نعم يا ربُّ، حينئذٍ لَمَس أعينَهما قائلًا: كإيمانِكُما فليكُنْ لَكُما. فانفتحت أعينُهما. فانتَهرَهما يسوعُ قائلًا: أنظُرا لا يَعلَمْ أحدٌ. فلَّما خرجا شَهَراهُ في تلك الأرضِ كلّها. وبعد خروجهما قدَّموا إليهِ أخرسَ بهِ شيطانٌ، فلمَّا أُخرِجَ الشَّيطانُ تكلَّم الأخرسُ. فتعجَّب الجُموع قائلين لم يَظهَرْ قطُّ مثلُ هذا في إسرائيل. أمَّا الفرّيسيون فقالوا إنَّهُ برئيسِ الشّياطين يُخرج الشّياطين. وكان يسوع يطوف المُدنَ كلَّها والقُرى يعلِّمُ في مجامِعِهم ويكرِزُ ببشارة الملكوتِ ويَشْفي كلَّ مَرَضٍ وكلَّ ضُعفٍ في الشَّعب.

حول الرّسالة

كونوا أقوياء

خلقَ اللهُ الكُلِّيُّ الصَّلاحِ الإنسان، وميَّزهُ عن بقيَّةِ خلائقِهِ بِأَنْ يكونَ على صورتِهِ ومِثالِه، وسلَّطَهُ على كلِّ شيء. ولِكُلٍّ منَ النَّاسِ فرادَتَهُ. وبعدَ أن دخلت الخطيئَةُ حياتنا صارَ لِكُلِّ واحدٍ منَّا سَعيهُ وجهاده الخاصَّين، "بعضُنا يُنتِجُ ثلاثين ضعفًا والبعضُ ستِّين والبعضُ مِئَةَ ضعفٍ" (متَّى 13: 8).

وصارَ هناكَ تفاوتٌ "روحيٌّ" بين النَّاس. فهناكَ من كرَّسَ ذاتَهُ للهِ بالكُلِّيَّة، وهنا من يحبُّ اللهَ فيُظهِرُ ذلكَ بخدمَةِ أبنائِهِ في العالم، والبعضُ الآخرُ يعيشُ حياةَ اللَّذةِ والتَّهاونِ مُبتعدًا عن الله كالابنِ الشَّاطرِ قبلَ أن يتوب.

الرَّسول بولس في رسالةِ اليومِ يميِّزُ بينَ أناسٍ أقوياء وأناسٍ ضعفاء، ويوصي الأقوياء قائلًا: "يجبُ علينا نحنُ الأقوياءَ أنْ نَحْتَمِلَ وَهَنَ الضُّعَفاءِ ولا نرضي أنْفُسَنا" (رو 15: 1) وبالتَّأكيد هو لا يقصدُ القوَّةَ والضُّعفَ الجسديَّين. فما المقصودُ بذلك؟ بالتَّأكيد القوَّة والضُّعف من خلالِ المفهومِ الرُّوحيّ، شمشون كانَ قويًّا بالجسد لكنَّهُ كان ضعيفًا أمامَ دليلة وإلحاحها.

الله قويّ "قدوسٌ القويّ" وهو مصدرُ القوَّةِ للإنسان "أستطيعُ كلَّ شيءٍ في المسيحِ الَّذي يقوِّيني" (في4: 13).

فمن أرادَ أنْ يكونَ قويًّا عليهِ أن يستمِدَّ قوَّتَهُ من الرَّبِّ يسوعَ لا مِنْ سواه، وأنْ يصارِعَ خطاياهُ على الدَّوام، وأن يجاهِدَ ساعيًا ألَّا يكونَ عبدًا لأيٍّ من شهواتِ هذا العالم.

الرَّسُول بولس يُوْصي الأقوياءَ بالمسيحِ بأنْ يفتحوا أحضانَهم لكلِّ ضعيف. يقول القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفم: "هل أنتم أقوياء؟ الفضلُ للهِ الَّذي جَعَلَكُمْ كذلك. إنَّنا نحنُ كنَّا ضعفاء وصِرنا أقوياء بالنِّعمَة. فلنُقوِّ الضُّعفاءَ بالنِّعمَةِ أيضًا".

فإنْ كنَّا أقوياءَ بالنِّعمةِ الإلهيَّة علينا أن نترجِمَ ذَلِكَ فِعلًا، "فليُرضِ كُلُّ واحِدٍ منَّا قريبَهُ للخيرِ لأجلِ البُنيان" أي أن يكونَ اندفاعُنا نحو الضُّعفاءِ محبَّةً بهم لأجلِ خلاصهم، وليسَ محبَّةً بمديحٍ من أحدٍ أو بِعُجُبٍ من أنفسِنا.

لنتذكَّر دائمًا أنَّ الله تنازَل وحملَ ضعفنا، فعلينا إذًا أن نردَّ لهُ دَيْنَهُ هذا بأن نحملَ ضعفَ إخوتنا الأصاغر، وبهذا نرتفعُ وإيَّاهم فننمو ونتقوَّى بالنِّعمة. وهذا لن يكونَ إلَّا باحتمالِ دَنَسِ هذا العالم، وبالتَّعزيةِ وبالصَّبرِ المُعطى لنا من الرَّبِّ يسوع لهُ المجد. آمين

الكنيسة عروس المسيح

عادةً، يبدأ العروسان بالتَّحضير للعُرس قبل سنة من موعد الإكليل، ويهتمّان بأدقّ التَّفاصيل، من زينة الكنيسة، والتَّصوير، واللِّباس، والسَّهرة، وما يرافق العرس من كماليّات، من أجل أن يكون كلّ شيء مُميّزًا وناجحًا. حتّى بعض الَّذين يخضعون لدَوْرات إعداد زواج، في الأبرشيَّات الَّتي تتَّبع هذا التَّدبير، لا يكترثون لمضمونها، ويلتزمون بالحضور شكليًّا، ناسين أنَّ مِن شأن هذه الدَّورات أن ترشدهم إلى حياة زوجيّة مقدّسة، ليكون زواجهم مبنيًّا على أسس إيمانيَّة صحيحة، تثمر عائلة مسيحيّة شبيهة بكنيسة المسيح، لكي تكون "كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلَا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلَا عَيْبٍ" (أفسس 5: 27). باختصار، ينشغلون "بالعُرس" أكثر من اهتمامهم بالزَّواج. لكن، تبقى قلّة عزيزة تنظر أوّلًا إلى سِرِّ الزَّواج أكثر ممّا تنظر إلى العرس.

لذا لا بُدَّ لنا من التَّذكير أنّ المسيحَ أسْلَمَ نفسه من أجل الكنيسة، عروسه. فالمحبَّة "لا تطلب ما لِنَفْسها" (1 كورنثوس 13: 5). الرَّبّ في علاقته بنا يطلب خلاصنا، لنَنْعَم بشركة الميراث معه،  وهو بالحبّ بذل نفسه عنّا. من هذا الحبّ يُفترض بالرَّجل أن يبني علاقته مع زوجته، ويبذل نفسه من أجلها. غاية السَّيّد المسيح من عروسه أن يقدّسها ويطهّرها بمياه المعموديّة بالكلمة، إذ تتقدَّس المياه من خلال السَّيّد المسيح الكلمة، مقدِّمًا صليبه ثمنًا لتقديسنا.

الكنيسة مدعوَّةً إلى أن تكون عروس المسيح، "لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ"، وجماعة المؤمنين مدعوُّون لكي يهتمّوا بعمق تعاليم الرَّبّ، وألّا يكتفوا بالقشور. فالكنيسة لكي تكون دائمًا عروس المسيح، مدعوَّةً بقوّة لكي تعيش المحبّة بامتياز. المحبّة أعظم فضيلة للحياة، وهديّة خالقنا الثَّمينة. إنّها الثَّمرة الأولى الَّتي تنمو في النَّفْس ويندّيها نسيمُ الرُّوح القدس. "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وداعة، تعفُّف" (غلاطية 5: 22)، فإذا سمحنا للرُّوح أن يسكن فينا، أثمرنا بالمحبَّة، والعروس الَّتي تعرف رجلها بالمحبَّة حفظت بيتها. لذا الجماعة العائشة في المحبَّة، تجعل الكنيسة عروس نقيَّة، طاهرة ومقدَّسة.

“إذا أحبّ بعضكم بعضًا، عرف النّاس جميعًا أنّكم تلاميذي” (يوحنّا 35:13). يقول القدّيس باسيليوس الكبير: “إنّ الثمرة الأولى الفُضلى للرُّوح القدس هي المحبّة”. هكذا يضع القدّيس باسيليوس الكبير المحبّة أساسًا لسلّم الثِّمار الرُّوحيَّة. إن لم تكن المحبَّة في الجماعة، فالكنيسة البَيتيّة تنقسم على ذاتها.

"«هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ" ( يوحنّا 15: 12)، إنْ طبّقنا هذه الوصيَّة تكون الكنيسة عروس المسيح، ويكون الزَّواج مُصانًا.

النُّور والإيمان

المطران أفرام كرياكوس

مصدر النُّور هو الله. يقول الرَّبُّ يسوع المسيح الإله - الإنسان:

"أنا نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظُّلمة بل يكون له نورُ الحياة" (يوحنّا 8: 12).

الإنسان المستَنير بنورِ الله يصبح بدوره نورًا للعالم، كما أنَّ نور القمر يأتي من الشَّمس. يعلِّمنا آباؤنا القدّيسون أنَّ الإنسان يستنير بعد أن يُطَهَّر من أدران الخطيئة. لذا، بعد المعموديّة المُقدَّسة، ندعو الطّفل بـ"المستنير جديدًا"، إذ إنَّ المعموديَّة تُدْخِلُ نورَ الله ليسكن ويستقرَّ في قلب الإنسان.

*    *    *

تأتي الاستنارة، أيضًا، من الإيمان، "والإيمان ليس للجميع" كما يقول الرَّسول بولس (2 تسالونيكي 3: 2). الإيمانُ شرارةٌ روحيَّة تلمَعُ في الدِّماغ (étincelle spirituelle) كما يقول القدّيس مكسيموس المُعترف.

صحيح أنَّنا نتربَّى على إيمان ذوينا، لكنَّ الإيمان يبقى "الثّقة بما يُرجى والإيقان بالأمور الَّتي لا تُرى" (عبرانيّين 11: 1). الإيمان هو النَّظر إلى البعيد، كالنظّارتين اللَّتَين تساعداننا على الرُّؤية البعيدة حيث أنّ العَيْنين الطّبيعيّتين وحدهما لا تكفيان.

كيف يستنير الإنسان بكلام الله؟ يبدأ الجهاد بغصب النَّفس في الصَّلاة، في المُطالعة وفي العمل أيضًا. يقول القدّيس يوحنّا السُّلَّمي: "اجتهِدْ أن تحبس فكرك في كلمات الصَّلاة". عندها، تبدأ النِّعمة الإلهيَّة تتحرَّك وهي الكامِنَة في عمق النَّفس، إذ إنَّ كلمات الصَّلاة، أو كلام الله، تنزل من العقل إلى القلب. فإذا ثَبَتَ الإنسان في جهاده تصعدُ النِّعمة إلى كلّ أعضاء الإنسان حتّى أطراف الحواسّ، كما يقول القدّيس ذياذوخس فوتيكي، فيُضْحِي الإنسانُ كلّه ممتلئًا من الرُّوح، وهكذا يستنيرُ الكيانُ كلّه، إلى حدّ أنَّ الفكر يصبح فكرَ المسيح والنَّظَرات نظرات المسيح والسَّمع سمعَ المسيح... هذا ما يحصل عند تناول جسد المسيح ودمه، كما يوضح القدّيس باسيليوس الكبير.

*    *    *

عسانا، بتسليم ذواتنا إلى الإيمان بيسوع المسيح إلهنا، وبجهادنا في الصَّلاة والعمل، نستنيرَ بنور الله ونصبحَ هكذا نورًا لهذا العالم. آمين.

أنقر هنا لتحميل الملفّ