نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد بعد عيد الميلاد
العدد 52
الأحد 29 كانون الأوّل 2024
اللّحن 2- الإيوثينا 5
أعياد الأسبوع: *29: تذكار القدِّيسين الصِّدِّيقين: يوسف خطيب مريم، داوود الملك، يعقوب أخي الرَّبّ، الأطفال الأربعة عشر ألفًا الَّذين قتلهم هيرودوس، البارّ مركلُّس *30: الشَّهيدة في البارّات أنيسيَّة *31: وداع عيد ميلاد المسيح، البارّة ميلاني الَّتي من رومية *1: عيد ختانة ربّنا يسوع المسيح بالجسد، أبينا الجليل في القدّيسين باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصريَّة، القدِّيس غريغوريوس النَّزِيَنْزِيّ والد القدِّيس غريغوريوس اللَّاهوتيّ *2: تقدمة عيد الظُّهور الإلهيّ، القدِّيس سلبسترُس بابا رومية، البارّ سيرافيم ساروفسكي *3: تقدمة عيد الظُّهور الإلهيّ، النَّبيّ مَلاخي، الشَّهيد غورديوس *4: السَّبت قبل عيد الظُّهور الإلهيّ، تذكار جامع للرُّسل السَّبعين، البارّ ثاوكتيستُس.
كلمة الرّاعي
الحياة الجديدة وتجديد الزَّمان
"إِنْ وُجِدَ شَيْءٌ يُقَالُ عَنْهُ: «انْظُرْ. هذَا جَدِيدٌ!» فَهُوَ مُنْذُ زَمَانٍ كَانَ فِي الدُّهُورِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَنَا" (جامعة 1: 10)
يبحث الإنسان عن الجِدَّة في حياته ليَشْعُر بأنَّه حَيّ. هذا يطلبه في التَّغييرات الخارجيّة في حياته. يُحاول دَوْمًا اختراع وَسائل مبتَكَرَة ليُحَوِّل حياته عن الرَّتابة. ومن الأمور الَّتي يعتقد الإنسان بأنَّها تجلب عليه التَّغيير تقادم الزَّمن والأعياد المرتبطة بهذا الأمر، كعيد مِيلاده وذكرى زواجه ومناسباتٍ أخرى خاصَّة أو عامَّة كرأس السَّنة الجديدة... يظنُّ الإنسان بأنّ ما لا يعرفه يُجدِّده إذا تعرّف إليه. لكن "مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ، وَالَّذِي صُنِعَ فَهُوَ الَّذِي يُصْنَعُ، فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ" (جامعة 1: 9).
* * *
الإنسان كَوْنَهُ مَخْلُوق على صورة الله لا يُوجَد شَيء مَخلوق قادر على إشباع رغبته بالحياة الجديدة، لأنَّ الله وهو غير متغيّر وغير متحوِّل إلَّا أنَّه حياة جديدة باستمرار. ليس في الله رتابة رغم عدم تغيّره وليس فيه جُمُود مع أنَّه ثابتُ الوجود. مِنْ هنا فالإنسان لا يمكنه أن يَستَكِين أو يَرتاح إلَّا في التَّجديد، والتَّجديد ليس في اختراع أمورٍ جديدة في حياة الإنسان. الحقيقة العميقة هي أنَّ الإنسان كلَّما دخل إلى أعماقه تجدَّد للمعرفة على صورة خالقه (راجع كولوسي 3: 10) بنعمة الرُّوح القدس. حقيقة الإنسان هي في صورة الله الَّتي فيه، مَنْ لا يعرِف صورة الله فيه يبقى في الضَّجَر والمـَلَل والإحباط واللَّامَعنى للحياة أي في الموْت الرُّوحيّ. شَوْقُ الإنسان إلى الحياة يتَأتَّى مِنْ صورَةِ الله الَّتي فيه لأنَّ الله هو الحياة وخارجَهُ لا تَنْوَجِد إلَّا بمَحْدُودِيَّتها أي مَقرونَةً بالموْت. الحياة والموْت دون الله وَجْهَان لِعملَةٍ واحدة، أمَّا مع الله فالموْت والحياة هما حقيقة واحدة وهي الحياة الأبديَّة، لأنّ الله ليس فيه موتٌ بل كلُّه حياة وبالتَّالي صورتُه مملوءةً من الحياة الأبديَّة، لكن هناك من يَحْيَوْنَها في قيامة حياة كوْنَهم صاروا أبناء الله ومنهم مَنْ تَصير لهم قيامةَ دينونةٍ كوْنَهم رفضوا الله...
* * *
بانتظارِ العام الجديد يتوقَّع النَّاس، عُمومًا، تجدُّدًا لحياتهم يأتيهم مِنَ الغَيْب لذلك تَراهُم ينتظرون أنْ يَسْمَعوا ماذا تقدّم لهم الأبراج أو أن يربحوا في لعب الورق أو الميسر ليبنوا لأنفسهم رؤيةً ما عن السَّنَة القادِمَة. وكأنّي بالإنسان يريد أن يرفع مسؤوليّة نجاحه أو فشله، فرحه أو حزنه، ارتقائه أو انحداره على "القدر" أو "النَّصيب"، متهرِّبًا من مسؤوليّته ودوْرَه في تحديد معنى حياته وطريقها ونتيجتها... ليُلْقِي اللَّوْم على آخَر أو الآخَر بالمطلق أي الله... لكنّ الله "صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ" (جامعة 3: 21). عمل الله أنْ يَهَبَنا حياةً أبديَّةً لأنّه خلقنا لأجل ذلك، عمل الإنسان أن يتلقَّفَ النِّعْمَةَ هذه ويَحْيَا فيها لكي يستمرّ في عَيْشها إلى الأبد. هذا يصنعه الإنسان حين يُدرك أنّه بدون الله لا وجود له، وأنّه صورة الله ولا يمكن أن يجد نفسه ويحقِّقَ ذاته إنْ لم تَتَطابق الصُّورَة مع المِثَال وتتَّحِد به. هذه الحركة الامتداديَّة من الصُّورَة إلى المثال هي الحياة في المسيح والَّتي جَوْهرها التَّوبة أي التَّحرُّك من اللَّاوجود أي الانفصال عن الله بالخطيئة والشَّهوَة والهوى إلى الوجود أي الاتّحاد بالله بالتَّوْبَة أي السُّلوك في البِرِّ والتَّوْقِ إلى الفَضِيلة وطلب حرِّيَّة أبناء الله.
كلَّما خَلَعْنا عَنَّا إنسانَنا العَتيق بشهواته وخطاياه وأهوائِه ولَبِسْنَا الإنسانَ الجدِيد المتَجَدِّد بِنِعْمَةِ الرُّوح القدس على صورة المسيح، نعرف الله مَعرفَةً جديدة ًإذ نتّحِد به ويَصير هو حياتنا والكلّ في الكلّ بالنِّسبة لنا فنَصيرَ نحن به جُدُدًا باستمرارِ انتقالنا من الموت إلى الحياة بواسطَةِ الخُرُوج مِنْ أنْفُسِنا أي "إخلاء الذَّات" بالمحبَّة انفتاحًا على الآخَر المطْلَق أي الله بطاعة الوَصِيَّة الَّتي تَقُودُنا إليه في وَجْهِ كلِّ إنسان... هكذا يصير زمَنُنا جديدًا باستمرار وبمحبّتنا لله وللقريب نجدِّد زماننا وزمان العالم... كلّما تصوَّر المسيح في قلوبنا ووجوهنا وكلّما صار المسيح هو الآخَر بالنِّسْبَة لنا نكون قد دَخَلْنا جِدّة الحياة وأدخلنا العالم في الزَّمن الجديد الأبديَّ وحقيقة الوجود...
ومنه أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)
عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المجدُ لك.
طروباريّة عيد الميلاد (باللحن الرّابع)
ميلادُكَ أيُّها المسيحُ إلهنُا قد أطلعَ نورَ المعرفةِ في العالم، لأنَّ السّاجدين للكواكب به تعلَّموا من الكوكب السّجودَ لك يا شمسَ العدل، وأن يعرفوا أنّك من مشارقِ العلوِّ أتَيت، يا ربُّ، المجدُ لك.
طروباريَّة الأحد بعد عيد ميلاد ربّنا وإلهنا يسوع المسيح (بِاللَّحْنِ الثّاني)
يَا يُوسُفُ بَشِّرْ دَاوُدَ جَدَّ الإِلَهِ بِالعَجَائِبِ البَاهِرَةِ، لِأَنَّكَ قَدْ رَأَيْتَ بَتُولاً حَامِلاً، فَمَعَ الرُّعَاةِ مَـجَّدْتَ، وَمَعَ الـمَجُوسِ سَجَدْتَ، وَبِالـمَلاكِ أُوحِيَ إِلَيْكَ. فَابْتَهِلْ إِلَى الـمَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنَا.
قنداق الميلاد (باللّحن الثّالث)
اليومَ البَتُول تَلِدُ الفائقَ الجوهر، والأرضُ تُقرِّبُ المغارة لِمَن هو غيرُ مُقْتَرَبٍ إليه. الملائكة مع الرُّعاة يمجِّدون، والمجوس مع الكوكب في الطّريق يَسِيرون. لأنّه قد وُلِدَ من أجلنا صبيٌّ جديدٌ، الإلهُ الّذي قبلَ الدُّهور.
الرّسالة (غل 1: 11- 19)
عَجيبٌ هُوَ اللهُ فِي قِدِّيسِيهِ.
فِي الـمَجَامِعِ بَارِكُوا اللهَ.
يَا إِخْوَةُ، أُعْلِمُكُمْ أَنَّ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ لَيْسَ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ، لِأَنِّي لَـمْ أَتَسَلَّمْهُ أَوْ أَتَعَلَّمْهُ مِنْ إِنْسَانٍ، بَلْ بِإِعْلانِ يَسُوعَ الـمَسِيحِ. فَإِنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَدِيمًا فِي مِلَّةِ اليَهُودِ أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُدَمِّرُهَا، وَأَزِيدُ تَقَدُّمًا فِي مِلَّةِ اليَهُودِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي بِكَوْنِي أَوْفَرَ مِنْهُمْ غَيْرَةً عَلَى تَقْلِيدَاتِ آبَائِي. فَلَـمَّا ارْتَضَى اللهُ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ جَوْفِ أُمِّي وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لِأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِسَاعَتِي لَـمْ أُصْغِ إِلَى لَحْمٍ وَدَمٍ، وَلا صَعِدْتُ إِلَى أُورَشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قِبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى دِيَارِ العَرَبِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجِعْتُ إِلَى دِمَشْقَ. ثُمَّ إِنِّي بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورَشَلِيمَ لِأَزُورَ بُطْرُسَ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَـمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ سِوَى يَعْقُوبَ أَخِي الرَّبِّ.
الإنجيل (متى 2: 13- 23)
لَمَّا انْصَرَفَ الـمَجُوسُ إِذَا بِـمَلاَكِ الرَّبِّ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي الحُلْمِ قَائِلاً: قُمْ فَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ، فَإِنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ. فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ، لِيَتِمَّ الـمَقُولُ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا وَأَرْسَلَ فَقَتَلَ كُلَّ صِبْيَانِ بَيْتَ لَحْمَ وَجَميعِ تُخُومِهَا مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونَ عَلَى حَسَبِ الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قَالَهُ إِرْمِيَاءُ النَّبِيُّ الْقَائِلُ: صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَقَدْ أَبَتْ أَنْ تَتَعَزَّى لِأَنَّـهُمْ لَيْسُوا بِـمَوْجُودِينَ». فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ إِذَا بِمَلاَكِ الرَّبِّ ظَهَرَ لِيُوسـُفَ فِي الحُلْمِ فِي مِصْرَ قَائِلاً: قُمْ فَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَقَدْ مَاتَ طَالِبو نَفْسِ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. وَلَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْشِيلاَوُسَ قَدْ مَلَكَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ مَكانَ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَأُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الحُلْمِ فَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ، وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ تُدْعَى نَاصِرَةَ لِيَتِمَّ الـمَقُولُ بِالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُ يُدْعَى نَاصِرِيًّا.
حول الرِّسالة
يتكلَّم الرَّسُول بولس عن دعوته الإعجازيَّة كرَسُول وعن الإنجيل الَّذي أعلنه له المسيح نفسه دون أخذه مِنْ آخَرين. هذا الإنجيل الَّذي استُعْلِنَ لبُولُس يقتصر على موضوعَيْن هامَّين:
الأوَّل أنَّه يَخلو تمامًا من النَّاموس وكلّ ما يتعلَّق بالفَرائض اليهوديَّة، والثَّاني أنَّه يشرح سِرَّ الخلاص المجانيّ موقِّعًا على الصَّليب والموت والقيامة.
مِنَ المؤكَّد أنَّ أهْلَ غلاطية كانوا قد سمعوا بسيرة بولس قبل اهتدائه إلى المسيحيَّة أو ربَّما يكون هو قد سردها لهم. فيُعطي المقارنة بين ما كان عليه وهو في النَّاموس والختانة من جُحُود للمَسيح كما أَمْلَتْهُ عليه يهوديَّته المتعصِّبة وفرّيسيته المتزمِّتَة، مُقابل دعوة المسيح له بل إفرازه من البطن متجاوزًا كلَّ إساءاته وجهالاته. هنا يدلّ بولس على أنَّ التَّعمُّق والتَّفحُّص والتَّعصُّب للدِّيانة اليهوديَّة، كلّ هذا مسؤول مسؤوليَّة مباشرة عن الجهالة وعدم الإيمان والاضطهاد الممارَس على المخالِفين.
اختيار المسيح لبُولُس كان اختيارًا فائق الحكمة يتناسَب مع العمل الَّذي دُعي له. حيث التَّلميح هو المقارَنة بين الدِّراسة عند رِجْلَيْ غمالائيل حكيم إسرائيل والدَّعوة المباشَرَة من بطن أمِّه بحسب نعمة الله الفائقة.
إعلان الله لابنه في بولُس الرَّسُول هو الإنجيل بإنارته الدّاخليَّة في القلب والفكر. كلَّفَه الله بتبشير الأمم (الوثنيّين) لأن هناك غيره ليَهتَمّ باليهود. "للوقت لم أستشر لحمًا ودَمًا": إنْ كان الله هو الَّذي أفرَزَهُ مِنْ بَطْنِ أمِّهِ ودَعاه بنعمته وكلّمه من السَّماء فلا حاجة لبُولُس أنْ يتعلّم شيئًا مِنْ أحَدَ ولا أن يستشير أحدًا في إرساليَّته الَّتي استلم من الرَّبّ مادَّتها وخطّ سيرها وقوة عملها وتفسيرها.
الحياة مع المسيح
سيبدأ العام الجديد في غضون أيّام، ويتسمرُّ عددٌ من النَّاس أمام شاشات التِّلفاز ليَستَمِعُوا التَّوقُّعات أو التَّكهُّنات حول ما يحمله العام القادم من أحداثٍ، متوهِّمين أنَّ بَشَرًا مِثلنَا يستطيعون أنْ يَرَوْا مُسبَقًا الأحداث وينقلونها لنا. المستقبل يُصنَع، ونحن مَنْ نَصْنَعَه. ليس هو فيلم أو مسلسل تلفزيونيّ تمَّ إخراجه قبل الوقت وهو حتميّ، المستقبل هو نِتاجُ مَجهودِنا الشَّخصيّ ومُساهماتِنا ونشاطِنا وليس رؤيا مسبقة، فبالتالي نحن نصنع واقعنا وظروف حياتنا الشَّخصيّة.
يفيدنا عند نهاية مرحلة وبداية أخرى أنْ نعمل تقييمًا لواقِعِنا والجهود الَّتي بَذَلْناها والنَّتائج الَّتي حصَّلْناها والنَّجاحات الَّتي حقَّقناها أو الإخفاقات الَّتي واجهتنا. بناءً عليها، نستجمع قِوانا ونضع تَوَجُّهًا ومُخَطَّطًا للمرحلة القادمة، نسعى لأنْ نحقِّقَه بثباتٍ وجُهدٍ وانضباط. يأخذ هذا الأمر مَعناه وأهميَّتَهُ نظرًا إلى الظُّروف الَّتي عِشناها خلال السِّنين المنصَرِمَة، حيث اختبرنا الاضطرابات والأوبئة والاِنهيارات الإقتصاديَّة والحرب بما فيها من دمار وقتل وإجرام إلخ... هذا زاد من حِدَّةِ القلق لدى الإنسان. أين الطُّمأنينة؟ هل نبحث عنها في ثنايا التَّوقُّعات والتَّكهُّنات؟ هذا مجرّد تخدير وَوَهْم وغِشّ، لن يؤَدِّيَ سوى إلى الإحباط واليأس. الطُّمأنينة الحقيقيّة نستمدَّها مِنَ الرَّبِّ يسوع، ومعه نستطيع أن نَغْلِبَ العالَم وشرورَه: "في العالم سيكون لكم ضيقٌ، ولكن ثِقُوا. أنا قد غلبتُ العالم" (يو 16: 33). تعلَّمنا من الإنجيل أنّ يسوع شفى المرضى أينَما حَلَّ، وسَكَّن اضطرابات الطَّبيعة، وقَوَّضَ سُلْطَة الشَّيْطان وبَدَّد أدواتِه، وكسر شَوْكَة الموْت وغَلَبَه. إن كنّا نؤمن حقًا بهذا، علينا أن نتمسّك بيسوع ونَسْعى بِكُلِّ قِوانا أنْ نَحيا معه.
كيف نستطيع أنْ نَحيا مع المسيح؟ وما هي ثمار الحياة في جِواره؟ يقول السَّيِّد: "حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وَسَطِهِم" (مت 18: 20). إنَّ ذِكْر المسيح يجعله حاضرًا معنا وفاعلًا. نُقيم هذا الذِّكر مِنْ خِلال نشاطاتٍ عَديدة. نذكر المسيح عندما نطالع الإنجيل ونتداوله سويًّا خلال نشاطاتنا اليوميّة إنْ في العمل أو في منازلنا أو أثناء اِجتماعاتنا ونحمله في أحاديثنا فيكون معنا. نذكر يسوع عندما نشترك في الصَّلوات المختلفة فيكون معنا. نذكر السَّيِّد عندما نقوم بالخدمة الاجتماعيَّة ونفتقد المحتاجين والأرامل واليَتامى والمساكين والفُقَراء والمعوزين فيكون معنا. نذكر الرَّبّ عندما ننصرف عن أهواء العالم وإغراءاته وأوهامه ونستنير بالحقائق الإلهيَّة فيكون معنا.
إنَّ لحضور المسيح معنا فِعْلًا حقيقيًّا يَنْعَكِس على حياتِنا صحَّةً وعافِيَةً وطمأنينة وسلامًا وفرحًا. هل بإمكان العام الجديد أنْ يُقَدِّمَ لنا كلَّ هذا من ذاته؟ كلّا، فهو لن يفرق عن أشباهِهِ مِنَ الأعْوَام الَّتي انصَرَمَتْ وخَيَّبَتْ آمالنا. وحده يسوع يُغَيِّر مَعالِم العام القادِم، ويبثُّ فيه الحياة عِوَضَ الموْت والصِّحَة عِوَضَ المرض والسَّلام عِوَضَ الإقتتال والطّمأنينة عِوَضَ القَلَق. يجدر بنا إذًا، أمام هذه الحقيقة أنْ نَسْعَى لأن يكونَ يسوع معنا وأن تكونَ مشاريعنا للعام القادِم وكلَّ مُخَطّطاتِنا للأعوام اللَّاحِقَة مُنْدَرِجَة تحت هذا العنوان الأوْحَد والوَحيد: "الحياة مع المسيح".