نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ۲٨ تشرين الأوّل ۲٠١٨
العدد ٤٣
الأحد (22) بعد العنصرة
اللّحن ٥- الإيوثينا ١١
أعياد الأسبوع: *28 الشّهيد ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السّابوي * 29 أناستاسيا الرّوميّة، البار أبراميوس ومريم إبنة أخيه. * 30: الشّهيدان زينوبيوس وزينوبيا أخته، الرّسول كلاويا *31: الرّسول سطاشيس ورفقته، الشّهيد أبيماخس *1: قزما وداميانوس الماقتا الفضّة، البار داوود (آﭬيا) *2: الشّهداء أكينذينوس ورفقته *3: الشّهيد أكبسيماس ورفقته، تجديد هيكل القدّيس جاورجيوس في اللّد.
كلمة الرّاعي
حُبّ الرِّئاسَة
"حبُّ الرّئاسة" شيطان التّسلُّط وحبّ المديح وانتفاخ الأنا وتَمَحْوُر الكون حول الذّات. لا يخلو إنسان من هذا الهوى، ولا يخلُص إنسان لم يتحرّر منه. يصيبُ المُتزوّج والمُتَبتِّل، العالِم والجاهِل، الكبير والصّغير، الجميل والعاديّ... لكنّه أقوى في أصحاب المواهب الخاصَّة والمسؤوليّات الكبرى في العالم وفي الكنيسة بشكلٍ أكثر تحديدًا، لأنّ إبليس يكره الرَّبّ يسوع المسيح وأتباعه ويسعى لِتَدميرهم بخُبثٍ ورياء لِيُحدر العالم كلّه إلى جهنّم.
* * *
أتى الرَّبُّ يسوع المسيح "ليَخدُم لا لِيُخدَم"، ليُعلّمنا الوداعة والتّواضُع وبَذْل الذّات لأنّنا هكذا نُحقِّقُ رسالته في العالَم. الرَّبّ يسوع المسيح "أطاعَ" الله الآب "حتّى المَوْت مَوْت الصّليب"، وفي الكنيسة نَسْلُك بالطّاعة "للرُّؤساء" لأنّهم يَسْهَرون على خلاص نفوسنا. مَن لا يُطيع رئيسه في حقّ المسيح يرفض مشيئة الله... من هم الرّؤساء؟ هم سلالة تلاميذ الرَّبّ ورُسلُه، إنّهم الأساقفة. على الكهنة أن يطيعوا أساقفتهم طاعة كامِلة في حقّ الإنجيل، وأن لا يرتأوا شيئًا خارج مشيئة مَن اختاره الله لِيَقودهم في طريق البِرّ مع خراف المسيح النّاطقة. ومن طاعة الكهنة للأسقف تَنبُت طاعة المؤمنين للكاهن، مَندوب الأسقف في الرّعيّة، لأنّ الرّاعي واحد في الكنيسة وهو الرَّبّ يسوع وكلمته للمؤمنين والخدّام.
الرّئاسة في الكنيسة هي عَطيّة الرُّوح القُدُس لِبُنيان جسد المسيح، عبر بَذْل الذّات بالمحبَّة والتّواضُع والشَّهادة لحقّ الرَّبّ تحت نِير الكلمة الإلهيّة والمشيئة السّماويّة في حريّة أبناء الله مِن كلّ قيد بشريّ وحسابات دنيويّة...
* * *
لا رأي في الكنيسة فوق كلمة الرّوح القُدُس المَنطوق بها من الأسقف للأبناء، ومن الكنيسة للأسقف. الكنيسة هي جماعة التّائبين السّالكين في طاعة كلمة الإنجيل في روح التَّقوى والبِرّ. مَنْ لا يَسير بِمُوجب هذه القاعدة ليس في الكنيسة حتّى ولَوْ كان صاحب خدمة ومسؤوليّة...
الوَيْلُ لِمَن تأتي عن يَدِهِ العَثَرات، خاصَّةً إذا كان مِمَّن اختارهم الله لخدمة كنيسته سواء كان إكليريكيًّا أو علمانيًّا. الرَّبّ رَحيمٌ جَوّاد، لكنّه عادلٌ للخلاص ومَن لا يَنالُ تأديبًا في هذا العالم عن خطاياه لِيَتوب فهو شَبيهُ إبليس غير قابِل للتَّوبَة. إنَّه مُتَمسِّكٌ بنفسه رئيسًا على نفسه وهو قد وَضَع ذاته فوقَ الجميع رافِضًا بالتّالي كلّ نُصْحٍ ومَحبَّة وهو يصنع مشيئتَهُ مهما كلَّفَ الأمر حتّى ولو أدّى هذا إلى تغديق أبناء الله الّذين افتداهُم الرَّبّ يسوع بِدَمِه...
* * *
يؤسفُنا ما يشهده العالمُ من انقساماتٍ وحُروب وانحلال أخلاقيّ وظُلم، وكأنّ الشَّرّ ينتصر. حتّى الكنيسة يُهاجمُها الشّرّير لِيُشوَّه شهادة وحدتها كما نرى اليوم في مسألة إنشاء كنيسة مُستقلّة في أوكرانيا.
خُدّام المسيح هم سُعاة وحدة، والوحدة تأتي من فَوْق، عَطيّة النِّعمة الإلهيّة في سرّ الإفخارستيّا عبر الإتّحاد بِجَسَد ودَم الرَّبّ يسوع المسيح. الكنيسة قائِمَة في المسيح تجسيدًا لسرّ الثّالوث القُدّوس. هي سرّ الوحدة في التّمايز وسرّ الرّأي الواحد الّذي من الآب بالابن في الرّوح القُدُس. لذا، في اجتماع خُدّام الكنائس، أي رؤسائها، الإنجيل هو دائمًا في الوسط، وهو المصدر والغاية، تجسيدٌ للوحدة في المسيح بطاعة "الكلمة" الّذي من الله الآب في نعمة الرّوح القُدُس. هذه هي الشّورى على صورة الثّالوث القُدُّوس حيث الكلّ مُتساوون في الكَرامَة والخدمة ولا أحد يَسود أحدًا، بل المَسيح هو السَّيِّد الّذي له الطّاعَة الكامِلَة كَونَه هو "مُخلِّص الجسد".
* * *
أيّها الأحبّاء، لِنَتَّضِع ولنَتَخلَّ عن كلّ مَيْلٍ إلى حُبِّ الرِّئاسة، ولنَسْلُك بالطّاعة للمسيح في الّذين اختارهم هو بِرُوحِهِ القُدّوس والّذين يعملون بِروح الوداعة والبَذل لِبُنيان "جسد الرَّبّ" في الوحدة والشّركة والفكر الواحد والتّقوى والبِرّ الّذي في الإيمان...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللّحن الخامس)
لنُسبِّحْ نحن المؤمنينَ ونَسجُدْ للكَلمةِ المُساوي للآبِ والرّوح في الأزليّة وعدمِ الإبتداء، المولودِ من العذراءِ لخلاصنا. لأنّه سُرَّ بالجسد أن يعلوَ على الصّليبِ ويحتملَ الموت، ويُنهِضَ الموتى بقيامِته المَجيدة.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (غل 6: 11-18)
أنت يا ربُّ تحفَظُنا وتستُرُنا من هذا الجيل.
خلِّصني يا ربُّ. فإنَّ البارَّ قد فني.
يا إخوة، أنظروا ما أعظمَ الكتاباتِ التي كتبتُها إليكم بيدي. إنَّ كُلَّ الَّذينَ يُريدون أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزمونكم أن تختَتِنوا، وإنَّما ذلكَ لئلَّا يُضطهَدوا من أجلِ صليبِ المسيح. لأنَّ الَّذينَ يَختَتِنون هُم أنفسُهم لا يحفَظون النّاموسَ، بل إنّما يُريدون أن تَختتِنوا ليفتَخِروا بأجسادِكم. أمَّا أنا فحاشى لي أن أفتخِرَ إلَّا بصليبِ ربِّنا يسوعَ المسيح، الّذي بهِ صُلبَ العالمُ لي وأنا صُلبتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيح يسوعَ ليسَ الخِتانُ بشيء ولا القلفُ بل الخليقةُ الجديدة. وكلُّ الّذين يسلُكُون بحسَبِ هذا القانونِ فعليهم سَلامٌ وَرحمةٌ، وعلى إسرائيلِ الله. فلا يجلِبَنَّ عليَّ أحدٌ أتعابًا في ما بعدُ، فإنّي حامِلٌ في جسدي سماتِ الرَّبِّ يسوع. نعمةُ ربّنا يسوعَ المسيحِ مع روحِكم أيُّها الإخوة. آمين.
الإنجيل (لو 8: 41-56 (لوقا 7))
في ذلك الزّمان، دنا إلى يسوعَ إنسانٌ اسمه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمجمع، وخرّ عند قَدَمَيْ يسوع، وطلب إليه أن يدخل إلى بيته، لأنّ له ابنة وحيدة لها نحوُ اثنتي عشْرَة سنة قد أشرفت على الموت. وبينما هو منطلقٌ كان الجموع يزحمونه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرَة سنة، وكانت قد أنفقت معيشتَها كلَّها على الأطبّاء، ولم يستطعْ أحدٌ ان يشفيَها، دنت من خلفه ومسّت هُدبَ ثوبه، وللوقت وقف نزفُ دمِها. فقال يسوع: "من لمسني؟" وإذ أَنكَرَ جميعُهم قال بطرسُ والذين معه: يا معلِّم، إن الجموع يضايقونك ويزحمونك. وتقول من لمسني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسني واحدٌ، لأنّي علمت أن قوّة قد خرجت منّي". فلمّا رأت المرأةُ أَنها لم تخْفَ جاءت مُرتعدة وخرّت له وأخبرت أمام كلّ الشّعب لأيّة عِلَّةٍ لمسته وكيف برئت للوقت. فقال لها: "ثقي يا ابنةُ، إيمانُك أبرأكِ فاذهبي بسلام". وفيما هو يتكلّم جاء واحدٌ من ذوي رئيس المجمع وقال له: إنّ ابنتَك قد ماتت فلا تُتعبِ المعلّم. فسمع يسوع، فأجابه قائلًا: لا تَخَفْ، آمن فقط فتبرأَ هي. ولمّا دخل البيت لم يدَع أحدًا يدخل إلّا بطرسَ ويعقوبَ ويوحنّا وأبا الصّبيّة وأمّها. وكان الجميع يبكون ويلطمون عليها، فقال لهم: لا تبكوا، إنّها لم تمت ولكنّها نائمة. فضحكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتت. فأمسك بيدها ونادى قائلًا: يا صبيَّةُ قومي. فرجعت روحُها في الحال. فأمر أن تُعطى لتأكل. فدهش أبواها، فأوصاهما أن لا يقولا لأحدٍ ما جرى.
حول الإنجيل
يُحدِّثنا إنجيل اليوم على إقامة فتاة من المَوت لِتَعود إلى الحياة، ويُرافِقها شفاء امرأة لديها نزف دم منذ اثنتي عشرة سنة. هذا هو مَسيحنا، هذا هو إلهنا الّذي يَنظر إلينا بِعَيْن المَحبّة والرّحمة، وينتشلنا من الأمور الّتي تُعيق مَسيرة حياتنا. أتى رئيس مجمعٍ إلى يسوع واسمه يايروس وسجد له. عندما نطلب من يسوع شيئًا، علينا أن نتصرّف أمامه بملء الإحترام المُناسب لشخصه، وحدّثه عن ابنته المريضة الّتي تحتاج لمساعدة منه كي يشفيها. كان جواب يسوع له هامّاً جدًّا، وعلينا أن نتعلّمه خاصّة عندما نُصلّي، قال له: "آمن أنت، فتبرأ هي". موقفٌ يحمّلنا فيه يسوع مسؤوليّة، مسؤوليّة أن نكون بالإيمان الحقيقي نطلب من يسوع الطّلبات الّتي نحن بحاجة إليها، فتتحقَّق. لم يقل له: اذهب وعلِّمها الصّلاة واجعلها تطلب هي. لا. بإيمانك أنتَ تُشفى هي. هذا نوع من الشّفاعة الّتي بها يُساعد إنسان إنسانًا آخر من خلال إيمانه الّذي به يتّجه نحو يسوع المسيح.
وفي مَسيرته، تقدّمت نحوه امرأة وكانت الحشود البشريّة كبيرة تسير مع يسوع، أتت هذه المرأة ولَمَستْ هُدْبَ ثوبه من وراء ظهره، دونما أن يراها وقالت في نفسها بأنّ مرضها سيُشفى من خلال تلك اللّمسة. أيضًا هنا عظمة علينا أن نقتدي بها. بإيمان كبير لَمَستْ هذه المَرأة ليس يسوع، بل هُدب ثوبه، كما نفعل نحن أحيانًا عندما نُقبِّل رفات القدّيسين. شَعرتْ بأنّها شُفيت مِنْ دائها، هنا شعر يسوع بقوّة عظيمة تخرج منه، طاقة الشّفاء شعر بها يسوع، فقال: مَن لَمَسَني؟ يبرز هنا موقف بطرس الرّسول مع التّلاميذ، وقالوا له: "الكلّ يلمسك وأنت في زحمة من البشر". فأوضح يسوع بأنّ تلك اللّمسة كانت تختلف عن باقي اللّمسات. ونحن عندما نطلب من يسوع علينا أن نطلب منه بكلامٍ، بِلَمسةٍ، بِنَظرةٍ إليه، بانطلاقةٍ من قلبٍ نظيفٍ، طالبين منه ما نريد، فَيَشعُر بِنا. ليس الموضوع موضوع كلام فقط، بل أحاسيس ومشاعر. ثمّة أمرٌ يجب أن يتحقّق من خلال فعل نفعله بواسطة إيماننا الحقيقيّ. وأثناء استمرار مسيرة يسوع، عَلِمَ بأنّ الفتاة المُزمع الذّهاب إليها ليشفيها قد ماتت، فقال لوالد تلك الفتاة: "فلنذهب ونُقِمْها". ولمّا وصل البيت، وجد عددًا كبيرًا من النّاس، والنّسوة يَبكيْنَ على هذه الفتاة بسبب موتها، فقال لهم: "لا. إنّها نائمة". ماذا كان موقف هذا الحشد من النّاس؟ أكان موقفهم موقف إيمان بيسوع؟ لا!! يقول الإنجيل: "فضحكوا عليه" أي استخفّوا بكلامه وبرأيه. ونحن أحيانًا نطلب من يسوع ونستغرب أنّه بإمكانه أن يحقّق هذا أو ذاك من الأمور الشّافية. ولكنّه لم يكترث لهم. نحن في حياتنا نصادف أحيانًا استخفافاً برأينا الإيمانيّ. الإنسان المُتديّن، كثير من الأحيان، يُستخَفُّ برأيه، فيجب عليه ألّا يخجل، ألّا يتوقّف عن مُتابَعَة مَسيرة حياته الإيمانيّة، بل أن يعتزّ ويفتخر بأنّه يرتكز على شخص يسوع المسيح أي الله. فدخل إلى غرفتها، ومعه بطرس ويعقوب ويوحنّا ووالِدا الطّفلة، وقال لها: "يا ابنه قومي" ومدَّ يده لها، فقامت. شُفيتْ، لا بل استعادت الحياة بيسوع المسيح. هذا هو إلهنا. هل نحن اليوم نتعامل معه بهذه الصّورة في عمق الإيمان لكي ننال طلباتنا؟ وبعد أن أقامها خاف يسوع أن يصير لهوٌ بشفائها وبعدم الاهتمام بها. بحبّه ورَحْمَته، نظر إلى الوالدين، وقال: "قدِّموا لها الطّعام قبل كلّ شيء". لا يَخفى على يسوع أي حاجة من حاجاتنا، عَلِمَ بأنّها الآن بحاجة إلى طعام لتتقوّى، بعدما أن نهضت من سريرها. ونحن علينا بهذه الصّورة أن نطلب كافّة طلباتنا من يسوع المسيح، وأن ننظر إلى بعضنا البعض، طالبين من أجل بعضنا البعض، لكي يحقِّق لنا كلّ ما يحتاجه الجميع.
القدّيسات
كلّ إنسانٍ مدعوٌّ إلى القداسة، فنحن نجد في رسالة القدّيس بطرس الأولى: "لأنّه مكتوبٌ كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس" (1بطرس 16:1). وهذا قاد بولس الرّسول إلى القول على الّذين سبقونا: "إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يُكمَلُوا من دوننا" (عبرانيّين 40:11)، فنحن مدعوّون للكمال الرّوحيّ بالسّعي الجدّيّ. أوّل من دعانا هو الله يوم خلق الإنسان عندما قال: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تكوين 26:1)، وهذا الشّبه هو القداسة.
صحيحٌ إذًا أنّ الدّعوة تشملنا جميعًا، وقد عبّر عنها بولس الرّسول بقوله: "لأنّ الله لم يدعنا للنّجاسة بل للقداسة" (1تسالونيكي 7:4)، أي رجالًا ونساءً على حدٍّ سواء. فنحن قُدِّسنا ونتقدّس لأنّ يسوع المسيح بنعمته أخذ عيوبنا كلَّها وحملها عنّا، ومنحنا قداسته.
للكنيسة الأرثوذكسيّة تاريخٌ طويلٌ مع القدّيسات كمُعادِلاتٍ للرُّسُل، اللّواتي كرّسن حياتهنّ في خدمة الكنيسة كمبشّراتٍ وخوريّاتٍ وراهبات. فالقدّيسة مريم المجدليّة على سبيل المثال كانت أوّل من عاين قيامة المسيح، حتّى أنّ الرّبّ طلب منها أن تذهب وتخبر الرّسل. أمّا عصرنا اليوم فيقوم بالتّقليل من دور النّساء في رسم صورة العالم المسيحيّ. المطلوب من النّساء اليوم أن يقمن فقط بتقليد الرّجال من خلال الدّخول الطّوعيّ في موجة العبوديّة على غرارهم.
الأمر مغايرٌ تمامًا في العالم الأرثوذكسيّ حيث كان للقدّيسات دورٌ رسوليٌّ منذ القرون الأولى في بناء مجتمعاتٍ مسيحيّة. الأمثلة على هذا كثيرةٌ، نذكر منها القدّيسة هيلانة في الإمبراطوريّة الرّومانيّة، والقدّيسة نينا في جورجيا، والقدّيسة كلوتيلدا في فرنسا، والقدّيسة بيرتا في إنكلترا، والقدّيسة لودميلا في تشيكيا، والقدّيسة دوبرافا في بولندا، والقدّيسة أولغا في روسيا.
أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى سبب غياب الكتابات للنّساء القدّيسات، الأمر الّذي يجيب عليه الشّيخ صوفرونيوس قائلًا: "لا يوجد كتاباتٌ للنّساء القدّيسات، وهذا ليس لأنّ عدد النّساء أقلّ من عدد الرّجال. فثمّة قدّيساتٌ من النّساء أكثر ممّا ثمّة قدّيسون من الرّجال، لكنّ حياتهنّ تكون بالخفية حِفاظًا على الحياة النّسكيّة. لقد تلقّت السّيّدة نعمةً عظيمةً من الله، ولا نملك نحن إعلاناتٍ منها، لكنّنا نعرف أنّ عندها نعمةً كبيرةً تلمسها الكنيسة وكلّ الّذين يتضرّعون إليها". إلى هذا، لم يكن مطلوبًا من النّساء رعاية قطعان حتّى يكشفن خبرتهنّ. أولئك اللّواتي تركن لنا بعض الكلمات كنّ رئيسات أديار. لكنّ القدّيسين من الرّجال أيضًا كانوا ليصمتوا ولمَا كانوا كَتَبُوا لَوْلا الضّرورة، ولَوْلا مسؤوليّتهم عن قيادة القطيع كرُعاةٍ للكنيسة".