نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (5) بعد العنصرة
العدد 30
الأحد 28 تمّوز 2024
اللّحن 4- الإيوثينا 5
أعياد الأسبوع: *28: تذكار القدّيسَيْن بروخوريوس ونيكانر وتيمُن وبرميناس الشّمامسة، القدّيسة إيريني خريسوفلاندي *29: الشّهيد كالينيكوس، القدّيسة ثاوذوتي وأولادها *30: القدّيسَيْن سيلا وسلوانس ورفقتهما *31: تقدمة عيد زيَّاح الصَّليب، الصِّدِّيق إفذوكيمُس، القدّيس يوسف الرَّاميّ *1: بدء صوم السيّدة، عيد زيَّاح الصَّليب، القدّيسين الفتيان المكّابيّين الـ 7 الشُّهداء وأمّهم صلموني ومعلّمهم لعازر *2: نقل عظام القدّيس استفانوس أوّل الشُّهداء ورئيس الشَّمامسة * 3: تذكار الأبرار إسحاقيوس وذلماتس وففستس، القدّيسة سالومي حاملة الطّيب.
كلمة الرّاعي
التَّجلّي والخليقة الجديدة
"وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ." (1 يو 1: 5)
صعد يسوع إلى ثابور أو حرمون وتجلّى هناك أمام تلاميذه الثّلاثة بطرس ويعقوب ويوحنّا بحضور موسى وإيليّا. العهد العتيق التقى مع العهد الجديد لكي يشهدا لألوهيَّة يسوع المسيح. كشف يسوع عن ذاته إلهًا بهذا الوضوح كان لضحد كلّ شكّ، مع أنّ التّلاميذ لم يفهموا ولم يفقهوا السّرّ في حينه، لكنّه كُشف لهم بعد استقرار الرّوح القدس فيهم بالعنصرة. لذلك، يقول الرّسول بولس: "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: 'يَسُوعُ رَبٌّ' إِلَّا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (1 كو 12: 3).
أن تعرف يسوع إلهًا هو أمر مستحيل بدون نعمة الرّوح القدس، لأنّك لا تستطيع أن تعاينه في النّور إلّا بنوره كما نقول في صلواتنا: "بنورك نعاين النّور". فالله ساكن "فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ" (1 تي 6: 16). نور الله غير مخلوق، بل يصدر طبيعيًّا عن جوهره، وهو يريد أن يشركنا في نوره. نوره هو حياته وحضوره ومجده وفرحه وحنانه ورحمته وغفرانه وسلامه... حين اشترك التّلاميذ في نور الرّبّ على ثابور وجدوا الحياة الأبديَّة ورغبوا أن يبقوا هناك دائمًا (راجع مر 9: 5). من يختبر حضور الله بالنّعمة يجد الكنز الَّذي يكون مستعدًّا أن يترك كلّ شيء من أجله...
* * *
أيُّها الأحبّاء، أهربوا من الخطيئة لأنّها تُظلم الكيان وتُطفيء الرّوح (راجع 1 تس 5: 17). ليسكن فينا نور الرّبّ علينا أن نتوب وأن نتطهَّر. هذا هو طريق النّور. هكذا سلك القدّيسون وبهذا الطّريق استناروا بالنّعمة حين رأى الرّبّ ثباتهم وصدق نواياهم وحزم توبتهم ونخس قلوبهم وشلّالات دموعهم... خبرة جبل ثابور هي ما نسمّيها بـ"التَّألّه"، وهذه هي خبرة التّذوّق المسبق لملكوت السّماوات والاتّحاد بالله. في هذا الإطار يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: "إنّ المعرفة العقليّة غير مستقلّة عن الطّهارة، عن تحرّرنا من الأهواء. إنّ معرفتنا الحقيقيّة، الإستنارة الإلهيّة، لا تأتي من الدّراسات ولكن من النّقاوة". النّقاوة طريقها الصَّلاة والصَّوم والتّوبة والتّضحية... وغسل القلب بالكلمة الإلهيَّة (راجع أف 5: 26).
بيسوع المسيح الغالب الخطيئة والموت وإبليس نغلب نحن أيضًا ونصير "خليقة جديدة" (2 كو 5: 17). أوّل ثمرة للرّوح فينا هي المحبَّة الَّتي تمنحنا سلام الله المنتج فينا فرحًا أبديًا ليس من هذا العالم. المسيحيّ إنسان فرح لأنّه يتّكل على الله ويسلّمه حياته. هذه الثّقة تتزايد فينا مع الإيمان كلّما نمونا في حياة التّوبة، لأنّنا حينها نبصر مجد الله وحنانه ورحمته اللّانهائيّة لنا نحن الخطأة. علينا أن نتوب، أن نعترف بسقطاتنا وخطايانا حتّى يمنحنا طبيب النّفوس والأجساد الشّفاء والتّنقية، ومن خلال نقاوة القلب يهبنا أن نعاينه في نوره مجده السّرمديّ وأن نمتلئ من مجده وحبّه الإلهيّ، وهكذا نتزايد في عشقه يومًا بعد يوم ونشابهه بنعمته غير المخلوقة في خبرة أبديّته ونحن ما زلنا في هذا العالم...
ومن له اذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)
تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.
الرّسالة (رو 10: 1-10)
ما أعظمَ أعمالَك يا ربُّ كلَّها بحكمةٍ صَنعت،
باركي يا نفسي الرَّبَّ
يا إخوة، إنَّ بغيةَ قَلْبي وابتهالي إلى الله هما لأجلِ إسرائيلَ لخلاصِه. فإنِّي أشهدُ لهم أنَّ فيهم غَيرةً للهِ إلَّا أنَّها ليَست عن معرفةٍ، لأنَّهم إذ كانوا يجهَلون برَّ الله ويطلُبون أنْ يُقيموا برَّ أنفُسِهم لم يَخضَعوا لِبِرِّ الله. إنَّما غايةُ النَّاموسِ هي المسيحُ للبِرِّ لكلِّ مَنْ يؤمن. فإنّ موسى يصِفُ البِرَّ الَّذي مِنَ النَّاموسِ بأنَّ الإنسانَ الَّذي يعمَل هذه الأشياءَ سيحيا فيِها، أمّا البرُّ الَّذي مِنَ الإيمان فهكذا يقولُ فيهِ: لا تَقلْ في قَلبك مَن يصعَدُ إلى السَّماءِ، أي ليُنزلَ المسيحَ، أو مَن يهبطُ إلى الهاوية، أي ليُصعِدَ المسيحَ مِنْ بينِ الأموات. لكن ماذا يقول؟ إنَّ الكلمة قريبةٌ منكَ، في فمِكَ وفي قلبِك، أي كلمة الإيمان الَّتي نبشّر نحن بها، لأنَّك إنْ اعترفت بفمك بالرَّبّ يسوع، وآمنت بقلبك بأنّ الله قد أقامه من بين الأموات فإنَّك تَخلُص. لأنَه بالقلب يؤمَن للبِرِّ وبالفَم يُعتَرَف للخلاص.
الإنجيل(متى 8: 28-34، 9: 1) (متى 5)
في ذلكَ الزَّمانِ، لمـَّا أتى يسوعُ إلى كورةِ الجِرجِسيِّينَ استقبَلهُ مَجنونانِ خارجانِ منَ القبورِ، شرِسانِ جدًّا، حتّى إنَّهُ لم يُكنْ أحدٌ يقدِرُ أن يجتازَ من تلكَ الطَّريق، فصاحَا قائلَين: ما لنا ولكَ يا يسوعُ ابنَ الله؟ أجئتَ إلى ههُنا قبلَ الزَّمانِ لتعَذِّبَنا؟ وكانَ بعيدًا منهم قطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعى، فأخَذَ الشَّياطينُ يطلُبونَ إليهِ قائلينَ: إن كنتَ سُتُخرِجُنا فأئذِنْ لنا أن نذهبَ إلى قطيع الخنازير. قال لهم: اذهبوا. فخرجوا وذهبوا إلى قطيع الخنازير. فإذا بالقطيع كلِّه قد وَثَبَ عن الجُرْفِ إلى البحرِ وماتَ في الميَاه، أمَّا الرُّعاة فهرَبوا ومَضوا إلى المدينةِ وأخبروا بكلِّ شيءٍ، وبأمر المجنونَيْن. فخرَجَتِ المدينَةُ كُلُّها للقاءِ يسوع. ولمـَّا رأوهُ طلبوا إليهِ أن يتحَوَّلَ عن تُخُومهِم، فدخَلَ السَّفينَةَ واجتازَ وأتى إلى مدينِتهِ.
حول الرّسالة
الآية ١: مسرّة الرَّسول بولس وطلبته إلى الله من أجل أن يحظى اسرائيل بالخلاص أي من أجل أن يقبل اليهود الإيمان بالمسيح كمُخلِّصٍ فيخلصون لأنّ "الله لا يشاء أنْ يَهلك أناس بل أن يُقبِل الجميع إلى التَّوبة" (٢ بطرس ٩:٣).
الآية ٢: وعلى الرُّغم ممَّا كان يُبديه اليهود من غيرة نحو الله، لكنَّهم لم يوجِّهوا غيرتهم هذه توجيهًا سليمًا لأنَّهم لم تكن لديهم المعرفة التَّامة الصَّحيحة عن الله. وهذه كانت حال بولس نفسه قبل اهتدائه إلى الإيمان بالمسيح حيث كان يغار على دين اليهود غيرة هوجاء جعلته يضطهد أتباع المسيح اضطهادًا مريرًا.
الآيتان ٣ - ٤: اليهود لم يكونوا يشعرون بحاجتهم إلى رحمة الله بل على عكس ذلك، كانوا يتباهون بفضائلهم الذَّاتيّة ظانّين أنّها هي الَّتي تَقودهم للحصول على التَّبرير والخلاص. هنا يوضح لهم الرَّسول بولس ضلالهم مؤكِّدًا أن لا تبرير لأحد دون الإيمان بالمسيح. هذا الإيمان الَّذي هو السَّبيل الأوحد الوحيد للخلاص. فلا النَّاموس ولا أعمال النَّاموس ولا البِرّ الذّاتيّ ولا الفضائل الذّاتيّة تقود إلى الخلاص كما كان يعتقد اليهود إنّما الإيمان بالمسيح. لأنّ في هذا الإيمان تكمن غاية النّاموس وكماله.
الآيات ٥ - ٨: هذه الآيات تكشف عجز البشريَّة عن إتمام وصايا وفرائض النَّاموس وبالتَّالي فإنّ هذا العجز يعرّض كلّ من تعلّق بالنَّاموس للعنة النَّاموس. أي أنّ ارتباطنا بالنَّاموس يؤدِّي بنا إلى توقّع اللَّعنة بدلًا من التَّبرير والخلاص. فليس علينا مثلًا أن نقول: "من يصعد إلى السَّماء ليُحدر المسيح الَّذي يهبنا الخلاص". لأنَّ الحصول على الخلاص لا يستلزم أن يصعد أحد إلى السَّماء أو أن يهبط المسيح من السَّماء. فعلى الرُّغم من وجودنا على الأرض، فنحن بواسطة الإيمان نستطيع أن نحقِّق اتّحادنا بالمسيح ونحقِّق عمل وفاعليَّة نعمته فينا.
الآيتان ٩-١٠: يعود الرَّسول ليوضح أنّ أمر تحقيق الخلاص لا يستلزم سوى الإيمان بالمسيح والاعتراف بأنَّ الله أقامه من الأموات. "القلب يؤمن به للبرّ" بمعنى أنَّنا إذا آمَنّا بقلوبنا بالرَّبِّ يسوع فإنّنا سوف نحصل على البرّ كثمرةٍ لهذا الإيمان. "وبالفم يُعترَف به للخلاص" بمعنى أنّنا نعترف بهذا الإيمان ونُجاهِر به دون خجلٍ أو خوفٍ كي نحصل على الخلاص.
جَدَّيْ المسيح يواكيم وحنّة
هما جَدَّا يسوع المسيح، ووالِدا أمّ الإله الكلِّيَّة الطَّهارة، مريم العذراء. اسم يواكيم من جذور عِبْريّة، ويتفرَّع من كَلِمَتَيْن، هما «يَهوه» وفعل «خَيَّم» الَّذي يَعني نَصَبَ خَيْمَتَه وأقام مَسْكِنَه. ويرمز اسم حنّة إلى الحنان والرَّأفة والنِّعْمة، وهو في العبريّة «شانا»، ويقود بنا إلى تذكّر مشهد يسوع المسيح لمـّا دخل إلى أورشليم، وراح الشَّعب اليهوديّ يهتف له قائلًا: «هوشنا!» أي خلّصنا وترأَّف بنا وتحنَّن عَلَيْنا. تَرَعْرَع يواكيم في النَّاصرة، مسقط رأسه، وهو من ذرّيّة داوود. أمّا القدِّيسة حنّة فهي من بيت لحم، من سُبْط يهوذا. عاش القدِّيسان حياتهما في الصَّلاة والصَّوْم ومحبّة الله، يمارسان أعمال الرَّحْمة وخدمة القريب، وهما ينتظران بفرحٍ عَظيمٍ مَجيء مخلّص العالم وملك الملوك.
لكن مع تَقَدُّم الوقت، طعن حنّة ويواكيم في السّنّ، من دون أن يُرزَقا بطفلٍ يملأ حياتهما ويزرع البهجة فيها. عندئذٍ، أشار النَّاس إليهما بالعاقرَيْن الخاطئَيْن. إنّما يواكيم وحنّة، على الرُّغم من تلك المعاناة والنَّظرة الَّتي كانت سائدة في ذلك العصر، لم يفقدا نعمة الرَّجاء، وبقيا على عهد الزَّواج. أحبَّ يواكيم زوجته من كلّ قلبه، ولم يتخلَّ عنها أبدًا لأنّها عاقر، بل ظلّ بقربها، وتميّز باحترامه الشَّديد لها، وهو يؤكِّد أنّ فضائلها ووداعتها تفوّقتا على كلّ مصاب. وبعد مضيِّ سنواتٍ من التَّضرُّع العميق، استجاب الله الرَّحيم لسؤلهما، وأنجبتْ حنّة مريم العذراء الَّتي فاضَتْ نِعَم الله في حياتها، منذ لحظة ولادتها.
سعى القدِّيسان إلى تربية طفلتهما على عيش الصَّلاة والتَّسلُّح بالفضائل السّامية. تميّزت مريم بإصغائها إلى والدَيْها حتّى فاح حبّها على غرارهما ناشرًا عطر المحبّة لله والقريب. ولمـّا بلغت مريم الثّالثة من عمرها، قام يواكيم وحنّة بتقدمتها إلى الهيكل، متمّمَيْن بذلك عهدهما أمام الله، وهو تكريس طفلتهما لخدمته. ومن ثَمّ، تابع القدِّيسان رحلة حياتهما في التَّقوى والتَّأمُّل. ولمـّا أصبح يواكيم في سنّ الشَّيخوخة أي في الثَّمانين من عمره، وبعدما عرف الصَّلاح، رقد بعطر القداسة بين يَدَيْ حنّة وابنته مريم. ويُقال أنَّ القدِّيسة حنّة ظلّتْ على قيد الحياة حتّى حظِيَتْ بنعمة مشاهدة الطّفل يسوع ربّ الأكوان، وماتت بعدها بسلام.
لنُصَلِّ مع جدّي يسوع ووالديّ مريم البتول كي نتعلَّم منهما أنْ نَحيا نعمةَ الثِّقَة المطْلَقَة برحمة الله، وأنْ لا نَخاف في لحظات الشِّدَّة، بل لنرفع صلاتنا إلى الله القدير الَّذي سيستجيب نداء قلوبنا وصوت تضرّعاتنا، مهما طال زمن الآلام.