Menu Close
kanisati280124

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد 28 كانون الثّاني 2024              

العدد 4

الأحد (14) من لوقا (الأعمى) 

اللّحن 1- الإيوثينا 1

أعياد الأسبوع: *28: البارّ أفرام السّريانيّ، البارّ بلاديوس *29: نقل بقايا الشّهيد في الكهنة إغناطيوس المتوشّح بالله *30: تذكار الأقمار الثّلاثة معلّمي المسكونة باسيليوس الكبير وغريغوريوس الثّيولوغوس ويوحنّا الذّهبيّ الفم، وأمّهاتهم: آميليا، نونة وأنثوسة *31: القدّيسَيْن كيرُس ويوحنّا العادمَيْ الفضّة، الشّهيدة أثناسيَّا وبناتها *1: تقدمة عيد دخول السّيّد إلى الهيكل، الشّهيد تريفن *2: عيد دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل.

كلمة الراعي

تحدِّيات العائلة المسيحيَّة (1) - الجندرة

هذا زمن الحرب على المسيح والمسيحيّة بامتياز، ومن أهمّ الوسائل المُستعملة في هذه الحرب هي برامج تدمير العائلة بتكوينها الطّبيعيّ بعامّة والعائلة بمبادئها المسيحيَّة بشكلٍ خاصّ.

تستعمل الدُّول الغربيّة التَّشريع لتزوير حقيقة الإنسان ومَسْخِها وتشويهها. لا يوجد في العصر الحاضر مبادئ ثابتة، المبدأ الوَحيد الَّذي تُحاول قوى الحركة الاستهلاكيّة وضعه وفرضه هو مبدأ الفردانيَّة، أي أنّي أنا مبدأ وأساس ومقياس كلّ شيء، وأنّ كلّ ما يتعلَّق بحياتي "الخاصّة" يخضع لمقاييسي الذَّاتيَّة وتفضيلاتي ومشيئتي.

باسم الحرّيّة تُنشر هذه الأفكار المدمِّرة للإنسانيّة تحت غطاء حقّ الإنسان بتقرير حياته، وكأنّ الإنسان جزيرة منفصلة عن العالم. كذبة الحرّيّة في العصر الحاضر تُريد فرض ما هو شاذّ في حياة البشر عليهم، وما هو استثناء يُجعل قاعدة. لم يعد خافيًا أنّ قوًى عالميّة تتآزر لـ"ترويض" البشر وإخضاعهم لمفاهيم وقواعد تضادّ حقيقة الإنسان الأنطولوجيّة والأنثروبولوجيَّة الإيمانيّة والطّبيعيَّة. من يخالف المنطق الجديد يحاولون فرض هذا المنطق عليه بقوّة التّشريع والقانون...

*          *          *

اختراع جديد هو "الجندر" (gender) أي تعريف الشَّخص لذاته على أنّه ذكر أو أنثى أو ثنائيّ الجنس (Intersex). وتُعرَّف الهوية الجندريّة "Gender Identity" على أنّها المفهوم الشَّخصيّ الَّذي يحدّده الفرد لنفسه كذكرٍ أو كأنثى أو لكليهما معًا، أو ليس لأيٍّ منهما، ويرتبط هذا المفهوم ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الدَّور الجندريّ "Gender Role"، والَّذي يُعرّف بأنّه مجموعةُ المظاهر الشَّخصيّة الخارجيَّة الَّتي تعكس الهويَّة الجندريَّة. وقد أُدخل مصطلح "الجندر" إلى علم الاجتماع  في العام 1972 من قِبَلِ عالمة الاجتماع الأمريكيَّة "آن أوكل" (Ann Oakly) من خلال كتابها "الجنس والنَّوع والمجتمع"، ثم انتشر المصطلح في أواخر الثَّمانينات من القرن المُنصَرِم، وانتقل إلى أوروبا، وكان أوَّل ظهور واعتماد دوليّ له عبر مؤتمر "السُّكان والتَّنمية" الَّذي عُقِد في القاهرة سنة 1994 وتَمَّ تأكيد مفاهيمه في الدَّوْرة التَّالية للمؤتمر في بكين عام 1995.

لماذا اختُرع هذا المصطلح؟ وما الغاية من فرضه في علم الاجتماع وعلى كلّ الشّعوب؟

*          *          *

الطَّبيعة البشريّة مُحدَّدة بجنسَيْن إثنين الذُّكورة (XY) والأنوثة (XX). طبعًا، يوجد حالات نادرة جدًّا مِنَ الأشخاص الَّذين يُولَدون في حالة "الاضطراب الجنسيّ التَّطوُّريّ" أي أمراض الكروموسومات الجنسيَّة، مثل متلازمة تيرنر ومتلازمة كلاينفلتر. علاج هذه الاضطرابات يمكن أن يشمل مجموعة من الخيارات، بما في ذلك العلاج بالهرمونات، والجراحة التَّصحيحيَّة، والدَّعم النَّفسيّ والاجتماعيّ.

إذًا، علميًّا لا يوجد ما يبرِّر خلق تشويش في عقول النّاس حول هويّتهم الجنسيّة كون هذه الهويّة مرتبطة طبيعيًّا بالجنس (sex) الَّذي يولدون عليه. الحجّة وراء اختراع مفهوم الجندرة هي الحرِّيَّة الفردانيّة. هذا صراع حقيقيّ وحرب حقيقيَّة على حقيقة الإنسان وطبيعته وهويّته الاجتماعيَّة المرتبطة بجنسه وبدوره في العائلة والمجتمع، كما أنّها في العمق حرب على الإيمان وترويج للإلحاد العَمَليّ عبر تشجيع الإنسان على عبوديَّة أهوائه من خلال تحديد أهداف الحياة بما هو مرتبط حصرًا بهذا العالم وما فيه من ملذّات وما يمكن للإنسان أن يحصّل فيه من إشباع لأهوائه وشهواته الّتي هي، حسب مفاهيم الزَّمن الحاضر المعَولَمَة، حقوقه.

الغاية من خلق مفهوم الجندرة تدمير العائلة الّتي هي الخليّة الأساسيّة للمجتمع وجوهر الإنسانيّة لأنّ الإنسان شركة هو، وهذا المفهوم لا ينفصل عن كلّ ما سبقه وما أتى بعده من فلسفات وأفكار لتحديد حياة النّاس في أطر ومنهجيّات وأشكال تتنافى مع حقيقة الإنسان كثمرة حبّ بين رجل وامرأة في إطار الزَّواج والعائلة.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، إنّ قبولنا بمفهوم "الجندر" يعني خراب الإنسان لأنّه يجعله ينقاد إلى حيل إبليس وخداعه بواسطة اللَّذَّة السّاقطة والأفكار الَّتي لا عدَّ ولا حصر لها التّي يخترعها البشر ليزداوا منها. الله خلقنا للفرح، وأعطانا العالم مطرحًا جميلًا نكتشف فيه حلاوة الخالق فننشدُّ إليه ونُبنى بحبّه في الوصيّة لنحقِّق وجودنا بالحبّ.

حين تصير اللَّذَّة مِقياسًا ينتفي الحبّ، لأنّ الحبَّ مشاركة وسعي إلى الوَحدة لعيش الفرح الَّذي هو أسمى من كلّ لذّة والمُتأتّي من انسكاب نعمة الله على الإنسان وسُكناها فيه. والحبّ تضحية، والتَّضحية ألم طوعيّ يولِّد الفرح من خلال التّحرُّر من الأنا عبر البذل. فالحبّ بين الرّجل والمرأة عطاء ذات كلّيّ، وثمرة هذا الحبّ الَّذي هو مسيرة تحرُّر من الأنا دخول في سرّ الآخَر الَّذي يصير هو الـ "أنا"، أو كما تقول الأم مريم زكّا رئيسة دير القدِّيس يوحنّا المعمدان – دُوما، بالحُبِّ يَصير الأنا هو الأنت وهكذا يصرخ الحبيب بحبيبه "يا أنا!... أنت!...".

الجندرة هي من المُحاوَلات المُستمرَّة لعالم الاستهلاك بجعل الإنسان "حيوانًا اجتماعيًّا" يتحكّمون به عبر تحفيز أهوائه وشهواته ليُسيْطروا عليه فيجعلوه عبدًا لمنتجاتهم عبر تأليهه لذاته من خلال عبادة نفسه وإلغاء الآخَر من حياته كشخص وحاجة وموطن. هكذا يُحارَب الله في الإنسان، هكذا يُنشر الإلحاد باسم الدِّين والحَقّ، هكذا يُغرَّب الإنسان عن حقيقته كصورة لله ليجعلوه على صورة إبليس "رئيس هذا العالم" (راجع يو 12: 31؛ 14: 30 و16: 11)، كما سبق فأوضح الرَّبّ يسوع المسيح في إنجيله إذ قال: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يو 8: 44).

اليوم، علينا كمؤمنين أنْ نُحارب هذه الأفكار الغريبة عن حقيقة إيماننا ووَعْينا لإنسانيّتنا كأبناء لله، وأن نحافظ على العائلة ونحصِّن أولادنا عبر تثبيتهم في إيمانهم وتربيتهم على معرفة الله ليتكوّن لديهم الحِسّ النَّقْدِيّ فيميِّزوا الحَقّ من الباطل والصَّالِح من الطَّالح والفاسد من المستقيم...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

 + أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريّة القدّيس أفرام السّريانيّ (باللَّحن الثّالث)

ذارِفًا مَدى العُمْرِ دُمُوعًا. كُنْتَ تَمْلَأُ النَّفْسَ خُشُوعًا، فَأَظْهَرْتَها مِقْيَاسًا لِتَقْوَى الله، مِنْ ثَمَّ صَارَ إِرْشَادُكَ المُشْتَهَى إِلى كَمَالِ الأَخْلاقِ مُوَجِّهًا يا أَفْرامُ البارّ، تَشَفَّعْ بِنا إِلى المَسِيحْ أَنْ يَمْنَحَ الجَمِيعَ الرَّحْمَةَ العُظْمَى.

قنداق  دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن   الأوّل)

يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، المُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ويَدَيّْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.

الرّسالة (1 تي 1: 15– 17)

صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخَطَأَةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا. لكِنَّنِي لِهذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فيَّ أَنَا أَوَّلًا كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالًا لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَمَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لَا يَفْنَى وَلاَ يُرَى، الإِلهُ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ.

الإنجيل - الأحد 14 من لوقا (لو 18: 35– 43 ) (الأعمى)

في ذلك الزَّمان، فيما يسوع بالقربِ من أريحا، كان أعمى جالِسًا على الطّريق يَستعطي. فلمَّا سمع الجمعَ مُجتازًا سأل: ما هذا؟ فأُخبِرَ بأنَّ يسوعَ النّاصريَّ عابرٌ. فصرخ قائلًا: يا يسوع ابنَ داودَ ارحمني. فزجرهُ المُتقدِّمون لِيسكتَ فازداد صُراخًا يا ابنَ داودَ ارحمني. فوقف يسوع، وأمر أنْ يُقدَّمَ إليهِ. فلمَّا قَرُبَ سألهُ: ماذا تريد أن أصنَعَ لك؟ فقال: يا ربُّ أن أُبْصِر. فقال لهُ يسوع: أَبصِر. إيمانك قد خلَّصك. وفي الحال أبصَرَ، وتبعَهُ وهو يمجّد الله. وجميعُ الشّعب اذ رأَوا سبَّحوا الله.

حول الإنجيل

أعمى أريحا كان أعمى العيْنَيْن، ولكنَّه كان لديه البَصِيرة ويعرف الكتاب المُقَدَّس، كان يُدرِك أنَّ المسيح ابن داوود المخلّص سيأتي إلى العالم، وهو قادرٌ على شفاء المَرْضى وإعادة البصر للعُميان. وهو جالسٌ يَستعطي، ولكنَّه في حالة انتظارٍ ورجاء لمَجيء الطّبيب الشّافي الرَّبِّ المخلِّص.

ها إنَّ يسوع النَّاصريّ عابرٌ بقربه، إنَّها لحظةٌ مَصيريَّة، لحظةٌ قد لا تتكرَّر، أترى هو المسيح؟!...

نعم إنَّه المسيح ابن داوود، لقد أدرك ذلك رغم أنَّه أعمى، أدرك ببصيرته أنّه ليس فقط يسوع النَّاصريّ كما قالوا له، بل أنّه ابن داوود أيضًا، أي أنّه المسيح المُنتظَر، وآمن بذلك!...

فصرخ في الحال، "الآن إن سمعتم صوته فلا تُقَسُّوا قلوبَكم" (عب 3: 15).

حاوَلوا اسكاته، لا لأنَّه يصرخ فقط، بل لأنّه يجدّف، فكيف لهذا النّاصريّ أن يكون المسيح المُنتظَر، "أَمِنَ النَّاصرةِ يمكنُ أن يكونَ شيءٌ صالح؟" (يوحنّا 1 :48). إنّه امتحانٌ كبير لإيمانه وصبره ورجائه، هل ييأس ويتراجع؟ كلا إنّه لم ييأس بل ازداد صراخًا، "يا ابنَ داودَ ارحمني"...

يسوع عالِمٌ به، وقف، وقال: ناديتني وعرفت من أنا، رأيتني بعين قلبك، فماذا تريد أن أصنع لك؟

إنّها لحظةُ الخلاص، لحظة العمر، بل لحظة الأبديّة... "ياربّ أنْ أُبْصِر"...

"من أجل شقاء المساكين وتنهُّدَ البائسين، الآن أقوم يقول الرَّبُّ أصْنَعُ الخَلاصَ عَلانيّة" (مز 11: 5).

"أَبصِرْ"، "إيمانك خلّصك".

وضع رجاءَه على الرَّبّ وصرخ نحوه بإيمانٍ ثابِتٍ لا يتزعزع، ورَجاءٍ حارّ لا يَثنيهِ أحَدٌ، اخترقَتْ صلاتُهُ قلبَ المُخلِّص وخاطبت حنانه، فاستجابَ الرَّبُّ وأعْطاهُ نورَ البَصَر والبَصيرة، وقام "يتبعه وهو يمجّد الله"...

إنّ الله يَعبُرُ في حياةِ كلِّ واحِدٍ منّا، ويقرع على باب قلوبنا، طالبًا أن يسكن فيه ليشفينا ويقدّسنا، يريد أن يمنَحَنا النُّور والحياة لأنَّه هو وحده النُّور والحياة، فهل ندرك ذلك؟ هل نلاحظ عبورَه بيننا؟ هل نسمع صوته؟ هل نصرخ نحوه بحرارةٍ وإيمانٍ ورجاء؟...

إنّ الأبديّة تبدأ بلحظةِ اللِّقاء مع يسوع ...

ياربّ اِجعل إيماني كإيمان هذا الأعمى، لكي ألاحظ مرورَكَ بقُربي وحضورَكَ معي، فأناديك صارخًا: "تعال أيَّها الرَّبّ يسوع وارحمني، آمين". 

 

"ما لا أُريده إيّاهُ أفْعَل"

رُغمَ أنَّ القدِّيس بولس الرَّسول عاش قبل ما يقارب الألْفَيْ عام، إلَّا أنَّ رسائله ما زالَتْ تُخاطِبُ إنسانَ اليوم، وكأنَّه عائشٌ بيننا، يعلمُ كلَّ ما نفكّر فيه ونفعله، يعلم التَّحدياتْ الَّتي نَمرُّ بها، ويعرف ضعفاتنا.

يكتب الرَّسول بولس إلى أهل رومية بلسان إنسانٍ غارقٍ بالخطيئة، لكنَّه يريد أن يعيش حياةً مسيحيَّةً حقيقيّة. دخل في صراعٍ مُتناقضٍ ما بين رغباته وأفعاله، فأصبح يخطئ بالرُّغم مِنْ صراخ ضميره أنْ لا يفعل الشّرّ أو الخطيئة. "ما لا أريده إيَّاهُ أفْعَل" (رومية ١٥: ٧)، تُلَخِّص هذه الآية الصِّراع الدَّاخليّ الَّذي يعيشه العديد منّا، الَّذين أصبحنا مَسلوبي القِوى، عبيدًا للخطيئة الَّتي هي عَدوٌّ ساكنٌ فينا وليست عضوًا في جسدنا، عَدوٌّ شَرِس يستعبد حرّيّة الإنسان وإرادته.

يتألَّم الإنسان الرُّوحيّ في هفواته الصَّغيرة الَّتي لا يفعلها عن إرادة ولا يستمتع بها، لأنَّه لا يُريد أنْ يفعل ما لا يُرضي الله، ولهذا يقول الرَّسُول أيضًا أنّ "الأفكار لا إراديّة" (٢ كو ١٠: ٥)، وما هي إلّا خطايا ساكنة في الإنسان العتيق، في بقاياه، قابعة في داخله، وقد ورثها من آدم الجَدَّ الأوَّل، لذلك هي مستبدَّةٌ في داخله وتفعل ما لا يريد أن يفعله. يشدِّدُ القدِّيس سلوان الآثوسيّ أنّ "الأفكار هي عرضٌ، إذا قبلها الإنسان، تصبح مُعاهَدَة، وبالتّالي تُرتكَب الخطيئة". وهذا يعني أنّنا غير قادرين على أن نمنع تدفُّق الأفكار الَّتي تأتينا، لكنَّنا قادرون أن نمتنع عن فعلها وممارستها بجهادنا وعيشنا حياةً فاضلة.

لكن، الإنسانَ المسيحيّ المـُعَمَّد على اسم الثَّالوث القدّوس، قد لبس المسيح ورفض الشّيطان وألاعيبه، وعليه أن يجاهد ضدَّ التَّجارب والأهواء ويتجدّد بالتَّوبة ويتقوّى بالصَّلاة ويزداد وَعْيًا ويكون يقظًا ضِدَّ مكائد إبليس؛ والَّذي يساعد الإنسان لكي يتخلّى عن إنسانه القديم هو أنْ يؤمِن بالكلمة المتجسِّد ويُجاهد الجهادَ الحَسَن ويُصلّي بِقَلْبٍ نَقيٍّ حتّى يتحرّر مِنْ عُبودِيَّة الخطيئة، الَّتي ناموسها قد شَوَّه الإنسانَ العَتيق.

فلنتذكَّر دائمًا قَوْل بولس الرَّسول "أحيا لا أنا، بل المسيح يحيّا فيَّ" (غلاطية ٢: ٢٠)، لنُنَقّي ذواتِنا من أوساخ الخطيئة، ولنملأها من يسوع، ليَغْسِلَ ويُطهِّرَ ويَشفي كلَّ وَصْمَةٍ مَدبوغةٍ من آدم القديم، ونصبح مسكنًا لآدم الجديد، أي يسوع المسيح إلهنا، لكي يتربَّع ويستريح ويملك على قلوبِنا، فلا نعود نُخطئ ونَموت، بل نَحيا إلى الأبد.