نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (18) بعد العنصرة
العدد 43
الأحد 27 تشرين الأوّل 2024
اللّحن 1- الإيوثينا 7
أعياد الأسبوع: *27: الشَّهيد نسطر، القدّيسة بروكلا امرأة بيلاطُس *28: الشُّهداء ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، القدّيس استفانوس السّابَويّ *29: الشَّهيدة أنستاسيَّا الروميَّة، البارّ أبراميوس ومريم ابنة أخيه *30: الشَّهيدين زينوبيوس وزينوبيا أخته، الرَّسول كلاوبا *31: الرَّسُول سطاشيس ورفقته *1: القدّيسين قزما وداميانوس الماقتَيْ الفضّة وأمّهما البارَّة ثيودوتّي، البارّ داوُد (آفيا) *2: الشّهداء أكينذينوس ورفقته.
كلمة الرّاعي
مَحَبَّةُ الأَعْداءِ
" أَنَا أَتوَسَّلُ اللَّهَ بِاسْتِمْرارٍ لِيعْطِينِي مَحَبَّةَ الأَعْداءِ … فِي النَّهارِ واللَّيْلِ أَسْأَلُ الرَّبَّ هَذِهِ الـمَحَبَّةَ.
الرَّبِّ يُعْطيني دَموعًا وَأَنَا أَنوحُ مِنْ أَجْلِ كُلِّ العالَمِ" (القِدّيسُ سِلْوانَ الْآثُوسِيُّ)
نَعيشُ أَيَّامًا صَعْبَةً فِي بِلادِنا والْعالَمِ، حَيْثُ تُحَاصِرُ الحُروبُ اَلْبَشَرَ، وَيَزْدادُ القَتْلُ والْحِقْدُ والشَّرُّ، وَمَعَهُمْ الـمَآسي وَالآلَامُ والْمَوْتُ والْحُزْنُ والْغَضَبُ وَروحُ الِانْتِقامِ... يَعيشُ العالَمُ حالَةَ جُنونِ اَلْعَظْمَةِ، حَيْثُ الأَطْرافُ الـمُتَصَارِعَةُ تَنْطَلِقُ مِنْ كِبْرياءِ الأَنَا وَرَفْضِ الآخَرِ وَتَسْتَخْدِمُ قوَّةَ الأَسْلِحَةِ الفَتَّاكَةِ لِكَيْ تُحَقِّقَ "سَلَامًا" عَلَى دِماءِ الأَبْرياءِ اَلَّذِينَ يَسْقُطُونَ دُونَ ذَنْبٍ بِسَبَبِ تُصارِعِ الجُيوشِ وَالـمُقَاتِلِينَ. هَلْ هَذَا اَلْمَسْرَى لِلْبَشَرِيَّةِ يَجْلِبُ سَلَامًا حَقًّا؟!... إنَّهَا خُدْعَةُ السَّلامِ بِالْقُوَّةِ أَيْ الِاسْتِسْلامِ. الِاسْتِسْلامُ يولِّدُ، أَيْضًا، حِقْدًا دَفِينًا يَتَنَامَى وَيَتَعاظَمُ مَعَ الزَّمَنِ مَا لَمْ يَأْتِ العَدْلُ وَيَسُدِ الحَقُّ !... لَكِنْ، فِي هَذَا العالَمِ، مَا زَالَ إِبْليسَ يَحْكُمُ إِلَّا فِي اَلَّذِينَ غَلَبُوهُ بِالْإِيمَانِ بِإِلَهِ الـمَحَبَّةِ، الإِلَهَ الحَقَّ اَلَّذِي كَشَفَ ذاتُهُ بِيَسوعِ المـَسيحِ ابْنِ اللَّهِ الوَحيدِ الـمُتَجَسِّدِ والْمَوْلودُ مِنْ الدّائِمَةِ اَلْبِتَوْليَةِ مَرْيَمَ فِي "مِلْءِ الزَّمانِ".
* * *
عَبَثًا يَسْعَى حُكّامُ هَذَا العالَمِ وَأَهْلُهِ إِلَى إِنْسانيَّةٍ أَفْضَلَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلُكُونَ طَريقَ الحَقِّ أَوْ الطَّريقَ الوَحيدَ إِلَى الحَقيقَةِ السَّرَمْديَّةِ اَلَّذِي هوَ "مَحَبَّةُ الأَعْداءِ". كُلُّ مَا نَرَاه مِنْ حُروبٍ وَقَتْلٍ وَدَمارٍ وَشُرورٍ سَبَبُهُ البُعْدُ عَنْ اللَّهِ وَتَأْليهُ البَشَرِ لِأَنْفُسِهِمْ بِسَبَبٍ مِنْ إِمْكَانِيَّاتِهِمِ المادّيَّةِ والتِّكْنولوجيَّةِ والْعَسْكَريَّةِ. يَظُنُّ البَشَرُ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ آلِهَةً بِقوَّةِ السِّلاحِ... هَذِهِ هِيَ قِمَّةُ الغَباءِ والْكُفْرِ... الـمَوْتُ يَسْتَجْلِبُ الـمَوْتَ، والشَّرُّ يولِّدُ الشَّرَّ، والظُّلْمُ يَنْبُتُ الحِقْدَ والْكَراهيَةَ، والْقَمْعُ يولِّدُ الْاِنْتِقَامَ... هَذَا هوَ واقِعُ البَشَريَّةِ الـمَأْساويِّ أَمْسِ والْيَوْمَ وَإِلَى مَجيءِ الرَّبِّ ليَدينَ العالَمَ... إِنَّهَا دَوّامَةُ الـمَوْتِ تَبْتَلِعُ العالَمَ والْإِنْسانَ... مَا لَمْ يَنْشَأْ أَمْرٌ جَديدٌ يُغَيِّرُ المـَقَايِيسَ وَيَقْلِبُها...
يَقُولُ اَلْجامِعَةُ: "مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكونُ، وَالَّذِي صُنْعَ فَهُوَ اَلَّذِي يُصْنَعُ، فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَديدٌ" (1 : 9)، هَذَا عَلَى الـمُسْتَوَى البَشَريِّ، لَكِنْ فِي تَدْبيرِ اللَّهِ لِخَلاصِ العالِمِ فَقَدْ تَحَقَّقَ أَمْرٌ جَديدٌ لَا سابِقَ لَهُ وَلَا مَثيلَ لَهُ فِي الـمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَتَى إِلَيْنَا وَصَارَ إِنْسَانًا وَمَاتَ لِأَجَلِنا لِكَيْ يُخَلِّصَنا مِنْ سُلْطانِ إِبْليسَ اَلَّذِي بِالْخَطِيئَةِ وَمِن عُبوديَّةِ الـمَوْتِ بِغَلَبَتَهُ الـمَوْتَ بِالْقيامَةِ سَاحِقًا أَسْبابُهُ وَمُبيدًا إِيَّاهَا، إِذْ عَلَى الصَّليبِ غَلَبَ الحُبُّ إِلَى الأَبَدِ، وَتَجَلَّتْ وَصيَّةُ الـمَحَبَّةِ بِكَمَالِهَا فِي مَحَبَّةِ الأَعْداءِ...
* * *
أَيُّهَا الأَحِبّاءُ، يُعَلِّمُنَا القِدّيسُ سُلْوانَ الْآثُوسِي، فِي مَحَبَّتِهِ الشُّموليَّةِ، الصَّلاةَ إِلَى الرَّبِّ لِكَيْ يَحْصُلَ كُلُّ البَشَرِ عَلَى نِعْمَةِ مَحَبَّةِ الأَعْداءِ، إِذْ يَرْبُطُ الأَعْداءَ بِنَفْسِهِ فِي صَلاتِهِ قَائِلًا: "أَيُّهَا السَّيِّدُ، عَلَّمَنِي بِروحِكِ القُدُّوسِ أَنْ أَحَبَّ أَعْدَائِي وَأُصَلِّيَّ مِنْ أَجْلِهِمْ بِدُموعِ… يَا رَبَّ، كَمَا صَلَّيْتَ مِنْ أَجْلِ أَعْدَائِكَ، هَكَذَا عَلَّمَنِي أَيْضًا، بِالرُّوحِ القُدْسِ أَنْ أَحَبَّ أَعْدَائِي".
مَحَبَّةُ الأَعْداءِ مُسْتَحيلَةٌ بِدُونِ النِّعْمَةِ الإِلَهيَّةِ، وَبِهَا فَقَطْ هِيَ مُمْكِنَةٌ وَمُحَقَّقَةٌ، وَاقْتِناؤُها يَعْنِي اقْتِناءَ نِعْمَةِ الرّوحِ القُدْسِ أَيْ تَجْديدِ الطَّبيعَةِ وَتَحَوُّلِها إِلَى خَليقَةٍ جَديدَةٍ فِي المـَسيحِ وَبِهِ. وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِعَيْشِ الْإِيمَانِ بِالْمَسيحِ يَسُوعَ عَبْرَ مَعْرِفَةِ اللّهِ الـمَحَبَّةِ اَلْثَّالوثِ الأَقْدَسِ وَإِتْمامُ مَشِيئَتِهِ عَبْرَ طاعَةِ كَلِمَةِ الـمَسيحِ، أَيْ الوَصيَّةِ الجَديدَةِ اَلَّتِي هِيَ المحَبَّةُ لِلَّهِ، أَوَّلًا، وَلِكُلِّ أَخٍ فِي الإِنْسانيَّةِ وَخَاصَّةً الأَعْداءَ إنطِلاقًا من الوَصِيَّةِ الأُولَى. لَكِنْ، لِعَيْشِ هَذِهِ النِّعْمَةِ لَا بُدَّ لَنَا مِنْ اقْتِناءِ التَّواضُعِ اقْتِداءً بِالْمَسيحِ، لذا عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ خَطايانا وَنَنْدَمَ وَنَتوبَ عَنْهَا طَالِبِينَ الرَّحْمَةَ لِأَنْفُسِنَا وَلِلْآخَرِينَ، وَخَاصَّةً لِأَعْدَائِنَا بَدَلًا مِنَ الحُكْمِ عَلَيْهِمْ. هَذَا يَسْتَتْبِعُ أَنْ نَغْصِبَ أَنْفُسَنا عَلَى الصَّلاةِ لِأَعْدَائِنَا، كَمَا يَقُولُ القِدِّيسُ سُلْوانَ: "أَرْجُوكُمْ أَنْ تُجَرِّبوا، أُجْبُروا قَلْبَكُمْ فِي البِدايَةِ عَلَى مَحَبَّةِ أَعْدائِكُمْ"، وَمِن ثَمَّ إِذْ يَرَى الرَّبُّ نَوَايَانَا الحَسَنَةَ يُساعِدُنا فِي كُلِّ شَيْءٍ... حَتَّى نَصِلَ لِنَصِيرَ مِثْلَ الـمَسيحِ لَا أَعْداءَ لَنَا، أَيْ أَنَّنَا لَا نَرْفُضُ أَحَدًا بَلْ نُحِبُّ الجَميعَ دُونَ قُيودٍ أَوْ شُروطٍ، فَفِي النِّهَايَةِ "اللَّهُ مَحَبَّةٌ والرُّوحُ القُدُسُ فِي القِدِّيسِينَ هوَ مَحَبَّة. كَوْنُهُمْ يَسْكُنُونَ فِي الرُّوحِ القُدْسِ، يَرَى اَلْقَدِّيسونَ الـمَحَبَّةَ وَيَضُمُّونَها أَيْضًا فِي مَحَبَّتِهِمْ ...
هَذَا هوَ سَعَيُنَا فِي المـَسيحِ لِنَصيرَ آلِهَةً عَلَى صورَتِهِ وَمِثالِهِ بِنِعْمَتِهِ... والطَّريقُ هوَ محبَّةُ الأعداءِ...
وَمِن اسْتَطاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ!...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها الـمُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (2 كو 9: 6- 11)
لِتَكُنْ يَا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا.
اِبْتَهِجُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ.
يَا إِخْوَةُ، إِنَّ مَنْ يَزْرَعُ شَحِيحًا فَشَحِيحًا أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالبَرَكَاتِ فَبِالبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ. كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا نَوَى فِي قَلْبِهِ لا عَنِ ابْتِئَاسٍ أَوِ اضْطِرَارٍ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الـمُعْطِيَ الـمُتَهِلِّلَ. وَاللهُ قَادِرُ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ حَتَّى تَكُونَ لَكُمْ كُلُّ كِفَايَةٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَتَزْدَادُوا فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، كَمَا كُتِبَ إِنَّهُ بَدَّدَ وَأَعْطَى الـمَسَاكِينَ، فَبِرُّهُ يَدُومُ إِلَى الأَبَدِ. وَالَّذِي يَرْزُقُ الزَّارِعَ زَرْعًا وَخُبْزًا لِلْقُوتِ يَرْزُقُكُمْ زَرْعَكُمْ وَيُكَثِّرُهُ وَيَزِيدُ غِلالَ بِرِّكُمْ، فَتَسْتَغْنُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ خَالِصٍ يُنْشِئُ شُكْرًا للهِ.
الإنجيل (لو 8: 41-56) (لوقا 7)
في ذلك الزَّمان، دَنَا إلى يسوعَ إنسانٌ اسمه يايرُسُ، وهو رئيسٌ للمَجْمَع، وخَرَّ عند قَدَمَيْ يسوع، وطلب إليه أنْ يدْخُلَ إلى بيته، لأنَّ له ابنةً وحيدةً لها نحوُ اثْنَتَيْ عشْرَةَ سنةً قد أشرفَتْ على الموْت. وبينما هو مُنْطَلِقٌ كانت الجُموع تزْحَمُه. وإنّ امرأةً بها نزفُ دمٍ منذ اثنتي عشرَةَ سنَةً، وكانت قد أنفقَتْ مَعيشتَها كلَّها على الأطبَّاء، ولم يَستَطِعْ أحدٌ أنْ يَشفيَها، دَنَتْ مِنْ خَلْفِهِ ومَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ، وللوَقْتِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِها. فقال يسوع: "مَن لمسَني؟". وإذْ أَنْكَرَ جمَيعُهم قال بطرس والَّذينَ مَعَهُ: يا مُعَلِّم، إنَّ الجموع تُضايِقُكَ وتَزْحَمُكَ، وتَقُول مَنْ لمسَني؟ فقال يسوع: "إنّه قد لمسَني واحدٌ، لأنّي عَلِمْتُ أنَّ قوَّةً قد خرَجَتْ مِنّي". فلَمّا رأتْ المرْأَةُ أنَّها لم تَخْفَ جاءتْ مرتعدَةً وخَرَّتْ له وأخبَرتْ أمام كُلِّ الشَّعب لأيّةِ عِلَّةٍ لمسَتْهُ وكيف بَرُئَتْ للوقت. فقال لها: "ثِقي يا ابنةُ، إيمانُك أبرأكِ، فاذهبي بِسلام". وفيما هو يتكلّم جاءَ واحِدٌ مِنْ ذَوِي رئيس المجمع وقال له: إنَّ ابْنَتَكَ قد ماتَتْ فلا تُتْعِبِ المعلّم. فسمع يسوع، فأجابه قائلًا: لا تَخَف، آمِن فقط فتبرأَ هي. ولـمّا دخل البيتْ لم يَدَع أحدًا يدخل إلَّا بُطرسَ ويَعقوب ويُوحنّا وأبا الصَّبِيَّة وأمّها. وكان الجميع يبكون ويَلْطمون عليها، فقال لهم: لا تَبكُوا، إنّها لم تَمُتْ ولكنَّها نائمة. فضَحِكوا عليهِ لِعِلْمِهم بأنّها قد ماتَتْ. فأمسكَ بِيَدِها ونادَى قائلًا: يا صبيّة قومي. فرجَعتْ روحُها إليها في الحال. فأمر أنْ تُعْطَى لِتَأكُل. فدَهِشَ أبواها، فأوْصاهُما أنْ لا يَقُولا لأحدٍ ما جرى.
حول الإنجيل
"وَكَانَ الْجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْهَا وَيَلْطِمُونَ. فَقَالَ: لاَ تَبْكُوا. لَمْ تَمُتْ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ، عَارِفِينَ أَنَّهَا مَاتَتْ". لماذا ضحك النَّاس على الرَّبِّ يسوع؟ لأنَّه، يتكلَّم عكس المنطق البشريّ، ونحن لو كنّا مَكانهم لضحكنا عليه أيضًا؛ حتّى نحن اليوم مع عِلْمِنا أنَّ المسيح هو المخَلِّص، لا زِلنا نَضْحَكُ عليه وعلى تعليمه من خلال تصرُّفاتِنا وسلوكِنا في الحياة. يختلف منطق الله عن منطق البشر، هذا ما يُشير إليه سِفِر أشعياء النّبيّ: "كما تَعلو السَّماء عن الأرض كذلك تَعلو أفكاري عن أفكارِكُم" (أش 55: 9)، لهذا السَّبب لم يستطع الفلاسفة بالمنطق البَشَريّ أن يعرفوا الله ولا إدراكه، فالمنطق البَشَريّ مهما تجلى، لا يستطيع أنْ يُدرِك الله. نَرجع إلى الآية الإنجيليّة (53 أ): "ضحكوا عليه"، إذًا لماذا ضحكوا؟ لأنَّهم "عارفين أنَّها ماتت" (الآية 53 ب)، فهُم استَنَدوا إلى معرفتهم الخاصَّة، إلى معرفتهم العالميَّة لكي يضحكوا عليه، وبهذا لم يُخطِئُوا لأنَّ إدراكهم للأمور لا يتخطّى خبرتهم البشريَّة، لأجل هذا السَّبب مَنْ يُؤمِن بالمسيح، من يعرف المسيح، سيتصرَّف بمنطقٍ يبدو في كثيرٍ من الأحيان لأصحاب المنطق البَشَريّ غَريبًا وغير صائب.
إنْ أخذْنا مثلًا على ذلك من الكتاب المقدَّس عندما قال الرَّبُّ أنه سَيُسْلَم إلى الصَّلب في أورشليم، فطلب بطرس منه أن لا يذهب إلى أورشليم (مر 8: 32)، فكيف أتى ردُّ الرَّبّ يسوع على طلب بطرس؟: "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا ِللهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ" (مر 8: 33)، فأين أخطأ بطرس الرَّسُول، إنْ كان يُريد أن يُحافِظ على حياة معلّمه، لكنّ منطق بطرس الرَّسُول كان بحسب هذا العالم، أمّا المنطق الإلهيّ فهو مختلفٌ بالكُلِّيَّة؛ مِنْ هنا علينا أن نَفْقَه بأنَّ المعرفة الذِّهنيَّة عن المسيح لا تُشبه أبدًا معرفة المسيح الحقيقيَّة. فإنْ لم نتشبَّه بالمسيح فلن نعرفه أبدًا، وإنْ لم نسعى، بكامل طاقتنا، أن نكون وَدِيعين ومُتواضعي القلب (راجع متّى 11: 19) فسَنَسْلُك بَعِيًدا عن المسيح وعن منطق وفكر المسيح.
القدِّيسات في الكنيسة
أوصَى الرَّبُّ شَعبَه في العهد القديم: "كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (لاويّين 11 : 45)، وفي العهد الجديد: " كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (1 بط 1: 16). لأنّنا لَن نَستطيع دُخولَ مَلكوت الله إلَّا كقدِّيسين، فالله هو "ملك القدَّيسين" (رؤ 15: 3).
القَدَاسَةُ هي دَعوةٌ لِكلِّ مُؤمِنٍ ومؤمِنَة، للرِّجال والنِّساء، حَيثُ أكّدَتْ الكنيسة الأرثوذكسيَّة على المساواةِ في الكرامة بين الرَّجُل والمرأة. مُقَدِّمَةً القدِّيسات أمثلةً حيّةً على هذه المساواة، يَقتَدي بِهنَّ المؤمنون والمؤمنات. فلَعِبَتْ القدّيساتُ دَوْرًا مُهمًّا في تاريخ الكنيسة. فالقدِّيسَة هي المرأة الَّتي تميَّزَتْ بحياتِها الطَّاهِرَة، وعاشَتْ وِفْقًا لمبادئ الإنجيل.
اِشتَهَرَتْ القدِّيساتُ بفضائِلِهِنّ المختلفة، مثل العِفَّة، والصَّبر، والرَّحمة، والصَّلاة، والتَّضْحِيَة بالنَّفس. وكُنَّ ناشِطاتٌ في المجتمع، وَخَدَمنَ الفقراء والمرضى، وَنَشَرْنَ الإنجيل.
تُعتَبَرُ مَريَم العذْراء، والدَةُ الإله، من أبرز القدّيسات، لا بل الفائِقَةُ القداسَة، فهي أعظَمُ من الشّاروبيم، وأرفع مَجدًا من السّارافيم، والَّتي قالَتْ باسْمِ البشريّة: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو1: 38). فَسَكنَ الرَّبُّ في أحشائها، وَتمَّمَ مَشروعه الخَلاصيّ، مُفتَدِيًا إيَّانا على الصَّليب. وكذلك القدِّيسات: مريم المجدَلِيَّة، ومَرْتا ومريم أختا لعازر، والقدِّيسة تقلا تلميذة الرَّسُول بولس أولى الشَّهيداتْ، والَّتي تُعتَبر رَمزًا للإيمان والشَّجاعة والتَّضْحِيَة. والملكة هيلانة الَّتي دَعَمَتْ اِنتشار المسيحيّة في المملكة الرُّومانيَّة، وأسهَمَتْ في اكتشاف عود الصَّليب الكريم. والإمبراطورة إيريني الَّتي لَعبَتْ دورًا كبيرًا في مُواجهة بِدعَة مُحاربي الإيقونات. والقدِّيسة كاترينا الَّتي اشتَهَرَتْ بحكمَتِها، ومُناظرتها للفلاسفة الوثنيّين وإفْحامِهِم، مُقَدِّمَةً حياتَها دِفاعًا عن إيمانها بالمسيح. وكذلك القدِّيسة بربارة. والقدِّيسَة ماكرينا الَّتي كَرَّسَتْ حياتَها للصَّلاة والتَّأمُّل، وخدمة الفقراء والمحتاجين، ولعبَتْ دَوْرًا هامًّا في تربية أخيها القدِّيس باسيليوس الكبير.
والقدِّيسة صوفيّا وبناتها، الَّتي كانت مثالًا للإيمان العائليّ القَوِيّ، والَّتي ثّبّتَتْ عائلتَها على الإيمان القويم. والدُّوقة إليزابيت الكبيرة الَّتي اتَّسَمَتْ حياتَها بالزُّهد وخدمة الفقراء. والأميرة أولغا الَّتي نَجحَتْ في تربية حَفيدَهَا الأمير فلاديمير الكبير على الإيمان الأرثوذكسيّ، الَّذي أمَرَ بنشر الإيمان الأرثوذكسيّ، في كافَّة أرجاء روسيّا. وهناك الكثير الكثير، من القدِّيسات اللَّواتي أسَّسنَ الأديار، ونَشرنَ الحياة الرّهبانيّة، وحافَظْنَ على الإيمان. فبِشفاعاتهنّ اللّهمَ ارحَمنا وخلصنا آمين.