Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 27 آب 2023       

العدد 35

الأحد (12) بعد العنصرة

اللّحن 3- الإيوثينا 1

أعياد الأسبوع: *27: البارّ بيمن، الشّهيد فانوريوس *28: البارّ موسى الحبشيّ *29: تذكار قطع رأس القدّيس يوحنّا المعمدان (صوم) *30: القدِّيسين ألكسندروس ويوحنَّا وبولس الجديد بطاركة القسطنطينيّة *31: تذكار وضع زنَّار والدة الإله *1: ابتداء السَّنة الكنسيَّة (الأنديكتي)، تذكار جامع لوالدة الإله الفائقة القداسة في دير مياسينا، النّسوة القدَّيسات الأربعين وعمّون الشمّاس معلّمهنّ، أبينا البارّ سمعان العموديّ، النبيّ يشوع بن نون، الشّهيد إيثالا، كاليستي ورفيقاتها، ذكرى الحريق الكبير *2: الشّهيد ماما، القدّيس يوحنَّا الصَّائم بطريرك القسطنطينيّة.

كلمة الرّاعي 

التّكريس

”لِأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي“ (يو 17: 19)

أن تصير مكرَّسًا للرَّبّ يعني أنَّك تحبُّه أوَّلًا وأخيرًا بالمُطلَق. الله لا يحتاجك، أصلًا، لأنّه كامل ولكنَّه يشاء أن يحتاج إليك لتمدَّ خلاصه في العالم بالكرازة في العمل والقَوْل بقوّته ونعمة روحه القدّوس. هو مَثَلُكَ ومعلِّمُكَ إن عشقته. بعشقه تطرد عشقك لذاتك، فتتحرَّر من الأنا ويصير الأنت فيك الأنا وتصير الأنت فيه أي أنَّك تدخل في سرّ ”يا أنا أنتَ“، فلا يعود فيك إلّا ”أنا الَّذي أنا“ (خر 3: 14)، كما يوضح ذلك الرَّسُول بولس بقوله: “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ...“ (غل 2: 20).

أن تعشق المسيح هو أن تموت عن العالم وعن إنسانك العتيق، أي أن تصلب العالم العتيق فيك لتصير ”خليقة جديدة“ (2 كو 5: 17). هذا دأبُك المستمرّ وجهادك، أي أن تتغيَّر وأن تخرج من ماضيك وتعلُّقاتك الَّتي تجعلك عتيقًا قديمًا، لأنّ الخروج هو تحوُّل كلّيّ نحو الله ونسيان ما عداه. إيّاك أن تتوه في ماضيك لئلا تخسر خلاصك. أن تتكرَّس هو أن تضع يدك على المحراث، لأنّه ”لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ“ (لو 9: 62).

*          *          *

التّكريس بالمحبَّة يكون، لأنّه فعل محبَّة وطريق محبَّة غايته المحبَّة، لأن ”الله محبَّة“ (1 يو 8: 16). الرّبّ هو يدعونا، نحن نستجيب دعوته. الرّبّ دعانا بابنه لأن نكون له بنين وبنات، أي أن نحقِّق صورته فينا بطاعته المطلقة على شبه طاعة الابن الوحيد الَّذي ”أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ“ (في 2: 7 و8).

التّكريس هو الحياة الجديدة الَّتي نحياها للمسيح بموتنا عن ما ليس فينا منه وبه وفيه. أن نتكرَّس يعني أن نقدِّس حياتنا لأجل المسيح وحبًّا به، لكي نخدمه في أحبّائه، مستعبدين أنفسنا للكلّ لنربح على كلّ حال إنسانًا للمسيح. لكن، لكي استعبد نفسي للكلّ يجب أن أكون حرًّا بالمسيح وفيه، وإلّا أصير عبدًا لأهواء البشر وليس لأجل خلاصهم. هذا ما يوضحه الرَّسُول بولس حين يقول: ” فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ، اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ (...) صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا. وَهذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ، لأَكُونَ شَرِيكًا فِيهِ“ (1 كو 9: 19—23).

لكي تكون شريكًا في الإنجيل يجب أن يصير الإنجيل حياتك، أن تأكله كما تأكل جسد ودم الرّبّ، لكي تصير إيّاه. التَّكريس هو أن تصير إنجيلًا حيًّا، وأن تقول مع المسيح الرّبّ: ”طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ“ (يو 4: 34). بغير هذا يصير التَّكريس سلطةً ونُفوذًا وخدمة للأنا. يصير المتكرِّس للرّبّ ضدًّا للمسيح ما لم ينقص هو ليزداد الرّبّ فيه، أن يختفي الإنسان بالتَّواضُع ليكشف مجد الله وقوّته وليس أن يجعل ذاته محورًا لنفسه وللآخَرين.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، ”الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ“ (مت 9: 37). فقط المميَّزون في حياتهم والنَّاجحون فيها بالمحبَّة والاجتهاد والأمانة والصِّدق في سَعْيِهِم لله هم المُختارون لخدمة الرَّبّ، لأنّهم يعرفون أنَّ محبّه الله تتطلَّب التَّخَلّي عن كلّ محبَّة أخرى أي أن يكون هو أوَّلًا في حياتهم، لذلك، قال الرَّبّ: ”مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ لَا يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلَا يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا“ (مت 10: 37—39).

أيُّها المُكَرَّسون في خدمة الرَّبّ فلننتبه ولنعدْ إلى ”محبّتنا الأولى“ (راجع رؤ 2: 4)، لئلًا نخسر كلّ شيء، ولئلّا نكون قد تركنا العالم فصار تَرْكُنَا له فخًّا عَلَّقَنَا به وفيه، فنخسر خلاصنا وندخل جحيم الشَّهوة مِنَ الآن وإلى الأبد، وأنْ نكون بدلًا مِنْ أنْ نربح للمسيح بشرًا نبعدُهم عنه بعشقنا لأنفسنا وعبوديّتنا للعالم...

الكنيسة بحاجة إلى أبطال في الإيمان وليس إلى جبناء وخانعين لضغوطات الدُّنيا وما ومن فيها. فلننفض عنّا غبار الكسل والخوف، ولنتجلبب برداء النّعمة الَّذي نقتنيه بالتَّوبة والاعتراف وتقويم السِّيرة، ولنتشدَّد بجهادات القدِّيسين وشفاعاتهم، ولننمو في الرّوح بالصَّلاة المُستَديمة باللِّسان والقلب والذّهن...

”ثِقُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا“ (مر 6: 50). مع المسيح لا مطرح إلّا لمخافة الله الّتي في الحبّ، وهذه أساسها استقامة القلب والفكر والحياة والَّتي لا حياة تكريس من دونها. النّاس يخافون أن يتكرَّس أبناءهم للمسيح، في حين أنّهم لا يمانعون أنْ يكرّسوا حياتهم للعالم ولشهواته، وهذه قمّة الغباء، لأنّ ثمرتها موتٌ روحيّ وخراب. أنْ يتكرَّس ابنك أو بنتك للمسيح هي بركة لك ولبيتك لأجيال وأجيال وسبب لتنزّل رحمة الله عليكم. اليوم، مطلوب منّا جميعًا أن نعيد قراءة حياتنا لِنُصَوِّب بُوصلتها نحو مشرق الخلاص، نحو يسوع المسيح الغالب، الَّذي يُعطي من يغلب بمحبّته وطاعته أن ”أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ..." (رؤ 3: 21).

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)

لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

قنداق ميلاد السَّيِّدَة (باللَّحن الرَّابِع)

إنَّ يُواكِيمَ وحنَّةَ من عارِ ﭐلعُقْر أُطلِقا، وآدمَ وحوَّاءَ من فسادِ ﭐلموتِ، بمولِدِكِ ﭐلمُقَدَّس يا طاهِرَة، أُعتِقا. فلَهُ يُعَيِّدُ شعبُكِ إذ قد تَخلَّصَ من وَصْمَةِ الزَّلَّات. صارِخًا نحوكِ، العاقِرُ تَلِدُ والدةَ ﭐلإله ﭐلمُغَذِّيَة حياتَنَا.

الرِّسالَة(1 كو 15: 1-11)

رتِّلوا لإلهنا رَتِّلوا     

يا جميعَ الأممِ صفِقّوا بالأيادي

يا إخوةُ، أعرِّفُكم بالإنجيلِ الَّذي بشرَّتُكم بهِ وقَبِلتُموهُ وأنتمُ قائمون فيهِ، وبهِ أيضًا تَخلُصون إنْ حافظتم على الكلام الَّذي بشَّرتُكم بهِ، إلَّا أنْ تكونوا قد آمنتم باطلًا. فإنّي قد سلَّمتُ إليكم أوّلًا ما تَسلّمته، وهو أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا على ما في الكتب، وأنَّه قُبِرَ وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثّالثِ على ما في الكُتب، وأنَّهُ تراءَى لِصَفا ثمَّ للاِثنَي عَشَر، ثمَّ تراءَى لأكثرَ من خمسمِائة أخٍ دفعَةً واحِدةً أكثَرُهم باقٍ إلى الآن وبعضُهم قد رقدوا. ثمَّ تَراءى ليعقوبَ ثمَّ لجميع الرُّسُل، وآخِرَ الكُلِّ تَراءى لي أنا أيضًا كأنَّهُ للسِّقط، لأنّي أنا أصغَرُ الرُّسُلِ ولستُ أهلًا لأنْ أُسمَّى رَسُولًا لأنّي اضطهدتُ كنيسةَ الله، لكنّي بنعمةِ الله أنا ما أنا. ونعمتُهُ المُعطاةُ لي لم تكن باطِلةً، بل تعبتُ أكثرَ من جميعهم، ولكن لا أنا بل نعمةُ اللهِ الَّتي معي. فسَواءٌ أَكنتُ أنا أم أولئكَ، هكذا نكرِزُ وهكذا آمنتُم.

الإنجيل(متّى 19: 16-26)(متّى 12)  

في ذلك الزَّمان دَنا إلى يسوعَ شابٌّ وجَثا له قائلًا: أيُّها المُعَلِّمُ الصَّالحُ ماذا أعملُ مِنَ الصَّلاح لتكونَ لي الحياةُ الأبديَّة؟ فقال لهُ: لماذا تدعوني صالحًا وما صالحٌ إلَّا واحدٌ وهُوَ الله. ولكِنْ إنْ كنت تريد أن تدخُلَ الحياة فاحْفَظِ الوصايا. فقال لهُ: أيَّةَ وصايا. قال يسوع: لا تقتُلْ، لا تزنِ، لا تسرِقْ، لا تشْهَدْ بالزُّور، أكرِمْ أباك وأمَّك، أحبِب قريبَك كَنَفْسِك. قال لهُ الشّابُّ: كلُّ هذا قد حفِظتُهُ منذ صبائي، فماذا يَنقُصُني بعدُ؟ قال لهُ يسوعُ: إنْ كنتَ تريد أنْ تكونَ كامِلًا فاذْهَبْ وبِعْ كلَّ شيءٍ لك وأعْطِهِ للمساكين فيكونَ لك كنزٌ في السَّماءِ وتعالَ اتبعني. فلَّما سمع الشَّابُّ هذا الكلامَ مَضى حزينًا لأنَّه كان ذا مالٍ كثير. فقال يسوع لتلاميذهِ: الحقَّ أقول لكم إنَّهُ يعسُرُ على الغنيِّ دخولُ ملكوتِ السَّماوات. وأيضًا أقول لكم إنَّ مُرورَ الجَمَلِ من ثَقْبِ الإبرةِ لأسْهلُ من دخولِ غنيٍّ ملكوتَ السَّماوات. فلَّما سمع تلاميذهُ بُهتوا جدًّا وقالوا: مَن يستطيع إذَنْ أن يخلُصَ؟ فنظر يسوعُ إليهم وقال لهم: أمَّا عندَ النَّاسِ فلا يُستطاعُ هذا، وأمَّا عند اللهِ فكلُّ شيءٍ مُستطاعٌ.

حول الإنجيل

رتَّبَت كنيستنا المُقَدَّسة أَن يُتلى اليوم هذا المقطع الإنجيليّ الَّذي يُورِدُ لنا حِوارًا تمَّ بين الرَّبِّ يسوع وشابٍّ ما.

مِنَ الواضِح أَنَّ هذا الشّابَّ غنيٌّ جِدًّا "لأنَّهُ كانَ ذا مالٍ كَثِير"، لَكِنَّهُ أرادَ أَن يكونَ غَنِيًّا بِنَوعٍ آخَرَ مِنَ الغِنى، كانَ لَهُ مِنَ المالِ ما يَكفيه، لَكِنَّهُ أراد أنْ يَرْبَحَ الحياةَ الأبدِيَّة. الإنسانُ يحيا حياةً واحدةً، تَبدأُ على الأرضِ وتستمرُّ إِمَّا في ملكوت السَّماوات أو في العذاب الأبديّ، دون أَنْ تَتَأَثَّر بموتِ الإنسان البيولوجيّ. فحياتنا الأبدِيَّة هي نتيجةُ واستمرارُ حياتنا الأرضيَّة.

بِدايةً، أَرادَ الرَّبُّ يسوعُ أن يُعلِّمَ هذا الشَّاب أنَّ "الصَّلاح" ليس فكرة ولا خبرة، بل أنَّ "الصَّلاح" هو الله نفسه. وبالتَّالي فَإِنَّ الصَّالِحَ مِنَّا مَنْ يَحْيا بالله ولله. رغبةُ هذا الشابِّ بالخلاصِ هي الَّتي قادَتْهُ إلى مُحاورة يسوع، وفي نفسِ الوقتِ فإِنَّ جوابَ الرَّبِّ على سؤالِهِ أحزَنَهُ. وهذه حالُ الأكثرين مِنَّا، نَرْغَبُ بأنْ نَربَحَ الحياةَ الأبديَّةَ وأَنْ نَنْعَمَ بالعَيْشِ مع الرَّبِّ يسوع، وَلَكِنَّنا في الوقتِ نَفْسِهِ نَحْزَنُ بسببِ ارتباطنا الوَثيق بما في هذا العالمِ مِنْ مُغرياتٍ ومُقتنياتٍ ومَلذَّات. نَتَشوَّقُ للحياة الأبديَّة، لكنَّنا في الوَقْتِ ذاتِه نتمسَّك بما في هذا العالم. فَنَنْصرِف -كحال هذا الشّاب- مُحْبَطين متضايقين. في كثيرٍ مِنَ الأحيان نظنُّ أنَّنا نَحفظ الوصايا، ونطلبُ معرفَةَ ما يُعوِزُنا بعد. فَنُصْدَمُ بتلكَ الحقيقةِ الَّتي قالها يسوعُ للشّابِّ أنَّ الحياةَ الأبديَّةَ ليست مُقْتصِرةً على حِفظِ الوصايا. بل يُضافُ إلى ذلك أنْ نَشْتَرِكَ بِمَحَبَّةٍ مع الآخَرين وأن نشعر بحاجتهم، فما كان طلب الرَّبِّ إلى الشّاب أن يبيعَ ما عِندهُ بهدفِ إفقاره، بل لدفعهِ نحوَ الشُّعورِ بحاجَةِ إخوته "أعطه للمساكين".

المسيحُ يُشَجِّعنا من خلالِ هذا الشابِّ الغنيِّ على التَّحرُّرِ من قيودِ القِنْيَةِ مَحَبَّةً بالآخرين، وَمَنْ مِنَ النَّاسِ يَستَطيعُ أَن يحيا وأن يُطَبِّقَ هذا الكلام! بِقُوَّتنا لا نستطيعُ بالتَّأكيد. لَكِنَّ الرَّبَّ أعطانا جوابَهُ "وأَمَّا عِنْدَ اللهِ فَكُلُّ شيءٍ مُسْتَطَاع"، أي بِمَعُونَةِ الرَّبِّ نستطيعُ ذَلِك.

فَلْنَلْتَصِقْ بالله القُدُّوس، وَلْنَبْتَعد عن كُلِّ ما يُبعدنا عنه. فننال بذلك نِعمتَهُ العظيمة ونربح حياتنا  الأبديَّة. آمين

الصَّلاة الدّائمة

الصَّلاة

"بكلّ قلبي طلبتُكَ" (مز 118: 10).

يُقارن الآباء دائمًا بين الحالة الَّتي كان فيها الإنسان الأوّل، حين كان يُكلّم الله وجهًا لوجه، وحالة الغربة عن الله الَّتي أصبح عليها بعد العصيان الأوّل. فبعد الغربة، تبعثرت قوى الإنسان الرُّوحيَّة، وبدأ الصِّراع الدّاخليّ في القلب بين حفظ ذكر الله والنسيان. وكانت الوصيّة، الَّتي هي فوق الوصايا كلّها: "احترز من أن تنسى الرَّبَّ إلهك... أذكر الرَّبَّ إلهك" (تث 8: 11، 18). ذكر الرَّبّ إلهنا، إنّما غايته حضورٌ لا يتوقّف لإلهنا في القلب الدَّاخليّ، ولكنّ الإنسان لم يستطع حفظَ هذه الوصيّة. فالنِّسيان أوقف القلب عن ذكر الله مِنْ دون انقطاع؛ وكانت هذه الكارثة الأولى الَّتي نتجت من السُّقوط. والقلب الَّذي دُعيَ إلى معاينة الله، دخل في غربة، ومات فيه كلُّ شوقٍ إلى الله. أمّا ذهنه الَّذي دُعي إلى أن يمتلئ من ذكر الله، فأصبح ثقيلًا وبَليدًا، هدم فيه النِّسيان كلَّ ذكرٍ لما هو لله. لا بل أخذ طريقًا مُعاكِسًا، أخذ يَمتلئ أهواءً ورغباتٍ مُعادِيَةً لله، ويَتَّجِه بِسُهولةٍ نحو الاهتمامات الأرضيّة والحِسِّيَّة. هذا يُظهر كيف أنّ الخطيئة عَرَّتْ الإنسان من النِّعمة الإلهيّة، ليكتمل لاحقًا بالموت، هذا الانقطاع المخيف لشركة الإنسان مع الله.

لهذا الواقع، الَّذي امتلأت فيه ذاكرة الإنسان من كلّ الأهواء، عوض امتلائها من نعمة الله، لم يوجد من علاجٍ سوى استعادة الذِّهن إلى الله، عبر الذِّكر المُتواصِل للرَّبِّ، في الصَّلاةِ النَّقيّة المتكمِّلة بالطَّاعة وعمل التّوبة.

لم يوجد سلاحٌ أو قوّة، في أيّ زمنٍ من الأزمنة، يمكنه أن يُقاوم تعاظُم الخطيئة والشَّرّ، ويُكافحه في العالم وفي النَّفس البشريّة، أكثر من الصَّلاة... الصَّلاة لم تكن يومًا أمرًا إضافيًّا في حياة المسيحيّ والكنيسة، إنّما كانت دائمًا النّشاط الرّئيس. وذلك تطبيقًا لوصيّة المسيح والرُّسُل، لا فقط بأن نسهر ونصلّي، وإنّما أيضًا بأن "يُصلَّى كلَّ حينٍ ولا يُملّ" (لو1:18). فالصَّلاة هي حاجةٌ للنَّفس أكثر ممّا الطَّعام حاجةٌ للجسد. كلُّ حياة الكائن البشريّ ينبغي لها أن تكون حياةً في الصَّلاة.

الكتاب المُقَدَّس كلّه مملوءٌ من هذا الإصرار على الصَّلاة المتواصلة: "صلُّوا بلا انقطاع" (1 تسا 17:5)، "اسهروا وصلُّوا لئلّا تدخلوا في تجربة" (مت 41:26). لهذا، بحسب الذَّهبيّ الفَم، النَّفْس الَّتي لا تحبُّ الصَّلاة هي نفسٌ ميتة، لا يوجد فيها شيءٌ صالح.

أنْ نُداوِم على الصَّلاة، أو أنْ نُصَلّي بِلا مَلَل (لوقا 2: 37، 18: 1- 8؛ رومية 12: 12)، هو أن نعرف أنّ الله حاضِرٌ معنا دائمًا، وأنّه يحبّنا، ويريدنا أن نلتفت إليه، ونكلّمه بِوِدٍّ وثقة. والصَّلاة الدّائمة تفترض، أوّلًا، أن نشارك، باستمرار، في الخدمة الإلهيّة (القدّاس الإلهيّ) في كلّ أحدٍ وعِيد، وفي كلِّ صلاةٍ جَماعيّة. وتفترض، تاليًا، أن نحافظ على صلواتنا اليوميّة. ومنها الصَّلوات الثَّلاث الَّتي شاع أن يلتزمها بعض المؤمنين، وهي: صلاة السَّحريّة (الَّتي تُقام صباحًا)، صلاة الغُروب (الَّتي تُقام مساءً بعد العودة مِنَ العمل أو المدرسة والجامعة)، وصلاة النَّوْم (قَبْلَ النَّوْم). وهذه الصَّلوات اليَوْمِيَّة قاعدة كلّ صلاة. وهي ملزمة، حتّى لا نخسر فرحنا، وحتّى لا نستسهل الكلام مع الله، ونختصره بعبارات قليلة نتمتمها صباح مساء، أو نكتفي برسم إشارة الصَّليب بعد أن نستيقظ، أو نخرج مِنْ مَنازِلنا. ليست الصَّلاة ترداد كلمات باردة. لكنّها تنبع من معين محبّة الله الَّتي "لنا في المسيح يسوع". وهي لم تكن ممكنةً، لو لم يتنازل الرَّبُّ، ويكشف نفسه، ويَفدنا، ويُعطنا كلّ نعمة تقودنا إليه، لنكلّمه، بثقَةٍ ودفءٍ، ونكلّمه دائمًا... (يتبع)

أنقر هنا لتحميل الملفّ