نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ۲٧ آب ۲٠١٧
العدد ۲٠
الأحد (١۲) من متّى
اللّحن ٣- الإيوثينا ١
كلمة الرّاعي
الرِّعاية والرَّعيَّة
"يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟" قَالَ لَهُ: "نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ: "ارْعَ خِرَافِي" (يوحنّا ٢١: ١٥).
بعض الناس إذا سألتهم عن الرعاية في الكنيسة يحدّونها بإتمام الكاهن لـ "واجباته" الليتورجيّة، أن يقدِّس، يعمِّد، يجنّز... لا يرون أبعادًا أخرى لخدمة الكاهن ورعايته. بعض آخر يطلب حضورًا للكاهن في حياة أبناء رعيّته وشبابها وأطفالها من خلال المتابعة والزيارة والإرشاد.
* * *
يقول الكلمة في سفر حزقيال: "أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل. وَأَنْتُمْ يَا غَنَمِي، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ، بَيْنَ كِبَاشٍ وَتُيُوسٍ (...) وَأُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِيًا وَاحِدًا فَيَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ، هُوَ يَرْعَاهَا وَهُوَ يَكُونُ لَهَا رَاعِيًا. وَأَنَا الرَّبُّ أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيسًا فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ تَكَلَّمْتُ" (٣٤: ١٥ – ١٧ و٢٣ – ٢٤).
راعينا واحد وهو الله، والمسيح يسوع هو الله المتجسِّد الّذي اتى ليرعى خرافه: "وَأَنْتُمْ يَا غَنَمِي، غَنَمُ مَرْعَايَ، أُنَاسٌ أَنْتُمْ. أَنَا إِلهُكُمْ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ" (حزقيال ٣٤: ٣١). إلهنا يرعانا، والكاهن الراعي يجب أن يكون على صورة الله يحتضن خراف المسيح (داوود = حبيب الرّبّ) يعضدها يشفيها يغذّيها يحفظها من الذئاب، يحكم بينها بالعدل والرحمة، يربّيها بالوصيّة الإلهيّة ويبذل نفسه لأجلها. الرّاعي هو المصلوب أبدًا حبًّا لمعلّمه وتشبّهًا به لكيما يلد الخراف، الّتي في عهدته أمانة، بالكلمة على صورة الكلمة المتجسِّد. لا يصير الأسقف أو الكاهن راعيًا إلَّا بالموت عن ذاته في طاعة الإنجيل فيحيا بالتوبة في الجِدَّة بنعمة الرّوح القدس.
* * *
يقول القديس أغناطيوس الأنطاكيّ: "افعلوا كل شيء تحت رئاسة أسقفكم كرمز لله، والقسوس كرمز لمجمع الرسل، والشمامسة كمؤتَمنين على خدمة يسوع المسيح، (...) لا تدعو شيئاً ينسل إلى داخلكم ليفرقكم، بل اتحدوا مع أسقفكم ورؤسائكم وليكن اتحادكم رمز وأمثولة للخلود" (الرسالة إلى أهل مغنيسية ٦). وايضًا: "يجب أن تكون طاعتنا خالية من كل شائبة، لأن احترامنا هو لله الذي أحبنا. فإذا خدعنا الأسقف فإننا نكذب على الأسقف غير المنظور (أي الله). وفي هذه الحالة، عملنا ليس مع إنسان بل مع الله، الذي يعرف كل الأشياء الخفية" (الرسالة إلى أهل مغنيسية ٣).
تحتاج الرعاية للتعاون والقبول والطاعة. ليستقيم عمل الراعي يجب أن تثق الرعيّة به وأن يثق بها. الثقة تبنى مع الخِبْرَة والعِشْرَة. لكن المبدأ أن تنطلق المسيرة هذه بالثقة وليس بالتشكيك، لأن التشكيك من الشيطان الّذي يريد أن يخرب بيت الله. فالرّبّ يقول: "اِضْرِبِ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتَ الْغَنَمُ" (زكريا ١٣: ٧؛ أنظر أيضًا: متّى ٢٦: ٣١ ومرقس ١٤: ٢٧). من يخرب الثقة بين الراعي والرعية شيطان هو وينبغي فرزه من الجماعة كائنًا من كان.
أساس الرّعاية محبّة المسيح والتّشبّه به. الراعي يَرعى ويُرعى لأن الكنيسة هي مطرح الحبّ الإلهيّ، صورة الثالوث، نبع النّعمة والفرح والسلام، شركة القدّيسين.
من يحارب الأساقفة والكهنة والشمامسة الّذين على قلب الله ويكون ملتويًا معهم وخبيثًا يقطع نفسه من شركة جسد المسيح ويجلب على نفسه وعلى سلالته اللعنة. من يسلك في طاعة المسيح وحفظ وصيّته ويكون مستقيمًا في النّيّة والفكر والنفس والجسد صادقًا في محبة الله والكنيسة وشفَّافًا في خدمته يُبارَك وينمو في الرّوح ويردُّ كثيرين إلى الإيمان فيصير مبشِّرًا ورسولًا وشريكًا في خدمة القدّيسين.
الرعاية والخدمة في الكنيسة هي تكامل بين أعضاء جسد المسيح لتجسيد ملكوت المحبّة في هذا العالم المتألِّم، ليس هي قضيّة اجتماعية ولا ثقافيّة، إنّها مسألة مصيريّة قصّة حياة أو موت. علينا جميعًا كمؤمنين أن نكون أبناء "جيل التّجديد" الَّذي يحيا بالروح القدس ويُظهِرُ للعالم "الحياة الجديدة" و"الخليقة الجديدة" التي بالمسيح يسوع لخلاص المسكونة. هذه الوحدة الّتي تتجلّى فيما بيننا بالمسيح في الروح القدس في طاعة الآب هي ملكوت الله الآتي وقبلة الوجود وغاية سعينا.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (اللّحن الثّالث)
لِتفرحِ السّماويات. ولتَبتَهِجِ الأرضيّات. لأنَّ الربَّ صنعَ عِزاً بساعِدهِ. ووطِئَ الموتَ بالموت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
القنداق لميلاد والدة الإله
إنَّ يواكيمَ وحَنَّةَ من عارِ العُقرِ أُطلِقا. وآدمَ وحواءَ من فسادِ الموتِ بمولِدِكِ المُقَدَّسِ يا طاهرةُ أُعْتِقا. فَلَهُ يُعيِّدُ شعبُكِ إذ قد تخلَّصَ من وَصْمَةِ الزلاَّتِ، صارخاً نحوكِ: العاقرُ تَلِدُ والدةَ الإلهِ المُغَذِّيةَ حياتَنا.
الرّسالة (1 كورنثوس ١:١٥-١١)
رَتِّلُوا لِإِلَهِنَا رَتِّلُوا
يَا جَمِيعَ الأُمَمِ صَفِّقُوا بِالأَيَادِي
يا إخوةُ، أُعَرِّفُكُم بالإنجيلِ الَّذي بَشَّـرْتُكُم بهِ وقَبِلْتُمُوهُ وأَنْتُمُ قَائِمُونَ فيهِ، وبهِ أيضًا تَخْلُصُونَ إنْ كُنْتُم تَذكُرُونَ بأيِّ كلامٍ بَشَّرتُكُم بهِ، إلَّا أنْ تَكُونُوا قد آمَنْتُم باطِلًا. فَإِنِّي قد سَلَّمْتُ إليكُم أوَّلًا ما تَسَلَّمْتُهُ، أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا على ما في الكُتُبِ، وأنَّه قُبِرَ وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثَّالِثِ على ما في الكُتُبِ، وأنَّهُ تَرَاءَى لِصَفَا ثُمَّ للاثني عَشَرَ، ثُمَّ تَرَاءَى لِأَكْثَرَ من خَمْسِ مِئَةِ أَخٍ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَكْثَرُهُم بَاقٍ إلى الآنَ وبَعْضُهُم قد رَقَدُوا. ثُمَّ تَرَاءَى ليعقوبَ ثُمَّ لجميعِ الرُّسُلِ، وآخِرَ الْكُلِّ تَرَاءَى لي أنا أيضًا كأنَّهُ للسِّقْطِ لِأَنِّي أنا أَصْغَرُ الرُّسُلِ، ولَسْتُ أَهْلًا لِأَنْ أُسَمَّى رَسُولًا لِأَنِّي اضْطَهَدْتُ كنيسةَ الله، لكنِّي بِنِعْمَةِ اللهِ أنا ما أنا. ونِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لي لم تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِهِم. ولكنْ لا أنا بَلْ نِعْمَةُ اللهِ الَّتي مَعِي، فَسَوَاءً كُنْتُ أَنَا أَمْ أُولَئِكَ هكذا نَكْرِزُ وهكذا آمَنْتُم.
الإنجيل (متى ١٦:١٩- ٣٤)
في ذلك الزَّمان دنا إلى يسوعَ شابٌّ وجَثَا له قائلًا: أيُّها المعلِّمُ الصَّالِحُ، ماذا أعمَلُ مِنَ الصَّلاح لتكونَ ليَ الحياةُ الأبديَّةُ؟ فقالَ لهُ: لماذا تَدْعُونِي صالِحًا وما صالِحٌ إلَّا واحِدٌ وهُوَ الله. ولكِنْ إنْ كنتَ تُريدُ أن تَدخُلَ الحياةَ فاحْفَظِ الوصايا. فقالَ لهُ: أيَّةَ وصايا. قالَ يسوع: لا تقتُلْ. لا تَزْنِ. لا تسـرِقْ. لا تشهَدْ بالزُّور، أَكْرِمْ أباكَ وأمَّكَ. أَحْبِبْ قريبَكَ كنفسِكَ. قالَ لهُ الشَّابُّ: كلُّ هذا قد حَفِظْتُهُ منذُ صِبَايَ، فماذا يَنْقُصُنِي بَعْدُ؟ قالَ لهُ يسوعُ: إنْ كنتَ تريدُ أنْ تكونَ كامِلًا فاذْهَبْ وبِعْ كلَّ شيءٍ لكَ وأَعْطِهِ للمَساكينِ فَيَكُونَ لكَ كَنْزٌ في السَّـمَـاءِ وتعـالَ اتْبَعْنِي. فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ هذا الكلامَ مَضَـى حزينًا لأنَّهُ كانَ ذا مالٍ كثير. فقالَ يسوعُ لتلاميذهِ: الحَقَّ أَقولُ لكُم إنَّهُ يَعْسُرُ على الغنيِّ دُخولُ ملكوتِ السَّمَاوات. وأيضًا أَقولُ لكُم إنَّ مُرُورَ الجَمَلِ من ثَقْبِ الإِبْرَةِ لَأَسْهَلُ من دُخولِ غَنِيٍّ ملكوتَ السَّمَاوَات. فَلَمَّا سَمِعَ تَلامِيذهُ بُهِتُوا جِدًّا وقَالُوا: مَن يَستطيعُ إِذَنْ أَنْ يَخْلُصَ؟ فَنَظَرَ يَسوعُ إِلَيْهِم وقالَ لَهُم: أَمَّا عِنْدَ النَّاسِ فَلَا يُسْتَطَاعُ هذا، وأَمَّا عندَ اللهِ فكُلُّ شَيءٍ مُسْتَطَاعٌ.
حول الإنجيل
يتحدَّثُ هذا المقطعُ الإنجيليُّ من بشارةِ متَّى الرَّسولِ عن شابٍّ حفظَ الوصايا وعملَ على تطبيقِهَا وسعَى جاهِدًا في حياتِه كي يصنعَ الصَّلاحَ، وجاءَ جوابُ الرَّبِّ يسوعَ ليقولَ إنَّ هذا الشَّابّ لَيَسْتَحِقُّ الحياة الأبديّة. لكن، يسوع يريدُ منه كمالًا أوفر ويريدُ أن يُلْحِقَهُ بتلاميذه. لذلك، يطلبُ منه أن يبيعَ أملاكَه ويوزِّعَها على المساكين. هذا هو تعليمُ التَّجَرُّدِ الَّذي بَسَطَهُ المسيحُ في الإنجيلِ والَّذي يَضَعُهُ شرطًا لاتِّبَاعِه. لذلك، نرَى الرَّاهبَ في الكنيسةِ، أوَّل شيء يسعى إليه في بداية حياته الرّهبانيّة، هو التَّدَرُّب على عدم القِنْيَة. لا يريدُ أن يقتني شيئًا لنفسه فينذُرُ الفقرَ، أوَّلًا، ثمَّ الطَّاعَةَ والعِفَّة.
هذا الشَّابُّ رفضَ مشورةَ التَّجَرُّد لأنَّه متعلِّقٌ جدًّا بالخيرات الأرضيَّة. هذا الإنسان عرفَ يسوعَ وانجذَبَ إليه، ورغِبَ بصدقٍ في الالتحاقِ به، لكنَّ عائقًا حالَ دون اتِّباعِه ليسوع. هذا الإنسان حَزِنَ لأنَّه أَحَبَّ يسوع وأرادَ أن يتكرَّسَ له. لكنَّه اسْتَصْعَبَ تَرْكَ المال. حَزِنَ لأنَّ عليه أن يتركَ كلَّ شيء لاتِّباعِ يسوع.
يبقى أنَّ الغِنَى ليسَ سيِّئًا بحدِّ ذاته، ولا الفقرَ جيِّدٌ بحدِّ ذاته. يتحوَّلُ الغِنَى إلى خيرٍ أو شرٍّ وَفْقًا لمشيئةِ الإنسانِ وإرادَتِهِ. يصبِحُ شَرًّا عندما يُعبَدُ كرَبّ. ويصبِحُ خيرًا عندما يكونُ مصدرًا لمساعدةِ وفرحِ وتلبيةِ حاجاتِ كثيرينَ مُعْوَزِين. ويبقَى الفقرُ هو حالةُ النَّفْسِ الَّتي تَقْبَلُ التَّرْكَ والتَّخَلِّي والانفِصَال عن كلِّ شيءٍ يَحُولُ دون الوصولِ إلى الله.
لذلك، قَبْلَ أنْ يكونَ الفقرُ مادِّيًّا يجبُ أنْ يكونَ روحيًّا أي تَحَرُّرًا من كلِّ تَعَلُّقٍ بالأمورِ الدُّنيويَّة.
أَلَا أعطانَا اللهُ أنْ نتدرَّبَ يومًا فيومًا على التَّخلِّي، وهذا لا يصيرُ إلَّا بالتَّدَرُّبِ على العطاءِ والمساعدةِ، فنَسْعَى بذلك إلى طريقِ الكمالِ بعد أن نكونَ سَعَيْنَا إلى حفظِ الوصايا وتطبيقِهَا، عملًا بقولِ الرَّبِّ: "كونوا كامِلِينَ كما أنَّ أباكم السَّماويَ هو كامِل" (متَّى ٥: ٤٨). آمين.
(عن نشرة الكرمة- أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما- العدد ٣٤ سنة ٢٠١٥).
من يتكلّم في اللّاهوت؟
(للقدّيس سمعان اللّاهوتيّ)
يقول يوحنا اللاهوتي: "لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس" (١يو٨:٣). أعمال إبليس هي كل أنواع الخطايا: حسد، كذب، مكر، بغض، عداوة، تذكر الشر، افتراء، غضب، غيظ، كبرياء، غرور، فقدان للرحمة، جشع، سرقة، إثم، شهوة رديئة، مخاصمة، تذمر، اهتياج، سخرية، حلفان، نسيان لله، وكل شر آخر. لذا، بالنسبة لأولئك الذين يُدعون مسيحيين ويفعلون مثل هذه الأعمال التي لإبليس، أي فائدة هناك من كونهم يدعون مسيحيين، إذا كان ظهور ابن الله لم يُحطّم فيهم هذه الأعمال التي للشيطان؟ إذا قال أحد ما أنَّ البعض منهم، أي المسيحيون اسماً، يفسـرون الكتاب المقدس، ويتكلمون في اللاهوتيات، ويبشـرون بالعقائد الأرثوذكسية، فليعلموا أن عملهم هذا لا يوافق عمل المسيح.
لا يقول يوحنا اللاهوتي إنَّ غاية ظهور ابن الله هو ذلك، أي لكي يتكلم بعض الناس في اللاهوتيات ويتباهوا بأرثوذكسيتهم، بل لكي ينقض أعمال إبليس. في ما يختص بهؤلاء، أقول إنَّ على الشخص أنْ ينظّف الوعاء أولاً من كل قذارة ومن ثم يضع فيه الطيب، لئلا يتدنس الطيب ذاته، وبدلاً من الرائحة العطرة تخرجُ منه رائحة كريهة. إنَّ ابن الله، الكلمة، لم يصر إنساناً فقط لكي يؤمن الإنسان بالثالوث القدوس، ويمجده، ويتكلم حوله ويتناقش في اللاهوت، بل لكي ينقضَ أعمال إبليس. مِنْ بين كل الذين قبلوا إيمان المسيح، يؤتمن على أسرار اللاهوت والعقائد الأرثوذكسية ذلك الذي أُبيدتْ فيه أعمال إبليس. الذين لم تزل فيهم هذه الأعمال (الشريرة) باقية، فَهُم في الحقيقة في نفس رتبة الوثنيين الممنوعين والمحرومين ليس فقط من قراءة الكتاب المقدس وشرحه، بل حتّى من دخول هيكل السيد الرب والصلاة فيه، كما هو مكتوب:" وللشرير قال الله ما لك تُحدّث بفرائضي وتحملُ عهدي على فمك وأنتَ قد أبغضت التأديب، وألقيت كلامي خلفك" (مز ١٧:٤٩-١٨). إنّ الذي لا يأخذ وصايا الله إلى قلبه، يكره التأديب والإصلاح، ويسدّ أذنيه حتى لا يسمع كلمة الله التي تعلن عن عقاب الخطأة، ونار جهنم، والدينونة الأبدية التي لا يفلتْ منها أي إنسان متى أُخضع لها. إنَّ الذي لا يجاهد بكل قوّته لكي يضع دائماً أمام عينيه وصايا الله ويحفظها، بل على العكس يزدري بها ويفضّل مخالفتها، يلقي بكلمات الرب وراءه.
عندما يأمر الله بكل وضوح: توبوا فقد اقترب ملكوت السّماوات (متى ١٧:٤) وأيضاً: اجتهدوا أنْ تدخلوا من الباب الضيق (لوقا ٢٤:١٣) وذلك الشخص الذي يسمع هذا الكلام ليس فقط لا يرغب في التوبة ولا يلزم نفسه بالدخول من الباب الضيق، بل يقضي أيام حياته في إهمال شديد ولا مبالاة، مضيفاً إلى خطاياه السابقة خطايا جديدة كل ساعة، مقدماً الراحة لجسده على حساب ما هو ضروري، لا بل وما هو لائق أيضاً، سائراً هكذا في الطريق الواسع والمترف الذي يؤدي إلى الضياع، وليس في الطريق الضيّق المحزِن الذي يقود إلى الحياة الأبدية، أليس واضحاً أنْ هذا الإنسان يلقي كلمات الله خلفه، أي يزدري بها ويفعل إرادته الخاصة، أو بتعبير أفضل، يفعل إرادة الشيطان؟
أنظر ما يقوله النبي داود: ”أطلقتَ فمك بالـشـر، ولسانك يخترع غشا، تجلس تتكلم على أخيك . لابن أمك تضع معثرة. هذه صنعت وسكت. ظننتَ أني مثلك. أوبخك، وأصف خطاياك أمام عينيك افهموا هذا يا أيها الناسون الله، لئلا أفترسكم ولا منقذ. ذابح الحمد يمجدني، والمقوم طريقه أريه خلاص الله“(مز ٤٩ (٥٠): ١٩ – ٢٣). ألا ترون كيف نسي هذا الإنسان الله، وهو يستحق عقاباً أعظم من الملحد الذي لم يعرف الله أبداً؟ إذ، كونه عرف الله لا يمجده كإله، بل على العكس يسيء إليه، عاملاً أعمال إبليس. لذا هو عدو الله، حتّى ولو بدا وكأنَّه الأكثر جدارة بالثقة بين معلمي العقائد الإلهية واللاهوت الأرثوذكسي. ومن المستحيل أنْ يستطيع مثل هذا الإنسان أنْ يعلن العقائد الإلهية ويتكلم في الأمور اللاهوتية بأمانة، إذ كيف للذهن المعتّم بضمير ملوّث أنْ يفكر بشكل صحيح وبنقاوة؟ وحدهُ الذي تحرر من أعمال إبليس، والذي يُبقي الله في ذاكرته بشكل ثابتْ، يستطيع أنْ يعلن أسرار الله بأمانة كونه لم يعد مربوطاً بأعمال الشيطان.
أخبار
بيان
لقد تلقينا بأسى خبر استشهاد أربعة عناصر من جنود الوطن البواسل وآلمنا وقع المصاب على اهلهم وأحبائهم، ولكن هذه هي رسالة جيشنا التضحية لأجل وكننا العزيز وشعبه. ونحن نفخر أن أحد هؤلاء الأبطال هو من أبناء أبرشيّتنا في رعيّة بلدة رعيت العزيزة العريف الشهيد إيلي إبراهيم فريجه. ونحن إذ نؤكد على دعمنا الكامل للجيش اللبناني قيادة وضباطا وأفرادا في معركتهم المحقة، ضد الإرهاب وللحفاظ على أرض الوطن، نتقدم بالتعزية الحارة من الجيش ومن ذوي الشهداء الأبرار ونأمل أن تكون ثمرة دمائهم انتصارًا للوطن المحبوب لبنان(زحلة، في ٢٠ آب ٢٠١٧).
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما