نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 27 حزيران 2021
العدد 26
الأحد (1) بعد العنصرة (جميع القدّيسين)
اللّحن 8- الإيوثينا 1
أعياد الأسبوع: *27: (جميع القدّيسين)، البارّ شمشون مضيف الغرباء، يونَّا امرأة خوزي *28: بدء صوم الرُّسُل، نقل عظام كيرُس ويوحنّا العادِمَي الفضّة *29: بطرس وبولس هامتا الرُّسُل (انتهاء صوم الرُّسُل) *30: تذكار جامع للرُّسل الإثني عشر *1: الشَّهيدان قزما وداميانوس الماقتَي الفضَّة *2: وضع ثوب والدة الإله في فلاشرنس *3: الشَّهيد ياكنثس، أناطوليوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة.
كلمة الرّاعي
هامتا الرُّسل
عيد الكرسيّ الأنطاكيّ المقدَّس
إنّ عيد القدّيسَيْن بطرس وبولس هو واحدٌ من أقدم احتفالات السّنة اللّيتورجيّة. وبناءً على الرّوايات التّاريخيّة والتّقليد الكَنَسيّ فأنّ القدّيس بطرس قد استشهد "مصلوبًا" حوالى العام 64 للميلاد على تلّة فاتيكانوس (Vaticanus) وهي إحدى التّلال السّبعة لمدينة روما القديمة، ومنها جاء اسم الفاتيكان، حيث بُنيت كاتدرائيّة على اسم "القدّيس بطرس". أمّا القدّيس بولس الرّسول فقد استشهد بقطع رأسه في العام 67 م. في المنطقة الّتي تُسمّى الينابيع الثّلاثة خارج أسوار المدينة.
تاريخيّة حقيقة استشهاد الرَّسولَيْن مع أعداد كبيرة من المسيحيّين، يؤكِّدها ما يذكره المؤرّخ الوثنيّ تاكيتوس (Tacitus)، بأنّ "عددًا كبيرًا" من المسيحيّين لقوا حتفهم في الاضطهاد بعد الحريق الكبير في روما على عهد الامبراطور نيرون. لكنّ، استشهاد الرسولَين لم يكن في 29 حزيران، بل يبدو أنّه كان "تعميدًا" لاحتفال أهل رومة برومولوس وريموس، المؤسّسين الأسطوريّين لمدينة رومة الخالدة. الكنيسة اعتبرت هامَتَيْ الرُّسُل بطرس وبولس المؤسّسين لروما المسيحيّة. وتُشير العديد من التّرانيم القديمة على اعتبارهما "عمودَي الكنيسة" و"والدَي روما" بالكلمة والدّم أي بالتّبشير وبالاستشهاد.
* * *
أقام الرَّسولان بولس وبرنابا كرسيّ أنطاكية سنة 42 م.، إلّا أنّ القدّيس بطرس الرّسول جلس عليه كأوّل أسقف على أنطاكية لمدّة ثمانية سنوات من عام 45 إلى 53 م..
بعد ذلك انطلق يؤسِّس كنائس أخرى. انطلاقًا ممّا سبق ذكره، تؤكِّد الدّراسات التّاريخيّة والكنسيّة بأنّ الرّسول بطرس أسَّس الكرسيّ الأنطاكيّ ووطّده بمشاركة بولس وبرنابا. أوّل أسقف بعد بطرس الرّسول كان أفوديوس.
ولَقَبُ "بطريرك" أُطلِق على بطرس كون المسيحيّة الأنطاكيّة انتشرت، أوَّلا، بين اليهود وثانيًا بين الأمم، ولقب "بطريرك" مُستَعمل عند اليهود كونه يعني زعيم العشيرة كما إبراهيم واسحق ويعقوب. لاحقًا، أكَّد مجمع خلقدونية المُنعقد سنة 451 م. على أنّ لقب أسقف أنطاكية هو "بطريرك" دون سائر الكراسي كرومة والقسطنطينيّة والإسكندريّة وأورشليم.
ومن أنطاكية انطلق بطرس وبولس وبرنابا في رحلاتهم التّبشيريّة، وهكذا أسَّس أيضًا بطرس وبولس لاحقًا كرسيّ رومة.
كان لأسقف ("بطريرك") أنطاكية، منذ القرون الأولى للمسيحيّة، تقدّمًا على سائر أساقفة الشّرق وهذا ما أقرّه المجمع المسكونيّ الأوّل المنعقد في نيقية سنة 325 م. وقد ثبَّت المجمع المسكونيّ الثّاني (القسطنطينيّة سنة 381 م.) هذه الرّئاسة.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، إنّها لبركة كبرى ومسؤوليّة عظيمة أنّنا ننتمي إلى كرسيّ أنطاكية وسائر المشرق، كون تلاميذ المسيح دُعوا أوَّلًا "مسيحيِّين" في أنطاكية. والكرسيّ الأنطاكيّ هو أوّل كرسيّ رسوليّ أسّسه بطرس وبولس، قبل رومة. ولكنيسة أنطاكية عبر التّاريخ دور رائد وجوهريّ في العالم المسيحيّ. عاشت كنيسة أنطاكية أزمنة الاضطهاد وأزمنة السّلام، وفي كليْهما أغنت الكنيسة قاطبة في اللّاهوت واللّيتورجيا والنّسك والشّهادة من خلال القدّيسين العظماء كيوحنّا الذّهبيّ الفم وسمعان العاموديّ ورومانوس المرنّم ويوحنّا الدّمشقيّ وافرام واسحق السّريانيّين والقدّيس يوسف الدّمشقي وغيرهم كثيرين.
شهادة كنيسة أنطاكية هي القداسة الّتي نشرتها وتنشرها وستبقى تنشرها في كلّ العالم عبر كونها كنيسة شهيدة وشاهدة، مُحِبَّة ومنفتحَة، مُتحرِّرَة من كلّ إثنيّة أو عصبيّة قوميّة أو تعصُّب دينيّ مع تمسُّكها بالإيمان القويم "المسلَّم مرّة للقدّيسين" (يهوذا 1: 3).
تحمل كنيسة أنطاكية، اليوم، هذا التّراث الغنيّ وهي تأوّنه وتنقله إلى أبناء زمانها بلغتهم، وهي اليوم صارت مُتواجِدة في كلّ العالم شرقه وغربه، وفي العصر الحديث، أحيت روح النّهضة في العالم الأرثوذكسيّ والمسيحيّ عبر نبش كنوز الأرثوذكسيّة وشهادة المحبّة والخدمة عبر رجالاتها وشعبها، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المثلَّثي الرَّحمة البطاركة غريغوريوس حدّاد والياس معوّض وأغناطيوس هزيم والمطارنة جورج خضر والمثلّث الرّحمة بولس بندلي والمغيَّب بولس يازجي والمثلّثي الرّحمة الرّاهب الأرشمندريت الياس مرقس والأرشمندريت اسحق عطالله الآثوسيّ والشّمّاس اسبيرو جبّور والأم سلام قدسيّة والأم أنطونينا الياس والمرحومين ألبير لحام وكوستي بندلي وغابي سعادة والمرتلين السّابق رقادهم ايليّا الرّومي ومتري المرّ ومتري كوتيّا وأندراوس معيقل... وغيرهم ممّن يضيق بنا الوقت لذكرهم في هذه العجالة.
كنيسة أنطاكية هي سليلة بطرس وبولس وأرض الشّهادة للمسيح في العالم أجمع، هذه رسالتها وهذا دورها وهذا تجلّيها في الرَّبّ.
بهذه المناسبة، لا بدّ لي أن أعايد صاحب الغبطة أبينا وراعي رعاتنا البطريرك يوحنّا العاشر (يازجي) الكلّيّ الطّوبى والجزيل الاحترام، مع السّادة المطارنة أعضاء المجمع الأنطاكيّ المقدّس والسّادة الأساقفة الجزيلي الاحترام، مع كلّ الإكليروس الأجلاء والشّعب الحسن العبادة المحبّ المسيحن راجيًا الثّالوث القدُّوس أن تبقى كنيسة أنطاكية العظمى منارة للحقّ في العالم ورباط وحدة بين سائر الكنائس...
ألا جعلنا الرّبّ مستحقّين لأنّ نُدعى على اسمه "مسيحيِّين" في كلّ حين...
كلّ عام وأنتم ثابتون في محبّة المسيح وطاعته لمجد الثّالوث الأقدس.
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انحدرتَ مِنَ العُلوِّ يا مُتَحَنِّن. وقَبِلْتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعْتِقَنَا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريَّة أحد جميع القدِّيسين (باللَّحن الرَّابِع)
أيُّها المسيحُ الإله، إِنَّ كنيسَتَكَ إذ قد تزيَّنَتْ بدماءِ شُهَدائِكَ الَّذين في كلِّ العالم، كأنَّها ببرفِيرَةٍ وأُرْجُوَان. فهي بهم تهتِفُ إليكَ صارِخَة: أَرْسِلْ رأفَتَكَ لشعبِكَ، وٱمْنَحِ السَّلامَ لكنيسَتِك، ولنفوسِنَا الرَّحمة العُظْمَى.
قنداق أحد جميع القدِّيسين (باللَّحن الرَّابِع)
أيُّها الرَّبُّ البارِئُ كلَّ الخليقةِ ومُبدِعُها، لكَ تُقَرِّبُ المسكونَةُ كبواكيرِ الطَّبيعة الشُّهَدَاءَ اللَّابِسِي اللَّاهوت. فبتوسُّلاتِهِم اِحْفَظْ كنيسَتَكَ بسلامٍ تَامٍّ لأَجْلِ والِدَةِ الإله، يا جَزِيلَ الرَّحْمَةِ وحدَكَ.
الرّسالة (عب 11: 33-40، 12: 1-2)
عَجِيبٌ هو اللهُ في قدِّيسيه
في المجامِعِ بَارِكُوا الله
يا إخوةُ، إنَّ القدِّيسينَ أَجمَعِين بالإيمانِ قَهَرُوا الممالِكَ وعَمِلُوا البِرَّ ونَالُوا المواعِدَ وسَدُّوا أَفْوَاهَ الأُسُود، وأَطْفَأُوا حِدَّةَ النَّارِ ونَجَوْا من حَدِّ السَّيْفِ وتَقَوَّوْا من ضُعْفٍ، وصارُوا أَشِدَّاءَ في الحربِ وكَسَرُوا مُعَسْكَرَاتِ الأجانِب. وأَخَذَتْ نساءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بالقِيامة. وعُذِّبَ آخَرُونَ بتوتيرِ الأعضاءِ والضَّرْبِ، ولم يَقْبَلُوا بالنَّجَاةِ ليَحْصُلُوا على قيامةٍ أفضل. وآخَرُونَ ذَاقُوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيُودَ أيضًا والسِّجن. ورُجِمُوا ونُشِرُوا وٱمْتُحِنُوا وماتُوا بِحَدِّ السَّيْف. وسَاحُوا في جُلُودِ غَنَمٍ ومَعَزٍ وهُمْ مُعْوَزُون مُضَايَقُونَ مجَهُودُون، ولم يَكُنِ العالمُ مُسْتَحِقًّا لهم. فكانوا تائِهِينَ في البراري والجبالِ والمغاوِرِ وكهوفِ الأرض. فهؤلاءِ كلُّهُم، مَشْهُودًا لهم بالإيمانِ، لم يَنَالُوا الموعِد، لأنَّ اللهَ سبَقَ فنظَرَ لنا شيئًا أَفْضَلَ: أنْ لا يُكْمَلُوا بدُونِنَا. فنحن أيضًا، إذ يُحْدِقُ بنا مثلُ هذه السَّحابَةِ من الشُّهُودِ، فلْنُلْقِ عنَّا كُلَّ ثِقَلٍ والخطيئةَ المحيطَةَ بسهولةٍ بنا. ولْنُسَابِقْ بالصَّبْرِ في الجِهادِ الَّذي أمامَنَا، ناظِرِين إلى رئيسِ الإيمانِ ومكمِّلِهِ يسوع.
الإنجيل (مت 10: 32-33 و 37– 38، 19: 27– 30)(متّى 1)
قال الرَّبُّ لتلاميذِه: كلُّ مَنْ يعترفُ بي قدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أنا بهِ قدَّامَ أبي الَّذي في السَّماوات. ومَن يُنْكِرُني قدَّام النَّاس أُنْكرُهُ أنا قدَّامَ أبي الَّذي في السَّماوات. مَن أَحَبَّ أبًا أو أُمًّا أكثرَ مني فلا يستحقُّني. ومن أحبَّ ابنًا أو بنتًا أكثر منِّي فلا يستحقُّني. ومَن لا يأخذْ صليبَهُ ويتبعْني فلا يستحقُّني.
فأجابَ بطرسُ وقال لهُ: هوذا نحنُ قد تركنا كلَّ شيءٍ وتبعناك فماذا يكونُ لنا؟ فقال لهم يسوع: الحقّ أقولُ لكم، إنَّكم أنتمُ الَّذين تبعتموني في جيل التَّجديد، متى جلس ٱبْنُ البشر على كرسيِّ مجدِهِ تجلِسُون أنتم أيضًا على اثْنَيْ عَشَرَ كرسِيًّا تَدينُونَ أسباطَ إسرائيلَ الاثني عَشَرَ. وكلّ من تركَ بيوتًا أو إخوةً أو أَخَوَاتٍ أو أبًا أو أُمًّا أو ٱمرأةً أو أولادًا أو حقولاً من أجل ٱسمي يأخُذُ مِئَة ضِعْفٍ ويرثُ الحياة الأبديَّة. وكثيرون أوَّلون يكونون آخِرِين وآخِرُون يكونون أوَّلين.
حول الرّسالة
يعلن الرّسول بولس في هذا المقطع من رسالته إلى العبرانيّين قوّة وفاعليّة الإيمان الّذي هو: "الثّقة بما يُرجى والإيقان بأمورٍ لا ُترى" (عبرانيّين 1:11)، على هذا الإيمان بنى القدّيسون حياتهم. والوقت لا ينتهي إذا ما أحصينا بالتّدقيق مفاعيل هذا الإيمان وحوادث الكتاب المُقَدَّس الكثيرة عنه وعن قوّته مع القدّيسين، وماذا عملوا من خلاله في حياتهم. "قهروا الممالك" كشمشون (قضاة 15:15)، "نالوا المواعد" كما حصل مع جدعون (قضاة 11:8)، "سدّوا أفواه الأسود" مثل (دانيال 22:6)، "أطفأوا حدّة النّار" كالفتية الثّلاثة (دانيال 3)، "نجوا من حدّ السَّيف "كأستير ومردخاي (أستير 8)، "وكسروا معسكرات الأجانب" كيهوذا المكابي وإخوته الّذين هزموا الإمبراطوريّة اليونانيّة (1 مكابيين)، "أخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة" كما فعل إيليّا النّبيّ عندما أقام إبن أرملة صرفت صيدا (1 ملوك 22:17)، "وآخرون ذاقوا ...والسّجن" كيوسف الصِّدّيق البارّ ابن يعقوب في مصر، "رجموا" مثلما أمر الملك يوآش برجم زكريّا الكاهن لأنّه وبّخ الشّعب على خطاياهم (2 أيام 21:24)، "نشروا" فمنسّى الملك أمر بنشر إشعيا النّبيّ على ما يذكر التّقليد اليهوديّ. "وامتحنوا " كتجربة إبراهيم عندما أمره الرَّبّ بذبح وحيده إسحق (تكوين 22)، "ماتوا بِحَدِّ السَّيف" مثل أخيمالك الكاهن الّذي قتله شاول الملك لأنّه أطعم داود وأعطاه سيف جليّات ورمحه (1صموئيل 16:22)، "لم يكن العالم مُستحقًّا" لهم "احتمل هؤلاء الأبرار كلّ هذا من أجل الله ولم يكونوا ضعفاء إلّا في الظّاهر، ولكن أمام الله هم قدّيسون أسمى من العالم ولا يستحقّ العالم وجودهم فيه. "فكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض "كإيليّا النّبيّ ويوحنّا المعمدان وغيرهما (1ملوك 9:19)، (لوقا 80:1). هؤلاء الأبطال لم ينالوا المواعيد على الأرض بل احتملوا ضيقات كثيرة واجتازوا الباب الضّيّق، لكنّ المُكافأة انتظرتهم ونالوها عندما نقلهم السّيّد المسيح بقيامته إلى نعيم الفردوس مكان انتظار الأبرار إلى أن يدخل كلّ المُؤمنين بعد نهاية مشوار حياتهم الأرضيّة بصحبتهم إلى ملكوت السّماوات. هؤلاء الأبطال درس لنا وأمثولة علينا الاقتداء بها إذا ما أردنا أن نحظى بلقاء العريس السّماويّ بعد أيّام غربتنا على هذه الأرض.
اللّسان
المتروبوليت جاورجيوس (خضر)
تجارب اللِّسان من أقسـى التّجارب، لأنّ الكلمة تَنقُل كلّ الهوى، وعثرات اللّسان تفصح عن عثرات النَّفس أبلغ إفصاح. لذلك مَن عصم لسانه عن الزَّلّة كان إنسانًا كامِلًا. قال القدّيس الرَّسُول يعقوب في رسالته الجامعة: "اللّسان عضو صغير ويفتخر متعظّمًا… اللّسان نار، عالم الإثم… جُعل في أعضائنا اللّسان الّذي يدنّس الجسم كلّه ويضرم دائرة الكون وتضرمه جهنّم" (٣: ٥-٦).
أدنى مراتب السّلوك الإحجام عن الأذى. "إنّ كلّ كلمة بطّالة يتكلّم بها النّاس سوف يُعطون عنها حسابًا يوم الدّين، لأنّك بكلامك تُبرَّر وبكلامك تُدان" (متّى ١٢: ٣٦-٣٧). وقد تكون الكلمة خدشًا لطهارة السَّمع أو جرحة للسّمعة أو نميمة أو افتراء. والكلمة هذه سمٌّ لصاحبها أوّلًا، وعند الغير تلويث أو إثارة حقد أو تقلّص كيان.
الإنسان مسؤول عن كلّ كلمة يبثّها، فإنّه لا يُغالي أبدًا بين اللّفظة والعقل فتُطابقه ما أمكنها وكأنّها لا تزيد عليه شيئًا. والمرء في أصغرَيه (القلب واللّسان) على قدر ما يكون القلب منسكبًا على الشّفتين.
ضرورة التّلاحُم بين الباطن والظّاهر تنشـئ سهرًا على الكلمة المقولة، سهرًا على الكلمة المقولة، هو بحقيقته صوْنٌ رائع للحياة الرّوحيّة. إلى جانب الكذب الكلام الّذي لا نفع له. ونحن نقوله للتّرفيه عن نفسٍ فرغت من كلّ شيء وليس فيها ما تستطيبه لتحفظه في تأمّلٍ صامتٍ، ولذلك كانت الثّرثرة رغبةً منّا في أن نوجَد في آذان النّاس لأنّنا غير موجودين في أعيننا. فنُلقي الألفاظ لئلّا نواجه واقعًا داخليًّا خاليًا.
وبعد أن انكبَّ العالم على القراءة انكبابًا سطحيًّا ثمّ ركّز على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أعطيناه وسيلة معرفة ولم نفتح له سبيل اكتشاف النّفس ومحبّة الحقيقة الّتي تخلّص، فصار علينا أن نغذّي فضوله، والفضول ثرثرة داخليّة بدون تعبير. فحشرنا في الصحف والكتب وكلّ وسائل الإعلام والاتّصال كلمات باطلة.
ولذا كان الصّمت في العالم الحديث ضرورة لتظهيره. فكان علينا ليس فقط أن نلتزم الإيجاز فضيلة، بل أن نتعهّد أوقاتًا نتمرّس فيها على الصّمت لئلّا تتناثر النّفس في العدم.
الزّهاد والمتصوّفة آثروا السّكوت طريقًا إلى السّكينة، تلك السّكينة الكبرى الّتي يرتقي الإنسان فيها فوق الشّهوة والانفعال. في نفوس هؤلاء المطمئنّين إلى ربّهم يتكلّم اللّه وحده. وإذا نطقوا أرسلوا في العالم أفكار اللّه.
(من أرشيف نشرة رعيّتي– 3 حزيران 2018)