نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 26 أيلول 2021
العدد 39
الأحد (14) بعد العنصرة
اللّحن 5- الإيوثينا 3
أعياد الأسبوع: *26: انتقال الرَّسول يوحنَّا الإنجيليِّ اللَّاهوتيّ *27: كليستراتُس والـ49 المستشهدون معه *28: القدِّيس اسحق السّريانيّ، خاريطُن المُعترِف، النَّبيّ باروخ *29: كرياكس السَّائِح *30: الشَّهيد غريغوريوس أسقف أرمينية العُظْمَى، الشَّهيد ستراتونيكس *1: الرَّسول حنانيا أحد السَّبعين، رومانوس المُرنِّم، عيد زنّار والدة الإله الحامي *2: الشَّهيد في الكهنة كبريانوس، الشَّهيدة يوستينا البتول.
كلمة الرّاعي
ما بين الفضائل والأخلاق
”كما تُرِيدُونَ أنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بكم،
كذلك افْعَلُوا أنتُم بهم“ (لو 6: 31)
يخلط النّاس ما بين الفضائل والأخلاق، لأنّ الأخلاق من الفضائل لكنّ الفضائل من الله وهي من نعمة روح الله في الإنسان. الفضيلة هي ثمرة الرّوح القدس، هي من صفات الله ولذلك هي من القوى الإلهيّة غير المخلوقة الَّتي يهبها الرّبّ للإنسان حين يسكب عليه روحه القدّوس.
الإنسان المسيحيّ مدعوّ لاقتناء الفضائل، أي للتّشبّه بالله. في المعموديّة يلبس المُعمَّد المسيح أي يستعيد صورة الله النّقيّة فيه، وفي الميرون يقتني نعمة الرّوح القدس أي هو يصير إنسانًا حيًّا على صورة الله ومثاله. في المعموديّة والميرون يتألّه الإنسان أي صير ابنًا لله وابنًا ووارثًا لملكوته، وفي المناولة الإلهيَّة يغتذي من طعام الملكوت أي الله نفسه. هكذا يصير الإنسان مسيحًا صغيرًا مدعوًّا للنّموّ إلى ”قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ“ (أف 4: 13).
* * *
المؤمن المسيحيّ تسكنه نعمة الرّوح القدس، ولكن هذه النّعمة لا تفعل إلّا بالتّآزر مع مشيئة الإنسان وفعله الإراديّ. الكثيرون منّا لا يعرفون كيف يستثمرون هذه النّعمة أو هذا الكنز الإلهيّ القابع في أعماق قبلنا وكياننا، لأنّ الإنسان مع نموّه الجسديّ والنّفسيّ السّريع ينمو روحيًّا بسرعة أقلّ أو أكثر حسب البيئة الّتي هو فيها، أي بحسب واقع أهله الإيمانيّ ومدى التزامهم ومعرفتهم لله بالحقيقة، بالإضافة إلى البيئات العائليّة والكنسيّة والمجتمعية والمدرسيّة الَّتي يكبُر ويحيا فيها.
يُكرِّر كلّ إنسان في ذاته السّقطة الأولى لآدم وحوّاء، في خلال حياته، وبخاصّة لأنّه يتربّى في عالم ساقط، بشكل عامّ، ومع أناس ميّالين للشّرّ بالاجمال، كما يقول كاتب سفر التّكوين المُلهَم (راجع تك 6: 1—6). لكن، المسيح أتى وولدنا من جديد فيه ”خليقة جديدة“ (2 كو 5: 17)، أي هو وهبنا إنسانيّة جديدة بحسبه هو. لكن على المسيحي أن يسلك في طريق الحياة الجديدة هذه بصلب إنسانه العتيق أي بإماتته من خلال رفض ما يعرضه عليه العالم الاستهلاكيّ من مغريات وشهوات وأوهام سعادة كاذبة، ليست هي سوى طعام الموت والفناء بالنّسبة للإنسان لأنّه ليس فيها سوى الفراغ والوِحدة.
* * *
الإنسان بعيدًا عن الله يعيش وحيدًا داخل قوقعة نفسه الّتي يُحصِّن نفسه فيها خوفًا من الآخَر. فالآخَر هو مصدر الأوجاع بالنّسبة للإنسان الَّذي لم يعرف الله المحبَّة. هذا ما يقوله الفلاسفة، في عصر التّنوير وما بعده. وقد حدّد المؤرّخون الفرنسيّون بداية عصر التّنوير بالفترة ما بين وفاة لويس الرّابع عشر في فرنسا في عام 1715 واندلاع الثّورة الفرنسيّة في عام 1789 الّتي أنهت نظام
الحكم القديم، بينما يحدّدون نهاية هذا العصر مع بداية القرن التّاسع عشر. واشتمل التّنوير على مجموعة من الأفكار الّتي تركز على سيادة العقل والأدلّة على الحواس بوصفها مصدرًا أساسيًّا للمعرفة، وعلى المثل العليا كالحرّيّة والرُّقيّ والتَّسامُح والإخاء والحكومة الدُّستوريّة وفصل الكنيسة عن الدّولة. وشدَّد التّنوير على المنهج العلميّ وعلى الاختزاليّة فضلًا عن التّشكيك المتزايد بالعقائد الدّينيّة. انطلاقًا من هذه المبادئ الّتي دخلت على الفكر والثّقافة والحضارة، نسمع على سبيل المثال لا الحصر، سارتر (Jean-Paul Sartre - 21 حزيران 1905 باريس - 15 نيسان 1980) يقول "الجحيم هو الآخَر"، أمّا شـــــوبــــنــــهاور (Arthur Schopenhauer - 22 شباط 1788 – 21 أيلول 1860) فيعتبر بأنّ "كل مآسينا، تقريبًا، تــــنــــــبع من صِـــــلاتِنا بالآخَــــرين"، ويــــنــــصَــــــحُ بــــــــيــــــــــــــــــــسوا (Fernando Pessoa - حزيران 1888– 30 ت2 1935) "إن أردتم أن لا تتعذبوا، اعزلوا أنفسكم، أغلقوا قدر المستطاع أبواب أرواحكم عن أنوار رفقة الآخَرين".
هذا إنْ دَلَّ على شيء فهو يدلّ على أنَّ ما يُسمّى عصر التّنوير وانطلاقة الحضارة الجديدة كانت مبنيّة على الانغلاق الكيانيّ الإنسانيّ على الذّات المُعبَّر عنه بالفردانيّة (Individualism) الّتي صارت أساس حياة الإنسان كما تُبشِّر بها العولمة والدّهريّة. بالحقيقة، هذا المنهج الفلسفيّ الَّذي صار مبدأ حياة النّاس في ”العالم المتحضّر“ ما هو سوى العيش ضدّ الحبّ لأنّ جوهره حبّ الذّات أي الأنا فوق كلّ شيء وقبل أي شيء.
* * *
أيُّها الأحبّاء، القاعدة الذّهبيّة للحياة الّتي علّمنا إيّاها الرّبّ يسوع: ”كما تُرِيدُونَ أنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بكم، كذلك افْعَلُوا أنتُم بهم“ هي ترجمة وصيّة محبّة الله ومحبّة القريب. من يُحبّ الله يصنع مشيئته ويطلب الخير والخلاص لنفسه وللآخَرين ولا يصنع مع الآخَر إلا ما يوصيه به الرَّبّ. لذلك، هو يحيا سرّ الحبّ الإلهيّ بالطّاعة وكما يحبذ نفسه ويطلب خلاصها فهو أيضًا يطلب خلاص الآخَرين، وكما يريد من الآخَرين أن يكونوا داعمين لها ومشاركين في دفعه بمسيرة القدّاسة هكذا هو أيضًا يتعاطى معهم ويفكّر بهم. هذه هي ”الفلسفة“ (إذا جاز التّعبير) الحقيقيّة الأنطولوجيَّة لخليقة الله، لأنّها مبنيّة على سرّ ”الله المحبَّة“ الَّذي هو أساس الوجود، والَّذي كُشف لنا في ابنه الوحيد وكلمته المتجسِّد والَّذي بذل نفسه من أجلنا لكي لا يهلك كلّ من يؤمن بالثّالوث. هذه ليست فلسفة تنظيريّة وتحليليّة واستنتاجيَّة بل هي الكشف الإلهيّ والحقيقة المُطلَقة...
ومن استطاع أن يقبل فليقبل...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)
لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.
طروباريّة الرّسول يوحنّا الإنجيليّ الثّاولوغوس (باللَّحن الثّاني)
أيُّها الرَّسولُ المتكلِّمُ باللّاهوت، حبيبُ المسيح الإله، أسرِعْ وأنقِذْ شعبًا عادم الحجّة، لأنّ الّذي تنازل أن تتّكئَ على صدرِهِ يقبلكَ متوسّلًا، فإليهِ ابتهل أن يُبدِّدَ سحابَةَ الأمم المُعانِدَة، طالبًا السَّلامَةَ والرَّحمَةَ العُظمى.
قنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (1 يو 4: 12-19)
إلى كلّ الأرض خرجَ صوتُهم
السّماوات تذيع مجد الله
الله لم يُعاينهُ أحدٌ قطُّ. إن أحبَبنا بعضُنا بعضًا يَثبتُ الله فينا وتكونُ محبَّتُهُ كامِلةً فينا، وبهذا نَعلَمُ أنَّا تثبُتُ فيهِ وهُوَ فينا بأنَّهُ أتانا من روحِهِ ونحنُ قد علِمنا ونَشْهَدُ أنَّ الآبَ قد أرسلَ الابنَ مخلِّصًا للعالم، فكلُّ من اعترفَ بأنَّ يسوعَ هوَ ابنُ الله فإنَّ الله يثبتُ فيهِ وهُوَ في الله ونحنُ قد عَرَفنا وآمنَّا بالمحبَّةِ الّتي عندَ الله لنا. الله محبَّةٌ. فمن ثبتَ في المحبَّةِ فقد ثبَتَ في اللهِ واللهِ فيهِ. بهذا كَمَلتِ المحبَّةُ فينا حتَّى تكونَ لنا ثِقةٌ يومَ الدّين بأن نكونَ كما كانَ هو في هذا العالم. لا مخافةَ في المحبَّةِ بل المحبَّةُ الكاملةُ تنفي المخافَةَ إلى خارج. لأنَّ المخافةَ لها عذابٌ. فالخائِفُ غيرُ كاملٍ في المحبَّة. نحنُ نُحِبُّ الله لأنَّهُ قد أحبَّنا هو أولًا.
الإنجيل (يو 19: 25-27، 21: 24-25)
في ذلك الزَّمان كانت واقفةً عند صليب يسوعَ أمُّهُ وأخت أمّهِ مريمُ الّتي لِكلاوبا ومريمُ المجدليّة. فلَّما رأى يسوع أمَّهُ والتّلميذ الّذي كان هو يحبُّهُ واقفًا قال لأمِّهِ يا امرأة هوّذا ابنك ثمّ قال للتّلميذ هوّذا أمّك. ومن تلك السّاعة أخذها التّلميذ إلى خاصَّتِه. هذا هو التّلميذ الشّاهد بهذه الأمور والكاتب لها، وقد علمنا أنّ شهادَتَهُ حقّ. وأشياءٌ أُخَر كثيرة صنعها يسوع لو أنَّها كتبت واحدة فواحدة لَمَا ظننت العالم يسع الصُّحُف المَكتوبة.
حول الإنجيل
ترتكز تلاوتنا الإنجيليّة لهذا الأحد المبارك إلى شخصيَّتَين محوريّتَين هما والدة الإله مريم و"التّلميذ الّذي كان يسوع يحبّه"، الّذي نعرف من قرينة النصّ أنّه يوحنّا كاتب هذا الإنجيل؛ والجامع بينهما هو يسوعُ معلّقًا على الصَّليب. يسوع، مصلوبًا، يلتفت إلى أمّه ويقول لها – مُشيرًا إلى يوحنّا– "هوذا ابنُكِ"؛ ثمّ يلتفت إلى يوحنّا ويقول له – مُشيرًا إلى مريم– "هذه أُمّك". إنّ يسوع المصلوب، بقوله لمريم "هوذا ابنكِ" (مشيرًا إلى يوحنّا)، ثمّ بقوله ليوحنّا "هذه أمّك" (مشيرًا إلى مريم)، قد جعل مريم أمًّا لنا جميعًا وجعلنا، كُلَّنا، أبناءَها بالتَّبنّي. إنّ يسوع عَمَّم – إذا جاز التّعبير– أمومة مريم وبنوّة يوحنّا. وعندي أنّه حاوَل، غيرَ مرّة، تهجئة هذه الحقيقة، حقيقة أنّ مريم، مع أنّها والدته، إلّا أنّها لن تكون أمّه وحده بل ستكون أمّ الجميع: مرّةً عندما قال لها – وهو في مجمع العلماء يجادلهم– وكانا (هي ويوسف) يطلبانه متوجّعين: "ينبغي لي أن أكون في ما هو لأبي" (لو 49:2)، ومرّةً أخرى عندما جاءه من يقول له: "إنّ أمّك وإخوتك... في الخارج ينتظرونك"، فكان جوابه: "مَن هي أمّي ومَن هم إخوتي"؟ (مر 3: 31¬33). وعندي أيضًا أنّ مريم قد مارست هذه الأمومة، استباقيًّا، عندما، في عرس قانا الجليل، تشفّعت لدى ابنها من أجل المدعوّين، فقالت له: "ليس عندهم خمر"، ثمّ قالت للخدّام: "مهما قال لكم فافعلوه"، وكأنّها كانت واثقة من استجابته لطلبها (يوحنّا 2: 1¬5). أكاد أقول إنّ مريم هي أمّنا جميعًا منذ اللّحظة الّتي وَلَدت فيها المخلّص، ولكنّ أمومتها العامّة هذه اعتَلَنَت على الصّليب، الأمر الّذي تُبرزه هذه التّلاوة. فبين أمومة عامّة أو مُعَمَّمة (أمومة مريم) وبنوّة عامّة أو مُعَمَّمة (بنوّة يوحنّا)، ما نصيبنا نحن؟
الشّيء الأكيد أنّنا لا نحصل على هاتين الأمومة والبنوّة تلقائيًّا. ينبغي لنا أن نستحقّهما حتّى نظفر بهما؛ ولا نظفر بهما إلّا إذا سَلكنا مريميًّا ويوحنّائيًّا. أن نسلك مريميًّا معناه أن تكون مسيرتنا في هذه الحياة موافقة لما يريده الرَّبّ منّا فكرًا وقولًا وفعلًا، على غرار مريم العذراء الّتي كرّست حياتها للرَّبّ لا تبغي غير مشيئته ورضوانه، فاستحقّت أن تكون الإناء المُصطفى لحمل بارئ الأكوان وولادته للعالم فداءً وخلاصًا. أمّا أن نسلُك يوحنّائيًّا فمعناه أن نُباري يوحنّا الحبيب بما قام به هو، أي أن نتّكئ، مدى العمر، على صدر المعلّم، ونُسكت كلّ الأصوات الأخرى الّتي تتناهى إلينا من هنا وهناك، فلا نسمع غير صوته ولا نصغي لغير كلماته. هذا ما فعله يوحنّا، وهكذا رأيناه، بخاصّة، في العشاء الأخير، فاستحقّ من المعلّم الحُظوةَ، بأنّه اصطفاه، دونَ سواه من الرُّسل، وعهد إليه بوالدته مريم، فأخذها إلى خاصّته.السُّلوك المريميّ ومعه السّلوك اليوحنّائيّ هما العنوانان الرّئيسان لحياتنا في المسيح.
تفسير القدّاس الجزء (2)
يُقسَم القدّاس الإلهيّ إلى قسمَيْن: قدّاس الـمَوعوظين، وقدّاس المؤمنين. يمتدّ قدّاس الـمَوعوظين (أي الَّذين هم في مرحلة تعلُّم الإيمان من غير المسيحيِّين) حتّى الشّيروبيكون حيث يبدأ قدّاس المؤمنين، ويُدعى الأوّل هكذا لأنّه لم يكن يحقّ للمَوعوظين أن يحضروا إلّا هذا القسم من القدّاس، ولم يكن يحقّ لهم الاشتراك في مائدة الرَّبّ قبل المعموديّة.
تبدأ خدمة القدّاس الإلهيّ بإعلان الكاهن: "مباركة هي مملكة الآب والابن والرّوح القدس، الآن وكلَّ أوانٍ وإلى دهر الدّاهرين". يُعلِن الكاهن انتقالنا إلى ملكوت السّماوات ودخُولنا في سرّ حضرة المسيح (Parousia)، وهو كشفٌ للمملكة المباركة، وذلك لأنّ حضور المسيح هو نفسه ملكوت الله. بتجسّد الكلمة انفتحت لنا بوابة الملكوت، ومن خلال القدّاس نعبر هذه البوّابة لنتذوّق الخيرات. يسير المشتركون في هذه الخدمة نحو مائدة ملكوت الله الّتي ظهرت لنا.
يردّ الشّعب على إعلان الكاهن: "آمين". وبهذه يتقبّلون الحقيقة المحتواة الّتي أعلنها الكاهن وتوقهم إلى تذوّق خيرات الملكوت السّماويّ. بعد ذلك يتلو الكاهن، أو الشّمّاس إذا وُجد، ما يُعرف بالطّلبة السّلاميّة الكبرى، والمقصود من خلالها أن نكون في سلام ٍداخليّ، نطلبه من الله لنا وعلينا وللعالم وعليه، هذا السّلام الَّذي نستطيع من خلاله الوُلُوج إلى عمق سرّ القدّاس الإلهيّ. فالمؤمن المشترك في القدّاس عليه أن يطرد كلّ تشويش من فكره، ليقف أمام الله في حالة هدوء وانتباهٍ واثق وتركيز على "الحاجة الوحيدة".
تأتي الأنديفونات مباشرةً بعد الطّلبة السّلاميّة الكبرى والإعلان، ويتناوب على ترتيلها جوقتا اليَمين والشّمال. الأنديفونة الأولى: "بشفاعات والدة الإله يا مُخَلِّصُ خَلِّصنا". في هذه التّرنيمة تعليمٍ عقائديّ حول شفاعة القدّيسين وشفاعة والدة الإله بِنَوْعٍ خاصّ، وذلك لأنّ "وسائل الأم تَقْتَدر كثيرًا أن تستعطف السّيّد"، مع التّأكيد أنّ الخلاص هو من الرَّبّ يسوع المسيح. تأتي الأنديفونا الثّانية بعد طلبة صغيرة، وهي ترتيلة عقائديّة (”خلّصنا يا ابن الله ...“) نُعلن فيها أنّ يسوع المسيح هو ابن الله وهو مولود من الآب، أزليّ مثله ولو ظهر على الأرض في زمن معيّن. بالإضافة إلى الإعلان العقائديّ هذا، فهي تحثّ المؤمنين على التّوبة واللّجوء إلى ابن الله الّذي هو وحده القادر على خلاصهم.
"يا كلمة الله الابن الوحيد ...": هذا النّشيد بمثابة ملخِّص للعقيدة الأرثوذكسيّة. يذكّرنا بالتَّدبير الخلاصيّ، ويحثّنا على التّوبة والعودة إلى الله فيزداد استعدادنا للمناولة. هذه القطعة في قدّاس الموعوظين قبل الإنجيل تشبه دستور الإيمان في قدّاس المؤمنين قبل الكلام الجوهريّ والمناولة. هنا يبرز التّشابه بين قدّاس الموعوظين المرتكز على الكلمة المحكيّة والمعلنة، وبين قدّاس المؤمنين المرتكز على الكلمة المتجسّد في الإفخارستيّا.
(يتبع)