نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 26 أيّار 2019
العدد 21
الأحد (4) بعد الفصح (السّامريّة)
اللّحن 4- الإيوثينا 7
أعياد الأسبوع: *26: الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، يعقوب بن حلفى *27: الشَّهيد في الكهنة ألّاذيوس، يوحنَّا الرُّوسيّ *28: إفتيشيوس أسقف مالطية، أندراوس المُتبالِه *29: الشَّهيدة ثيودوسيَّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندريَّة *30: البارّ إسحاقيوس رئيس دير الدّلماتن، البارّة إيبوموني *31: الشَّهيد هرميوس *1: الشَّهيد يوستينوس الفيلسوف.
كلمة الراعي
بالرُّوح والحقّ
الإيمان المسيحيّ نَحياه ”بالرُّوح والحقّ“ (يوحنّا 4: 23 و24). أي أنّ إيماننا ليس خاضعًا للحرف بل الحرف في خدمة الرّوح لِنَقْلِ الحقّ الّذي مِنْ فوق، ”لأَنَّ الْحَــــــــرْفَ يَــــــــــقْــــــــــــــــتُـــــــــلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي“ (2 كورنثوس 3: 6).
لو كان الرَّبّ يسوع مُتمسِّكًا بحرف الشّريعة، لما دخل السّامرة ولما تكلّم مع السّامريّة ولما مكث عند السّامريّين. ولو كان بولس الرَّسول ناموسيًّا في تعاطيه كلمة الله لما استطاع أن يصير رسول الأمم.
حقّ الله دائمًا يحرِّر الإنسان من التزمُّت ويجعله منفتحًا على الآخَر. تعاطي الإيمان ليس مسألة اجتماعيّة. الإيمان موقف وشهادة للحقّ بروح الله.
* * *
الكنيسة حيّة. القوانين الكنسيّة مُستقاة من روح الإيمان ولكنّها محدودة في الزّمان، ما خلا العقيدة الّتي هي ثابتة ولا يُزاد عليها ولا يُنقَّص منها. القوانين الكنسيّة مرتبطة بظروفها التّاريخيّة. العقيدة مرتبطة بإعلان الإيمان القويم بإزاء الهرطقات الّتي حاولت تشويهه. القوانين تُعدّل وتلغى أمَّا العقيدة فتُأوَّن لغتها ليفهمها أبناء كلّ زمان لأنّها مكتوبة بلغة وتعابير وأساليب العصور الّتي أُعلنت فيها ...
القوانين والعقيدة تمسّ حياة الإنسان اليوميّة. لذلك، ينبغي ان تكون معروفة ومفهومة لدى الإنسان المعاصر. هنا دور الكنيسة بنشر إيمانها مفسَّرًا لأبنائها ليفهموه ويعيشوه لأنّه طريق الخلاص. أمّا بالنّسبة للقوانين، فنرى أنّها في تطوّرت عبر الزَّمن. على سبيل المثال، نرى في القانون عشرين من قوانين مجمع أنقيرة في سنة 314 م. أنّ الحكم على من يزني هو بالقطع عن الشّركة لمدّة سبع سنوات يُدرج خلالها في درجات التّائبين المُتعاقِبَة. بينما نجد في القانون الرَّابع للقدّيس غريغوريوس النّيصصيّ (القرن 4 م.) حكمًا بالقطع من الشّركة لثمانية عشرة سنة. وفي القانون 58 للقدّيس باسيليوس الكبير (القرن 4 م.) يقطع الزّاني لمدّة خمسة عشرة سنة. أمَّا عند القدّيس يوحنّا الصَّوّام (القرن السّادس) فيفرض على من يزني القطع من الشّركة لمدّة ثلاث سنوات مع القيام بفرائض معيّنة من الصّيام والسّجدات. المهمّ بالقوانين هو روحها الّتي ينبغي أن تكون منسجمة مع روح الإنجيل واستقامة الإيمان. لذلك، ليست القوانين جامدة في أحكامها إذ هي تتعلّق بظروف الكنيسة وطبيعة الحياة في زمن معيّن، كــــمــــــــــــا أنّ الكـــــــــــنــــيــــــــــــــــــــــــــسة تـــــعـــــتـــــــمـــــد الـــتّـــدبــــيــــر (οικονομία) أحيانًا كثيرة في التّعاطي مع القوانين لما فيه خير المؤمنين وخلاصهم، وهذا من سلطان الأسقف والمجمع المقدّس.
* * *
الرَّبّ يسوع المسيح أتى لخلاص البشريّة، وزمن النّاموس والحرف قد ولّى. هذا زمن النّعمة والرّوح. في التّربية الكنسيّة تُستعمل القوانين للمُبتدئين، ولكنّ المَطلوب أن يسلك الإنسان بالرُّوح في الحقّ. ”فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ!“ (متى 12: 7)، يقول الرّبّ.ّ من يعرف الحقّ عليه أن يسلك في الحقّ ويعلّمه. قال أهل السّامرة للمرأة السّامريّة: ”إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ“ (يوحنّا 4: 42).
الحياة المسيحية هي حياة في الروح والحق، روح الرب يعلّمنا ما قاله الرب يسوع من خلال شهادة الكنيسة على مرّ العصور. عقيدة المسيحيّة الجوهريّة هي أنّ ”الله محبّة“ (1 يوحنا 4: 8)، هذا هو مقياس الحقّ في حياة الإنسان. كلّ ما يخالف المحبّة الّتي كشفها لنا الله في ابنه هو من الشّرير. أن تعرف الحقّ وتشهد له هذه هي المسيحيّة، أن تتمسّك بالحقّ ولا تبتعد عنه هذا هو الإيمان، أن تسلك في الرّحمة وتبذل نفسك لأجل الآخرين ولأجل البشارة هذا هو التّشبّه بالله. لا يستطيع الإنسان أن يعيش الوَصيّة الإلهيّة ما لم يسكن فيه روح الرَّبّ، و ”حَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ“ (2 كورنثوس 3: 17). هذه الحرّيّة تعيشها حين تحبّ بدون حدود أو قيود أو شروط لأنّ شريعة الله باتت في قلبك مكتوبة (راجع ارميا 31: 33).
أيّها الأحبّاء، لنطلب من الرَّبّ أن يسكن فينا ”روح الحقّ“ لكيما نعرف الحقّ ونسلك فيه ثابتين في حفظ إيماننا نقيًّا وممتدّين بالمحبّة للبشارة لأجل خلاص العالم بروح الوداعة والتّواضع وعدم الدّينونة ...
ومن له أذنان للسّمع فليسمع ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروبارية نصف الخمسين (باللَّحن الثامن)
في انتِصاف العِيدِ اسْقِ نَفسي العَطْشَى مِنْ مياه العِبادَةِ الحَسَنَةِ أيُّها المُخَلِّص. لأنَّكَ هتفت نحو الكلِّ قائلًا: مَنْ كان عطشانًا فليأتِ إليَّ ويشرب. فيا ينبوعَ الحياة، أيُّها المسيح الإله المَجد لك.
قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 11: 19– 30)
ما أعظَمَ أعمالَكَ يا ربُّ. كلَّها بحكمةٍ صَنَعْتَ
باركي يا نفسي الرَّبَّ
في تلكَ الأيَّام، لـمَّا تَبَدَّدَ الرُّسُلُ من أجلِ الضِّيقِ الَّذي حصَلَ بسببِ استِفَانوسَ، ٱجتازُوا إلى فِينيقَيَةَ وقُبْــُرصَ وأنطاكِيَةَ وهمُ لا يكَلِّمُونَ أحدًا بالكَلِمَةِ إلَّا اليهودَ فقط. ولكنَّ قَوْمًا منهم كانوا قُبُرصيِّين وقَيْروانيِّين. فهؤلاءِ لـمَّا دخَلُوا أنطاكِيَةَ أخذُوا يُكَلِّمُونَ اليونانيِّينَ مُبشِّرِينَ بالرَّبِّ يسوع. وكانت يَدُ الرَّبِّ مَعَهُم. فآمَنَ عددٌ كثيرٌ ورَجَعُوا إلى الرَّبِّ. فبلَغَ خبرُ ذلك إلى آذانِ الكنيسةِ الَّتي بأُورَشَلِيمَ فأَرْسَلُوا بَرنابا لكي يجتازَ إلى أنطاكية. فلمَّا أَقْبَلَ ورأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ ووَعَظَهُم كُلَّهم بأَنْ يَثْبُتُوا في الرَّبِّ بعَزِيَمةِ القلب، لأنَّه كانَ رجلًا صالِحًا مُـمْتَلِئًا مِن الرُّوحِ القُدُسِ والإيمان. وٱنْضَمَّ إلى الرَّبِّ جمعٌ كثيرٌ. ثمَ خرَجَ بَرنابا إلى طَرسُوسَ في طَلَبِ شاوُل. ولـمَّا وجَدَهُ أَتَى بهِ إلى أنطاكية، وتردَّدَا معًا سنةً كامِلَةً في هذهِ الكنيسةِ، وعلَّمَا جَمعًا كثيرًا. ودُعَيَ التَّلامِيذُ مَسيحيِّين في أنطاكِيَةَ أَوَّلًا. وفي تلكَ الأيَّام، اِنْحَدَرَ من أُورشليمَ أنبياءُ إلى أنطاكية، فقامَ واحِدٌ منهم اسمه أغابُوسُ فأنبَأَ بالرُّوح أنْ ستكونَ مَجَاعَةٌ عَظيمَةٌ على جميعِ المسكونة. وقد وَقَع ذلكَ في أيَّامِ كُلودْيُوسَ قيصرَ، فَحَتَّمَ التَّلاميذُ بحسَبِ ما يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ واحِدٍ منهم أَنْ يُرسِلُوا خِدْمَةً إلى الإخوةِ السَّاكِنِينَ في أورَشليم، ففعلوا ذلكَ وبَعَثُوا إلى الشُّيُوخِ على أيدي بَرنابا وشَاوُلَ.
الإنجيل )يو 4: 5– 42)
في ذلك الزَّمَانِ، أتى يسوعُ إلى مدينةٍ منَ السَّامرَةِ يُقَالُ لها سُوخَار، بقُربِ الضَّيْعَةِ الَّتي أعطاها يعقوبُ ليُوسُفَ ٱبنِهِ. وكانَ هُناك عينُ يعقوب. وكانَ يسوعُ قد تعِبَ مِنَ الـمَسِير، فجلَسَ على العين، وكانَ نحوَ السَّاعَةِ السَّادِسَة. فجاءَتِ ٱمرأةٌ منَ السَّامِرَةِ لتستَقِيَ ماءً. فقال لها يسوعُ: أَعْطِيِني لأَشْرَبَ -فإنَّ تلاميذَهُ كانوا قد مَضَوْا إلى المدينةِ ليَبْتَاعُوا طعامًا- فقالَت لهُ المرأةُ السَّامريَّة: كيفَ تَطلُبُ أنْ تشرَبَ مِنِّي وأنتَ يهوديٌّ وأنا ٱمرأةٌ سامريَّةٌ، واليهودُ لا يُخالِطُونَ السَّامِريِّين؟ أجابَ يسوعُ وقالَ لها: لو عَرَفْتِ عَطيَّةَ اللهِ ومَنِ الَّذي قالَ لكِ أعطيني لأشربَ، لَطَلَبْتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأةُ يا سيِّدُ إنَّهُ ليسَ معكَ ما تستَقِي بهِ والبِئْرُ عميقةٌ، فَمِنْ أين لك الماءُ الحيُّ؟ ألعلَّكَ أنتَ أعْظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ الَّذي أعطانا البئرَ، ومنها شَرِبَ هو وبَنوهُ وماشيتُهُ! أجابَ يسوعُ وقالَ لها: كلُّ من يشرَبُ من هذا الماءِ يعطشُ أيضًا، وأمَّا مَن يشربُ من الماء الَّذي أنا أُعْطِيهِ لهُ فلَنْ يعطشَ إلى الأبد، بَلِ الماءُ الَّذي أُعطيِه لهُ يصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنْبُعُ إلى حياةٍ أبديَّة. فقالت لهُ المرأةُ: يا سيِّدُ أعطني هذا الماءَ لكي لا أعطشَ ولا أَجِيءَ إلى ههنا لأستَقِي. فقالَ لها يسوعُ: ٱذهبي وٱدْعِي رجُلَكِ وهَلُمِّي إلى ههنا. أجابتِ المرأةُ وقالت: إنَّهُ لا رجُلَ لي. فقال لها يسوعُ: قد أحسَنْتِ بقولِكَ إنَّهُ لا رجُلَ لي. فإنَّهُ كان لكِ خمسَةُ رجالٍ والَّذي معَكِ الآنَ ليسَ رَجُلَكِ. هذا قُلتِهِ بالصِّدق. قالت لهُ المرأة: يا سيِّدُ، أرى أنَّكَ نبيٌّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجَبَلِ وأنتم تقولون إنَّ المكانَ الَّذي ينبغي أن يُسْجَدَ فيهِ هُوَ في أورشليم. قال لها يسوعُ: يا ٱمرأةُ، صدِّقيني، إنَّها تأتي ساعةٌ لا في هذا الجبلِ ولا في أورَشَليمَ تسجُدونَ فيها للآب. أنتم تسجُدونَ لما لا تعلمون ونَحنُ نسجُدُ لما نعلَم، لأنَّ الخلاصَ هُوَ منَ اليهود. ولكن، تأتي ساعة وهيَ الآنَ حاضِرَة، إِذِ السَّاجِدُونَ الحقيقيُّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرُّوح والحقّ. لأنَّ الآبَ إنَّما يطلُبُ السَّاجِدِينَ لهُ مِثلَ هؤلاء. اللهُ روحٌ، والَّذين يسجُدون لهُ فبالرُّوح والحقّ ينبغي أن يسجُدوا. قالت لهُ المرأةُ: قد عَلِمْتُ أنَّ مَسِّيَّا، الَّذي يقالُ لهُ المسيحُ، يأتي. فمَتى جاءَ ذلك فهُوَ يُخبِرُنا بكُلِّ شيءٍ. فقال لها يسوعُ: أنا المتكلِّمُ مَعَكِ هُوَ. وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذهُ فتعجَّبوا أنَّهُ يتكلَّمُ مَعَ ٱمرأةٍ. ولكِنْ لم يَقُلْ أحدٌ ماذا تطلُبُ أو لماذا تتكلَّمُ مَعَها. فترَكَتِ المرأةُ جرَّتها ومضَتْ إلى المدينةِ وقالت للنَّاس: تعالَوا ٱنْظُرُوا إنسانًا قالَ لي كُلَّ ما فعلت. ألعلَّ هذا هُوَ المسيح! فخرجوا من المدينة وأقبلوا نْحوَهُ. وفي أثناء ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائلينَ: يا مُعلِّمُ كُلْ. فقالَ لهم: إنَّ لي طعامًا لآكُلَ لستم تعرِفونهُ أنتم. فقالَ التَّلاميذُ فيما بينهم: ألعلَّ أحدًا جاءَهُ بما يَأكُل! فقالَ لهم يسوعُ: إنَّ طعامي أنْ أعمَلَ مشيئَةَ الَّذي أرسلَني وأُتَــمِّمَ عملَهُ. ألستم تقولون أنتم إنَّهُ يكونُ أربعة أشهر ثمَّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقولُ لكم ٱرفعُوا عيونكم وٱنظُروا إلى المزارع، إنَّها قدِ ٱبْيَضَّتْ للحَصاد. والَّذي يحصُدُ يأخُذُ أجرةً ويجمَعُ ثمرًا لحياةٍ أبدَّية، لكي يفرَحَ الزَّارِعُ والحاصِدُ معًا. ففي هذا يَصْدُقُ القولُ إنَّ واحدًا يزرَعُ وآخرَ يحصُد. إنّي أَرْسَلْتُكُمْ لتحصُدُوا ما لم تَتْعَبُوا أنتم فيه. فإنَّ آخَرِينَ تَعِبُوا وأنتُم دخلتُم على تَعَبِهِم. فآمنَ بهِ من تلكَ المدينةِ كثيرونَ مِنَ السَّامِريِّينَ من أجلِ كلامِ المرأةِ الَّتي كانت تشهَدُ أن قدْ قالَ لي كلَّ ما فعلت. ولـمَّا أتى إليهِ السَّامِرِيُّونَ سألوهُ أن يقيمَ عِندَهُم، فمَكَثَ هناكَ يومين. فآمنَ جَمعٌ أكثرَ من أولئكَ جدًّا من أجل كلامِهِ، وكانوا يقولونَ للمرأةِ: لسنا من أجل كلامِكِ نُؤمِنُ الآن، لأنَّا نحنُ قد سَمِعْنَا ونَعْلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقيةِ المسيحُ مُخلِّصُ العالَم.
حول الإنجيل
في هذا الأحد الرّابع من آحاد البندكستاري المعروف بأحد السّامريّة، تُسَلِّط الكنيسة الأرثوذكسيّة الضّوء على موضوع الماء الحيّ وعلاقته بِسِرِّ المعموديّة، سرِّ الوِلادَة الجديدة، وتمهيدًا لعيد العنصرة أي عيد حلول الرُّوح القدس على التّلاميذ، ليذكّرنا بفعل الرُّوح القُدُس التّقديسيّ في العالم. فمن أيّام الرّسل كانت تُقام المعموديّة ليلة الفصح، وبها يموت الإنسان القديم ويولد إنسانٌ جديد، خليقة جديدة في المسيح يسوع.
أمّا في إنجيل السّامريّة هناك تذكير لأهميّة المياه المحيية وذلك بالحوار القائم بين الرَّبّ يسوع والسّامريّة، بحيث كانت السّاعة السّادسة أي السّاعة الثّانية عشر بتوقيتنا اليوم، وهو التّوقيت غير المألوف لاستقاء الماء، لأنّه بحسب العادة إمّا الصّباح أو المساء يخرجن ليستقين من بئر يعقوب وكأنّ هذا اللّقاء مُدَبَّر مِنْ قِبَل الرَّبّ ليكون لحظة تَحَوُّلٍ لهذه المرأة السّامريّة الّتي أتت إلى بئرِ يعقوب تروي ظمأها، فعادت مُمتلئة من ماء الحياة الأبديَّة. الرَّبّ يسوع يكسر كلّ الحواجز الموجودة بين اليهود والسّامريّين لأنّ موانع البشر لا تمنع الله من سكب نِعَمِهِ على مَنْ يَشاء لأنّ الرَّبّ يسوع يدعونا جميعًا بدون تمييز ودائمًا إلى أن نستقي منه: "إن عَطِشَ أحد فليقبل إلَيَّ ومَنْ آمَنَ بي فَلْيَشْرب". هذه المياه المحيِيَة ترمز إلى الرُّوح القُدُس الّذي أعطاه الرَّبّ يسوع لتلاميذه بعد قيامته وصعوده إلى السّماء المنبَثِق مِنَ الآب: "روح الحقّ الّذي مِنَ الآب مُنبثق" (يو 15: 26). فقد ارتبط حلول الرُّوح القُدُس بِسِرَّ المعموديّة والمعموديّة تفترض التّوبة أي metanoia في ونانيّة أي تغيير الذّهن أي ولادة جديدة. مِنْ هنا حوار الرَّبّ يسوع مع السّامريّة جعل منها تُعيد النّظر في سلوكيّات حياتها، وأصبحت فيما بعد مبشّرة بالرَّبّ يسوع "تعالوا وانظروا إنسانًا قال لي كلّ ما فعلت". فبعد الولادة الجديدة هناك عمل بشاريّ نقوم به لنحصد فيما بعد ثمار ما زرعنا.
مِنْ هنا علينا أن نَعود إلى ذواتنا على غرار السّامريّة، ونكتشف عيوبنا عسى أن نتجدَّد بالتّوبة ونسعى إلى بلوغ ملء قامة المسيح ونستقي من نبع الماء الـمُحيية الّتي تَروي ظمأ نفوسنا العطشى إلى الحياة الأبديّة.
الفضيلة والرذيلة (3)
تناوَلنا المَوضوع أعلاه في العدَدَيْن ٥ و ١۲، حَوْلَ الفَضيلة وحَوْلَ الخَلْق والسُّقوط، مِنْ نَشرة كنيستي للعام 2019. وأفردنا هذه المَقالة للتَّحدُّث عن الثّماني الرَّذائل المُتعارَف عليها، ومِنها تَنبَع سائر الخطايا، وهي: الكِبرياء، الغرور، مَحبَّة المال، الزِّنى، الغَضَب، الشَّراهَة، الحَسَد والتَّراخي.
مَصدَرُ هذه الرَّذائل هي ثلاثة: الجسد، العالَم والشَّيطان. فالجَسَد يَرمي المؤمن في الزِّنَى والشَّراهَة والتَّراخي. بينما العالم يَشُدُّه إلى محبَّة المال والرَّغبة الّتي لا تشبع مِنْ كلّ الأشياء المادِّيَّة الأخرى. أمّا الشَّيطان فيَغرس في الإنسان الكبرياء، الغُرور، الغَضَب والحسد.
تتوَلَّد أيضًا مِن هذه الرَّذائل سِتُّ رذائل وخطايا أخرى بالحجم ذاته، وهي:
التّجديف، وهو تَحريض مِنَ الشِّرِّير، والمُجَدِّف هو عَدوّ الله. ولَوْ تَمَكّن مِنْ أن يتملّكه في يديه لقتله. وخطيئة التَّجديف تكفي وحدها للحكم على الإنسان بجُهَنَّم النّار. يَقول المَغبوط أوغسطينوس: "إنّ المُجَدِّفين يخطأون أكثر مِنَ الّذين صلبوا المسيح".
نقض اليَمين، هو الحِلفان الكاذب بالإنجيل المُقَدَّس أو الصّليب الكريم أو باسم الله أو العذراء أو أيّ قدّيس آخَر. وبالتّالي هو بمثابة شَتم للعِزَّة الإلهيّة. وقد نَهانا الرَّبّ في الإنجيل عن الحِلفان وقال: "لِيَكُن كَلامِكُم نعم نعم أو لا لا".
السَّرِقَة، هي الاعتِداء على مُلْكِيَّة الآخَر والاستيلاء عليها، ولا تُحَلُّ المَسألة بإعادةِ ما سُرِق فقط بل بالتَّعويضِ أيضًا.
مُخالفة الوَصايا الكنسيّة، ومِنها أن تُقدّس كلّ الآحاد والأعياد، أن تعترف وتتناول، أن تصوم بحسب تحديد فترة الصَّوْم في الكنيسة...
النَّميمة والافتراء، هما الإدانة والإساءة وتشويه سمعة الإنسان بنقل ما قاله أحدهم بِحَقِّ شخصٍ آخَر لِزَرْعِ الفِتنَة والبُغض وتَفريق النَّاس عن بعضهم البعض. "لا تَدينوا إخوتكم لئلّا يدينكم الرَّبَ، لا تحكموا على أحد لئلّا يُحكم عليكم" (لوقا 6: 37). وإن رأيتَ أحدًا يُخطأ علانيةً، استُر عيوَبه حتّى يستر الله أخطاءك ولا يدينك. أمّا خطيئة الافتِراء هي نَقْل ما لم يَقُلْه الآخَر بِحَقّ أحد إلى شخصٍ ثالث ورابع كذبًا وتَزويرًا.
الكذب، خطيئة الكذب شبيهة بِنَقض اليَمين وشهادة الزُّور والافتراء. والكذِب خطيئة كبيرة حين يسبّب ضررًا مادِّيًّا أو نفسيًّا للآخر.
إنّ مَنْ يُؤنّبه ضميره الكنسيّ والرُّوحيّ على هذه الخطايا، مِنَ المُفَضَّل جِدًّا أن يعترف بها ويَشدّ إرادته ليتوب توبة صادقة كي لا يُميت نفسه ويخسر الحياة الأبدِيَّة.
لا يكفي أن نعرف أنواع الخطايا وأسماءها بل يجب أن نعرف كيف نُداويها.
أوّلًا:كره الخطيئة كَسَبَب لِشُرورٍ كثيرة، وأهمّها أنّها ستكون سببًا للعِقاب الأبديّ.
ثانيًا: أن يُقَدِّرَ الإنسان نفسه الّتي جبلها الله على صورته ومِثالِه ولا يستعبدها للشِّرّير.
ثالثًا: أن يبتعد عن أسباب الخطيئة، مثل ألعاب المَيْسَر، الصِّحبَة السَّيِئَة، الغِنى الفاحِش والتَّجمُّعات العالمِيَّة. فلا يذهب إلى أماكن تَستَهوي أحاسيس السَّمع والبَصَر وأنْ لا يأكل أكثر ما يحتاج له الجَسَدْ.
رابِعًا: المُشارَكَة المُستَمِرَّة في الأسرار ولاسِيَّما الاعتراف والمُناوَلَة لأنّها تشفينا من الخطايا وتُحَصِّنُنا رُوحِيًّا بمُرافَقَة الأب الرُّوحيّ.
خامِسًا: أن يُحارِب الإهمال والخمول والكَسَل. انشغل بعَمَلٍ يَدَويّ أو فِكْريّ، ولا تَتْرُك نفسك عاطِلًا عن العمل. يُمكنكَ أن تُصَلّي أو تقرأ الكِتاب المُقَدَّس أو أيّ كتاب روحيّ، فتُصبِح عَدوَّ الخطيئة وصديق الفضيلة.
سادِسًا: أن تفحص ضميرَكَ يوميًّا مساءً، وتُحصي خطاياك كي تتجنَّبها، وفضائلَكَ كي تُحافِظ عليها.
سابعًا: أن تُبغِضَ العالَم ولا تضع في ذهنك أقوال النَّاس الدّنيويّين والخاطئة.