نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 25 حزيران 2023
العدد 26
الأحد (3) بعد العنصرة
اللّحن 2- الإيوثينا 3
أعياد الأسبوع: *25: الشَّهيدة فبرونيَّة، الشُّهَداء أورنديوس وإخوته السِّتَّة *26: البارّ داوُود التّسالونيكيّ، تذكار جامع للآباء الآثوسيّين *27: البارّ شمشون مُضيف الغرباء، القدِّيسة يُوَنَّا إمرأة خوزي *28: نقل عظام القدِّيسَيْن كيرُس ويوحنَّا العادِمَيْ الفِضَّة *29: القدِّيسَيْن بطرس وبولس هامتَيْ الرُّسُل *30: تذكار جامع للرُّسُل الاِثْنَيْ عَشَر *1: الشَّهيدَيْن قزما وداميانوس الماقِتَيْ الفِضَّة.
كلمة الراّعي
سراجُ الجسدِ العَيْنُ
الإنسان وإن كان مِنْ جَسَدٍ ورُوح إلَّا أنَّه كائنٌ واحد. ومع أنّ ”الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ ...“ (غلاطية 5: 17) فيتخبّط الإنسان في ذاته ويفعل ما لا يريد، إلَّا أنَّ دعوة الإنسان هي أن يكون موحَّدًا في كيانه ...
خلق الله الإنسان مُرَكَّبًا مِنْ مادّةٍ مَخلوقة، مِنْ أديم الأرض، ومِنْ روحٍ على صورةِ روحِهِ القُدُّوس. في البَدءِ كان روحُ الرَّبِّ ساكنًا في كَيان الإنسان بالنَّفْس في الجسد. لمّا انفصل الإنسان عن الله رافضًا حُبَّ الخالق ومشَكِّكًا بأمانته خَسِرَ البَشَر سُكنى روح الله فيهم. روح الرَّبّ هو واهبٌ الحياةَ والنُّورَ للإنسان بالكلمة الإلهيّ الَّذي أعطى ذاته للإنسان الأوَّل كلمةً منطوقةً في الوصيّة وطعامًا في شجرة الحياة.
قبل السُّقوط، كان الإنسان نَقِيَّ القلب، أيْ كيانه شفّافٌ للنِّعْمَةِ الإلهيَّة وذهنه مُستنيرٌ وحواسّه مُوَجَّهةً بطَهارَةٍ إلى الفرح بالخالق وكلّ آخَر وصورة الله فيه كاملة ... بالسُّقوط، صار القلبُ نَجِيسًا (إرميا 17: 9)، والكيان مَنيعًا على نِعْمَةِ الله والذّهن مُظلمًا والحواسّ مُغلقة على محبَّةِ الذَّات في استهلاك الآخَر وصورة الله محجوبة ومشوّهة في الإنسان ...
* * *
”وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ ...“ (سفر المزامير 19: 8). إنْ لم تسْتَنِر عَيْنَيْ قلب الإنسان، أيْ الذِّهن، يبقى هذا الأخير مُظلِمًا بكُلِّيَّتِهِ ... كلمة الله هي النُّور. هذا النُّور يَستَقِرُّ في الإنسان بحفظ الوَصِيَّة الإلهيّة. المسألة واضحة وبسيطة، لكنّها ليست سهلة لأنّ القَرار الَّذي يجب على الإنسان أنْ يَتَّخِذَه للسُّلوك في درب التّنقية شبه مستحيل! ... لماذا؟! ... لأنّ هذا القرار هو التَّخَلِّي عَنْ المَشيئة الذَّاتِيَّة وعن كُلِّ تَعَلُّق يُعيق حركة الإنسان نَحْوَ الله ونَحْوَ الآخَر ... التَّعلُّق الوَحيد الصّحيّ والبَنّاء والصّالح هو الرَّغبة بالالتصاق بالمَسيح يَسوع أقْنُومًا إلهيًّا مُتَجَسِّدًا وكلمة مَنطوقَة مِنَ الآب بالرُّوح القُدُس ومزروعة في عمق الكيان الإنسانيّ. كلمة الله تطهِّر وتنقّي الإنسان، لأنّ من يقبل زرع الكلمة الإلهيّ فيه ويستنزل أمطار النّعمة بالصَّلاة لِتُنَمِّي هذه البِذرة-الكَلْمَة في أرض القلب، سيُثْمِر برًّا بقوّة الله في تسليم الذّات الكلّيّ لله بالإيمان الفاعِل بالمحبّة ...
* * *
الحياة هي: كيف تنظر؟ كيف ترى؟ ... هذا يعتمد على ما في القلب. الإنسان يُبصـــر انطلاقًا من وعيه لحقيقته بنور الله. من يعرف نفسه يعرف الخليقة كلّها لأنّه يعرف الله. المعرفة الأولى للذّات هي إدراك سقوطها وخرابها الدّاخليّ بالخطيئة المتملّكة على الكيان بالأهواء. هذا يولِّد ألمًا بسبب وَعي حالة عبوديّة الإنسان للموت في حين أنّ جوهره مملوء بالحياة. الحياة المَخبوءة في داخلنا هي عطيّة صورة الله فينا المُعطاة لكلّ إنسان. المؤمن المعمَّد تتجدَّد فيه هذه الصّورة وتتنقّى ويصير مَسْكِنًا للنِّعْمَة الإلهيّة. السُّقوط يَتكَرَّر، لكن هذه المَرَّة يستطيع الإنسان أن يتجدَّد بالتَّوبة والاعتراف ويتنقّى قلبه بالصَّلاة ومساهمة الأسرار في المسيح يسوع ربَّنا الَّذي صار هو مسكننا وليس هذا العالم ...
سِراج الجسد هو عَيْن القَلب، ونُور العَيْن هو نِعمَة الله المُؤلِّهة...
أيُّها الأحِبّاء، طريق استنارة كياننا المَخلوق هو اتِّحادُنا بنعمة الله غير المَخلُوقَة مِنْ خِلال رغبتنا وقرارنا بطاعة مشيئة الله الَّتي بيسوع المَسيح ربَّنا، له المَجْد مِنَ الآن وإلى أبَدِ الآبِدين ...
ومَنْ أرادَ أنْ يَتَنَقَّى ويَسْتَنير ويَتَقَدَّس فليَقبَل ...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)
عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السَّماوِيِّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمَعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (رو 5: 1-10)
قوَّتي وتسبحتي الرَّبُّ
أدبًا ادَّبني الرَّبُّ
يا إخوةُ، إذ قد بُرِّرنا بالإيمانِ فلنا سَلامٌ معَ اللهِ بربِّنا يسوعَ المسيح، الَّذي بهِ حصَلَ أيضًا لنا الدُّخولُ بالإيمان إلى هذه النِّعمةِ الَّتي نحنُ فيها مُقِيمون ومفتَخِرون في رجاءِ مَجْدِ الله. وليسَ هذا فقط بل أيضًا نفتَخِرُ بالشَّدائِد، عالِمينَ أنَّ الشِّدَّةَ تُنشئُ الصَّبرَ، والصَّبرَ يُنشئُ الامتحانَ، والامتحانَ الرَّجاءَ، والرَّجاءُ لا يُخزي. لأنَّ محبَّة اللهِ قد أُفيضَت في قلوبِنا بالرُّوحِ القدسِ الَّذي أُعطِيَ لنا. لأنَّ المسيحَ، إذ كُنَّا بعدُ ضُعفاءَ، ماتَ في الأوانِ عن المُنافِقين، ولا يكادُ أحدٌ يموتُ عن بارٍّ، فلعلَّ أحدًا يُقدِمُ على أن يموتَ عن صالح. أمّا الله فَيدُلُّ على محبَّتِه لنا بأنَّهُ إذ كنَّا خَطأةً بعدُ مات المسيحُ عنَّا. فبالأحرى كثيرًا إذ قد بُرّرنا بدمِهِ نخلُصُ بهِ من الغَضَب، لأنَّا إذا كنَّا قد صولِحنا معَ اللهِ بموتِ ابنِهِ ونحنُ أعداءٌ فبالأحرى كثيرًا نخلُصُ بحياتِه ونحنُ مُصالَحون.
الإنجيل (متّى 6: 22-33)(متّى 3)
قال الرَّبُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيرًّا، وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلمًا. وإذا كان النُّورُ الَّذي فيك ظلامًا فالظَّلامُ كم يكون؟! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ رَبَّينِ لأنُّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِد ويُحِبَّ الآخَرَ، أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النَّفسُ أفضلَ مِنَ الطَّعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللِّباس. أنظروا إلى طيور السَّماءِ، فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ، وأبوكم السَّماوي يَقوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها. ومن منكم إذا اهتمَّ يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعًا واحدة؟ ولماذا تهتمُّونَ باللِّباس. اعتَبروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَهُ في كلِّ مجدِهِ لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها. فإذا كان عشبُ الحقلِ الَّذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التَّنُّورِ يُلبِسهُ اللهُ هكذا، أفلا يُلبِسُكم بالأحرى أنتم يا قليلي الإيمان. فلا تهتُّموا قائلين ماذا نأكُلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم، لأنَّ أباكم السَّماويَّ يعلمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلّهِ. فاطلبوا أوّلًا ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ، وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.
حول الإنجيل
سراج الجسد العَيْن فإنْ كانت عينُكَ سليمة كان جسدُكَ كلّهُ نيِّرًا، في هذا المقطع الإنجيليّ يُظْهِر لنا الرَّبُّ أنَّ الباب الأساسيّ لكلِّ الجسد هي الحواسّ، وذلك لأنَّ معرفة الأمور المؤذية للإنسان يمكن أن تعلّمه مِنَ الحسيّة والجسديّات، وقد ركَّز الرَّبُّ في كلمته على حاسَّة النَّظر لِكَوْنِها الأساس فبغيابها تفقد معظم الأعضاء الأخرى طاقتها، هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى فقد ركَّز الرَّبُّ نفسه على أهميّة البَصيرة المُستنيرة في شفائه الأعمى منذ مولده انطلاقا من هذه الحاسَّة المُهِمَّة.
هنا نرى أيضًا أنّ الرَّبَّ يسوع يوضِحُ أهميّة العين بموازاتها مع العقل، ويوضح القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفَم هذا الأمر بقوله: "إنّك لن تختار أنْ تلبس ذهبًا أو تلبس ثيابًا حريريّة وأنت كفيف البصر. ألا تحسب صحَّة عينيك مبتغاة أكثر من كلِّ الأمور الخارجيّة؟ وإذا انتابك مرضٌ فلا ينفعك شيءٌ آخَر، هكذا عندما يفسد الذِّهن تمتلئ حياتك بشرورٍ لا تُحصى. في الجسد هدفنا أن نحفظ العين سليمة، كذلك يكون هدف الذِّهن في النَّفس لكن إنْ أضعفنا الذِّهن المانح النُّور للبقيّة، فبأيّة وسيلةٍ سنُبصِر بوضوح؟ هكذا إذا أصيب العقل والعتاهة تلوّثت كلّ أعمال المرء في الحياة".
الرَّبُّ يسوع يُضيف في توضيحه عن هذا الأمر على أهميّة اليَقَظة الرُّوحيّة النَّابِعَة مِنَ الرُّؤية المُستَقيمَة للمؤمن، فالمؤمن يستطيع أن يميِّز بين الحَقّ والباطل لِكَوْنِهِ متَّصلًا بمنبع الحَقّ نفسه، ونبع الحياة ذاته.
مِنْ هنا الرُّؤية الصَّحيحة لكلّ أمور الحياة تنطلق من الرُّؤية الَّتي ينظر فيها الإنسان لمعنى الحياة بمجملها ومِنْ ثَمَّ إلى تفاصيلها الدَّقيقة. أنْ يعود الإنسان إلى أعماق قلبه وذهنه وفكره ليرى بمَن أو بماذا يتعلَّق ويرتبط ويسعى من أجله، ويستحوذ على اهتمامه الأوّل.
مِنْ هنا يصف الرَّبُّ وضعنا بقوله: "يا قَليلي الإيمان" ...لا تهتمُّوا...لا تضطرب قلوبكم...مؤكِّدًا أنَّ المطلوب مِنْ أتباعه أن ينظروا أمور الحياة كلِّها بعين الإيمان، لأنَّ الَّذي يَرعى ويهتمّ هو أوَّلًا أب حَنون، مُحِبّ، عَطوف، وقادرٌ أن يُعطي ما يُناسِب في الوقت المناسِب، وعارفٌ حاجة كلّ بيت وكلّ فردٍ وما المطلوب سوى أنْ نَحيا بحسب الإيمان وأنْ نطلب منه واثقين وموقنين بمحبَّته وحضوره الدَّائم معنا وفيما بيننا إلى انقضاء الدَّهر. آمين.
دموع الحُبّ
الدُّموع نعمةٌ مِنَ الله. إنَّها ندى الرُّوح المُتألِّمَة والمتعزِّيَة. إنّها تُطفِىءُ الحزن وتعطينا السَّلوى والعَزاء، إنَّها دَليل المحبَّة الخالِصَة.
هذه الدُّموع الَّتي تسقط مِنْ عيوننا نحن النّاظرين إلى الله بقلبٍ مُحِبٍّ مَملوء من الرَّجاء. لذلك يُوصينا الرَّسول بولس بأن "لا نحزن كباقي النَّاس الَّذين لا رجاء لهم" (1 تس 13:4). الحزنُ بِحَدِّ ذاته لا يُفيدنا بشيء بل على العكس الحزن يُمَرِّضُ قلوبَنا وتضطرب مشاعرنا. أمّا الحبُّ الحَقيقيّ الطَّاهِر الَّذي تغسله العيون بدموعها هو الدَّواء الشَّافي، يَبرِّدُ لهيب أعماق نفوسنا ويُجبر خواطر قلوبنا.
ألا يستحِقُّ الرَّبُّ حبَّنا ودموعَنا وهو الَّذي "وضع نفسه وأطاع حتَّى الموت موت الصَّليب" (في 8:2)، وبذل نفسه لأجل خطايانا" (غل4:1)؟ ما يطلبه الله منّا محبَّتنا له بتنقية نفوسنا وأجسادنا. لذلك يقول القدِّيس أفرام السُّريانيّ "إنّ الحاجة ماسّة إلى الدُّموع لنغسل أوساخنا قائلين مع داوود النّبيّ: "تغسلني فأبِيَضُّ أكثر من الثّلج" (مز 7:51).
ما يُعيق ذرف دموع محبَّتنا هو قساوةُ قلوبنا تجاه بعضنا البعض وإدانة الآخَرين وإنزال غضبنا وحقدنا عليهم بعكس القلوب الرَّقيقة الطَّيِّبَة المَمْلُوءَة مِنَ الحُبِّ الطّاهر والمُقَدَّس. بَرْهَنَ الرَّبُّ يسوع عن حبِّه المُقَدَّس في تطهير الهيكل مِنَ الباعَة عندما قال: "لا تَجْعَلوا بيتَ أبي بيت تجارة! غيرة بيتك أكلتني" (يو 16:2-17).
أيضًا في خَرابِ هيكل أورشليم "هوَّذا بيتكم يُترك لكم خرابًا" (مت 38:23).
تدلّ دموع الحبِّ في الرَّبّ يسوع على صديقه لعازر دليل قوَّةِ المحبَّة الَّتي تُعيد الحياة (يو 35:11و 36) وأيضًا عندما خاطب الرَّسول بولس رُعاةَ أفَسُسْ بالقول: "متذكِّرين أنّني ثلاث سنوات ليلًا ونهارًا، لم أفْتُر عن أنْ أنْذُر بدموع أحد" (أع: 20- 31). دموع الرَّسول بولس فيها حبٌّ ورِقَّةٌ وخوف عليهم من وقوعهم في الخطيئة. الدُّموع الَّتي ذكرناها هي الدُّموع الرُّوحيَّة الَّتي تصدر مِنْ قَلْبٍ نَقِيّ، رقيق، حسّاس. أمّا صاحب موهبة الدُّموع، فيركّز على أخطائه الخاصَّة متذكِّرًا ضعفه وبعده عن الله. هذا الزَّمَن هو زمن الدُّموع الَّذي يسوده الحُبّ. لذلك الآباء القدِّيسون يضعون أمام نصب أعيننا المرأة الخاطئة الَّتي بَلَّلتْ قَدَمَيْ المسيح بدموعها ومسحتْهُما بشعر رأسها وقبَّلَتْ قَدَمَيْه ودهنتهما بالطِّيب (لو37:7-38). إنّ لقائها مع الرَّبِّ جذب نفوسًا كثيرةً للتَّوبة. كما نالتْ المرأة الخاطئة غفران الخطايا بواسطة الدُّموع كذلك امنحنا نحن أيضًا غفران جميع خطايانا في هذا الدَّهر الحاضر وفي الدَّهر الآتي. آمين
أقوال روحيّة
+ إنّ كلّ فعل مسيحيّ مرتبط ارتباطًا لا مفرّ منه بالجهادات النّسكيّـة. والحبّ، الّذي هو أرقى الأفعال، يبقى أصعب تلك الجهادات. إنّ حياة المسيحيّ، في جوهرها، تعني اتّباع المسيح: "... ماذا لك؟ اِتبعني أنت". (القدّيس صفروني الآثوسي).
+ هذه هي عناية الآب السّماويّ بنا: أنّ على كلّ المائتين أن "يحملوا صليبهم" (متّى16: 24) ليرثوا الحياة الأبديّـة. والّذين يرفضون لا يمكنهم اجتناب العبوديّـة للأَهواء؛ فيسقطون ضحايا لتهرّؤ الجسد وفساده. (القدّيس صفروني الآثوسي).
+ وتدهش الرّوح قدّام الله، جذلةً بإزاء عظمته الّتي قبل الأزل، منذهلةً لتنازله إلينا واتّخاذه جسدنا. في كلّ الأشياء "معلّمنا واحد، وهو المسيح" (متّى23: 8). من دونه تهلك البشريّـة في ظلمة شرّها. (القدّيس صفروني الآثوسي).
+ إنّ تجسّد الله الكلمة هو أيضًا إفراغ للذّات. وهذا، كيانيـًّا، من طبيعة الحبّ الإلهيّ. الآب يفرغ ذاته من كلّ شيء بولادة الابن. والابن لا يخصّص شيئًا لذاته، بل يعطي كلّ شيء للآب. (القدّيس صفروني الآثوسي).
+ هو وحده الله، معطي كلّ الخيرات، يدرك المدى الّذي يمنحنا فيه معرفة حبّه. (القدّيس صفروني الآثوسي).