Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ۲٥ آذار ۲٠١٨

العدد ١۲

أحد القدّيسة مريم المصرية 

اللّحن ١- الإيوثينا ٩

كلمة الرّاعي

مِثَالُ مريم المصرية

غَادرت بيت والدَيها ابنة اثني عشر ربيعًا لتطلُبَ لذائذَ الجسد. شُغِفَتْ بعشق ذاتها ونضارة بدَنها واعتبرت ذاتها الهة الحب كما في أساطير أديان الإغريق، مع أنها كانت ابنة بيت مسيحي ومعمَّدة. هذا الواقع غريب ويطرح أسئلة عديدة حول واقع بيتها وتربيتها، وكيف استطاعت أن تخرج عن وصاية أهلها وهي في عمر صغير.العيشة في المدن الكبرى، الإسكندرية موطن رأس القديسة مريم المصرية كانت في حينها من أهم عواصم العالم الروماني، هذه العيشة إذا راقبناها اليوم  نرى أن الحقيقة هي نفسها إذ أن حياة العواصم حياة دهرية بامتياز، الناس فيها مشغولون بأعمالهم ومستوى العيش الذي يطمحون إليه. كثيرون من أولادنا اليوم قد يكونون معرَّضين لما عاشته مريم المصرية الطفلة من طغيان شهوة الجسد على كيانهم ووجودهم. بعد سبعة عشر عامًا في العيش لأجل اللّذة رَغِبَتْ بالحج إلى أورشليم في عيد رفع الصليب الكريم. فذهبت على السفينة  ودفعت ثمن رحلتها لممارسة البغاء مسقطة عددًا من الحجاج الشباب في الرذيلة. في أورشليم ظنّت أنها ستدخل مثل باقي الناس إلى الكنيسة وكأنَّ الله لا يرى ولا يعرف حقيقة كل بشر، فمنعها الرب من دخول كنيسته إلى أن تفَجَّرَت توبتها في قلبها بنعمة إلهية مدمِّرةً صنم ذاتها الذي كانت تعبده ومختَبِرةً حقيقة أن يسوعَ المسيح هو الإله والمخلِّصُ من عبوديّة الأنا.... ومن نتانة موت الخطيئة. والدة الإله تشفّعت بها وأدخلتها إلى حضرة إبنها المصلوب، فسجدت عند قدميه وصليبه ذارفة دموع معمودية جديدة بروح الرب، ومن ثمَّ قادها روح الرب إلى البريّة لتُجرَّب وتغلِب عشقها للّذة لعشقها للمسيح. دامت تجربتها هذه سبعة عشر سنة تحرَّرت بعدها من كلّ ذكريات جسدها ومنحها الرب أن يستقرّ فيها روحه القدوس فصارت ممتلئة من : " المحبة والفرح والسلام وطول الأناة واالطف والصلاح والايمان والتعفف " ( راجع غلاطية: ٢٢:٥ ).

مريم المصرية مثال ونموذج لنا في هذا الزمن الجسداني بامتياز، حيث تتمحور حياة البشر حول اللذات والشهوات والمال والظهور والكبرياء ، باختصار تتمحور حياة البشر اليوم حول أنانيتهم واستهلاكهم للوجود وكلّ موجود لأجل أنفسهم.

مريم المصرية ذهبت إلى المنتهى في هذا المجال لكنها ازدادت خواءًا وفراعًا تآكلها كالسرطان وملأها بالأوجاع النفسية والروحية والجسدية التي لا تُحتَمل ولا تطاق. الرب في ألمها الكياني لمسها بحنانه عبر صدَّها عن إتمام مشيئتها في اتمام أمر بسيط هو دخولها إلى الكنيسة فصار لها هذا الدخول عبورًا من مضر الأهواء إلى صحراء الكلمة الإلهية واستقرارًا في ملكوت الله بيسوع الذي أدخلها أرض الميعاد لما تناولت من يد الراهب زوسيما جسد ودم الرب منتقلة بعدها إلى نور وجه المسيح والحب الإلهي المحرِّر فصارت لنا ولكلّ زمن أيقونة رجاء بالغلبة على العالم وكل ما في العالم بالتوبة المحرَّكة بالحب بنعمة الروح الإلهي. اليوم، نحن أيضًا، قادرون بشفاعة القديسة مريم المصرية واحتضان والدة الإله مريم أن نتوب إلى يسوع ونغلب به كل شوق وكل ألم في هذا العالم.

ومن له إذنان للسّمع فليسمع.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

 

طروباريّة القيامة (باللّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليهود. وجَسَدَكَ الطاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانحاً العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السماويات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريّة عيد البشارة (باللّحن الرّابع)

اليوم رأسُ خلاصِنا وإعلانُ السرِّ الذي منذُ الدهور، فإنَّ ابن اللهِ يصيرُ ابنَ البتول، وجبرائيل بالنعمةِ يُبَشّر، لذلك نحنُ معهُ فلنهتف نحو والدة الإله: افرحي أيتها الممتلئة نعمةً الربُّ معكِ.

القنداق (باللّحن الثّامن)

إنّي أنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أكتبُ لكِ راياتِ الغَلَبة يا جُنديَّةً محامية، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكرَ كمُنقِذَةٍ مِنَ الشَّدائد. لكنْ، بما أنَّ لكِ العِزَّةَ التي لا تُحَارَب، أَعْتِقِينِي من صُنوفِ الشَّدائد، حتّى أَصْرُخَ إليكِ: اِفْرَحِي يا عروسًا لا عروسَ لها.

الرّسالة (عبرانيّين 2: 11-18)

تعظّم نفسي الربَّ

لأنَّهُ نظر إلى تواضع أمَتهِ

يا إخوةُ، إنَّ المقدِّسَ والمقدَّسينَ كُلَّهم من واحدٍ. فَلهذا السَّببِ لا يستحيي أن يدعُوَهم إخوةً قائلاً: سأُخبِرُ باسمِكَ إخوتي وأُسبِّحُكَ في الكنيسة. وأيضًا سأكونُ متوكّلاً عليه. وأيضًا هاأَنذا والأولادُ الذينَ أعطانيهم الله. إذَنْ إذ قد اشتركَ الأولادُ في اللحم والدَّمِ اشتَرَك هو كذلكَ فيهما لكي يُبطِلَ بموتِه من كانَ لهُ سُلطانُ الموتِ أي إبليس، ويُعتِقَ كُلَّ الذينَ كانوا مُدَّةَ حياتِهم كُلَّها خاضعين للعبودية مخافةً من الموت. فإنَّهُ لم يتَّخذِ الملائكةَ قَطُّ بل إنَّما اتَّخذَ نسلَ إبراهم. فَمِنْ ثمَّ كان ينبغي أن يكونَ شبيهاً بإخوته في كلِ شيءٍ ليكونَ رئيسَ كهنةٍ رَحيماً أميناً في ما لله حتى يُكفِّرَ خطايا الشعب. لأنَّهُ إذ كانَ قد تألمَ مُجرَّباً فهُوَ قادرٌ على أن يُغيثَ المصابِين بالتجارِب

الإنجيل (لوقا 1: 24-38)

في ذلك الزمان، حبلتْ أليصابات امرأةُ زخريا، فاختبأت خمسةَ أشهرٍ قائلةً هكذا صنع بي الرب ُّ في الأيام التي نظر اليَّ فيها ليصـرِف عنّي العارَ بين الناس. وفي الشهر السادس أُرسِلَ الملاكُ جبرائيلُ من قَبِل الله إلى مدينة في الجليل اسمُها الناصرة، إلى عذراءَ مخطوبةٍ لرجلٍ اسمهُ يوسفُ من بيتِ داودَ واسم العذراءٍ مريم. فلمَّا دخل اليها الملاك قال: "السلامُ عليكِ أيتَّها المُنعم عليها، الربُّ معكِ. مباركةٌ أنتِ في النساء. فلمَّا رأتْهُ اضطربت من كلامهِ وفكَّرتْ ما عسى أنْ يكون هذا السلام. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريمُ، فانَّكِ قد نلتِ نعمةً لدى الله، وها أنتِ تَحبْلينَ وتلدين ابناً وتسمينَهُ يسوع، هذا سيكون عظيماً وابنَ العليّ يُدعى، وسيُعطيهِ الربُّ الإله عرشَ داود أبيهِ ويملِكُ على بيتِ يعقوبَ إلى الأبد، ولا يكونُ لملكهِ انقضاءٌ. فقالت مريم للملاك: "كيف يكون هذا وأنا لا أعرفُ رجلاً. فأجاب الملاك وقال لها: إنَّ الروحَ القدس يحُلُّ عليكِ وقوَّةَ العليّ تظلّلكِ، ولذلك فالقدُّوس المولود منكِ يُدعى ابنً الله. وها إنَّ أليصابات نسيبتَك قد حَبِلت هي أيضًا بابنٍ في شيخوختها وهذا الشهر هو السادس لتلك المدعوَّة عاقراً لأنَّهُ ليس أمرٌ غيرَ ممكن لدى الله. فقالت مريم: ها أنا أمَةٌ للربّ. فليكُن لي بحسب قولك. وانصرف الملاكُ من عندها.

حول عيد البشارة

 يستند عيد البشارة، أساساً، إلى النص الكتابي الوارد في الإصحاح الأول من إنجيل لوقا، الآيات ٢٦ إلى ٣٨. دونك ما جاء في تلك الآيات:

      "في الشهر السادس [بعد حبل أليصابات بالسابق المجيد] أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال: سلام لكِ أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكّرت ما عسى ان تكون هذه التحيّة. فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع. هذا يكون عظيماً وابن العليّ يُدعى ويُعطيه الرب الإله كرسيَّ داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً. فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحلّ عليك وقوّة العليّ تظلّلك فلذلك أيضاً القدّوس المولود منك يُدعى ابن الله. وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوّة عاقراً لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله. فقالت مريم هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك. فمضـى من عندها الملاك".

       هذا هو، إذاً، النص المنبسط في أساس عيد البشارة. لماذا ارتؤي ان يكون العيد في الخامس والعشـرين من آذار؟ ليس واضحاً لماذا ولكن ثمة تعليلاً يُعطى لعله مفيد ذكره. ففي النصّ الإنجيلي ان البشارة حدثت بعد ستة أشهر من الحبل بالسابق. أما الحبل بالسابق فاعتبر انه جرى خلال شهر أيلول (٢٣ أيلول في سنكساراتنا). في ذلك الوقت ظُنّ ان زخريا دخل الهيكل يوم الكفّارة. فعلى هذه القناعة عُدّت البشارة في شهر آذار، بعد ستة أشهر من ذلك، فيما حُسب عيد الميلاد بعد تسعة أشهر من عيد البشارة، أي بعد الزمن اللازم بشرياً، للولادة.

       هذا من ناحية. من ناحية أخرى ثمة اعتقادات قديمة ربما أثّرت في ان يُعيَّن الخامس والعشرون من آذار موعداً للاحتفال بالذكرى المجيدة ، أو لعل تعيين البشارة في هذا اليوم أولد هذه الاعتقادات. فلقد ظُنّ ان العالم خلقه الله في شهر آذار وانه في الخامس والعشرين منه خدعت الحيّة حوّاء وطُردت وآدم من الفردوس. هذا طبعاً في موازاة خلق العالم من جديد بكلمة الله المتجسّد بدءاً من يوم البشارة وكذلك شفاء الطبيعة البشـرية بطاعة مريم واستعادة الاحشاء الفردوسية بسكنى الأقنوم الثاني للثالوث القدّوس في بطن مريم البتول. كذلك سرت قديماً فكرة مؤدّاها انه في شهر آذار جرى خروج الشعب العبري من أرض مصـر وفي الخامس والعشرين منه قام الرب يسوع من بين الأموات. وقيل إن القيامة العامة والدينونة الأخيرة سوف تحدثان في هذا اليوم أيضاً. هذه الفكرة، فكرة التقابل بين السقوط والخلاص، ذاعت بين الآباء وهي كذلك في التراث بعامة. دونك ما ورد، على سبيل المثال، في مؤلَّف للقدّيس إيريناوس الليّوني (١٣٠ - ٢٠٠ م) ضد الهرطقات:

       "كما حوّاء أغواها حديث ملاك حتى انتزعها من الله وجعلها تتعدّى الوصيّة، كذلك نُقلت البشارة إلى مريم بحديث ملاك حتى حملت الإله لما أطاعت كلمته. وكما أُغريت تلك لتعصى الله أُقنعت هذه بطاعته لكي تصير العذراء مريم محامية عن العذراء حوّاء. كذلك كما أُخضع الجنس البشري للموت بعذراء تحرّر من الموت بعذراء. وهكذا قُوِّم عصيان عذراء بطاعة عذراء أيضاً".

       إلى ذلك نضيف ان عيد البشارة كان معروفاً في كنيسة المسيح أقله منذ القرن الخامس للميلاد. الاحتفال به ذكره البابا جيلاسيوس الأول سنة ٤٩٢م. تعيين الخامس والعشرين من آذار موعداً للذكرى ربما أمكن ردّه إلى القرن السابع. مجمع توليدو، في الغرب، ذكره سنة ٦٥٦م. وكذلك مجمع تروللو سنة ٦٩٢م. موقع عيد البشارة في الكنيسة وَضُح، يومذاك، لما أورد مجمع تروللو ان القدّاس السابق تقديسه يقام في كل أيام الصوم ما عدا السبوت والآحاد وعيد البشارة.

       بالنسبة لمعنى العيد تمثِّل الذكرى بداية تحقيق التدبير الخلاصي للبشرية. كل ما سبق ان وعد به الرب الإله ودفع البشرية في اتجاهه عبر التاريخ وعبر الشريعة والأنبياء يأتي، في عيد البشارة، إلى أول نجازه. الكل انسكب في هذا الحدث الفذّ كالشكل المخروطي يضيق تدريجاً ليصبّ في ثغرة واحدة، والثغرة إلى الملكوت كانت والدة الإله، العذراء مريم. من هنا هتاف الكنيسة في هذا اليوم بالنشيد التالي:"اليوم رأس خلاصنا وظهور السرّ الذي منذ الدهور فإن ابن الله يصير ابن البتول وجبرائيل بالنعمة يبشّر. لذلك نحن معه فلنهتف نحو والدة الإله: إفرحي أيتها الممتلئة نعمة الرب معك" (طروبارية العيد). خدمة المديح التي كانت أساساً خدمة تقام بمناسبة عيد البشارة تبيّن بالتفصيل بعض الصور الواردة في العهد القديم بمثابة إشارات وتماثيل لمريم والدة الإله. هي إياها بلاط الملك الوحيد والعرش الناري للضابط الكل والبخور الزكي الرائحة والسلّم المصعدة الكل بالنعمة من الأرض إلى السماء وهي الحصن والسور والثبات والملجأ الشريف للجميع. وهي أيضاً المركبة النارية للكلمة والفردوس الحاوي في وسطه عود الحياة والجبل غير المقتطع منه والصدفة التي أبرزت اللؤلؤة الإلهية وكرز الأنبياء والجزّة الْمُندّاة التي سبق جدعون فعاينها قديماً والعلّيقة غير المحترقة والسحابة الكلية الضياء والعصا السرّية التي أفرعت الزهرة التي لا يعتريها ذبول والدُّرج الذي فيه رُقِّمت الكلمة بإصبع الآب. وهي كذلك مَن أدرك موسى في العليقة سرّ مولدها العظيم ومَن سبق الفتية  الثلاثة فرسموا ذلك بأجلى بيان بعدم احتراقهم. كل تشوّف البشرية كان إلى البشارة وإلى مريم.

       إلى ذلك تتضمّن خدمة الغروب والسحر في عيد البشارة قراءة الكنيسة للحدث الجليل وموقفها منه ومن والدة الإله بصورة أخصّ. فقراءات صلاة الغروب مثلاً أُوردت كما لتشير  إلى مريم باعتبارها السلّم المنتصبة على الأرض ورأسها واصل إلى السماء والرب مستند عليها (تك ٢٨). كذلك قراءة حزقيال النبي، من الإصحاحين ٤٣ و ٥٤ تبرز الباب الذي يكون مغلقاً لا يفتح ولا يعبر أحد منه لأن الرب إله إسرائيل سيدخل منه ويكون مغلقاً. هذا الباب هو أيضاً صورة والدة الإله . والقراءة الثالثة من أمثال سليمان الحكيم (الإصحاح ٩) تعطي رسماً آخر لوالدة الإله باعتبارها البيت أو الهيكل المكتمل ذا الأعمدة السبعة.

       هذا والخدمة كلّها تنشد الفرح بالحدث وبوالدة الإله. تذيع الدهش وتنشر البشرى وتنقل السرّ الفائق على كل عقل وترفع الدعاء وتمدّ الشكران والتهليل.

       آبائياً، آباؤنا استرسلوا في الكلام على مضامين الحدث والمكانة التي شغلتها وتشغلها والدة الإله في تدبير الخلاص. أول ذلك تأكيد العديد منهم ان والدة الإله، العذراء مريم، هي زهرة البشرية. بكلام القدّيس كيرللس الإسكندري "الروح القدس يجسّد قداسة الله والعذراء تجسّد قداسة الإنسان". لذا لا يحسبنّ أحد ان حظوة مريم بنعمة الله نالتها باطلاً والكرامة المعطاة لها فارغة، فإن العذراء ما كانت لتجد نعمة لدى الله إلا لأنها، بحسب تعبير القدّيس فوتيوس الكبير، "جعلت نفسها مستأهلة لكل اعتبار أمام خالقها فإنها تزيّنت بحسن النقاوة وأعدّت ذاتها مقاماً طيّباً لمن ثبّت السماء بكلمته. كذلك وجدت مريم نعمة عند الله لا فقط لأنها حفظت عذريتها بل أيضاً لأن رغباتها كانت بلا عيب".

       انطلاقاً من كون مريم زهرة البشرية يعرض القديس نقولا كاباسيلاس، من ناحيته، لوالدة الإله باعتبارها صورة الجمال المحض. يقول ان الله جمع فيها الجمالات المبعثرة في سائر الكائنات المنظورة وغير المنظورة. جعل فيها مزيجاً لكل الكمالات الإلهية والملائكية والإنسانية فأضحت جمالاً رفيعاً مرتفعاً من الأرض إلى السماء، متجاوزاً السماء أحياناً. كذلك يؤكّد كاباسيلاس ان التجسّد ليس عمل الله وروحه القدّوس وحسب بل هو أيضاً عمل مريم.

       فالفرح بمريم ناشئ عن تدبير الله فيها وعن مساهمتها في تمام القصد الإلهي أيضاً. بكلام القدّيس فوتيوس هكذا نغبط مريم "إفرحي لأننا نرى شمس البِرّ تُشرق منك لتنير النظام السماوي والأرض معاً مشعشعة الكون ببهاء النعمة الإلهية... إفرحي لأن فيك، وأنت عذراء، ذاك الذي جبل من الأرض العذراء أولاً يُعيد اليوم جبل آدم من دمك العذري. إفرحي لأنك إذ نسجت الحلة البشرية لكلمة الله سترت عورة المخلوق الأول". من ذا تمسّك الكنيسة بتعبير "والدة الإله". وحدها هذه العبارة يكمن فيها "كل سرّ تدبير الخلاص"(القدّيس يوحنا الدمشقي). (من صفحة الثالوث القدوس الإلكترونية)

انقر هنا لتحميل الملف