نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 24 نشرين الأوّل 2021
العدد 43
الأحد (18) بعد العنصرة
اللّحن 1- الإيوثينا 7
أعياد الأسبوع: *24: الشَّهيد أريثا (الحارِث) ورفقته *25: الشُّهيدان مركيانوس ومرتيريوس، طابيثا الرَّحيمَة الَّتي أقامها بطرس *26: العظيم في الشُّهداء ديمتريوس المُفيض الطِّيب، الزَّلزَلَة العظيمَة *27: الشّهيد نسطر، بروكلا امرأة بيلاطس *28: الشّهيد ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، استفانوس السّابوي *29: أناستاسيا الرّوميّة، البارّ أبراميوس ومريم ابنة أخيه *30: الشّهيدان زينوبيوس وزينوبيا أخته، الرّسول كلاويا.
كلمة الرّاعي
قساوة القلب
”الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ،
كَمَا فِي الإِسْخَاطِ“ (عب 3: 15)
الله حيّ. الإنسان شكّاك. الرَّبّ ضابط الكلّ. الإنسان محدود في الفهم والقدرة. الله كلّيّ المعرفة. الإنسان لا يعرف نفسه... ومع هذا كلّه يرى الإنسان في ذاته كائنًا قادرًا أن يستقلّ عن الله ما لم يكن هذا الإله خاضعًا له ومنفِّذًا لمشيئاته!...
هذا ما حدث في ”مسّة مَريبة“ مع الشّعب العبرانيّ الَّذي حين عطش في البرّيّة خاصم الله وموسى قائلًا: ”أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ“ (خر 17: 2 ب)، فأجابهم موسى: ”لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ الرَّبَّ؟“ (2 ث). فأمر الله موسى أن يضرب الصّخرة بعصاه الَّتي فلق بها البحر الأحمر فأخرجت لهم ماء ليشربوا. ”وَدَعَا اسْمَ الْمَوْضِعِ "مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ" مِنْ أَجْلِ مُخَاصَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمِنْ أَجْلِ تَجْرِبَتِهِمْ لِلرَّبِّ قَائِلِينَ: "أَفِي وَسْطِنَا الرَّبُّ أَمْ لاَ؟“ (17: 7).
هل يُعقل أنّ الشّعب الَّذي عاين عمل الله في إخراجه من مصر وعبوره البحر الأحمر وإطعامه المَنّ والسّلوى يُشكِّك بمشيئة الله بتخليصهم وإيصالهم إلى أرض الميعاد؟!... هذا أمر مُستغرَب جدًّا، ولكن هذا ما حصل مع العبرانيّين، وهذا ما يحصل معنا نحن، أيضًا، اليوم وسيبقى يصير لأنّ الإنسان لا يثق إلّا بنفسه وبما هو يبرمجه ويخطّط له وبما يؤمِّن عليه بنفسه. طبعًا، هذا كلّه مطلوب ولكن ليس بالاستغناء عن الله بل بالاتّكال عليه والثّقة المطلقة به بأنّه إله ”أمين وصادق“ (راجع رؤ 3: 14 و19: 11).
* * *
قساوة القلب تحرم الإنسان من نعمة التّوبة. هذا ما حدث مع فرعون فهلك في البحر الأحمر، وهذا ما حدث مع العبرانيّين الَّذين خرجوا مع موسى من مصر، فوصفهم الرَّبُّ مرارًا عديدة بأنّهم شعب صلب الرّقبة (خر 32: 9، 23: 3، 5، 34: 9، تث 9: 6). وقال إنّهم "قساة الوجوه، صلاب القلوب" (خر 2: 4). وقال عنهم "صُلاب الجباه، قساة القلوب" (حز 3: 7)... وبسبب قساوتهم هذه، لم يستجيبوا للرَّبِّ ولم يطيعوه، بل كانوا دائمي التّذمُّر عليه. لا يتوبون مطلقًا مهما أحسن إليهم، حتّى قال عنهم: ”مددت يدي طول النّهار لشعب معاند مقاوم“ (رو 10: 21).
قساوةُ القلبِ محارَبَةٌ للاتّضاع والتصاقٌ بكبرياء الفكر. هي تنمو في مستنقعات الشّهوات الغضبيّة الَّتي تسيطر على القلب وتأسره تارّةً باللَّذّة وطورًا بالعظمة والتّسلُّط حتَّى ليموت القلب ويتحجَّر، فلا يعود قابلًا للانكسار بالمحبَّة والحنان لأنَّه يرى نفسه مقياس الحقّ بحسب ما تُزيِّنُ له أهواؤهن ويطلب كسر كلّ آخَر، حتَّى الله، وإن لم يُطعه هذا الآخَر يرفضه ويحاربه ويسعى لإلغائه...
ثمرة قساوة القلب تحجُّر الفكر وتوقُّف العقل عن الفهم. قاسي القلب يصير شرِّيرًا بسبب جهله لمحبّة الله، ورفضه لمحبَّة الآخَرين، إذ المحبَّة بالنّسبة إليه هي أن يطيعه الكلّ... حتّى الله نفسه...
* * *
كيف نحارب هذا المرض السّرطانيّ؟
- بزيارة المستشفيات والقبور. هذا يعطينا أن نعرف ضعفنا وهشاشتنا. من لم يرَ هذا من ذاته، وهذا مُستَبعَد لقاسي القلب، سَيَراه بالموت والمرض والهوان، بالخوف والقلق، بالوِحدةِ (solitude) والضَّجر اللَّذَين يولِّدان فيه الشّعور باللّامعنى لحياته ووجوده رغم كلّ ما لديه...
- بالصَّلاة يتغيّر القلب. من لا يُصلِّي يقسو قلبه وتتصلَّب رقبته أمام الله والنّاس. لذلك، فالصّلاة تُليِّن القلب لأنّ من يصلِّي يتوب، ولو لم ينجح في توبته، ومن يصلّي يمتدّ نحو الله أو بالأحرى يُحاول أن يفتح قلبه لله ليدخل إليه وينظّفه من ”زبالته“ ويردّه نقيًّا طاهرًا مستنيرًا بالكلمة الإلهيّة والنّعمة...
- بالخدمة، خاصَّة للعاجزين، يستيقظ لدى الإنسان الوَعي بحاجته لله وللآخَر في المحبَّة والحنوّ أي في مجّانيّة العطاء. هذا يعطيه أن يُدرك أنّ القوّة لا تدوم وأنَّ الحياة الخالية من الحنان جحيم مستمرّ، وأنّه يحتاج الآخَر...
- بعِشْرَةِ الكلمة الإلهيَّة في الكتب المقدَّسة وفي كتابات الآباء وسير حياتهم.
قساوة القلب تمنع رحمة الله عن الإنسان... فلنهب يوم الدّينونة لأنّه آت لا محالة في وقت قريب... ”افتدوا الوقت فإنّ الأيّام شرّيرة“ (أف 5: 16).
ومن له أذنان للسّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
طروباريّة القدّيس الشهيد الحارث (باللَّحن الأوّل)
يا ربّ بأوجاعِ القدّيسين الّتي كابدوها من أجلكَ، تعطّف واشفِ أوجاعَنا كلَّها، نحن المُتضرّعين إليكَ يا مُحبَّ البشر.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة (عب 11: 33- 40، 12: 1-2)
الرَّبُّ قد صنع العجائب للقدّيسين الّذين في أرضه
سبقتُ فابصرتُ الرَّبَّ أمامي في كلّ حين
يا إخوةُ، الَّذِينَ بِالإِيمَانِ: قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرًّا، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ، أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَوَّوْا مِنْ ضُعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ، أَخَذَتْ نِسَاءٌ أَمْوَاتَهُنَّ بِقِيَامَةٍ. وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ. وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضًا وَحَبْسٍ. رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلًا بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَال وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ. فَهؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ بِالإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئًا أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا. لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُودِ مِقْدَارُ هذِهِ مُحِيطَةٌ بِنَا، لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ.
الإنجيل (لو 8: 27– 39)(لوقا 6)
في ذلك الزّمان، أتى يسوعُ إلى كورَةِ الجِرجِسييّنَ، فاستقبَلهُ رجُلٌ منَ المَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلِ، ولم يكن يلبَسُ ثوبًا ولا يأوِي إلى بَيتٍ بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ وقالَ بِصوتٍ عظيم: ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العليّ. أطلُبُ إليكَ ألّا تُعَذِّبَني، فَإنَّهُ أمَرَ الرّوحَ النَّجِسَ أن يَخرُجَ منَ الإنسانِ لأنَّهُ كانَ قد اختطفَهُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ. وكانَ يُربَطُ بسلاسِلَ ويُحْبَسُ بِقُيودٍ فيقطعُ الرُّبُطَ وتَسُوقُهُ الشّياطينُ إلى البراري. فسألَهُ يسوعُ قائلًا ما اسمُك. فقالَ لَجَيُون، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانوا قد دَخلوا فيهِ، وطلبوا إليهِ أن لا يأمُرَهُم بالذّهابِ إلى الهاوية. وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في الجبلِ، فَطَلَبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدّخولِ فيها فأَذِنَ لهم، فخَرَج الشّياطينُ من الإنسانِ ودخَلوا في الخنازيرِ، فوَثبَ القطيعُ عَن الجُرْفِ إلى البُحَيْرةِ فاختنقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَرَبوا فأخبَروا في المدينةِ وفي الحقول، فخرجوا ليَرَوا ما حَدَث، وأتَوا إلى يسوعَ فوَجدوا الإنسَانَ الّذي خَرَجَتِ مِنهُ الشّياطينُ جَالِسًا عندَ قدَمَي يسوعَ لابِسًا صحيحَ العقل فَخافوا. وأخبَرَهُم النّاظِرونَ أيضًا كيْف أُبْرِئَ المجنون. فسألَهُ جمِيعُ جُمهورِ كُورَةِ الجرجسِيّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ اعْتَراهم خوفُ عَظيم. فدَخَلَ السّفينةَ ورَجَع. فسَألَهُ الرَّجُلُ الّذي خرَجَتْ مِنه الشّياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفهُ يسوعُ قائلًا ارجع إلى بيتِكَ وحَدِّث بما صَنعَ الله إليك. فذهَبَ وهُوَ ينادي في المدينة كُلِّها بما صَنعَ إليهِ يَسوع.
حول الرّسالة
رسالة اليوم تدور حول أهميّة الإيمان. ويُعيدنا الكتاب لنذكر العبور في عدّة حوادث مختلفة مرّ بها الآباء والأنبياء في العهد القديم، من هنا نعرّف الإيمان بأنّه "الثّقة بما يُرجى والإيقان بأمورٍ لا تُرى" (عب11: 1)، فهو التّسليم الكامل لله.
الإيمان هو الثّقة التّامّة وليس التّصديق فقط أيّ كما فعلت مريم والمعمدان بطاعة الكلمة الإلهيّة (لو 1: 38 ويو 3: 18)، وكالقدّيس بطرس الإلهيّ نسير على المياه بأمر الرّبّ يسوع المسيح لنصل إلى الفصح أيّ الخلاص. لذا، علاقتنا مع الله هي تسليمٌ تامّ دون شكوك أو انتقائيّة بالإيمان به. رغم كلّ ما يحيط بنا من نظريّات حول عدم وجود الله فهو الثّابت الوحيد وهو الّذي خلقنا بالمحبّة لنكون أبناءه ونشاركه الغنى الإلهيّ ووارثين النِّعَم الّتي تحيينا، هو الّذي لم يتركها لنفسه فقط بل أفاضها على الكلّ دون استثناء.
الإنسان هو أيقونة النّبع الّذي يغتذي منه "أنا قلت إنّكم آلهة" (مز 82)، لذا، فالمسيحيّ هو صورة المسيح المتجسّد في الأرض وسلوكه يجسّد إيمانه، ليس بالكلمات أو بالاعتراف الشّفهيّ بالله، فحسب، بل بأعمال تشهد له بطاعة الله والتَّمَسُّك به حتّى الموت. لذا، فالإيمان هو عيشٌ نقدِّم به أنفسنا لله كما قدّم ابراهيم ابنه اسحق ذبيحةً لله شاهدًا على صدق الإيمان أوَّلًا وواثقًا برحمة الله. ورسالتنا اليوم هي عيشٌ آبائيّ كالمذكورين في النَّص بفرحٍ مملوئين من النِّعمة أيّ مُتّحدين بالله رغم الخوف الّذي حولهم.
لذا، فالإيمان هو نموّ مستمرّ بالله وإليه. الله دعانا للاتّحاد به "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 6: 56)، وليس النّظر من بعيد إليه. معظم النّاس تتحدّث عن المسيح أو تتناول جسد ودم المسيح ظانّين أنّ هذا هو الإيمان. الله لا يريدنا أصنامًا بل آلهة، "أنتم آلهة وبنو العلي تدعون" (مز82)، وهذا يكون بالنّموّ في النّعمة كَحَبَّة الحنطة الّتي تنمو من أصغر إلى أكبر دومًا ودون توقّف. من هنا نستطيع أن نَعي بأنّ النّموّ نحو الله وامتدادنا إليه هو نموّ للاتّحاد به والّذي نسمّيه المعاينة الإلهيّة أو الاتّحاد به.
تفسير القدّاس الإلهيّ (الجزء الخامس)
الزّياح هو الجزء الأساسيّ في الدّخول الكبير، هو الدّخول الكبير بحدّ ذاته! فبعد التّبخير يسجد الكاهن مع الشّمّاس مرّتين أمام المائدة، ويقبّلان الأنديمنسي، ثمّ يسجدان مرّة، وينحنيان مستغفرَين الشّعب ويذهبان إلى المذبح ويسجدان ثلاثًا قائلَين في ذواتهما: يا الله اغفر لي أنا عبدك الخاطئ. ثم يقول الشّمّاس للكاهن: إِرفع يا سيّد. فيرفع الكاهن السّتر الكبير عن القرابين ويضعه على كتفَي الشّمّاس قائلًا بصوتٍ خافتٍ: اِرفعوا أيديكم إِلى الأقداس وباركوا الرّبّ (مز ١٣٣: ٢) ويرفع الصّينيّة المقدّسة المغطّاة ويقبّلها ويعطيها للشّمّاس، فيقبّلها الأخير بورعٍ ويقبّل يمين الكاهن ويمسكها على مستوى جبهته والكاهن يحمل الكأس المقدّسة. نذكر أنّه في حالة عدم وجود شمَّاس يقوم الكاهن وحده بهذه الخطوات ويمسك الكأس المقدّسة بيمينه والصّينيّة بيساره مع السّتر على كتفيه.
في هذه اللّحظات تنهي الجوقة ترتيل التّسبيح الشّاروبيميّ مع عبارة "إذ إنّنا مزمعون أن نستقبل ملك الكلّ"، ويخرج الموكب من الباب الشّماليّ ويتألّف من: شموع، صليب، مبخرة أمام الكاهن، مراوح (واحدة أمام الكاهن وثانية وراءه). يدور الموكب في كلّ الكنيسة حتَّى يصل إلى وسطها، وفي أثناء الدّورة يقول الشّمّاس (وإذا لم يوجد فالكاهن): "جميعكم وجميع المسيحيِّين الحسني العبادة الأرثوذكسيِّين ليذكر الرَّبُّ الإِله في ملكوته، كلّ حينٍ، الآن وكلّ أوان وإِلَى دهر الدّاهرين". وعندما يصل إلى الباب الملوكيّ (يدخل الشّمّاس إِن وُجِدَ) والكاهن "يرفع الكأس ويذكر أوّلًا رئيس الكهنة (ورئيس الدّير في ديره)، ثمّ من يشاء من الأحياء والرّاقدين. نذكر الأحياء والرّاقدين معًا لأنّه لا شيء يفصل في الكنيسة بين من رقد ومن هو حَيّ. الجميع، أحياءً وأمواتًا، أحياء في المسيح يسوع، لأنّ المسيح "إله أحياء وليس إله أموات" (متى23:22).
بعد الدّخول تكمل الجوقة الشّاروبيكون مرتّلةً "تحتفّ به المراتب الملاِئكيّة بحالٍ غير منظور، هلّلويا". أمّا الكاهن فيضع الصّينيّة والكأس على المائدة ويرفع الغطاء عنهما ثمّ يأخذ السّتر الكبير، يبخّره، ويغطّي به القرابين إشارة إلى دحرجة الحجر عن باب القبر الّذي وضع فيه المسيح.
بعد الانتهاء من وضع القرابين على المائدة المقدّسة يبدأ الكاهن تلاوة سلسلة من الطّلبات (لنكمّل طلباتنا للرَّبّ) الّتي تسبق الكلام الجوهريّ، وتُقسم إلى قسمين: القسم الأوّل يجيب عليه الشّعب بـ"يا ربّ ارحم" ويطلب فيها الكاهن من أجل القرابين ونجاتنا من الضِّيقات والضَّرَر والأحزان والشِّدَّة. والقسم الثّاني يجيب عليه الشّعب بـ"استجب يا رب". يدعونا الكاهن فيه لأن نتوسّل من أجل غفران خطايانا، ومن أجل نَيْل الموافق والنّافع لنفوسنا، ومن أجل سلام العالم ومن أجل مستقبل هادئ وأمين، وأن نقضي بَقيّة حياتنا بسلامٍ وتوبةٍ لتكون آخرتنا لائقة بالمسيحيّ. وأخيرًا يطلب منّا أن نودع ذواتنا وبعضنا بعضًا وكلَّ حياتنا للمسيح الإله، وأن نُصلِّي من أجل وحدة الإيمان وشركة الرُّوح القدس.
بعد الطّلبة يلتفت الكاهن نحو الشّعب ويقول "السَّلام لجميعكم" وبقوله هذا يطلب للمؤمنين السَّلام أي المصالحة مع الله والمسالمة في ما بينهم كي نستطيع أن نشترك فعليًّا في ذبيحة الرَّبّ وأن نتناول القرابين الإلهيّة. ويقول الشّعب "ولروحك أيضًا"، يطلب هذا السّلام بعينه الّذي يحتاج إليه بنوعٍ خاص كونه خادم للأسرار الإلهيّة والصِّلة بين الله والشَّعب. (يتبع)