نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (11) بعد العنصرة
العدد 34
الأحد 24 آب 2025
اللّحن 2- الإيوثينا 11
أعياد الأسبوع: *24: الشَّهيد في الكهنة أفتيشيس، القدّيس قزما الإيتوليّ *25: تذكار عودة جسد برثلماوس الرَّسُول، الرَّسُول تيطس *26: الشَّهيدين أدريانوس ونتاليا ورفقتهما *27: البارّ بيمِن، الشَّهيد فانوريوس *28: البارّ موسى الحبشيّ *29: قطع رأس يوحنَّا المَعْمَدَان (صوم عن الزفرَين وحتّى الظهر) *30: القدّيسَين ألكسندروس ويوحنّا وبولس الجديد بطاركة القسطنطينيّة *31: تذكار وضع زنّار والدة الإله.
كلمة الرّاعي
معيشة خدّام الرَّبّ: بين البذل والدَّعم
"مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْمًا وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى رَعِيَّةً وَمِنْ لَبَنِ الرَّعِيَّةِ لاَ يَأْكُلُ؟" (1 كو 9: 7)
عمومًا، ينتظر النَّاس من الكنيسة ومن خدّامها أن يُعطوا ويبذلوا ويضحّوا ويعيشوا ببساطة وأن يكونوا نموذجًا للإيمان والتَّقوى والتّقشّف حتّى لا يكونوا عثرة للمؤمنين، هذا من جهة. من جهةٍ أخرى قلّة من المسيحيّين يرَون أنّ لهم واجبًا ودورًا في دعم حاجات الكنيسة وخدّامها.
في قلب الرِّسالة الرَّسُولية إلى أهل كورنثوس، يطرح القدِّيس بولس سؤالًا يحمل في طيّاته منطقًا روحيًّا وإنسانيًّا عميقًا: "مَنْ تَجَنَّدَ قَطُّ بِنَفَقَةِ نَفْسِهِ؟ وَمَنْ يَغْرِسُ كَرْمًا وَمِنْ ثَمَرِهِ لاَ يَأْكُلُ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى رَعِيَّةً وَمِنْ لَبَنِ الرَّعِيَّةِ لاَ يَأْكُلُ؟"(1 كورنثوس 9: 7). بهذه الكلمات، يُسلِّط الرَّسُول الضَّوْء على حقّ خدّام الإنجيل في أن يُعانوا من الجماعة الَّتي يخدمونها، لا كامتيازٍ دنيويّ، بل كجزءٍ من نظامٍ إلهيّ متوازن يربط بين الخدمة والدَّعم، بين البذل والتَّقدير.
خُدّام الرَّبّ، من أساقفة وكهنة وشمامسة ومكرَّسين، هم جنود في جيش المسيح، يغرسون الكروم الرُّوحيَّة ويرعون النُّفوس، لا طلبًا للرِّبح المادِّيّ بل لاقتناء النِّعْمَة الإلهيَّة وملكوت السَّماوات حبًّا بالرَّبّ وبِشعبه. فَهُم تكرَّسوا انطلاقًا من محبَّتهم لله ولكنيسته وسَعْيًا إلى تقديس حياتهم بخدمة الرِّعاية والمحبَّة الَّتي اصطفاهم الله لها. ليسوا هم اختاروا التَّكريس أوَّلًا بل هم تقبَّلوا دعوة الله لهم واختياره إيَّاهم، هم تجاوَبُوا مع نداء محبّته، "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلاَءِ؟ˁ قَالَ لَهُ: ˀنَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَˁ. قَالَ لَهُ: ˀارْعَ خِرَافِي" (يو 21: 15)؛ ومع ذلك، لا ينبغي أن تُفْهَمَ حياة البذل المطلوبة منهم على أنّها واجب للعيش بالحرمان أو الإهمال. فالكنيسة الأولى كانت واضحة في دعم خدّامها: "هكذا أيضًا أمر الرَّبُّ: أنَّ الَّذين ينادون بالإنجيل، من الإنجيل يعيشون" (1 كورنثوس 9: 14).
* * *
يقول القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفم: "إنْ كان الكاهن يكَرِّس حياتَه للرَّبّ، فمن واجب الشَّعب أن يكرِّس جزءًا من حياته لدعمه، لا كصدقةٍ، بل كواجبٍ روحيّ". ويُضيف في موضِعٍ آخَر: "لا يُطلب من الكاهن أن يعيش في ترف، بل في كرامة، تحفظ له القدرة على الخدمة دون أن يُثقل بالهموم المادِّيَّة". فالأسقف أو الكاهن أو الشَّمّاس أو المكرَّس لا يمكنه أن يخدم بفرح إن كان مُهمَلًا من الرَّعيَّة ومحتاجًا غير قادر أن يكفي من له، والرَّسُول يعقوب واضح في هذ المسألة حين يقول: "إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: ˀامْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَاˁ وَلكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟" (يع 2: 15 و16). فالمؤمن مسؤول وعليه واجبٌ إيمانيّ أن يُشارك خيرات الله مع المحتاج ومع خدّام الكلمة ليتكامل عمل أعضاء جسد المسيح الواحد ويكون الجسد صحيحًا وفعّالًا. وهذا ما يعلّمه القدِّيس باسيليوس الكبير، إذ يكتب: "من يزرع الرُّوحيَّات، لا يُحرَم من الجسديَّات، لأنَّ الجسد أيضًا يحتاج إلى ما يُقيمه ليخدم الرُّوح".
* * *
يا أحبَّة، من جهةٍ، ينتظر المؤمنون من خُدَّام الكنيسة أنْ يَكُونوا مِثالًا في البَساطَة والتَّقوى، وأن لا يتشبَّهوا بعالمٍ يَسعى وراء المظَاهِر. وهذا حَقّ وهذا جزءٌ من شهادتهم للرَّبّ. لكن من جهةٍ أخرى، لا ينبغي أن يُترَك الخادم في عَوَزٍ أو يُحمَّل فوق طاقته، وكأنّ خدمته تُكافَأ بالإهمال. فالمعيشة الكريمة ليست نقيضًا للتَّقوى، بل وسيلة لدَعْمِها. الكنيسة ليست فقط جسدًا روحيًّا، بل أيضًا جماعة حَيَّة تتشارك في المسؤوليَّات. دعم خدّام الرَّبّ هو تعبير عن الشُّكر، عن الانتماء، وعن الإيمان بأنَّ الخدمة لا تُثمِر إلَّا إذا سُقيت بالحُبّ العَمَليّ. وهذا الحُبّ مطلوب من الرَّاعي للرَّعيَّة ومن الرَّعيَّة للرَّاعي حبًّا بالرَّبِّ وطاعةً وتمجيدًا له.
يقولُ القدِّيس إيرينياوُس أسقف لِيُون: "كما أنَّ الجسد لا يَحْيَا بِلا دَم، كذلك الكنيسة لا تَحيا بلا خدمة، والخدمة لا تُثمِر بلا دعم". إنَّ خُدَّام الرَّبّ ليسوا موظَّفين، بل هم أعضاءٌ حَيَّة في جسد المسيح دورها أن تضخّ الرُّوح في الجسد وتبعث فيه دفء الإيمان. دورهم أن يُضَحُّوا بوقتهم وراحتهم من أجل خلاص النُّفوس، فهذه مسؤوليَّتهم أمام الله وسيُحاسَبون على مدى إتمامهم لهم وجدّيَّتهم فيها وثمارهم منها. أمّا جماعة المؤمنين، فهم شركاء في هذه الرِّسالة والخدمة، لا بالتَّصفيق فقط، بل بالدَّعم، بالصَّلاة، وبالاهتمام العَمَليّ الَّذي هو ترجمة لعيشهم كهنوتهم الملوكيّ الَّذي هو شكر الله وتمجيده في حياتهم وإيمانهم ومشاركتهم بركات الرَّبّ عليهم إذ بواسطتها يَردُّون لله الشُّكر من خلال بواكير ثمارهم الرُّوحيّة والعمليَّة، وهو يفيض عليهم نعمه أضعافًا مضاعفة.
هكذا تُبنى الكنيسة، بروح الشَّركة والوَحدة العمليَّة على أكتاف الجميع، كلٌّ بحسب نعمته ودوره في جسد المسيح – الكنيسة.
ومن له أذُنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)
عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المجدُ لك.
قنداق ميلاد السَّيِّدَة (باللَّحن الرَّابِع)
إنَّ يُواكِيمَ وحنَّةَ من عارِ ﭐلعُقْر أُطلِقا، وآدمَ وحوَّاءَ من فسادِ ﭐلموتِ، بمولِدِكِ ﭐلمُقَدَّس يا طاهِرَة، أُعتِقا. فلَهُ يُعَيِّدُ شعبُكِ إذ قد تَخلَّصَ من وَصْمَةِ الزَّلَّات. صارِخًا نحوكِ، العاقِرُ تَلِدُ والدةَ ﭐلإله ﭐلمُغَذِّيَة حياتَنَا.
الرّسالة (1 كو 9: 2- 12)
قُوَّتِي وَتَسْبِحَتِي الرَّبُّ.
أَدَبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ وَإِلَى الـمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي.
يَا إِخْوَةُ، إِنَّ خَاتَمَ رِسَالَّتي هُوَ أَنْتُمْ فِي الرَّبِّ. وَهَذَا هُوَ احْتِجَاجِي عِنْدَ الَّذينَ يَفْحَصُونَنِي. أَلَعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ وَنَشْرَبَ؟ أَلَعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لَنَا أَنْ نَجُولَ بِامْرَأَةٍ أُخْتٍ كَسَائِرِ الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟ أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لا سُلْطَانَ لَنَا أَنْ نَشْتَغِلَ؟ مَنْ يَتَجَنَّدُ قَطُّ وَالنَّفَقَةُ عَلَى نَفْسِهِ؟ مَنْ يَغْرِسُ كَرْمًا وَلا يَأْكُلُ مِنْ ثَـمَرِهِ؟ أَوْ مَنْ يَرْعَى قَطِيعًا وَلا يَأْكُلُ مِنْ لَبَنِ القَطِيعِ؟ أَلَعَلِّي أَتَكَلَّمُ بِهَذَا بِحَسَبِ البَشَرِيَّةِ أَمْ لَيْسَ النَّامُوسُ أَيْضًا يَقولُ هَذَا؟ فَإِنَّهُ قَدْ كُتِبَ فِي نَامُوسِ مُوسَى لا تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا. أَلَعَلَّ اللهُ تُهِمُّهُ الثِّيرَانُ؟ أَمْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِنَا لا مَحَالَةَ؟ بَلْ إِنَّـمَا كُتِبِ مِنْ أَجْلِنَاـ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَارِثِ أَنْ يَحْرُثَ عَلَى الرَّجَاءِ، وَلِلدَّارِسِ عَلَى الرَّجَاءِ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا فِي الرَّجَاءِ. إِنْ كُنَّا نَحْنُ قَدْ زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّاتِ، أَفَيَكُونُ عَظِيمًا أَنْ نَحْصُدَ مِنْكُمُ الجَسَدِيَّاتِ؟ إِنْ كَانَ آخَرُونَ يَشْتَرِكُونَ فِي السُّلْطَانِ عَلَيْكُمْ، أَفَلَسْنَا نَحْنُ أَوْلَى؟ لَكِنَّنَا لَـمْ نَسْتَعْمِلْ هَذَا السُّلْطَانَ بِلْ نَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلَّا نُسَبِّبَ تَعْوِيقًا لِبِشَارَةِ الـمَسِيحِ.
الإنجيل (مت 18: 23- 35)(متى 11)
قَالَ الرَّبُّ هَذَا الـمَثَلَ: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا بَدَأَ بِالـمُحَاسَبَةِ، أُحْضِرَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ عَلَيْهِ عَشْرَةُ آلافِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَـمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي، أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلادُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَى عَنْهُ. فَخَرَّ ذَلِكَ العَبْدُ سَاجِدًا لَهُ قَائِلًا: تَـمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ كُلَّ مَا لَكَ. فَرَقَّ سَيِّدُ ذَلِكَ العَبْدِ، وَأَطْلَقَهُ وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ. وَبَعْدَمَا خَرَجَ ذَلِكَ العَبْدُ، وَجَدَ عَبْدًا مِنْ رُفَقَائِهِ مَدْيُونًا لَهُ بِـمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ يَخْنُقُهُ قَائِلاً: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ ذَلِكَ العَبْدُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلًا: تَـمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ كُلَّ مَا لَكَ. فَأَبَى وَمَضَى وَطَرَحَهُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ. فَلَمَّا رَأَى رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ حَزِنُوا جِدًّا، وَجَاؤُوا فَأَعْلَمُوا سَيِّدَهُمْ بِكُلِّ مَا كَانَ. حِينَئِذٍ دَعَاهُ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا العَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْكَ تَرَكْتُهُ لَكَ لِأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَرْحَمَ أَنْتَ أَيْضًا رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟ وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَدَفَعَهُ إِلَى الـمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ جَمِيعَ مَا لَهُ عَلَيْهِ. فَهَكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَصْنَعُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لِأَخِيهِ زَلَّاتِهِ.
حول الإنجيل
في هذا المثل، يكشف الرَّبُّ يسوع عن قلبه الرَّحوم، ويدعونا إلى أن نعيش هذه الرَّحمة في علاقاتِنا مع الآخَرين، وإلَّا فمصيرنا سيكون الهلاك العادل.
يبدأ الرَّبُّ بقوْلِه: "لذلك يُشبه ملكوت السَّماوات إنسانًا ملكًا أراد أن يحاسب عبيده".
الملك هنا هو الله، والعبيد هم نحن. إنَّ يوْمَ المحاسبة آتٍ حتمًا، وفيه نقف أمام الله لنُعْطِي حسابًا عن كلِّ ما فَعلناه. وقد قُدِّم للملك عبد مديون بعشرة آلاف وزنة – مبلغ خياليّ لأنَّ الوزنة الواحدة تساوي 6000 دينار، وهذ يرمز إلى خطايانا الكثيرة الَّتي لا تُحصى.
يقول القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفم:
"الوزنات العشر آلاف تُمثّل خطايانا الكبيرة الَّتي لا يمكننا أن نُكَفِّر عنها بأعمالنا. لا يوجد ما نقدر أن نقدِّمُه لله يساوي خطايانا، ولهذا نحن بحاجة إلى رحمته فقط".
هذا العبد، إذْ لم يكن له ما يوفي به، أُمِر أن يُباع هو وأهله. لكنَّه سجد أمام سيِّدِه وطلب الرَّحْمَة. فكان الجواب صادِمًا في سَخائِه: "فتحَنَّن سَيِّدَه، وأطلقه ووفى له الدَّيْن". يا لَعَظَمَةِ رحْمَةِ الله! فهو لا ينتظر منَّا تسديد الدَّيْن، بل فقط أن نأتي إليه بتواضعٍ وتوْبةٍ، فيغفر لنا بالكامل. لكنَّ المفاجأة المؤلمة تأتي لاحقًا: "خرج ذلك العبد ووجد واحدًا من العبيد رفقائه، كان مديونًا له بمئة دينار"، وهو مبلغ ضئيل جدًّا مقارنة بالدَّين الَّذي غُفِر له. لكنَّه أمسكه بعنقه وقال: "أوفني ما لي عليك"، ورفض أن يرحمه، رغم توسِّل رفيقه إليه بالكلمات نفسها الَّتي استخدمها هو أمام الملك.
وهنا يقول القدِّيس كيرلُّس الأورشليميّ: "المئة دينار هي خطايا النَّاس تُجاهنا – صغيرة جدًّا، لكنَّها تكشف ما إذا كان فينا قلب الله أم لا"، ويُضيف القدِّيس يوحنَّا الذَّهبيّ الفم: "كم هو مرعِبٌ أن نطلب من الله غفرانًا غير محدود، ثم نرفض أن نغفر لأخينا خطيئةً واحدة؟! من يتصرَّف هكذا، يُدين نفسه".
لذلك يختم الرَّبُّ يسوع هذا المثل بتحذيرٍ صارِم: "فهكذا يفعل بكم أبي السَّماويّ إنْ لم تتركوا من قلوبكم كلُّ واحدٍ لأخيه زلّاته". المغفرة إذًا ليست مجرَّد واجِبٍ أخلاقيّ، بل شرط خلاص. من لا يغفر، لا يُغفَر له. من لا يحِبّ، لا يعرف الله. ومن لا يرحَم، ينال قساوةً عوضًا عن نعمة.
رسولات الكنيسة
في قاموسنا الكنسيّ يُذكَر، عادة، "الرُّسُل" وهم في المصفّ الأوّل من مصاف القدّيسين بعد والدة الإله ويوحنّا المعمدان، ولا ترد إلى مسامعنا كلمة "رسولات" بل عبارة "المعادلات للرُّسُل". أُعطيَ هذا اللَّقب كتكريمٍ لقدّيسات قُمْنَ بعمل الكرازة والتَّبشير والتَّعليم وكأنّهنّ أحد الرُّسُل الإثني عشر وهنّ يماثلن الرُّسُل في القيام بالمعموديّة الَّتي كانوا يمنحونها للمؤمنين المسيحيّين. غالبًا ما يُشار إليهنّ بهذه الصِّفة لتقييمهنّ كأنهنّ رسولات رغم أنّهنّ لم يكنّ ضمن الإثني عشر رسولًا. ولنا أن نتساءل: لِما لم يسمَّين "رسولات"؟ هل لأنّهنّ لم يعاينّ المسيح القائم من بين الأموات؟ فلقب الرَّسُول حُصر في من أعطيت له هذه النِّعْمَة المميّزة وكان شاهدًا على موت المسيح وقيامته، مع العلم أنَّ هذا اللَّقب لم يُحصَر فقط ضمن دائرة الرُّسُل الإثني عشر، كما أنّ هذه النِّعْمَة قد أعطيتْ للقدّيسة مريم المجدليّة لا بل أنّ التَّقليد يعتبرها أوّل شاهدة لقيامة الرُّسُل. فلا ضيم أن يُسمَّين "رسولات". ولنا أن نذكر بعضهنّ:
- الرَّسُولة مريم المجدليّة: هي أوّل من رأى يسوع ناهضًا من القبر وأوّل من أرسلها لإعلان قيامته. لذا سُميّت في تقليدنا " رسولة الرُّسُل". نعيّد لها في 22 تمّوز. ورد أنّها بشّرت في بلاد الغال ومصر وسوريا وأماكن أخرى وأنهت سعيها في أفسس حيث دُفنت. يدها اليُمنى محفوظة في دير سيمونوباترا في جبل آثوس وتفوح منها رائحة عطرة.
- الرَّسُولة تقلا تلميذة الرَّسُول بولس وأولى الشَّهيدات المسيحيّات. رقدت بسلام في العام 90 م. جسدها محفوظ حتّى أيّامنا في دير القدّيسة تقلا في معلولا. سمّيت شهيدة لما عانته من آلام مبرحة ومن عدّة محاولات قتل نجّاها الرَّبُّ منها جميعها. تعيّد لها الكنيسة في 24 أيلول.
- الرَّسُولة مريمني أخت القدِّيس فيليبوس الرَّسُول. تعيِّد لها الكنيسة في 14 ت2. رافقت أخاها والقدّيس الرَّسُول برثلماوس إلى إييرابوليس حيث استشهد فيليبوس ونادت هي بكلمة الله في ليكأونيا حيث عمّدت بعض الوثنيّين ورقدت بسلام.
- الرَّسُولة نونا رسولة بلاد الكرج (جورجيا). تعيّد لها الكنيسة في 14 ك2. ولدت في بلاد الكابادوك زمن الإمبرطور قسطنطين. أُسرت على أيدي الكرج واقتيدت إلى بلادهم حيث بشّرتهم بالمسيح مترافقة مع نعمة المعجزات. سمّيت "بالمرأة المَسبِيّة".
- الرَّسُولة إيريني تلميذة الرَّسُول تيموثاوس. غير مؤكّد الزَّمن الَّذي عاشت فيه. كما يُروى أنّ تيموثاوس الرَّسُول هو من منحها سرّ العماد. كانت وثنيّة من أسرة وثنيّة. تمكّنت بقوّة الرُّوح القدس من هداية عائلتها إلى الإيمان المسيحيّ. عرَفت على يد الحاكم الرُّومانيّ إميليانوس أفظع وسائل التَّعذيب. عندما أدرك استحالة إنكارها للمسيح أمَرَ بقطع هامتها. تعيّد لها الكنيسة في 5 أيّار. بعض رفاتها موجود في دير برونتا في جزيرة ساموس اليونانيّة وبعضها الآخر في دير القدّيس يوحنّا اللاهوتيّ في بطمس.