نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 24 آذار 2019
العدد 12
أحد القدّيس غريغويوس بالاماس
اللّحن 2 - الإيوثينا 10
أعياد الأسبوع: : *24: (أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس)، تقدمة عيد البشارة، أرتامونس أسقف سلوكية وزخريّا البارّ *25: عيد بشارة والدة الإله الفائقة القداسة *26: عيد جامع لرئيس الملائكة جبرائيل، وتذكار القدّيس استفانوس المُعترف *27: الشَّهيدة مطرونة التّسالونيكيَّة، النّبيّ حنانيّا *28:البارّ إيلاريُّون الجديد *29: مرقس أسقف أريثوسيون، كيرلّلس الشمَّاس والَّذين معه، المديح الثّالث. *30: البارّ يوحنَّا السُّلَّميّ، النّبيّ يوئيل، آفڤولي والدة القدّيس بندلايمون.
كلمة الراعي
التّنقية والاستنارة والتّألّه بالنّعمة
الخطيئة ظلمة والتّوبة نور. الأهواء عبوديّة واللّاهوى حرّيّة. الإنسان مخلوق ويمتلك في ذاته صورة غير المخلوق. الحياة انوجاد دائم في الله والموت غربة مستمرّة عن الخالق.
"إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 1: 5) والإنسان المخلوق على صورة الله نفخ الرّبّ فيه، عند الخلق الأوّل، روحه المُحيي والمُنير، فكان يحيا في حالة النّعمة والاستنارة والمعاينة لله. لمّا انفصل الإنسان عن خالقه خسر سُكنى النّعمة الإلهيّة فيه وبالتّالي نور النّعمة، فدخلت الظُّلمة حياته وفكره وعقله وقلبه وكيانه. عندما فكّ الإنسان حياته عن وصيّة الله خسر النّور المتأتّي بالكلمة الّتي من الكلمة الإلهيّ بالرّوح القدس "لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ" من النّور الإلهيّ غير المخلوق (سفر الأمثال 6: 23).
* * *
خارج النّور الإلهيّ لا يوجد محبّة ولا فرح ولا سلام ولا أيّة نعمة أخرى. الإنسان بعيدًا عن نور الله يغرق في الظّلمة المولِّدة للكآبة والحزن واليأس والاضطراب والقلق والخوف لأنّه يحيا خارج الله. حياة الإنسان في الله تكون أو لا تكون لأنّ الرّبّ هو الحياة. من يريد أن يعيش بالانفصال عن الله يطلب العدم حياةً له لأنّه يحيا من ذاته وفي ذاته ولذاته. هذه هي قمّة الظّلمة، هذه هي حالة الشّيطان وزبانيّته.
المسيح الإله المتأنّس تجسَّد لكي يعيد خلق البشريّة فيه، في إنسانيّته، إذ أخذ الطّبيعة الّتي للبشر وحمل على عاتقه خطايا الخليقة كلّها لكي بالموت عن العصيان الأوّل في آدم الجديد تستقرّ النّعمة الإلهيّة غير المخلوقة في كلّ إنسان يولد في المسيح بالطّاعة لله الآب في الابن بالرّوح القدس.
* * *
أتريد أيّها الإنسان أن تستنير؟! ... عليك أن تطيع المسيح. كيف تطيع المسيح؟! ... بطاعة وصيّته. ما هي وصيّته؟! ... "تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ" (إنجيل متى 4: 17). المسيح يدعونا إلى التّوبة، فهل تصدِّق أنَّك بحاجة إلى التّوبة أيّها الإنسان، أم تظنّ نفسك بريئًا من كلّ خطيئة. الإنسان الأوّل أخطأ الهدف من حياته لأنّه كان مدعوًّا لعيش الحبّ في الشرّكة ففضّل عيشه في الانغلاق على نفسه. هكذا نحن أيضًا خارج المسيح ننغلق على ذواتنا فنقبع في ظلمة عتمة قلوبنا الّتي نظنّها النّور وما هي إلّا صورة وَهْمِ تألُّهنا من ذاتنا.
طريقنا للحياة الحقانيّة هو التّوبة الّتي بنعمة الله تمنحنا التّنقية، تنقية الفكر والعقل والقلب والكيان بِرُمَّتِه. لكنّ التّوبة تتطلَّب العنف مع المشيئة الذاتيّة، لأنّك لن تستطيع أن تقلع نفسك من ذاتها إذ جذور الأنا ضاربة في أعماق الكيان بدون أن تقرف حلاوة الخطيئة وتكره عبوديّة الأهواء. من يظنّ أنّ بإمكانه أن يتوب دون ألم لا يريد أن يتوب. ومن يريد أن يتوب عليه أن يتخلّى عن إرادته بإزاء الكلمة الإلهيّة الّتي تكشف له حقيقة أفكاره ونواياه والأهواء المُسيطرة عليه من خلال الصّلاة والتّأمّل والطّاعة للأب الرّوحيّ المستنير والمُخْتَبَر.
حربنا للتّطُّهر تستمرّ مدى العمر، لكنّ الله بنعمته وحنّوّه يمنحنا في مسيرة تنقيتنا أن ننمو في استنارة القلب، إلى أن يمنحنا برحمته إذا ثبتنا في التّوبة والارتقاء أن نختبر مُعاينته في النّور غير المخلوق، فندخل في الدَّهَش والتّألّه الّذي هو اتّحادنا بالثّالوث القدّوس من خلال المسيح في نعمة الرّوح القدس بحسب مسرّة الله الآب.
جهاد صومنا وصلاتنا وخدمة المحبّة في حياتنا وطاعتنا للكلمة كلّها تهدف لنصير أنقياء القلوب وأحرارًا من كلّ قيد في النّفس أو الجسد يعيقنا عن أنّ نحب الله فوق كلّ أحد وشيء لنصير بهذه المحبّة متّحدين في الرّبّ مع الكلّ ونحيا لأجل الكلّ بالبذل بقوّة الله ونعمته غير المخلوقة...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)
عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.
طروباريّة القدّيس غريغوريوس بالاماس (باللَّحن الثّامن)
يا كوكبَ الرّأيِ المُستَقيم، وسَنَدَ الكنيسةِ ومعلِّمَهَا. يا جمالَ المتوحِّدينَ، ونَصيرًا لا يُحارَب للمتكلِّمينَ باللّاهوت، غريغوريوسَ العجائبيَّ، فخرَ تسالونيكيّة وكاروزَ النِّعمة، اِبْتَهِلْ على الدَّوامِ في خلاصِ نفوسِنا.
طروباريّة تقدمة عيد البشارة (باللَّحن الرّابع)
اليوم مقدّمة الفرح لكلّ العالم، فلنسبق ونعيّد بسرور، فها إنّ جبرائيل يُوافي آتيًا بالبشائر للبتول، ويهتف نحوها بخوفٍ واستغراب قائلًا: افرحي أيّتها المُمتلئة نعمةً، الرَّبّ معكِ.
قنداق تقدمة عيد البشارة (باللَّحن الرّابع)
بحلول الرّوح الكلّيّ قدسه، قد حبلتِ بالمعادل للآب في الجلسة والمساوي له في الجوهر، مع صوت رئيس الملائكة يا أم الإله استعادة آدم.
الرّسالة (عب 1: 10– 14، 2: 1– 3)
أنتَ يا رَبُّ تَحْفَظُنَا وتَسْتُرُنا في هذا الجيلِ
خَلِّصْنِي يا رَبُّ فإِنَّ البارَّ قَد فَنِي
أنتَ يا ربُّ في البَدءِ أسَّستَ الأرضَ والسَّماواتُ هي صُنْعُ يديْكَ. وهي تزولُ وأنتَ تبقى، وكُلُّها تَبْلى كالثَّوب، وتطويها كالرِّداء فتتغيَّر، وأنتَ أنتَ وسِنُوك لنْ تَفْنَى. ولِمَنْ من الملائِكَةِ قالَ قَطُّ اجْلِسْ عن يميني حتَّى أَجْعَلَ أَعداءَكَ مَوْطِئًا لقَدَمَيْكَ. أَليسُوا جميعُهُم أَرواحًا خادِمَة تُرْسَلُ للخِدمةِ من أجلِ الَّذين سَيَرِثُون الخلاص. فلذلك، يجبُ علينا أَنْ نُصْغِيَ إلى ما سمعنَاهُ إِصغاءً أَشَدَّ لِئَلاَّ يَسْرَبُ مِنْ أَذْهَانِنا. فإِنَّه إِنْ كانَتِ الكلمةُ الَّتي نُطِقَ بها على ألسنةِ ملائِكةٍ قَدْ ثَبُتَتْ وكلُّ تَعدٍّ ومعَصِيَةِ نالَ جَزاءً عَدْلًا، فكيفَ نُفْلِتُ نحنُ إِنْ أَهْمَلنَا خلاصًا عظيمًا كهذا، قد ابَتَدَأَ النُّطْقُ بِهِ على لسانِ الرَّبِّ، ثمَّ ثبَّتَهُ لنا الَّذين سمعُوهُ؟!.
الإنجيل )مر 2: 1– 12)
في ذلك الزَّمان، دخلَ يسوعُ كَفَرْناحومَ وسُمِعَ أَنَّهُ في بَيتٍ، فَلِلْوَقْتِ اجتَمَعَ كثيرونَ حتَّى أَنَّهُ لم يَعُدْ مَوْضِعٌ ولا ما حَولَ البابِ يَسَعُ. وكان يخاطِبُهُم بالكلمة، فَأَتَوْا إليْهِ بِمُخلَّعٍ يَحمِلُهُ أَربعَة. وإِذْ لم يقْدِرُوا أَنْ يقترِبُوا إليهِ لِسَببِ الجمعِ كَشَفوا السَّقْفَ حيث كانَ. وَبعْدَ ما نَقَبُوهُ دَلُّوا السَّرِيرَ الَّذي كانَ الـمُخَلَّعُ مُضْطجِعًا عليه. فلمَّا رأى يسوعُ إيمانَهم، قالَ للمُخلَّع يا بُنَيَّ، مغفورةٌ لكَ خطاياك. وكانَ قومٌ مِنَ الكتبةِ جالِسِينَ هُناكَ يُفكِّرون في قُلوبِهِم: ما بالُ هذا يتكلَّمُ هكذا بالتَّجْدِيف؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغفِرَ الخطايا إِلّا اللهُ وَحْدَهُ؟!! فَلِلْوقْتِ عَلِمَ يَسوعُ برِوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هكذا في أَنْفُسِهِم، فقالَ لهُم: لِماذا تفَكِّرُون بهذا في قلوبِكُم؟ ما الأَيْسَرُ أَنْ يُقالَ مَغفورةٌ لكَ خطاياكَ أمْ أَنْ يُقالَ قُمْ واحمِلْ سريرَكَ وامشِ؟ ولكِنْ لِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ ابنَ البشرِ لَهُ سُلطانٌ على الأرضِ أَنْ يَغفِرَ الخطايا (قالَ للمُخَلَّع) لكَ أَقُولُ قُمْ واحمِلْ سَريرَكَ واذْهَبْ إلى بَيتِكَ، فقامَ للوَقتِ وحَمَلَ سَريرَهُ، وخرَج أَمامَ الجميع، حتّى دَهِشَ كُلُّهُم ومجَّدُوا اللهَ قائلينَ: ما رَأينا قَطُّ مِثْلَ هذا.
حول الإنجيل
إنّ فضيلة التّوبة ملازمة لحياة المؤمن المسيحيّ حتّى الرّقاد، أن الكنيسة هي: (جماعة التائبين) بحسب القدّيس أفرام السّريانيّ، الإنجيل يتكلّم عن غفران خطايا الكسيح وضرورة شفاء النّفس قبل الجسد، وإذا شفيت لا تعد تخطئ، وهي صورة معبّرة لدعوة الإنسان الكسيح إلى التّوبة ونيل الغفران، وبناء الحياة الجديدة.
يقدّم لنا الإنجيليّ مرقس السّيّد المسيح صاحب السّلطان الّذي متى حلّ في بيت امتلأ من الجماهير وفاض، حتّى لم يستطع ما حول الباب الخارجيّ أن يسع هذه الجماهير القادمة، الّتي تترقّب الكلمة الخارجة من فمه لتشبع أعماقهم، وتشفي جراحاتهم الدّاخليّة.
يتحدّث القدّيس أمبروسيوس عن الرّجال الأربعة الّذين أدخلوا الرّجل، قائلًا: "ينبغي أن يكون لكلّ مريض شفعاء يطلبون عنه لينال الشّفاء، فبشفاعتهم تتقوّى عظام حياتنا اللّيّنة ويستقيم اعوجاج أعمالنا بدواء كلمة الحياة.
وكذلك يمدح القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم هؤلاء الرّجال، قائلًا:"وضعوا المريض أمام المسيح ولم ينطقوا بشيء بل تركوا كلّ شيء له. ما أجمل أن تكون صلواتنا عرضًا أمام الله باشتياق حقيقيّ أن يتمّم إرادته وإيمان أنّه يهتمّ بنا ويهبنا أكثر ممّا نسأل وفوق ما نحتاج!
كان يليق بالكتبة أن يفرحوا إذ رأوا الكسيح ينعم بغفران خطاياه وشفاء نفسه، لكنّهم إذ كانوا متقوقعين حول ذواتهم رأوا في كلمات السّيّد تجديفًا وهروبًا من شفاء الجسد، فقالوا: "لماذا يتكلّم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلّا الله وحده". لم يأخذ السّيّد موقفًا مضادًا منهم، إنّما في محبّته اللّانهائيّة أراد أيضًا أن يشفي نفوسهم مع نفس المفلوج فأوضح لهم أمرين، الأوّل أنّه عارف الأفكار، إذ قال لهم: "لماذا تفكّرون بهذا في قلوبكم". لعلهم يدركون أنّ الّذي يفحص القلوب ويعرف الأفكار قادر على غفران الخطايا. أمّا الأمر الثّاني فهو تصحيح مفاهيمهم، إذ حسبوا أنّ شفاء الجسد أصعب من شفاء النّفس، لهذا أوضح لهم أنّه يشفي الجسد المنظور لكي يتأكّدوا من شفائه للنّفس وغفرانه للخطايا وهو الأمر الأصعب.
أخيرًا، إنّ الّذي غفر له ذهب الى بيته والجميع مجّدوا الله، نكون قد غفر لنا عندما تتحوّل حياتنا بأسرها إلى تمجيد لله، أن نسعى في ما هو أبعد منّا، إلى قوّة المغفرة الّتي تنتشر في كلّ مكان، الّتي ليست لنا بل تنتقل كمثل نار، كمثل علّيقة مشتعلة، لتجعل كلّ البشر مُشاركين في نار المحبّة نفسها وفي الاتّحاد نفسه فيما بينهم لأنّ الله الحيّ قد غفر لهم إلى الأبد... آمين
ألفضيلة والرذيلة (۲)
خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، وأعطاه نفسًا غير مائتة والقدرة على المشاركة في صلاحه الإلهيّ. صورة الله هي في طبيعة النّفس البشريّة الرّوحانيّة، وليست في الجسد الإنسانيّ. يقول الرّسول بولس: "...وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب (صورة) الله في البِرّ وقداسة الحقّ" (أفسس4 : 24). "ولبستم الجديد الّذي يتجدّد للمعرفة حسب صورة خالقه" (كولوسي 3: 10). تتناول الصّورة مواضيع كالنّطق والحرّيّة والقوى الرّوحيّة الموجودة في الإنسان على قدرٍ مَحدودٍ كونه محدودًا. ألله يختار الخير ويمقت الشّرّ، غرس في الإنسان هذه النّزعة والميل الشّديد نحو الرّغبة في الخير ومَقت الشّرّ.
أمّا "المِثال" فيعبّر عنه آباء الكنيسة بتقوية وترقية القوى الرّوحيّة المَخلوقة الّتي يُشارِك الإنسانُ الله بها. وذلك يصير بواسطة الفضيلة، أو بالأحرى ينتج عن هذه المشاركةِ الفضيلة والقداسة. يقول القدّيس غريغوريوس النّيصصيّ في مقالته "فلنصنعنّ إنسانًا..." : " كوننا على صورة الله حصلنا عليها منذ أن خُلقنا، وأمّا المِثال فيتعلّق بالإرادة والحصول عليه يكون بالعمل". ألقدّيس يوحنّا الدّمشقيّ يقول في كتابه "الرّأي القَويم" 2: 12: " صورة الله يُراد بها الذّهن والعقل والحرّيّة، أمّا المِثال يُراد به التّمثّل بالفضيلة على قدر الإمكان".
خُلق الإنسان كاملًا ، ذلك لأنّ الله لا يخلق شيئًا ناقصًا أومشوّهًا. بسبب سقوط الإنسان بإرادته، فقد صورة الله الكاملة. قال الرّسول بولس: " ألجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله " (رومية 3 : 23). "فسُدت الأرض قدّام الله وامتلأت ظلمًا" (تكوين 6: 11). ألإنسان ذكرًا وأنثى انتقلا من الحالة الفردوسيّة ومشاركة الحياة الإلهيّة، إلى حالة الخطيئة أي المتاعب والآلام. إذ أصبح على الإنسان أن يعمل ليبقى حيًّا، أن يصارع الشّوك والحسك ليأكل خبزه بعرق جبينه، أن تلد المرأة بالألم وأن يجابه عالمًا كلّ شيء فيه إلى زوال حتّى الإنسان نفسه يعود إلى التّراب الّذي جُبل منه. "فكما أنّ الخطيئة دخلت في العالم عن يد إنسان واحد، وبالخطيئة دخل الموت وسرى إلى جميع النّاس" (رومية 5: 12). لذلك كان الموت نتيجةً للسّقوط ، كي لا يصبح الشّرّ أزليًّا. يتبيّن لنا بعد السّقوط أنّ تشوّه صورة الله في الإنسان الّذي ضربه المرض، كما يُظهر الكتاب المقدّس ودراسات السّلوك البشريّ، "ألرّبّ من السّماء تطلّع على بني البَشَر ليرى إن كان من يفهم أو يطلب الله. الكلّ زاغوا معًا وفسدوا، ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (مزمور13: 2- 3). تحوّلت بذلك هبات الله من ذكاء وإرادة إبداعيّة حرّة عن غاياتها الأولى لتصبح أدوات تجنح نحو الشّرّ. فالمحبّة أوالحبّ مثلًا تحوّل إلى غيرة واستئثار وامتزج بالحقد والخوف، ألطّموح أصبح طمَعًا وجشعًا ورغبة في التّملّك والتّسلّط وزيادة النّفوذ، ألعجل الذّهبيّ أخذ مكان الله كما كلّ رذيلة معبودة، ألحيّة القديمة الّتي فرّقت وأغوت بالكبرياء والعظمة وهي نفسها الشّيطان وإبليس هي سيّد هذا العالم. هكذا فسُد الإنسان وأصبح ضعيفًا ومخالفًا كلّ يوم لعبادة الله وناموسه. يقول الرّسول بولس: "ولكنّي أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس عقلي ويسبيني إلى ناموس الخطيئة الكائن في أعضائي" (رومية 7: 23). فسُدت الأخلاق البشريّة وتعاظمت الأهواء الإنسانيّة الشّرّيرة. أصبح الإنسان ظالمًا وشرّيرًا. بسب ذلك انتشرت الحروب الدّمويّة والمَكر والمخادعات واللّذّات المحرّمة والطّمع والكبرياء والحسد وتجرّد النّاس من الإحساس والعطف ومحبّة بعضهم البعض. وكثرت العبادات الوثنيّة وتعدّدت الآلهة والأصنام والسّجود للخشب والفضّة والذّهب الفاني، والسّجود لحيوانات دابّة وزحافات كالتّماسيح والسّنانير والثّيران، وعبادة النّباتات كالثّوم والبصل. وتقديم الأضاحي حتّى البشريّة منها لمن يعبدون ويسجدون. هل يمكن أن يبلغ جهل الإنسان الّذي زيّنه الله بالعقل والإدراك أعظم من هذه الظّلمة؟ وهل يوجد برهان على فساد البشريّة أكثر من ذلك الإلحاد والكفر المذكور. وبالرّغم من الشّرائع والقوانين والأحكام والمحاكم والسّجون والعذابات كلّها لم تستأصل الشّرّ بل امتدّت قوّته وقوّة الخطيئة الهائجة واشتدّت ضدّ كلّ مقاومة. "وَيحي أنا الإنسان الشّقيّ من ينقذني من جسد الموت هذا" (رومية 8: 34).
نستنتج ممّا سبق أنّ صورة الله في الإنسان تشوّهت وتلاشى جمالها، لكنّها لم تُمح. لأنّ الإنسان لديه شوق دائم إلى الأفضل. وفي هذا الشّوق إشارة إلى حنينه الدّائم إلى الجنّة المفقودة بالرّغم من المعاصي والآثام. لا يمكن للإنسان أن يفصل نفسه عن الله. ولكن يجب أن يقرّ بخطاياه، "إن قلنا أنّه ليس لنا خطيئة نضلّ أنفسنا" (1 يوحنا 1: 8)، "لأنّ الصَّديق يسقط سبع مرّات" (أمثال24: 16)، "وصرنا كلّنا كنجسين" (أشعياء 64: 6)، "لن يتزكّى قُدّامك كلّ حيٍّ" (مزمور 142: 2). (تابع)