Menu Close
kanisati230624

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

أحد العنصرة العظيم

العدد 25

الأحد 23 حزيران 2024

أعياد الأسبوع: *23: أحد العنصرة، الشَّهيدة أغريبينا ورفقتها *24: إثنين الرُّوح القدس، تذكار مولد القدّيس يوحنّا المعمدان، تذكار القدّيسَيْن زخريّا وأليصابات *25: الشّهيدة فبرونيَّة، الشّهداء أورنديوس وإخوته الستّة *26: البارّ داوُد التسالونيكيّ *27: البارّ شمشون مضيف الغرباء، يُوَنَّا إمرأة خوزي *28: تذكار نقل عظام كيرُس ويوحنَّا العادمَي الفضّة *29: وداع العنصرة، تذكار بطرس وبولس هامتي الرُّسل.

كلمة الرّاعي 

روح الرّبّ والإنسان

"وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً" (تك 2: 7)

"فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟" (مز 8: 4) هو صورة الله، لكنَّه سقط وخسر روح الرّبّ الَّذي فيه، خسر كمال الصُّورة الإلهيَّة الَّتي خُلق عليها. لكنّ الله لم يتركه، لم يبتعد عن خليقته الَّتي تركته لتحتفر "آبارًا مشقَّقة لا تضبط ماءً" (إر 2: 13). خُدع الإنسان ويُخدع باستمرار من إبليس-الحيّة الَّتي تُغويه بالتّألُّه بدون روح الرّبّ، هذا هو سبب موته أنّه أطفأ الرُّوح القدس الَّذي فيه (1 تس 5: 19).

الخالق لم يتخلَّ عن الَّذي عصاه، ولم يتركه للموت بل دبَّر له خلاصًا بذاته بابنه الوحيد نسل حوّاء الجديدة (راجع تك 3: 15)، مريم والدة الإله... بروح ابن مريم أُعيد خلق الإنسان على صورة خالقه ابن الله وابن الإنسان يسوع المسيح.

عاش الإنسان بعد السُّقوط في الحرمان من سُكنى روح الرّبّ فيه فصار تحت لعنة النّاموس الَّذي كشف خطيئته، "لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ" (رو 3: 20). هكذا صار النَّاموس "مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ" (غل 3: 24). البِرّ، إذًا، بالإيمان وليس بأعمال النَّاموس لذلك "فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ" (رو 4: 13)...

*        *        *

كلّ تدبير الله الخلاصيّ كان لكي يُعيد الرّبّ إحياءَنا بروحه القدُّوس حتّى يتصوَّر فينا المسيح (راجع غل 4: 19). الإنسان بدون روح الله "كُلّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ" (تك 6: 5) لأنّ "كنز الصّالحات" (صلاة استدعاء الرُّوح القدس) لا يسكن فيه. هذا لا يعني أنّ من اعتمد وأخذ ختم موهبة الرُّوح القدس قد صار مُحقِّقًا كماله، هو في السَّعي، والخطر عليه أن يُغلق قلبه دون روح الرّبّ... هذا حسابه أكثر من الَّذي لم يأخذ الرُّوح القدس لأنّ الَّذي أُعطي أكثر يُحاسب أكثر...

بدون روح الرّبّ لا نستطيع أن نعرف المسيح ونعبده ونطلبه. روح الرّبّ يرشدنا إلى الرّبّ ويُسْكِنُنَا فيه، وبه يسكن فينا... فقط بروح الرّبّ نصير آدم جديدًا، حين يصير المسيح نَفَسُ أُنوفنا... الرُّوح القدس هو الَّذي يعطينا أن نعرف المسيح أن نفهم كلمته وأن يصير هو حياتنا إذ به "نحيا ونتحرَّك ونوجد" (أع 17: 28).

من هنا كان تحقيق وعد الله لحوّاء بأن يأتي من نسلها من يسحق رأس، ابن الله المتجسد الَّذي أتى وحقق الغلبة النّهائيّة على الشّرّير وحرَّر البشر من سلطانه، لكن هذه الحرّيّة لا يستطيع الإنسان أن يقتنيها ويحقّقها بدون الرُّوح القدس الَّذي هو "موعد الآب" (راجع لو 24: 49) "روح الحقّ" و "رازق الحياة" (من صلاة استدعاء الرُّوح القدس).

*        *        *

أيُّها الأحبّاء، يسوع المسيح أتمّ خلاصنا فيه، والرُّوح القدس يمدّ هذا الخلاص فينا ويهبنا إيّاه. لكنّ، المسألة ليست سِحْرِيَّة ولا تلقائيّة (automatique)، بل تتطلّب جهادًا وعرقًا ودمًا لأنَّ عدوّنا إبليس "كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1 بط 5: 8). الصُّعود وَليد القيامة، والعنصرة وَليدة الصُّعود، وهذا كلّه ترتيب حبّ الله الجنونيّ للبشر لأنّه لم يقبل أن يتركنا في جحيم خطايانا وعزلة أنانيّتنا بل اقتحم ظلمة عالمنا وبثّ فيها نوره غير المخلوق كاشِفًا حبّه غير المحدود لنا ليمنحنا الغلبة بالرَّجاء في روحه القدُّوس المـُحيي... لكي يُجلسنا معه وبه وفيه عن "يمين العظمة" (عب 1: 3 و8: 1).

من هنا العنصرة هي خلقنا الجديد بالرُّوح القدس لتجديد صورة الله فينا بالمسيح في الرُّوح القدس حتّى نصير "آلِهَةً وَبَنِي الْعَلِيِّ كُلّنا" (راجع مز 82: 6). بالرُّوح القدس نستطيع أن نُطيع وَصيّة المسيح، لأنّ الطّاعة الحقّ هي قبولنا غير المشروط للكلمة الإلهيَّة على أنّها كلمةٌ تحمل قوّة الحياة الأبديَّة والقداسة ...

في العنصرة يتحقَّق مشروع الله للبشريّة ولكنّه يكتمل في مجيء الرّبّ الثّاني حين يَدين الأحياء والأموات... فهل نحن مستعدّون لاستقباله كالعذارى العاقلات أمّ إنّ أواني زيتنا لا تكفي لننتظر ختن نفوسنا؟!...

من كان حكيمًا فليفُرغ ذاته من روح العالم ليصير مسكنًا للرُّوح القدس... بالتَّوبة... والمسامحة... والعطاء المجانيّ والتّضحية...

ومن استطاع أن يقبل فليقبل...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريَّة العَنْصَرَة (باللَّحن الثَّامِن)

مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا المسيحُ إِلهُنَا، يا مَنْ أَظْهَرْتَ الصَّيَّادِينَ غَزِيرِي الحِكْمَة إِذْ سَكَبْتَ عَلَيهِمِ الرُّوح القُدُس، وبِهِمِ ٱصْطَدْتَ الـمَسْكُونَة، يا مُحِبَّ البَشَرِ، المَجْدُ لك.

قنداق العَنْصَرَة (باللَّحن الثَّامِن)

عندما نَزَلَ العَلِيُّ مُبَلْبِلًا الأَلْسِنَة كانَ للأُمَمِ مُقَسِّمًا. ولمـَّا وَزَّعَ الألسِنَةَ النَّارِيَّة دَعَا الكُلَّ إلى اتِّحَادٍ واحِد. لذلك، بصوتٍ مُتَّفِق، نُمَجِّدُ الرُّوح الكُلِّيَّ قُدْسُهُ.

الرِّسالَة (أع 2: 1-11)

إِلى كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُم

السَّمَاواتُ تُذِيعُ مَجْدَ الله

لمـَّا حَلَّ يومُ الخمسِينَ، كانَ الرُّسُلُ كُلُّهم معًا في مكانٍ واحِد. فَحَدَثَ بَغْتَةً صوتٌ من السَّماءِ كَصَوْتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الَّذي كانُوا جالِسِينَ فيهِ، وظَهَرَتْ لهم أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كأنَّها من نار، فٱسْتَقَرَّتْ على كُلِّ واحِدٍ منهم، فامْتَلأُوا كلُّهم من الرُّوح القُدُس، وطَفِقُوا يَتَكَلَّمُون بلغاتٍ أُخرى، كما أعطاهُم الرُّوح أَنْ يَنْطِقُوا. وكانَ في أُورَشَلِيمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كلِّ أُمَّةٍ تحتَ السَّماءِ. فلمَّا صارَ هذا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ الجُمْهْورُ فتحيَّرُوا لأنَّ كلَّ واحِدٍ كانَ يَسْمَعُهُم يَنْطِقون بِلُغَتِه. فدُهِشُوا جميعُهُم وتَعَجَّبُوا قائِلِينَ بعضُهُم لبعضٍ: أليسَ هؤلاءِ المتكلِّمُونَ كلُّهُم جَلِيلِيِّين؟ فكيفَ نَسْمَعُ كلٌّ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتي وُلِدَ فيها، نحن الفرتيِّينَ والمادِيِّينَ والعيلامِيِّينَ، وسُكَّانَ ما بين النَّهرَيْن واليهوديَّة وكبادوكِيَةَ وبُنْطُسَ وآسِيَةَ وفرِيجِيَّةَ وبَمْفِيلِيَة ومِصْرَ ونواحي ليبِيَةَ عند القَيْرَوَان، والرُّومانِيِّين الـمُسْتَوْطِنِينَ، واليهودَ والدُّخَلاءَ والكْرِيتيِّين والعرب، نسمَعُهُم يَنْطِقُونَ بأَلْسِنَتِنَا بعظَائِمِ الله.

الإنجيل (يو 7: 37-52)

في اليومِ الآخِرِ العظيمِ من العيد، كانَ يسوعُ واقِفًا فصاحَ قائلًا: إِنْ عَطِشَ أحدٌ فَلْيَأْتِ إِلَيَّ ويشرَب. من آمَنَ بي، فكما قالَ الكتاب ستَجْرِي من بطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ. (إِنَّمَا قالَ هذا عن الرُّوح الَّذي كانَ المؤمنونَ به مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ إِذْ لم يَكُنِ الرُّوح القُدُسُ قد أُعْطِيَ بعدُ، لأنَّ يسوعَ لم يَكُنْ بعدُ قد مُجِّدَ). فكثيرونَ من الجمعِ لمـَّا سمعُوا كلامَه قالُوا: هذا بالحقيقةِ هو النَّبِيُّ. وقال آخَرُون: هذا هو المسيح، وآخَرُون قالوا: أَلَعَلَّ المسيحَ من الجليل يأتي! أَلَمْ يَقُلِ الكتابُ إنَّه من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقَاقٌ بينَ الجمعِ من أَجْلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدُونَ أن يُمْسِكُوهُ، ولكِنْ لم يُلْقِ أَحَدٌ عليه يدًا. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكهنَةِ والفَرِّيسِيِّينَ، فقالَ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسِيُّون: أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا قد ضَلَلْتُم! هل أحدٌ مِنَ الرُّؤساءِ أو مِنَ الفَرِّيسيِّينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاء الجمعُ الَّذينَ لا يعرِفُونَ النَّاموسَ فَهُم ملعُونُون. فقالَ لهم نِيقودِيمُس الَّذي كانَ قد جاءَ إليه ليلًا وهُوَ واحِدٌ منهم: أَلَعَلَّ نامُوسَنَا يَدِينُ إنسانًا إن لم يسمَعْ مِنهُ أوَّلًا ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: أَلَعَلَّكَ أنتَ أيضًا من الجليل! اِبْحَثْ وٱنْظُرْ، إنَّهُ لم يَقُمْ نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمَهُم أيضًا يسوعُ قائلًا: أنا هوَ نورُ العالَم، من يَتْبَعْنِي لا يمشي في الظَّلامِ، بل يَكُونُ لهُ نورُ الحياة.

حول الإنجيل

عيد العنصرة أو الخمسينيّ هو آخر وكمال الأعياد السيِّديَّة الإثني العشر. بدأ التَّدبير الإلهيّ ببشارة والدة الإله وبتجسُّدِ الرَّبّ يسوع بواسطة الرُّوح القدس، وانتهى بالعنصرة أي بحلول الرُّوح القدس. خلق الرَّبُّ يسوع النُّور في اليوم الأوَّل أي نهار الأحد وفي السَّابع أي نهار السَّبت استراح، وقام في يوم الأحد، اليوم الثَّامن، وجدَّد الخليقة ومنحها قابليَّة التَّألُّه؛ وفي يوم الأحد أيضًا حلّ الرُّوح القدس وأتمّ التَّدبير الخلاصيّ والمشيئة الإلهيَّة منذ الدَّهر، وهي، تأليه الإنسان. فمشروع الله للإنسان أن يسكن بداخله: "وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ، فَيَكُونُ مَعَهُمْ عَهْدًا مُؤَبَّدًا، وَأُقِرُّهُمْ وَأُكَثِّرُهُمْ وَأَجْعَلُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ" (حز 37: 26)، وأيضًا "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21)، أمّا الرُّوح فيساعد النَّاس لكي يعرفوا ويثبتوا في المسيح (راجع حز 36: 27)، وهو من يُشكّل المسيح في داخلهم (راجع حز 11: 19). نسمّي الرُّوح القدس المعزّي لأنَّه هو الَّذي يحفظ النَّاس وهو الَّذي يعزيهم، كما كان المسيح يرحم ويحفظ ويُعزّي عند مجيئه في الجسد، هذا ما يوضّحه الرَّبُّ يسوع إذ يقول: "ومتى جاء المعَزّي الَّذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحقّ، الَّذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي" (يو 15: 26)، أي أنّ المسيح هو مُعزّي والرُّوح القدس هو المعزّي الآخَر الَّذي يُكّمل ويحافظ على ما أسَّسه المسيح. هذا المشروع أو التَّدبير الخلاصيّ هو عملٌ ثالوثيّ لأنَّ الله أراد، والابن خلق- بموته في الجسد على الصَّليب ونزوله إلى الجحيم وقيامته جدَّد الخليقة وأعطاها قابليَّة التَّألُّه- والرُّوح القدس يحفظ ويكمّل. طبعًا التَّألُّه ليس للجميع، إنّما فقط للَّذين يجاهدون في الإيمان الحقيقيّ بالمسيح، لأنّ لمثلِ هؤلاء، ومنذ الآن، الخبرة والعشرة مع الثَّالوث؛ وهم يُعطَون أن يُصَلُّوا بواسطة الرُّوح القدس كما يوضّح بولس الرَّسول: وَكَذلِكَ الرُّوح أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوح نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا" (رو 8: 26).

إذًا نحن لا نعرف كيف يجب أن نُصلّي لذلك نصوم ونتعب ونجاهد لكي نجذب الرُّوح القدس، الَّذي سيعلِّمُنا بدوره كيف يجب أن نصلِّي، وبالتّالي فإنّ الله يُصلّي إلى الله فينا، وهنا تكمن، ونعني بمؤازرة الرُّوح القدس، خبرة الصَّلاة القلبيّة وخبرة التَّألُّه الحقيقيّة.

 

بلبلة الألسنة

تستعدُّ الكنيسة اليوم لتكليل مسيرة فرح القيامة للاحتفال بعيد العنصرة المجيدة أيّ "حلول الرُّوح القدس على التَّلاميذ". هذا الرُّوح الَّذي بحلوله زَّلزَّلَ ليس فقط عُلِّيَّة أورشليم بل المسكونة كلّها. يروي كاتب سفر التَّكوين في (11: 1- 9)، أنَّ الله الخالق بلبلَ ألسنة بني نوح (سام وحام ويافث) بسبب كبريائهم وأنانيّتهم، وشتَّتهم في كلِّ الأرض وفرَّقهُم عن بعضهم البعض إلى شعوبٍ وأممٍ لا تتفاهم الواحدة مع الأخرى. فحاولوا بقوَّتهم الوصول إلى الله عن طريق بناء "برج بابل" الَّتي تعني باب الله. "تَعالَوا نَبْنِ لَنا مَدينةً وبُرْجًا رَأسُه في السَّماء، ونُقِمْ لنا اسْمًا كَي لا نَتَفَرَّقَ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها" (تك 11: 3- 5). أمَّا الانجيليّ لوقا في سفر أعمال الرُّسل (2: 1- 12) يؤكِّد أنَّ اللهَ الَّذي نزل على جبل سيناء برعود وضباب وأعطى الشَّريعة هو نفسه الرُّوح القدس الَّذي نزل على الرُّسل بألسنة ناريَّة. في يوم الخمسين عاشت الشُّعوب الوحدة والتَّآخي بعكس بني نوح الَّذين عاشوا التَّمزُّق البشريّ وعدم التّفاهم. في يوم الخمسين امتلأَ التَّلاميذ الجليليُّون من الرُّوح القدس فطفقوا يتكلَّمون بلغات كلّ الأمم المختلفة والعديدة. أي كان كلّ رسول يعظُ وعلى الفَوْر كان الجميعُ يفهمون كلامَه كلٌّ بلغته الخاصّة. إنّ الوَحدةَ بالرُّوح حقّقت التَّفاهم رغم تغاير اللُّغات وتعدُّدها. تتعدُّدُ الألسنة ويتوقَّف التَّفاهم بسببٍ من أهداف البشر الضَّالَّة المـُتضاربة أو المـُتغايرة أو غير المتشابهة الَّتي تغلبُ فيها المصالح الباطلة. فإنَّ اللُّغةَ الحقيقيَّةَ الَّتي يتَّحِدُ فيها النَّاس هي المحبّة الَّتي تقودُنا إلى"اتّحادٍ واحدٍ" كما تقول ترنيمة العيد: "عندما انحدر العليُّ مُبلبلًا الألسُن، كان للأمم مُقسِّمًا، وحين وزّعَ الألسُن النّاريّة دعا الكلّ إلى اتّحاد واحدٍ لذلك نمجّدُ بصوتٍ متَّفقٍ الرُّوح الكُلِّيَّ قدسُه". دعوتُنا اليوم أن نمتلىءَ دائمًا من الرُّوح القدس.  فلا تفصل بينَنا ألوان اللُّغات ما دامَ في قلوبنا الطَّاهرة المحبّة والسَّلام والفرح الَّتي هي ثمارُ الرُّوح القدس. لن نكون واحدًا ولن نتكلَّم بلغةٍ واحدةٍ إلَّا إذا قبلنا "ندى الرُّوح المتنسّم نارًا". غايةُ الكنيسة اليوم بناء "برج المحبّة" بدل "برج بابل" وتأهيل النُّفوس لسكب الرُّوح، روح الحق.