نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 23 أيّار 2021
العدد 21
الأحد (3) بعد الفصح (المخلَّع)
اللّحن 3- الإيوثينا 5
أعياد الأسبوع: *23: القدّيس ميخائيل المُعترف، مريم لكلاوبا حاملة الطِّيب، سوسنّا، الشَّهيدة ماركياني *24: البارّ سمعان الَّذي في الجبل العجيب *25: تذكار وجود هامة السَّابق ثالثًا *26:انتصاف الخمسين، الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، يـــــــــــعــــقـوب بـن حلفى *27: الشَّهيد في الكهنة ألّاذيوس، القدّيس يوحنَّا الرُّوسيّ *28: إفتيشيوس أسقف مالطية، أندراوس المُتبالِه *29: الشَّهيدة ثيودوسيَّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندريَّة.
كلمة الرّاعي
ماء الحياة
”في انتصافِ العيدِ اسِقِ نفسي العَطشى، من مياهِ العِبادَةِ الحسَنةِ أيُّها المُخلّص. لأنَّكَ هَتَفتَ نحو الكلِّ قائلاً: منْ كان عطشانًّا فليأِت إلَّيَّ ويَشرَب. فيا يَنْبوعَ الحياةِ أيُّها المسيحُ الإلهُ المجدُ لك“ (طروبارية نصف الخمسين)
في عيد المظالّ، كان اليهود يتركون بيوتهم ويقيمون في مظالّ مؤقّتة، لمدّة أسبوع، ليتذكّروا أنّهم غرباء ونزلاء في هذا العالم. كانوا يحضُرون ماء من بركة سلوام، في إناء ذهبيّ، ويسكبه رئيس الكهنة أمام الشّعب ليَدعو العطشـى أن يقتربوا ويشربوا. كان ذلك إشارة إلى الصّخرة الّتي كانت تفيض ماء للشّعب في البريّة. هذا كانوا يصنعونه خلال الأيّام السّبعة الأولى للعيد، أمّا في اليوم الثّامن، فلم يكن رئيس الكهنة يحـضـر ماء من البركة إشارة إلى أنّ الشّعب صار يشرب من ينابيع كنعان وليس من مياه البرّية.
في مثل هذا اليوم، بالذّات، وقف الرّبّ يسوعُ المسيح، رئيسُ الكهنة الأعظم، ليكشف ذاته أنّه ينبوع المياه الَّذي يفيض بالماء الحيّ في أعماق نفوس المؤمنين، سائلًا ايّاهم أن يشربوا بفرحٍ من آبار الخلاص (راجع: إش ٣:١٢؛ زك ٨:١٤؛ يوئيل ٢٨:٢-٣٢).
* * *
تعيِّدُ الكنيسة المقدَّسة في يوم الأربعاء من سبّة المخلّع انتصاف الخمسين، حيث يعلن يسوع عن نفسه أنّه ينبوع الماء الحيّ: ”إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي“ (يوحنا 7: 37—38). هذا كان إعلانًا استباقيًّا عن العنصرة المزمعة أن تصير بعد صعود الرّبّ إلى السّماوات وفي اليوم الخمسين لقيامته من بين الأموات.
غاية التّدبير الإلهيّ هي انسكاب روح الرّبّ على المؤمنين به، لأنّه بدونه لا يستطيع أحد أن يُقبِل إلى يسوع ويعرفه ويتّحد به ويقتني صفاته الإلهيَّة. من لا يسكن فيه روح الرّبّ يبقى في مواتيّته ولا يختبر سرّ الحياة الجديدة في المسيح الغالب الموت والجالس عن يمين العظمة في الأعالي.
تجسَّد الرّبّ وأتمّ كلّ شيء لنصير واحدًا معه، لتسكن حياته فينا بروحه القدّوس. هذا ليس كلامًا مجرَّدًا إنّه جوهر إيماننا الَّذي بدونه لا معنى لأي جهاد روحيّ نقوم به في سعينا لطاعة الكلمة الإلهيّة. نحن لا نعيش لأجل الثّواب أو هربًا من العقاب، بل نحيا مع الله وله لنصير فيه وهو فينا لنكون واحدًا معه... فتفيض حياته من خلالنا في العالم.
* * *
أيّها الأحبّاء، الإنسان في شقاء ما لم يقتني روح الرّبّ حياة له. من أين يأتي الفرح والرّضا والسّلام والحنان إلّا من الله المحبَّة الَّذي يُعطينا ذاته في ابنه بروحه القدّوس متى آمنّا به ملكًا وإلهًا وسيِّدًا لحياتنا، أي متى أسلمناه مشيئتنا بالكلّيّة.
لا يستطيع الإنسان أن يكون للمسيح ما لم يحبّ بالمحبة الّتي أوصانا بها الرّبّ. البشـر، بعامّة، كلّ منهم يطلب من الآخَر محبّة واحترامًا وطاعة ولا يطلب من ذاته أن يصنع كذلك مع الآخَر عملًا بالوصيّة الإنجيليّة القائلة: ”فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ“ (متّى 7: 12).
ما معنى قيامة الرّبّ وإيماننا بهذه القيامة ما لم نتغيَّر، ما لم نتحرَّر من كلّ حقد وكره وغضبيّة تستعبدنا، ما لم تتنقّى قلوبنا من كلّ أوساخ خطايانا؟!... كلام الرّبّ يسوع هو الماء الحيّ الَّذي يغسلنا وينقّينا ويطهّرنا. كلام الرّبّ روح هو لا يقتله حرف، للَّذين يؤمنون به، إنّه نبع حياة أبديَّة يفيض في الكيان ويُجدِّدُ الوجود ويشفي كلّ سقم ومرض وضعف: ”وَمَا شَفَاهُمْ نَبْتٌ وَلاَ مَرْهَمٌ، بَلْ كَلِمَتُكَ، يَا رَبُّ، الَّتِي تَشْفِي الْجَمِيعَ“ (حكمة 16: 12).
في انتصاف الخمسين نتشوَّق لانسكاب روح الرّبّ علينا في العنصرة، ونتحـضَّـر بالارتواء من ماء الكلمة الإلهيّة الحيّ الَّذي يطهِّر ضمائرنا ونوايانا ويغسل قلوبنا من كلّ دنس الخطيئة ويروي عطشنا إلى الحبّ والفرح والسّلام.
لنعد إلى الرّبّ بكل جوارحنا، ولنطلبه من أعماق كياننا، ولتكن كلمته نبراسًا يهدي سبيلنا في معرفتنا لذواتنا وفي علاقاتنا بالآخرين وفي طاعتنا لله.
ومن له أذنان للسّمع فلسيمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة للإيصوذن (باللّحن الخامس)
المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للَّذين في القبور.
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)
لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)
ولَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.
الرّسالة (أع 9: 32– 42)
رتِّلُوا لإِلهِنا رتِّلُوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِّقُوا بالأيادِي
في تلكَ الأيَّامِ، فيما كانَ بُطُرسُ يَطوفُ في جَميع الأماكِنِ، نَزَل أيضًا إلى القدِّيسينَ السَّاكِنينَ في لُدَّة، فوَجَدَ هناكَ إنسانًا اسمهُ أَيْنِيَاسَ مُضَطجِعًا على سريرٍ مِنذُ ثماني سِنينَ وهُوَ مُخلَّع. فقالَ لهُ بطرُسُ: يا أينِياسَ يشفِيكَ يسوعُ المسيحُ. قُمْ وافتَرِشْ لنفسِك. فقام لِلوقت. ورآه جميعُ السَّاكِنين في لُدَّة وسارُونَ فَرَجَعوا إلى الرَّبّ. وكانت في يافا تِلميذَةٌ اسمُها طابيِتَا الّذي تفسيرُهُ ظَبْيَة. وكانت هذه مُمتَلِئةً أعمالًا صَالحةً وصَدقاتٍ كانت تعمَلُها. فحدَثَ في تِلكَ الأيّامِ أنَّها مَرِضَتْ وماتَتْ. فَغَسَلُوها ووضَعُوها في العِلِّيَّة. وإذ كانت لُدَّةُ بقُربِ يافا، وسَمعَ التَّلاميذُ أنَّ بطرُس فيها، أَرسَلُوا إليهِ رَجُلَيْن يسألانِهِ أنْ لا يُبطِئَ عن القُدُوم إليهم. فقام بطرُسُ وأتى مَعَهُمَا. فَلمَّا وَصَلَ صَعدوا بهِ إلى العِلِّيَّة. ووقَفَ لديِه جميعُ الأرامِلِ يَبْكِينَ ويُرِينَهُ أَقْمِطَةً وثِيابًا كانت تَصنَعُها ظَبيَةُ معَهَنَّ. فأخرَجَ بُطرُسُ الجميعَ خارِجًا، وجَثَا على رُكبَتَيْهِ وصَلَّى. ثمَّ التَفَتَ إلى الجَسَدِ وقالَ: يا طابيتا قُومي. فَفَتَحَتْ عَيْنَيْهَا. ولـمَّا أَبْصَرَتْ بُطرُسَ جَلَسَتْ، فناوَلَهَا يَدَهُ وأنهضَها. ثم دعا القدِّيسيِنَ والأرامِلَ وأقامَها لَديهمِ حيَّةً. فشاعَ هذا الخبرُ في يافا كلِّها. فآمَنَ كَثيرون بالرَّبّ.
الإنجيل (يو 5: 1– 15)
في ذلك الزَّمان، صَعِدَ يسوعُ إلى أورشليم. وإنَّ في أورشليم عند باب الغَنَمِ بِرْكَةً تُسَمَّى بالعبرانيّة ”بيتَ حِسْدَا“ لها خمسةُ أَرْوِقَة، كان مُضطجعًا فيها جمهورٌ كثيرٌ من المَرضى من عُمْيَانٍ وعُرْجٍ ويابِسِي الأعضاء ينتظرون تحريكَ الماء، لأنَّ ملاكًا كان يَنْـزِلُ أَوَّلًا في البِرْكَة ويحرِّكُ الماء، والّذي كان ينـزِلُ أوَّلًا من بعد تحريك الماء كان يَبْرَأُ من أَيِّ مرضٍ اعتَرَاه. وكان هناك إنسانٌ به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. هذا إذ رآه يسوع ملقًى وعلم أنَّ له زمانًا كثيرًا قال له: أتريد أن تبرأ؟ فأجابه المريض: يا سيِّدُ ليس لي إنسانٌ متى حُرِّك الماء يُلقِيني في البركة، بل بينما أكون آتِيًا ينـزل قَبْلِي آخَر. فقال له يسوع: قُمْ احْمِلْ سريرَك وامْشِ. فللوقت بَرِئَ الرَجُلُ وحمل سريرَه ومشى. وكان في ذلك اليوم سبتٌ. فقال اليهودُ للَّذي شُفِيَ: إنَّه سبتٌ، فلا يحلُّ لكَ أن تحمل السَّرير. فأجابهم: إنّ الّذي أَبْرَأَنِي هو قال لي: احْمِلْ سريرَك وامشِ. فسـألوه: من هو الإنسان الّذي قال لكَ احملْ سريرَك وامشِ؟ أمّا الّذي شُفِيَ فلم يكن يعلم مَن هو، لأنَّ يسوعَ اعتزل إذ كان في الموضع جمعٌ. وبعد ذلك وَجَدَهُ يسوع في الهيكل فقال له: ها قد عُوفِيتَ فلا تَعُدْ تُخْطِئ لِئَلَّا يُصِيبَكَ شرٌّ أعظم. فذهب ذلك الإنسانُ وأخبرَ اليهودَ أنَّ يسوع هو الّذي أَبْرَأَهُ.
حول الإنجيل
في هذا الأحد المبارك المعروف بأحد المُخلَّع، نقرأ في إنجيل اليوم أعجوبة شفاء المُقعَد أو المُخلَّع في كفرناحوم. هوّذا مخلّع مقعد، لا يملك أيّة وسيلة فاعلة لِيَصِل إلى يسوع. حاملوه الأربعة الّذين يمثّلون العالم كلّه، صعدوا به مُلقًى على سريره، إلى سطح البيت حيث كان المعلّم. فكشفوا السّقف ودلّوه إلى يسوع. فوضعوه بجرأة إيمانهم تجاه الأمر الواقع وسط الشّعب المُزدَحِم. فكافأ الرَّبُّ صنيعَهم بأكثر ممّا تصوّروا، ورفع الشّفاء إلى ذروته الأكمل: شفاء النَّفْس الخاطئة ومعها الجسد المريض. أمام هذا المشهد المؤلم، أراد يسوع أن يبدأ بالشّفاء الدّاخليّ بقوله: "يا بنيّ مغفورة كلّ خطاياك". إنّها كلمة غير مسموعة من ذي قبل، أثارَت جدلًا كبيرًا في الأوساط اليهوديّة لدى الكتبة والفَرّيسيّين. فعلم المُعلِّم بما يضمر هؤلاء، لذا رأيناه يؤكّد على سلطانه الإلهيّ، وأيّده بالأعجوبة الباهرة، بأنْ أمَرَ المخلّع: "قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك". وهكذا بعد عمليّة الشّفاء الدّاخليّ، يأتي الشّفاء الخارجيّ والجسديّ. عندها هَبَّ الجميعُ مسبِّحًا: "لم نَرَ مثل هذا قطّ". بهذه الطّريقة كافأ يسوع إيمانهم، بحيث أنّ يسوع يطلب الإيمان قبل أن يتدخّل، ومرّاتٍ أخرى يربط الشّفاء بالإيمان. لذا رأينا يسوع يبدأ بالأمر المهمّ وهو: مغفرة الخطايا. نتذكّر هنا أنّ المَرض ارتبط مرارًا عديدة بالخطيئة في العالم اليهوديّ.
* * *
من هنا نستنتج بأنّ يسوع هو طبيب الأرواح والأجساد. وهذا ما تنبّأ به أشعيا الّذي قال: "يأتي زمن يغفر فيه الرَّبُّ كلّ خطيئة ويشفي كلّ مرض". يسوع، جابل الإنسان، يردّ إلى المخلّع كرامته البشريّة، لأنّ الشّخص البشريّ هو كائنٌ جسديّ وروحيّ معًا. كونه يمثّل أكبر قيمة حبّ عند الله الّذي خلقه على صورته ومثاله. وبشفائه للمُقعَد، أعاد خلقه من جديد. كم نحن بحاجة، نحن "المُقعَدين" بسبب الخطيئة المُتحكّمة فينا، و"المُخَلَّصين" بالرّبّ، أن نلجأ إلى يسوع، عبر سِرِّ التّوبة والاعتراف، ليمنحنا المغفرة، كونه حمل الله الّذي يرفع خطيئة العالم!...
التّخلُّع الرّوحيّ والتّخلُّع الجسديّ
إنّ القنداق في أحد المُخَلَّع يتكلّم عن مَرَضَيْن، مرض النَّفس المُخلّعة ومرض الجسد المُخلّع: "لنفسي، المخلّعة جدًّا بأنواع الخطايا والأعمال القبيحة، أنهِض يا ربّ بعنايتك الإلهيّة، كما أقمت المخلَّع قديمًا. حتّى إذا تخلّصتُ ناجيًا أصرخ: أيّها المسيح، المجد لعزَّتك".
كما أنّ الإنسان المُخلَّع هو مقيَّد ولا يستطيع أن يتحرّك، كذلك النَّفس المُخَلَّعة هي مُقيَّدة بأنواعٍ كثيرةٍ من الأهواء تمنعها من المضيّ في طريق المسيح.
في الحياة الرّوحيّة يركّز المؤمن على شفاء النَّفس قبل الجسد "لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ. بَلْ أُرِيكُمْ مِمَّنْ تَخَافُونَ: خَافُوا مِنَ الَّذِي بَعْدَمَا يَقْتُلُ، لَهُ سُلْطَانٌ أَنْ يُلْقِيَ فِي جَهَنَّمَ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: مِنْ هذَا خَافُوا!"، لذا يشدِّد المؤمن على الانعتاق من مرض النَّفس قبل مرض الجسد. في التّفسير الرّمزيّ للكتاب المُقَدَّس كلّ الأمراض المَذكورة في الكتاب المُقدَّس هي صورة عن أمراض النّفس أو الرّوح. فالحديث عن الأعمى، والأخرس، والمخلَّع، والعطشان، والجائع، والميت ... هي رمز للنَّفس الّتي لا تملك البَصيرة، والّتي لا تتفوّه بكلام الرَّبّ، والّتي لا تسير في طرقه، والعطشى لرؤيته والعطشى لسماع كلامه و...
لذا يا أحبّتي، على كلٍّ منّا عند مطالعة الكتاب المقدّس أن ينظر إلى أمراض نفسه ويسعى لشفائها من لدن الطّبيب الشّافي وحده لكلّ ضعفاتنا الرّوحيّة. وبالحديث عن شفاء المُخلَّع، أنّ الشّفاء تمّ بكلمة الرَّبِّ وهذا هو التّرياق الّذي نحن بحاجة له في أيّامنا "كلمة الرَّبّ" الّتي تشدّد النّفس والجسد، وتشفي كلّ أمراضهما. نصلّي في مزمور نصف الّليل "نفسي فترت من الأسى فشدّدني بكلامك"، فإنّ كلمة الله هي من جهةٍ وصايا وناموس حياتنا، ومن جهةٍ أخرى، هي الرَّبّ يسوع المتجسّد. لذلك، يا أحبّة، كي نُشفى من مرض "التّخلُّع" علينا أن نصرخ مع داود النّبيّ "كما تشتاق الأيل إلى ينابيع المياه كذلك تشتاق نفسي إليك يا الله"، عندها تصبح نفوسنا كالأيائل تقفز في طريق الرَّبّ نحو حياة أبديّة، آمين.
ذبيحة العفّة
يقول القدّيسُ يوسفُ الهدوئيُّ في إحدى رسائلِه: "ليس ثمّةَ ذبيحةٌ لله أزكى مِن عفّةِ الجسدِ المُقتَناةِ بالجِهادِ الدَّمَوِيّ المُرَوِّع".
نعم، إنَّ المسيحيَّ الّذي يُحِبُّ اللهَ عليهِ أن يَسلُكَ في طريقِ العِفّة، عالِمًا أنّ اقتناءَها لا يكونُ إلّا بالصَّبرِ والسَّهَرِ على النّفْس.
لقد علّمَنا آباؤُنا أنّها تتطلّبُ غَصْبًا للنَّفْس. فكيفَ يبدأ الإنسانُ مسيرةَ الجهادِ هذه؟
تكونُ البداية بِرفضِ الأفكارِ القَذِرة، أي عدم مُسايَرَتِها، عدمِ الاِحتفاظِ بها. الكَسَلُ والتَّراخي لا يَنفعان في هذا المجال، بل يؤدّيانِ إلى خسارةٍ روحيّةٍ فادحة. وهذه هي اليقظةُ الّتي تعلّمُنا إيّاها الكنيسة. إنّها السَّهَرُ على النَّفْس وعدم إعطائها كلَّ ما تشتهي.
والصّلاةُ مُعِينٌ قويٌّ لهذا السَّهَر، تَشحَنُ النَّفْسَ بِطاقةٍ مبارَكةٍ، وتجعلُها قادرةً على الاِنتصارِ والنُّهُوض. يستطيعُ الإنسانُ أن يَكسِرَ الأفكارَ القَذِرةَ بالصّلاة.
وما يُعِينُنا أيضًا في هذا الجِهادِ عدمُ مراقبةِ أخطاءِ الآخَرِين، وعدمُ الحِقدِ على المُسيئِينَ إلينا.
ونحتمُ الكلامَ بِقَولٍ آخَرَ للقدّيس يوسف الهدوئيّ: "حِينَ يَزني المَرْءُ بِأفكارِهِ تفوحُ منه رائحةٌ كريهة، أمّا إذا جاهدَ ليحفظَ جسدَهُ نقيًّا وذِهنَهُ عفيفًا مِنَ الأفكارِ القَذِرة، فإنَّ حياتَهُ وصلاتَهُ ستصعدانِ إلى السّماواتِ كَبَخُورٍ عَطِر“.