Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 22 تشرين الأوّل 2023                        

العدد 43

الأحد (20) بعد العنصرة

اللّحن 3- الإيوثينا 9

أعياد الأسبوع: *22: إفيركيوس المُعادل الرُّسل، الفتية السَّبعة الَّذين في أفسس *23: يعقوب الرَّسُول أخي الرَّبّ وأوّل أساقفة أورشليم *24: الشّهيد أريثا (الحارث) ورفقته *25: الشّهيدين مركيانوس ومرتيريوس، القدّيسة طابيثا الرَّحيمة الَّتي أقامها بطرس *26: العظيم في الشّهداء القدّيس ديمتريوس المُفيض الطِّيب، الزَّلزلة العظيمة *27: الشّهيد نسطر، القدِّيسة بروكلّا إمرأة بيلاطس *28: الشّهداء ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، القدِّيس استفانوس السَّابَويّ.

كلمة الرّاعي

الحرب على الكنيسة

الشَّيطان لم ولن يتوقَّف عن محاربة الإنسان أو بالأحرى مشروع الإنسان في البشر لأنّه يُحارِب الله. وحرب الشّرير خطيرة لأنّها ترتدي طابع الحضارة والرُّقيّ الإنسانيّ! ...

لماذا الحرب على الإنسان لأنّه هو "كنيسة الله"، "هيكل الرَّبّ". الحرب هي ضدّ المسيح يسوع، الإنسان الحقيقيّ الوحيد.

ترتدي هذه الحرب أيضًا طابع إبادة البشر عبر الحروب والأمراض والعُقم. لها وَجهان، واحد إيجابيّ الظّاهر سلبيّ الجوهر وآخر سلبيّ المَظهر والفعل.

الشّيطان يعمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة. الطّريقة المُباشرة هي عبر بثّ أفكاره المُنحرفة في النّفوس الضّعيفة، والغير المباشرة هي عبر البشــر المسبيّين منه الّذين ينشـرون خبثه وكذبه ودماره عبر الوعود الزّائفة بالحرّيّة والعيش الكريم والسّعادة.

*          *          *

الحصن الوحيد في العالم ضدّ الشّيطان هي الكنيسة جسد المسيح، الكنيسة المُستقيمة الرّأي والحياة والتّقليد. يظنّ البَعض أنفسهم مُستقيمين وهم مُنحرفين ويتّهمون غيرهم بالانحراف. هذه من أصعب الحروب لأنّ الشّيطان يوهم النّاس بأنّهم في الحَقّ في حين هم في الباطل، ومن يكون في الحَقّ يُظهرونه وكأنّه في الباطل. حرب الشّيطان في الكنيسة تمويهيّة لأنّه كما يقول الرّسول بولس، بعد خبرة مع الأرواح الشّرّيرة، بأنّ"الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!" (1 كورنثوس 11: 14). مقياس الاستقامة في الإيمان هو المحبّة أي الحُنوّ ونبذ روح الدَّيْنونة. لا يستطيع أحد أن يكون قائمًا في الحقّ دون أن يكون رَحيمًا. حرب الأصوليّة على الكنيسة وفيها هي من الشّرّير الَّذي يخدع غير المختَبَرين موهِمًا إيّاهم بأنّهم روحيّون إذ يتمسّكون بحذافير الشّريعة الإلهيّة حرفًا دون روح، فيوقعهم في الفرّيسيّة البَغيضة وخداع الذّات فيما هم يكونون مُمتلئين عُقَدًا وأهواء. هذه حرب اليَمين.

مقياس السّلامة الرّوحيّة الاتِّزان، والاتِّزان عدل ورحمة، بذل وتأديب، دينونة للذّات وتبرير للخاطئ، طاعة كاملة للوصيّة الإلهيّة وحَمْلٌ لضعف الآخَر.

*          *          *

السّعادة في البَشَـرَة وَهْمٌ، لأنّ سِفرَ الجامعة يقول: "بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ ... الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ..." (1: 2 و8). السّعادة يطلبها الإنسان في الرّفاه، والرّفاه يرتبط بالتّطوّر والازدهار، والحضارة تزعم منح الإنسان الرّقيّ والفرح. لكن، ها إنّ الشّعوب المُسمَّاة مُتحضِّـرَة قد شوَّهَتِ الإنسانيّة دمّرت العائلة ورباط المحبّة بين الإخوة بمزاعم الحرّيّة والاستقلاليّة.

الاستقلاليّة والفردانيّة هما وهم حرّيّة قاتلة، لأنّ الإنسان لا يقوم دون رباط حبّ مع الآخَر، والحبّ ليس عواطف ومشاعر ودغدغة أحاسيس، المحبّة إخلاء للذّات وموت عن الأنا وفرح بالآخَر في الله. والحضارة اليوم تبني الإنسان على هذا الأساس أي أنّه قائم بذاته لذاته، وهذا ما يدفع البشـر والمجتمعات إلى مزيد من التّقوقع والانفلاش. التّقوقع بسبب محوريّة الأنا وإلغاء الآخَر والانفلاش بسبب تشيـيء الذّات والآخَر واستهلاكهما في سبيل لذّةٍ ما. حرب العالم و"أمير هذا العالم" أي "إبليس" هي ضدّ بُنيان الإنسان على "الصّخرة" أي المسيح. كلّ ما يُصنَع وكلّ ما يُقدَّم لإنسان اليوم هو لكي ينسـى المسيح. هذه حرب اليسار.

*          *          *

"لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ" (فيليبي 1: 21) هكذا أعلن بولس الرّسول وهكذا اختبر بعد حروب وجهادات واضطّهادات. هذه هي خلاصة الوجود: المسيح هو الحياة. من عرف المسيح وَجَدَ ضالّته وإجاباته عن كلّ أسئلته الوجوديّة ودخل سرّ الفرح السّرمديّ ومن رفضه دخل دوّامة ألم وضياع لا نهاية لها...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)

لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة القدّيس افيركيوس المعادل الرُّسُل (اللّحن الرّابع)

لقد أظهرَتْكَ أفعالُ الحقِّ لرعيّتك، قانونًا للإيمان وصورةً للوداعة ومُعلّمًا للإمساك، أيّها الأب البارُّ إفيركيوس، لأجل ذلك أحرزتَ بالتّواضع الرِّفعة، وبالمَسكَنَةِ الغِنى، فتشفَّع إلى المسيحِ الإله في خلاصِ نفوسنا.

طروباريّة للشّهداء (باللّحن الرّابع)

شُهداؤكَ يا ربُّ بجِهادهم نالوا منكَ الأكاليل غيرَ البالِيَةِ يا إلهَنا، لأنَّهُم أحْرَزوا قوَّتَكَ، فَحَطَّموا المُغتَصبين وسَحَقوا بأسَ الشّياطين الَّتي لا قُوَّة لها، فبتوسّلاتهم أيّها المَسيح الإله خَلِّص نفوسنا.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة(غلا 1: 11-19)

رتِّلوا لإلهنا رتِّلوا

يا جميع الأمم صفِّقوا بالأيادي

يا إخوة، أُعلِمُكم أنَّ الإنجيل الَّذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْه أو أتعلَّمهُ من إنسان بل بإعلان يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعُتم بسيرتي قديمًا في مِلَّةِ اليهود. إنّي كنتُ أضطَهِدُ كنيسةً اللهِ بإفراطٍ وأدّمرها. وأزيدُ تقدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرين من أترابي في جنسي بِكَوْني أوْفَرَ منهم غيرةً على تقليدات آبائي. فلمَّا ارتضَى الله الَّذي أفْرَزَني من جوفِ أمّي، ودعاني بنعمتِه، أنْ يُعلِن ابنَهُ فيَّ لأُبشّرَ بهِ بينَ الأممِ، لساعتي لم أُصغِ إلى لحمٍ ودمٍ ولا صَعِدْتُ إلى أورشليمَ إلى الرُّسلِ الَّذينَ قَبْلِي، بل انطَلَقتُ إلى ديار العرب، وبعد ذلك رَجعتُ إلى دِمشق. ثمَّ إنّي بعدَ ثلاثِ سنين صَعِدتُ إلى أورشليم لأزورَ بطرس، فأقمتُ عندَه خمسةَ عشر يومًا، لم أرَ غيرَهُ من الرُّسُلِ سوى يعقوبَ أخي الرَّبّ.

الإنجيل(لو 8: 27-39)(لوقا 6)

في ذلك الزَّمان، أتى يسوعُ إلى كورَةِ الجِرجِسييّنَ، فاستقبَلهُ رجُلٌ منَ المَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، ولم يكن يلبَسُ ثوبًا ولا يأوِي إلى بَيتٍ بل إلى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاحَ وخَرَّ وقالَ بِصوتٍ عظيم: ”ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العَليّ، أطلُبُ إليكَ ألَّا تُعَذّبَني“. فَإنَّهُ أمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أن يَخرُجَ منَ الإنسانِ لأنَّهُ كانَ قد اختطفَهُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، وكانَ يُربَطُ بسلاسِلَ ويُحْبَسُ بِقُيودٍ فيقطعُ الرُّبطَ وتسوقه الشّياطين إلى البَراري. فسألَهُ يسوعُ قائلًا: ما اسمُك؟، فقالَ: لجيَون، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانوا قد دَخلوا فيهِ وطلبوا إليهِ أن لا يأمُرَهُم بالذَّهابِ إلى الهاوية.

وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في الجبلِ، فَطَلَبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدُّخولِ فيها فأذِن لهم؛ فخَرَج الشَّياطينُ من الإنسانِ ودخَلوا في الخنازيرِ، فوَثبَ القطيعُ عَن الجُرْفِ إلى البُحَيْرةِ فاختنقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَرَبوا فأخبَروا في المدينةِ وفي الحقول، فخرج النّاس ليَرَوا ما حَدَث، وأتَوا إلى يسوعَ فوَجدوا الإنسَانَ الَّذي خَرَجَت مِنهُ الشَّياطينُ جَالِسًا عندَ قدَمَي يسوعَ لابِسًا صحيحَ العقل، فَخافوا. وأخبَرَهُمُ النّاظِرونَ أيضًا كيْف أُبْرِئَ المجنونُ. فسألَهُ جمِيعُ جُمهورِ كُورَةِ الجرجسِيّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ اعْتَراهُم خوفٌ عَظيم. فدَخَلَ السَّفينةَ ورَجَعَ، فسَألَهُ الرَّجُلُ الَّذي خرَجَت مِنه الشَّياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفهُ يسوعُ قائلًا: ارجِع إلى بيتِكَ وحَدِّث بما صَنعَ الله إليك. فذهَبَ وهُوَ ينادي في المدينة كُلِّها بما صَنعَ إليه يَسوع.

حول الإنجيل

شفاء رجل القبور

كُورَةُ الجِرجسيِّين تَقَعُ في شَرْقِ بُحَيْرَة طَبَريَّه، وهي منطقة وثَنِيَّة لَمْ يَصِلْ إليها بَعْد نور الله، شعبها بَعيد عن الله، يَعيش فيها النَّاس في ظَلامٍ دامِسٍ في عبودِيَّةٍ للشَّياطين، وهذا الرَّجُل يَعيش في القُبور ويَسكُنُه جَيْشٌ مِنْ شياطينِ الكبرياء، الشَّراهة، عدم العِفَّة، النَّجاسة، الكراهية، الحقد، الانعزال، الشَّراسة ...

لَمْ يَشَأ إلهُنا الحَنون أن تتشَوَّه إنسانيَّةُ هذا الإنسان بهذا الشَّكل المُخيف وهو الَّذي خَلَقَهُ في أجملِ طَلْعَةٍ، على صورَتِهِ ومِثالِهِ، ولا أنْ يَظَلَّ تحت سلطة الشَّياطين المُعادِيَة، الَّتي هَمَّها الأوَّل أنْ تَسْتَعْبِدَ الإنسان وتَجْرِفُهُ نحو المَوْت الأزليّ، وهو المَدعو إلى الحياة الأبديَّة.

لذلك أراد يسوع وهو النُّور الحقيقيّ أنْ يأتي خصّيصًا إلى هذا الإنسان المُسْتَعْبَد ويُحَرِّرَه و"يُعيدَ له الحُلَّةَ الأولى" مُسْتَرجعًا إيَّاهُ مِنْ بَراثِنِ العَدُوّ. "الشَّعب السَّالك في الظُّلْمَة أبْصَرَ نورًا عظيمًا، والجالسون في كورَةِ المَوْت وظِلاله أشرق عليهم نور" (متّى 4: 16).

لماذا سمح يسوع للشَّياطين بالدُّخول في قطيع الخنازير؟

لأنَّها حيوانات نَجِسَة أوّلًا، "... والخنزير ... فهو نَجِسٌ لكم، من لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا، إنَّها نجسة لكم" (لاويين 11: 1-8)، وكذلك في (تثنية 14: 3-8) .ثانيًا لكي يرى النَّاظِرون مدى شراسة الشَّياطين وأذيَّتِهم.

"... ذاك كان قتّالًا للنَّاس منذ البدء، ولم يثبت في الحَقِّ لأنَّه ليس فيه حَقٌّ..." (يو 8: 44)، ثالثًا لكي يعرف الجميع أنَّ المَسيح أقوى مِنَ الشَّياطين وهو يأمرها بكلمةٍ وتَرْتَعِد منه. رابعًا لكي يعرف الجميع أنَّ كرامَةَ الإنسان وحياته وخلاصه هي غاية الرَّبّ المُتجسِّد. "... وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" (يو 10 :10).

كيف أصبح الإنسان بعد الشِّفاء؟

بعد خروج الشَّياطين أصبح الإنسان "لابِسًا صحيحَ العقل وجالسًا عند قَدَمَيْ يسوع"، لقد أبرئ يسوع هذا "المَجنون". ولحظة شفائه عرف ربَّه، خالقه ومخلِّصَه، فجلس عند قَدَمَيْه، وهذا يذكِّرنا بمريم الَّتي "كانت جالسة عند قَدَمَيْ يسوع تسمع كلامه" بعد أن "أخرج منها سبعة شياطين". لا شكَّ أنَّ فرح تلاميذ الرَّبِّ كان عظيمًا، كيف لا وهذا الإنسان كان "ميتًا فعاش"، وكان مستعبدًا فتحرَّر.

لكنَّ هذا الشِّفاء لم يُعْجِب رُعاةَ الخنازير ولا سُكَّان كورة الجرجسيّين، لأنَّهم لم يفهموا أنَّ هَمَّ الله هو شفاء الإنسان وتحريره وخلاصه. لذلك خافوا وطلبوا إليه الانصراف عنهم. لأنَّهم لا يهتمّوا للإنسان بل همُّهم رعاية الخنازير وبَيْعِها وإحصاء العائدات المالِيَّة ومِقدار الرِّبح المادّيّ، كما في كُلِّ زمانٍ وفي كلِّ عصر. لقد خافوا أن يتحرَّروا هم أيضًا لأنَّهم "أحَبُّوا الظُّلْمَة أكثر مِنَ النُّور"، لذلك يَصُحُّ قول إشعياء النّبيّ: "أعمى عيونهم، وأغلظ قلوبهم، لئلَّا يُبصروا بعيونهم، ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم" (يو 12: 40).

هذا المَقطع الإنجيليّ يقول لي اليوم أنَّ الوقت قد حان لِطَرْدِ الشَّياطين مِنّا، فلنتحرَّر يا أحبَّاء بالتَّوْبة ونحدّث بكلِّ ما صنعه يسوع إلينا.

تحدِّيات التَّربية في الزَّمَن الحاضر

كانت ولم تزل التَّربية هي مِنْ أصْعِب المسؤوليّات الَّتي تقع على كاهل الأهل. فواجبات الأهل من حيث التَّعليم والطَّبابة وتأمين المَلبس وجميع المتطلّبات الَّتي يحتاجها الأولاد، كلّها وكيفيّة تأمينها ليست بحجم مسؤوليّة التَّربية. فالتَّربية السَّليمة تنشئ جيلًا مؤمنًا ومجتمعًا مَتين قائم على مبادئ الشَّراكة والمحبَّة والاحترام.

أمَّا في زمننا اليوم باتت تحديّات العائلة المسيحيّة في إعداد جيلٍ مؤمنٍ ومُحافِظ مِنْ أصعب الأمور. فالقِيَم اختلفتْ والمبادئ الاجتماعيّة تبدَّلَتْ ومَعايير التَّربية تضاربتْ بين مؤيِّد لمبدأ التّأديب والصَّرامة والتَّمَسُّك بالقِيَم الرُّوحيَّة وبين رافضٍ لها. والمشكلة الكبرى هي قلب معايير التَّربية رأسًا على عقب. فكلّ ما كان خطأ وعيب ومُنافي للأخلاق أصبح اليوم يُروَّج له وبإلحاح. وما يزيد الأمر سوءً هو اعتبار كلّ رافض لهذه الفيروسات والآفاة الاجتماعيّة هو المخطئ بل المجرم.

تُبنى التَّربية الصَّحيحة على ركيزتَيْن أساسيَّتَيْن، الأولى هي اعتبار العقيدة السَّليمة والكتاب المُقَدَّس المِعْيار الصَّحيح في التَّربية. اعتبارهما المِحْوَر الَّذي ينبغي أنْ يَدور حولهما مفهوم الصَّح والخطأ، فما يرضي الله هو الصَّحيح وخلاف ذلك هو الخطأ. لذلك على الأهل اليوم أن يَسعوا إلى تطبيق تعاليم الكتاب المُقدَّس وأن يجعلوه الرّكيزة الأساسيَّة في حياتهم، وبالتَّالي في تربية أولادهم. وعليهم أن يُدركوا أنّ كلَّ خلَلٍ في العقيدة يؤدّي إلى خللٍ أخلاقيّ. وهذا ما حصل في الغرب الَّذي انحرف عن العقيدة الصَّحيحة والَّذي غيّر محور الحياة عن الكتاب المُقدَّس ليضع مكانه أنانيَّته، فوصل إلى ما وصل إليه اليوم من تفلّت وفساد في التَّربية والأخلاق.

والرَّكيزة الثَّانية هي التَّأديب في التَّربية. يُشدِّد الكتاب المقدَّس على التَّأديب في التَّربية، لأنَّه يأتي من المحبَّة "من يحبُّه الله يؤدِّبُه" (أمثال ٣: ١١). وقد أوصى القدِّيس بولس الآباء أنْ يربُّوا أولادهم «بتأديب الرَّبِّ وإنذاره» ( أف 4:6)، هذا ما نحن بحاجة إليه اليوم أن يكون الأهل هم القدوة في الإيمان ولديهم المحبَّة الكافية الَّتي تجعلم مؤدِّبين لأولادهم ومقوِّمين لسيرة حياتهم، هذا هو المعنى الحقيقيّ للتَّربية وهذا ما تفتقده اليوم.

أنقر هنا لتحميل الملفّ