نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 22 آب 2021
العدد 34
الأحد (9) بعد العنصرة
اللّحن 8- الإيوثينا 9
أعياد الأسبوع: *22: الشَّهيد أغاثونيكُس ورفقته : *23: وداع عيد الرُّقاد، الشَّهيد لوبُّس *24: الشَّهيد في الكهنة أفتيشيس، قُزْمَا الإِيتُوليّ *25: عودة جسد برثلماوس الرَّسول، الرَّسول تيطس *26: الشَّهيدان أدريانوس ونتاليا ورفقتهما *27: البارّ بِيمِن، الشَّهيد فانوريوس *28: البارّ موسى الحبشيّ.
كلمة الرّاعي
كيف نغلب؟!...
”ثِقُوا أنا هو لا تخافُوا“ (متى 14: 27)
تشتدّ الرّياح الّتي تتخبَّطُ بها سفينة حياتنا مع تقادُم الزّمان لأنّ الشّرّ يستفحل عند البشر، والجشع والطّمع ولذّة عبادة المال والسّلطة والشّهوات تتحكّم، بجنونٍ، بأسياد هذا العالم وبالشّعوب قاطبة. الشّيطان يسرح ويمرح والبشر يبتعدون عن الخالق لأنّهم يطلبون العالم وما في العالم ظانّين أنّ لهم في هذه الدّنيا حياة أبديَّة.
غباء الشّهوة ودوارها يحكمان عقول ضعاف النّفوس، الَّذين يطلبون إرضاء ”رئيس هذا العالم“ (يوحنا 12: 31، 14: 30 و16: 11). أبناء إبليس يريدون أن يُحْكِموا قبضتَهم على خليقة الله، ولكن هذا مستحيل بالكلّيّة، لأنّ الرَّبّ يُبقي لنفسه ”سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ“ (1 ملوك 19: 18).
نعم! عبادة الأوثان لم تتوقَّف... معظم النّاس يعبدون أصنامًا من صنع أيديهم وأفكارهم وأهوائهم. هذا مصدر بؤس البشريّة أنَّ ”النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“ (يوحنا 3: 19).
* * *
أفكار الإنسان جحيمه، أمّا الفردوس فهو أن يكون قلبه نقيًّا. لا يتنقّى القلب إلا بغسل الكلمة الإلهيّة (راجع أفسس 5: 26).
وما هي كلمة الله إلينا؟!... ”اسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً“ (أف 5: 2). عبثًا يبحث الإنسان عن اطمئنان وأمان في أمواج وأعاصير هذا العالم الهائجة، لأنّ القادر أن يسكتها ويهدِّئَها واحد وهو الرَّبّ القدير (راجع: مزامير 93: 4؛ حكمة 14: 1؛ يشوع بن سيراخ 24: 8 و29: 4؛ أرمياء 31: 35 إلخ.) الرَّبّ يغلب اضطرابات بحر أفكار قلوبنا حين نسلمه حياتنا مصدِّقين كلمته، الّتي قالها لتلاميذه في إتيانه ماشيا إليهم على وجه البحر، ”ثِقُوا أنا هو لا تخافُوا“ (مت 14: 27).
من غَلَبَتْ فيه محبّة الله يحبّ الإنسان ويبذل ذاته لأجله، يحبّ وطنه ويضحّي لأجله، يحبّ الحقّ ويواجه الدّنيا كلّها لأجله. لذلك، غَلَبَةُ الله في المؤمنين يجب أن تُتَرْجَمَ في شهادتهم كجماعة من خلال تعاضدهم في الضّيقات ومشاركتهم الخيرات لكي لا يكون فيما بينهم محتاجًا، إلّا من كان يريد أن يعيش في البطالة، إذ يقول الرّسول أنّ من لا يعمل لا يأكل، فالكسل ليس مبرَّرًا، ولكنّ البخل أيضًا ممجوج ومكروه من الله والعباد.
* * *
”ليس كلّ ما يلمع ذهبًا“، هكذا يقول المثل، لذلك، تخدع الشّهوات الإنسان وتغريه بأوهام سعادة غير موجودة، ومخدوع من يظنّ أن الشّرير يغلب وينتصر إلى الأبد يُخطئ، لأنّه ”كَعُبُورِ الزَّوْبَعَةِ فَلاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَأَسَاسٌ مُؤَبَّدٌ“ (أمثال 10: 25).
المؤمن يواجه الصّعاب بقوّة إيمانه ولأنّه يعرف أنّ الله لا يتركه أبدًا بل هو يعينه حين يطلب إليه ويثبت في الاتّكال عليه، هذا من ناحية، ولأن المؤمنين في المسيح جسد واحد ويعيشون كأعضاء بعضهم لبعض فيسندون واحدهم الآخَر لأنّهم جسد المسيح أي الكنيسة، والكنيسة بهذا المعنى تسند أبناءها حتّى المنتهى.
* * *
أيُّها الأحبّاء، لا نخافنّ الضّيقات والشّدائد، بل فَلْنَثْبُتْ في رجاء الإيمان، لأنّ الكتاب يقول صراحة ”أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا“ (1 يوحنا 5: 4). وكما أتى الرّبّ يسوع المسيح ماشيًا على البحر الهائج الأمواج وسكّن الرّياح المضادّة لسفينة الرّسل، أي الكنيسة، هكذا هو يأتي ولا يُبطئ لأنّه أمين أن يخلِّص محبّيه من الشّـرّير والخطيئة والموت الأبديّ، وهو قادر أن يهدّئَ بحر حياتنا المالح ويوصل سفينة حياتنا إلى الميناء الآمن.
الزّمن يمرّ والشّدائد تعبر والأشرار يبيدون والرّبّ يبقى ومتّقونه يثبتون معه إلى الأبد. فَلْنَبْنِ سلامَنا واستقرَارنا على إيمانِنا، ولْنَعْلَمْ أنّ الرّبَّ لا يترك محبّيه، أمّا من لا ثقة له بالرّبّ فهو يتّكل على ما لا أمان فيه، وهو كَمَنْ بنى بيت حياته على الرّمل، فالرّياح والمياه تجرفه وتخربه. أمّا المتّكل على الرّبّ فلا يخزى، والرَّبّ يصون حياته، لكن عليه أن يقبل بالضّيقات لأجل الأمانة للرّبّ، وفي النّهاية، لكلّ تجربة نهاية ومخرج، ”وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ“ (مت 10: 22، 24: 13 ومر 13: 13).
ها نحن في زمن تتخبّط فيها سفينة بلدنا بأمواج عاتية وأرواح شرّ واتباعها، ”وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ الأَيَّامُ“ (مت 24: 22)...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)
انحدرتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.
طروباريّة عيد رقاد السّيّدة (باللّحن الأوّل)
في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتوليَّةَ وصُنتِها، وفي رُقادِكِ ما أهْمَلْتِ العالم وتركتِهِ يا والدةَ الإلَه، لأنّك انتقلْتِ إلى الحياة، بما أنَّكِ أمُّ الحياة، فبِشفاعاتِكِ أنقذي من الموت نفوسَنا.
قنداق عيد رقاد السّيّدة (باللّحن الثّاني)
إنّ والدة الإله الّتي لا تغفل في الشَّفاعات، والرّجاء غير المَردُود في النَّجدات، لم يَضبطْها قبرٌ ولا مَوْت. ولكن بما أنّها أمّ الحياة نقلها إلى الحياة الّذي حَلَّ في مُستودَعِها الدّائم البتوليّة.
الرّسالة (1 كو 3: 9- 17)
صَلُّوا وأَوْفُوا الرَّبَّ إلهَنَا
اللهُ مَعْرُوفٌ في أَرْضِ يَهُوذَا
يا إخوةُ، إِنَّا نحنُ عامِلُونَ معَ اللهِ وأنتم حَرْثُ اللهِ وبِناءُ الله. أنا بحسَبِ نِعَمةِ اللهِ ﭐلمُعطَاةِ لي كبنَّاءٍ حكِيمٍ وَضَعْتُ ﭐلأسَاسَ وآخَرُ يَبنِي عليهِ. فَلْيَنْظُرْ كُلُّ واحِدٍ كيف يبنِي عليهِ، إذ لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يضعَ أساسًا غيرَ ﭐلموضُوعِ وهوَ يسوعُ ﭐلمسيح. فإنْ كانَ أحدٌ يبني على هذا ﭐلأساسِ ذهبًا أو فِضَّةً أو حِجارةً ثَمينةً أو خشبًا أو حَشيشًا أو تِبْنًا، فإنَّ عملَ كلّ واحدٍ سيكونُ بَيِّنًا لأنَّ يومَ الرَّبِّ سيُظْهِرُهُ لأنَّه يُعلَنُ بالنَّارِ وستَمتَحِنُ النَّارُ عَملَ كلِّ واحِدٍ ما هو. فَمَنْ بَقِيَ عمَلُهُ الَّذي بناهُ على ﭐلأساسِ فسينالُ أُجْرَةً ومَنِ ﭐحتَرَقَ عَمَلُهُ فسَيخسَرُ وسيَخْلُصُ هُوَ ولكن كمَن يَمرُّ في النَّار. أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم هيكلُ اللهِ وأنَّ روحَ اللهِ سَاكِنٌ فيكمْ، مَن يُفسِدُ هَيكلَ اللهِ يُفسِدهُ الله. لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقدَّسٌ وَهُوَ أنتُم.
الإنجيل (مت 14: 22- 34) (متّى 9)
في ذلك الزَّمان ﭐضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخُلُوا السَّفينةَ ويسبِقُوهُ إلى ﭐلعِبْرِ حتَّى يصرِفَ ﭐلجموع. ولمَّا صرف ﭐلجموعَ صعِد وحدَهُ إلى ﭐلجبلِ ليُصَلِّي. ولمَّا كان ﭐلمساءُ كان هناك وحدَهُ، وكانتِ السَّفينةُ في وَسْطِ ﭐلبحرِ تَكُدُّهَا ﭐلأمواجُ لأنَّ الرِّيحَ كانت مُضَادَّةً لها. وعند ﭐلهَجْعَةِ الرَّابِعَةِ من ﭐللَّيل مضى إليهم ماشِيًا على ﭐلبحر، فلَّما رآه التَّلاميذ ماشِيًا على ﭐلبحر ﭐضْطَرَبُوا وقالُوا إنَّه خَيالٌ ومن ﭐلخوفِ صرخُوا. فللوقت كلَّمَهُم يسوعُ قائِلًا: ثِقُوا أنا هو لا تخافُوا. فأجابَهُ بطرسُ قائِلًا: يا ربُّ إنْ كنتَ أنتَ هو فمُرْنِي أن آتِيَ إليكَ على ﭐلمياه، فقالَ: تعالَ. فنزَلَ بطرسُ من السَّفينة ومشى على المياه آتِيًا إلى يسوع، فلَّمَا رأى شِدَّةَ الرِّيح خافَ، وإذْ بَدَأَ يغرَقُ صاحَ قائِلًا: يا رَبُّ نَجِّنِي. وللوقتِ مَدَّ يسوعُ يدَهُ وأمسَكَ بهِ وقال لهُ: يا قليلَ ﭐلإيمانِ لماذا شَكَكْتَ؟ ولمَّا دخلا السَّفينةَ سَكَنَتِ الرِّيح. فجاءَ الَّذين كانوا في السَّفينةِ وسجَدُوا لهُ قائِلِين: بـﭑلحقيقةِ أنتَ ﭐبنُ الله. ولمَّا عبَرُوا جاؤُوا إلى أرضِ جَنِّيسَارَتْ.
حول الإنجيل
إنجيل اليوم هو إنجيل حياتنا اليوميّة، إنجيل كلّ يوم. ونتعلّم منه أنّ العواصف والضّيقات لا بدّ أن تكون موجودة في حياتنا اليوميّة، لكن أيضًا الرَّبّ حاضرٌ في كلّ لحظات وتفاصيل حياتنا، وهو يَعلَم بحاجاتنا وبمخاوفنا كلِّها. يجب علينا أن نُدرِك أيضًا بأنّ الرَّبّ لا يُلغي ظروف الحياة القاسية الّتي قد تَعصِف بنا، لأنّه لا يُلغي السّياق الطّبيعيّ للأمور، وبالتّالي لا يُريد أن يَحُدّ مِن حرّيّتنا في الاختيار... أساسًا، هذه الظّروف هي جزءٌ لا يتجزّأ مِن حياتنا الأرضيّة، وابن الله الوحيد قد تجسّد وعاش بيننا كباقي البَشَر، عاش إنسانيّته كاملةً، مُشارِكًا إيّانا في ظروف حياتنا الإيجابيّة والسّلبيّة. يبقى علينا أن نتعلّم مِن اختبار بطرس في هذا الفصل، أنّه طالما كانت عيوننا شاخصة إلى السّيّد بإيمان وثقة لا يتزعزعان، فإنّ عواصف الحياة لن تتمكّن منّا... يقول المزمور إنّي ولو سلكتُ في وادي ظلال الموت، لا أخاف سوءًا لأنّكَ معي (مز 22: 4)... فالمسألة إذًا هي مسألة إيمان، هو الإيمان الّذي بَحَثَ عنه الرَّبّ وسط شعبه، فلم يَجِد منه إلّا القليل، وقد وَجَدَ إيمانًا أقوى لدى الوثنيّين... هو الشّيء الّذي يبحث عنه في كلّ واحد منّا، وهو الّذي شدّد عليه على مدى كرازته، والأمثلة كثيرة جدًّا... فالإيمان إذًا هو ركيزة حياتنا في المسيح. يسوع يدخل السّفينة، فيحلّ السّلام والسّكينة في الأجواء. حين يدخل يسوع سفينتنا الكُبرى (الكنيسة) كما يدخل سفينتنا الصُّغرى (النّفوس)، يأتي السّلام الّذي يُعطينا إيّاه هو، لا كما يُعطيه العالم، هو القائل يومًا سلامي أعطيكم... (يو 14: 27). وبذلك، بعد أن أظهَرَ الرَّبّ يسوع سلطانه الإلهيّ على جوانب شتّى مِن حياتنا البشريّة، ها هو يُظهِر اليوم سلطانه المُطلَق على قوى الطّبيعة... ويأتي بالمُقابل اعتراف التّلاميذ المَقرون بالسّجود في الحقيقة أنتَ ابن الله وسيعود هذا الاعتراف على لسان قائد المئة على أقدام الصّليب، لحظة موت يسوع حقًّا كان هذا ابن الله (متّى 27: 54). ونختم بالقول إنّ إنجيل اليوم ليس إلّا مؤشّرًا لنا بأنّ الرَّبّ يسوع هو بالفعل الضّابط الكلّ.
قوّة الصّلاة
المتروبوليت جورج (خضر)
الرّوح القدس السّاكن فينا هو الّذي يُصلّي، إذ نقول في مطلع الخدمة الإلهيّة: ”أيّها الملك السّماويّ المُعزّي روح الحقّ هلمّ واسكن فينا…“، أي أنّنا نخاطبه بالقوّة الّتي أنزلها إلينا. هو الّذي يغيّرنا من حال إلى حال فيرفع نفسنا إلى الصّلاة.
تكون أنت جرّدت نفسك من شهواتها ونزواتها وجعلتها مسكنًا لله فيحرّكنا إليه وكأنّ الله في صلاتك إليه يخاطب نفسه. الرَّبّ يدخل إليك بالرّوح القدس، فيجرّد نفسك من شهواتها ويجعلها قادرة على التّحدّث إليه. عندما تخاطب الرّوح القدس عند بدء كلّ صلاة ”أيّها الملك السّماويّ المُعزّي…“، يهرب عنك روح الشّرّ ويسكن فيك روح المسيح ويُنهضك، ولا يبقى لك كلام إذ ينزل عليك كلام المسيح ويخاطب المسيح فيك نفسه وتصبح بذلك المسيح نفسه.
الصّلاة صحّ القول إنّها ارتفاع النّفس إلى الله ولكن بمعنى أنّها ترتفع بقوّة المسيح نفسه.
قبل دخول روح الله إليها تكون هابطة أو فارغة أو مسودّة أو مكسورة. وإذا دخل الرّوح الإلهيّ إليها تتحرّك بقوّته إلى الآب وتصير نفسًا مجدَّدَة بالرّوح. تضمّ ذاتها إلى الرَّبّ مجتمعة بكلّ قواها ويصلّي الرّوح القدس فيها. لذلك نقول في مطلع صلواتنا للرّوح القدس: ”هلمّ واسكن فينا وطهّرنا من كلّ دنس“. ومعنى ذلك أنّنا لا نقدر على أن نصلّي في العمق، إلّا إذا دعونا الرّوح القدس لينزل إلينا ويدفع النّفس إلى الله، فيصلّي الإنسان بقوّة الرّوح الإلهيّ. الصّلاة إذًا منذ أوّل كلمة فيها هي من الرّوح القدس إلى الآب.
معنى ذلك أنّ الصّلاة تبدأ فينا عندما نطرد الأرواح الشّرّيرة عنّا أي فكر الخطيئة. ملازمة الإنسان لروح الله فيه هو الشّرط لحقيقة الصّلاة. ولذلك كانت الصّلاة منذ بدئها توبة بحيث إنّك بها تطلب الله وتطرد ما كان ضدّ الله. يمكنك أن تصلّي وأن تقبل بقاء الخطيئة فيك. هذا يكون تناقضًا. الصّلاة في جوهرها توبة ومن الواضح أنّ الّذي لا يصلّي لا يريد أن يتوب. في كثرة من الأحوال من أهمل صلاته هو إنسان راغب في ألّا يتوب. ومن عاد إليها بعد إهمال قرّر الرّجوع إلى الله. الصّلاة هي الحَبْل الّذي يربطنا بالله. هي إقامة في الله. هي الدّليل الأقوى على الإيمان.
الصّلاة ليست آتية من العقل فقط. هي قوّة الرّوح القدس نفسه فينا. هي دليلنا الواضح على اتّحادنا بالله.
أقوال للقدّيس البارّ نيلس السّينائيّ
"إن الأهواء الجسديّة أساسها في الرّغبات الجسديّة، ولِلَجْمِها لا بُدَّ من الإمساك، أمّا الأهواء الرّوحيّة فأساسها في الرّغبات الرّوحيّة وضدّ هذه لا بد من الصّلاة".
"قبل كلّ شيء صلِّ لتُعطى الدّموع فيرقِّق البكاء القساوة الّتي في نفسك وتعترف بخطاياك أمام الرّبّ. إذ ذاك تنال منه غفران الزّلات".
"إذا كنت ترغب في الصّلاة الحقّ فتخلّ عن الكلّ لترث الكلّ".
"تستدعي الصّلاة أن يكون الذّهن خاليًا من كلّ فكر ولا يقبل ما ليس من الصّلاة حتّى لو كان في ذاته فكرًا صالحًا. فعلى الذّهن أن يترك كلّ شيء في الصّلاة ليُناجي الله وحده".
”توكّل على الله في حاجات الجسد، إذ ذاك يتّضح أنك توكّلت عليه في حاجاتك الرّوحيّة أيضًا".
"الرّاهب هو ذاك الّذي يترك النّاس ليتّحد بهم جميعًا. هو ذاك الّذي يرى نفسه في كلّ إنسان".
"لماذا ترغب الأبالسة في أن تحرّك فينا الشّراهة والزّنى والجشع والغضب والحقد وسائر الأهواء؟" فأجاب: "لكي ينوء الذّهن تحت ثقلها جميعًا فيعجز عن الصّلاة كما ينبغي. كلّ الحروب بيننا وبين الأرواح النّجسة تستهدف الصّلاة الرّوحيّة. فالصّلاة الرّوحيّة هي أكثر ما يؤذي الشّياطين فلا يطيقونها، أمّا لنا فهي خلاصيّة موافقة".