Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 21 آذار 2021  

العدد 12

أحد الأرثوذكسيّة 

اللّحن 8- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *21: الأسقف يعقوب المُعترف، البارّ سرابيون *22: الشّهيد باسيليوس كاهن كنيسة أنقرة  *23: الشَّهيد نيكن وتلاميذه الـ 199 المستشهدون معه *24: تقدمة عيد البشارة، أرتامن أسقف سَلَفكية *25: عيد بشارة والدة الإله الفائقة القداسة *26: المديح الثّاني، عيد جامع لرئيس الملائكة جبرائيل، استفانوس المُعترف *27: الشَّهيدة مطرونة التّسالونيكيَّة، النّبيّ حنانيا.

كلمة الرّاعي

استقامة الرّأي في زمن الانحرافات

”وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا.

لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ، وَالاسْتِقَامَةَ

لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ...“ (إشعياء 59: 14)

نعيش في زمن يستشرس فيه إبليس وزبانيّته في تدمير الإنسانيّة وفي استعمال الجور والظّلم لاستعباد البشر. من لا يقبل أن يكون عبدًا يُقضى عليه. يستخدمون كلام الكذب تحت غطاء الحقّ للوصول إلى مصالحهم والحصول عليها ولو على جثث وأشلاء شعوب وأوطان وكنائس الله...

ينتظر البشر، في هذا العالم، عدلًا من عبيد المال والسّلطة والشّهوات، الَّذين هم يدعونهم أسيادًا ورؤساء ومسؤولين. إنّ هذا هو ”باطل الأباطيل وقبض الرّيح“ (جامعة 1: 14). هذا هو سبب سقوط الشّعوب والأمم وخراب الكنيسة أنّ البشر يطلبون سلطانًا بحسب مفهوم هذا العالم. فهل من المنطق أن تتوقَّع ”استقامة“ من ”أُولئِكَ الَّذِينَ يَخْزِنُونَ الظُّلْمَ وَالاغْتِصَابَ فِي قُصُورِهِمْ“؟! (عاموس 3: 10).

*          *          *

”اِسْتِقَامَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ تَهْدِيهِمْ، وَاعْوِجَاجُ الْغَادِرِينَ يُخْرِبُهُمْ“ (امثال 11: 3). لا يحقّ للمؤمن بالرّبّ يسوع المسيح، الَّذي بذل دماءه على الصّليب لأجل  البشريّة والخليقة جمعاء، أن يُسَوِّف الحقّ ويقبل بالباطل. لا يستطيع أن يساير الظَّالمين وأن يسكت عن الشّرّ. هذا دور كلّ مسيحيّ مستقيم في موقعه ودوره. لا خلاص للبشريّة إلّا في المسيح، والمسيح حاضر وفاعل في كنيسته وبها أي في المؤمنين به فيهم وبهم. هل يمكن أن نتوقَّع شهادة للحقّ ممّن لا يعرفون الحقّ؟! من يعرف الحقّ يكون حُرًّا من المصالح الذّاتيَّة ولا يصنع إلّا ما يعبِّر عن وصيّة الله. ”مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟“ (متى 7: 16). لا طالما كان النّاس يميلون إلى ”القويّ“ أي صاحب السّلطة والمال. لكن، من يثبت هو المُستَعبِدُ ذاته للحقّ لأنّه حُرّ. من تحرَّر بالمسيح صار في الحقّ، ومن كان في الحقّ يصبح عثرة أمام الظّالمين، ولكن ”كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: "هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ، وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى“ (رومية 9: 33).

*          *          *

تاريخ الكنيسة مليء بالاضطهادات. حرب الأيقونات دامت حوالي المئة وعشرين سنة، حيث دُمّرت وأُحْرِقَت الكثير من الأيقونات، وسُفكت فيها دماء عديدة من الرّهبان والمؤمنين الَّذين دافعوا بشراسة عن لاهوت الأيقونة وارتباطها بسرّ التّجسّد. سنة 842 م. انتصرت العقيدة القويمة واحتُفِل بأحد الأرثوذكسيّة الأوّل في الأحد الأوّل من الصوم الكبير. الغلبة للرّبّ في وجدان المؤمنين المستقيمي الرّأي الَّذين فيهم يحفظ الرّبّ كنيسته ”مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ“ (أفسس 5: 27).

إيماننا بالتِّجسُّد يجعل الله حاضرًا معنا وفينا بنعمته، وفاعلًا بقدرته في الَّذين يسلمونه كيانهم ووجودهم إذ يعرفون أنهم منه أتوا وإليه يعودون (راجع يوحنا 1: 12—13 و15: 19)، وبه يحيون ويتحرّكون ويوجدون (راجع أعمال 17: 28). إيماننا بالتّجسُد هو تجسيد لعيشنا مع الله وسكنى الله فينا بالنّعمة، وبالتّالي لعمل الله في الإنسان. المسيحيّ يُدرك أنّه لا يستطيع أن يصنع شيئًا بدون المسيح (راجع يوحنا 15: 5)، وهو في المسيح قادر على كلّ شيء (راجع فيليبي 4: 13).

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، إن لم يكن إيماننا قويمًا فلا طائل من صلواتنا وأصوامنا وأعمالنا، لأنّه ما لم يتغيَّر القلب بالنّعمة في استقامة الجهاد الرّوحيّ بفحص الوصيّة الإلهيَّة ودوائها لا يقدر الإنسان أن يصنع مشيئة الله في حياته الدّاخليّة ولا مع عائلته ولا مع مجتمعه ولا في أيّ إطار آخَر. معرفتنا المشوَّهَة عن الله تؤدِّي إلى علاقة غير أصيلة به ناتجة عن الصّورة المغايرة لحقيقته الَّتي نصفه بها.

من هنا أهمّيّة تأكيد الكنيسة على استقامة الإيمان والعقيدة لخلاص الإنسان واقتناء نعمة الله، إذ إنّ معرفتنا بالله-الثّالوث أتت من كشفه ذاته لنا في ابنه المتجسِّد، ومن إدخاله إيّانا في سرّ وجوده بواسطة اتّحادنا بجسد ودم ابنه المقدَّسَين، لنصير أيقونات تُظهِر وجه يسوع المسيح في استقامة الحياة بطاعة الوصيَّة الإلهيَّة. كيف يُعرَف المستقيم الرّأي من المنحرف؟ من خلال شبهه بالمسيح يسوع الإله المتأنِّس في ثمار الرّوح القدس الظّاهرة في حياته والّتي هي: ”مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ“ (غلاطية 5: 22—23)، ومن خلال بذله لحياته إذ نرى عنده بأنّ ”الحياة هي المسيح والموت ربح“ (فيليبي 1: 21).

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)

انحدرتَ مِنَ العُلوِّ يا مُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.

طروباريّة أحد الأرثوذكسيّة (باللّحن الثّاني)

لصورتِكَ الطّاهرةِ نسجدُ أيُّها الصَّالحُ، طالبينَ غُفرانَ الخطايا أيُّها المسيحُ إلهُنا. لأنّكَ سُرِرْتَ أنْ تَرتفعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا لِتُنَجِّيَ الَّذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوّ. فلذلكَ نهتِفُ إليكَ بشُكرِ: لقد مَلَأْتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخَلِّصَنَا، إذْ أَتَيْتَ لِتُخَلِّصَ العالَم.

القنداق (باللّحن الثّامن)

إِنِّي أَنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أَكتُبُ لكِ راياتِ الغَلَبَة يا جُنديَّةً محامِيَة، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكْرَ كَمُنْقِذَةٍ مِنَ الشَّدائِد. لكنْ، بما أَنَّ لكِ العِزَّةَ الَّتي لا تُحارَبِ، أَعتِقيني من صُنوفِ الشَّدَائِد، حتَّى أَصرُخَ إِليكِ: إِفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.

الرّسالة (عب 11: 24-26، 32-40)

مبارَكٌ أنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائنا

لأنَكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صنعتَ بِنا

يا إخوة، بالإيمانِ موسى لمَّا كَبُرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنًا لابْنَةِ فِرْعَونَ، مُختارًا الشَّقاءَ مع شعبِ اللهِ على التَّمَتُّعِ الوَقْتِيِّ بالخطيئة، ومُعْتَبِرًا عارَ المسيحِ غنًى أعظمَ من كنوزِ مِصرَ، لأنَّهُ نظرَ إلى الثَّواب. وماذا أقولُ أيضًا؟ إِنَّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أخبرتُ عن جِدْعَوْنَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصموئيلَ والأنبياء، الّذين بالإيمانِ قَهَروا الممالكَ وعَمِلُوا البِرَّ ونالوا المواعِدَ، وسَدُّوا أفواهَ الأسودِ، وأَطْفَأُوا حِدَّةَ النَّارِ، ونَجَوْا من حَدِّ السَّيفِ، وتَقَوَّوْا من ضُعفٍ، وصارُوا أَشِدَّاءَ في الحروبِ، وكَسَرُوا مُعَسْكَراتِ الأجانب. وأَخَذَتْ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وعُذِّبَ آخَرُونَ بتوتيرِ الأعضاءِ والضَّرب. ولم يَقْبَلُوا بالنَّجاةِ ليَحْصَلُوا على قيامةٍ أفضلَ. وآخَرُونَ ذاقُوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيودَ أيضًا والسِّجنَ. ورُجِمُوا ونُشِرُوا وامْتُحِنُوا، وماتُوا بِحَدِّ السَّيف. وسَاحوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعِزٍ، وهم مُعْوَزُونَ مُضَايَقُونَ مَجْهُودونَ (ولم يَكُنِ العالمُ مُسْتَحِقًّا لهم). وكانُوا تائِهِينَ في البَرارِي والجبالِ والمَغَاوِرِ وكُهُوفِ الأرض. فهؤلاءِ كُلُّهُم مشهودًا لهم بالإيمانِ لم يَنَالُوا المَوْعِد، لأنَّ اللهَ سَبَقَ فنظرَ لنا شيئًا أفضلَ، أن لا يَكْمُلُوا بدونِنَا.

الإنجيل (يو 1: 44-52)

في ذلك الزّمان، أراد يسوعُ الخروجَ إلى الجليل، فوجد فيلبُّسَ فقال له: "اتْبَعْني". وكان فيلِبُّسُ من بيتَ صيدا من مدينةِ أندراوسَ وبطرس. فوجد فيلِبُّسُ نثنائيلَ فقال له: "إنّ الّذي كَتبَ عنه موسى في النَّاموس والأنبياءِ قد وَجَدْنَاهُ، وهو يسوعُ بنُ يوسُفَ الّذي من النَّاصِرَة". فقال له نثنائيلُ: أَمِنَ النّاصرةِ يمكنُ أن يكونَ شيءٌ صالِح! فقال له فيلِبُّسُ: "تعالَ وَانْظُرْ". فرأى يسوعُ نَثَنائيلَ مُقْبِلًا إليه، فقال عنه: "هُوَذا إسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيه" فقال له نثنائيلُ: "مِنْ أين تَعرِفُنِي؟ أجابَ يسوعُ وقال له: "قَبْلَ أن يدعوَكَ فيلِبُّسُ وأنتَ تحت التّينةِ رأيتُك". أجاب نثنائيلُ وقال له: "يا معلِّمُ، أنتَ ابنُ اللهِ، أنتَ مَلِكُ إسرائيل". أجاب يسوعُ وقال له: "لأنّي قلتُ لكَ إنّي رأيتُكَ تحت التّينةِ آمنت. إنَّكَ ستُعاينُ أعظمَ من هذا". وقال له: "الحقَّ الحقَّ أقول لكم، إنّكم من الآنَ تَرَونَ السَّماءَ مفتوحةً، وملائكةَ اللهِ يَصْعَدُونَ ويَنْـزِلُونَ على ابنِ البشر".

حول الإنجيل

(للمتروبوليت بولس يازجي راعي أبرشية حلب وتوابعها)

تعــالَ وانظـــرْ…“

 يا لها من دعوةٍ جريئةٍ ومقدّسة! فيلبّسُ يدعو نثنائيلَ ليشاهدَ معه ماذا؟ بالأحرى مَن؟ الله! هل هذه الرّؤية مطلوبةٌ أصلًا وهل تُقَدَّم هذه الدّعوة؟ وهل تحجب الإيقونة وجهَ الله أم تكشفه لنا؟

كم كانت هذه الدّعوة غريبة بالنّسبة لإنسانٍ يهوديٍّ تعلَّمَ ”أنَّ لا أحد يرى الله إلاَّ ويموت“! وإذا ما أراد أن يقترب من الله فيمكنه أن يلاقيه في مجده فقط أو عن طريق حلول مجده في الخيمة أو المعبد. لعلّ تحدّي هذه الدّعوة آنذاك ليس بأسهل من واقعه اليوم؟

رغم قساوة هذا التّحدّي، يبقى رسالة ملقاة على عاتقنا. نعم، لأنّنا رسل محبّةٍ وفداءٍ لخلاص الآخَرين. ولأنّها ”حاجة“ النّاس الحقيقيّة والمطلب الأخير للبحث الإنسانـيّ المُعَذَّب.

يتطلّع النّاسُ إلى أمورٍ شتّى، ويبنون أحلامًا مختلفة، ويَصْبُون إلى أهدافٍ متنوّعة لأنَّهم عطشى؛ لكنّ الخبرة البشريّة دَلَّتْ، أنَّ الوصول إلى كلّ تلك الغايات لا يترك بعده إلَّا العطش إلى المطلب الحقيقيّ. لقد عَبَدَ فلاسفة أثينا كلّ الآلهة، الّتي لم تروِ عطشهم الإنسانـيّ، لذلك نَصَبُوا معبدًا للإله المجهول الّذي جاء بولس يبشّرهم به. لا يمكن للعين البشريّة أن ترتاح إلَّا  برؤية الله. وهذه هي الحاجة البشريّة الأخيرة الّتي عبَّر عنها فيلبّس بالإنجيل حين قال ليسوع: ”يا سيّد أرِنا الآب (الله) وحسبنا“. ”تعالَ وانظرْ“، هذه العبارة تلخّص خطاب المسيحيّ مع كلّ إنسانٍ حوله. إنّها تلخِّص بالنّهاية، أرثوذكسيّة كلّ مسيحيٍّ. والمقصود هنا بالأرثوذكسيّة (استقامة الرّأي) الأرثوبركسيّة (استقامة المسلك). ”تعالَ وانظرْ“، هذه العبارة هي أرثوذكسيّتنا تجاه النّاس..

 ردًّا على السّؤال ”يا سيّد أرنا الآب وحسبنا“، أجاب يسوع: ”من رآني فقد رأى الآب“. المسيح هو صورة الآب، إنّه كلمة الآب للنّاس، يُمثِّل كامل المشيئة الإلهيّة، إنّه مكان الآب فعلًا، به نرى ونعرف الآب وهو الّذي يكشفه لنا.

يمكننا أن نرى يسوع ونخاطبه، ونتعلّم منه بواسطة الإيقونة. هل رأينا إيقونةً للضّابط الكلّ وتعلّمنا منها عناية الله بنا ودعوته لنا! كلّما نظرنا إلى أيقونة الميلاد نجوز بها إلى حدث التّجسّد، إلى النّداء الإلهيّ.

ننظر إلى إيقونة المصلوب فنفهم ما لا تسعه مئات الصّفحات عن محبة الله، ننظر إلى أيقونة الفَرّيسيّ والعشّار، وهي خشبٌ وألوان، لكنّها تعطينا درسًا عن التّواضع لا تشرحه صفحات! هي الحقيقة والمعنى، يمكن التّعبير عنهما بكلماتٍ كما بالصّمت أو بالألوان. الإيقونة إنجيلٌ مكتوبٌ ليس بحروفٍ وتعابيرَ، ليس بنصوصٍ وإنّما بألوان. إنّها مشهدٌ، نشاهد منه الحدث. الإيقونة ليست خشبة نسجد أمامها، إنّما هي نافذةٌ نطلّ منها ونذهب إلى عالمِ مَن وما تصوّره.

 الإيقونة أداة عبادة. ونقصد بالعبادة هنا كلّ ما يقودنا إلى مخاطبة الله والحوار معه بشأن حياتنا، ومسلكيّتنا، ورسالتنا، وعلاقتنا بالآخر. بالإيقونة إذًا نرى الله، وبالإيقونة نكشفه للآخرين أيضًا. إكرام الإيقونات واجبٌ، لأنَّ الإيقونة تجوز بنا إلى عنصرها الأوّل، كما يقول باسيليوس الكبير.

 الإيقونة تروي عطش العين البشريّة وتعطيها ارتياحها. حين الْتَحَقَ القدّيس سلوان الآثوسي بالدّير بعد حياة متقلِّبة وبدأ حياة التّوبة وأتعاب الفضيلة، دخل إلى الكنيسة مرّةً وهناك شاهد في إيقونة الّسيّد ملامح الغفران.

فلإيقونتك الطّاهرة أيّها الصّالح نسجد مستمدّين مغفرة الخطايا، وإيّاها نرفع وننظر، وبها نكشف وجهك وحبَّك ونصرخ إلى كلّ قريب ”تعالَ وانظرْ“. آميــن

”الصّمتُ لغة الدّهر الآتي“...

وصرخَ الصّوتُ من أَرضِ الأَحياءِ المغمَّسَةِ بالدِّماء.!.

”ليتَ لي جناحَين ”كالطّيور“ والحمام، فأَطير وأَستريح“.!. إِلى أَين يا ربّي ستأخذني.؟!. أَلِتُرِيَني وجهَكَ في أَصقاع غابات الأَرز الّتي ما زالت تشمَخُ في حمى الإِله، لِتَحْفَظَ أَولادَ البيعةِ من الضَّياع في أَصقاع ثلوج الجبال.!. وثلوجُ الجبالِ، صارت خيمةُ حبٍّ إِلهيٍّ لأَولاده... ولنا كلّنا.!!.

وبارَكَ الإِلهُ التّربةَ وإِيقاعَ البقاء... والصّمت.!!...

أَهو للتّواري حتّى لا يعرفوا أَين نحنُ.؟!. المدُنُ لا بيوت فيها، لتأوي الفقراء الّذين هربوا من وجه التّنّين.؟!. هم ونحنُ أَكَلْنا كما يقولون: الأَخـضــر واليابس ولم نَشْبَعْ.!!.

نَظَرُونَا نُعطي.!!. فظنّوا أَنّنا أَغنياء.!!. وما عرفوا أَنّ كلّ واحدٍ منّا نَذَرَ العِفَّةَ بالفقر والصّمت والصّلاة والعطاء والرَّكْعة والسّجود والإحتمال.!!. إِلى أَين نذهب يا ربَّنا.؟!... ”كلام الحياة الأَبديّة عندك“.!!!. وأَجابنا رَبّنا: إِنتبهوا إِلى الكلمات الّتي ينطق بها السّيِّد الرّبّ: ”أَنا قد غلبتُ العالم“.!!. (يو 16: 33). هكذا صعد السّيّد إِلى السّموات، حتّى يأخذ مكانَهُ عن يمين الآب... ويبقى السّؤال: بأَيّ ضميرٍ يحيا المسيحيّون.؟؟...

نحنُ نحيا لنجبر أَنفسنا على معرفةِ روح الرّبّ...

كيف وما يريد مِنّا الرّبُّ يسوع، أَن نحياه طيلة أَيّام حياتنا.؟!. ويأتينا الجوابُ بكلمات القدّيس ”أَندراوس الكريتيّ“ الّتي نطق بها في قانونه، لتصير مفهومة لدينا.!!. ”إِنّي بخطيئَتي وأَهوائي... دمَّرتُ جمال روحي“.!!!.

إِلى أَين نذهب يا سيِّدي وإِلهي.؟!. فقال الرّبّ... لربّي: إِصْعَد لأَجعل أَعداءكَ موطئًا لقدمَيْك.!!.

اليوم ننتبه؛ أَنّ كلَّ الكُلِّ باطل وقبضُ الرّيح.!!. إِن لم يَبْنِ الرّبُّ البيت... فباطلًا يتعب البنّاؤون.!!.

مَن هو  المعمار.؟!... ومَن ربُّ البيت.!!. لا لنا يا ألله... لا لنا... بل لإِسمكَ أَعطي المجد.!...

وقف تلامذة الرّبّ وتبّاعه وراء ظهره، يستطلعوه الحياة.!. لا حياة بلا معرفة للخالق.!!... كيف نعرفه.؟!...

روحُكَ القدّوس لا تنزعه منّي... حتّى لا تعمى عيناي عن رؤية الخالق برويّة.!!.

هأنذا واقف قُدّامكَ - يا ربّي وإِلهي - وأَنتَ تراني.!!.

فصرخ الإِله: ”تعالوا إِليَّ يا أَيّها المتعبون والثّقيلو الأَحمَال وأَنا أُريحُكم...

تعلَّموا منّي.!!. فإِنّي وديع ومتواضع القلب تجدوا راحة لنفوسكم.!!. لأَنّ نيري هيِّنٌ وحِمْلي خفيف“.!!... (مت 11: 28 - 30).

أَثَمَّةَ حِمْلٌ يخفُّ على حامله، مهما كان وزنه.؟!...

”بالصّمت“... ”بالقبول“... باحتراق الرّوح قبل أَن يتذمَّر الإِنسان.!.

سيِّدي... أَنت واقفٌ قدّامي وتراني، لكنّي لا أَستطيع أَن أَخُطَّ خُطى الطِّفل إِليك...

عارُ الصَّمْتِ والآلام تكبِّلُ جسدي هذا الّذي أَلبستني إيّاه...

ها إِنّنا صرنا... أَنتَ وأَنا في مَطْلَبِ عبورٍ واحد... لكن أَنتَ تجلسُ عن يمين أَبيكَ... وأَبوكَ، أَبي... إِلهكَ... ربُّكَ وإِلهي.!!.

سامحني... مُدَّ يَدَكَ واقتلعني من أَوحالِ حياتي وخلِّصني.!.

لا أَستطيع النّطق... لأَنّي خرجتُ من أَرض الأَحياء...

لا أَستطيع النُّطق... فنطقُ طالبِكَ صار نبراس حياتي.!.

وصمتُّ... لأَنَّكَ صرتَ كلمتي الّتي لا يُعَبَّر عنها...

صار ”الصّمتُ“ حُجَّةَ حياتي الدّنيا.!!...     

أَحبّائي سبقوني إِليكَ، ليتكلَّموا لغة صَمْتِكَ الأَبديّ لي...

صار صمتي... موتي لَكَ وإِليكَ في ملكوتِكَ إِلهي...

آمين.!!

انقر هنا لتحميل الملف