Menu Close
kanisati190524

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (2) بعد الفصح (حاملات الطّيب)

العدد 20

الأحد 19 أيّار 2024

اللّحن 2- الإيوثينا 4

أعياد الأسبوع: *19: أحد النّسوة الحاملات الطّيب القدّيسات، القدّيس يوسف الرّامي الَّذي كان تلميذًا مخفيًّا ومعه نيقوديموس التّلميذ اللّيليّ، الشّهيد باتريكيوس أسقف برصة *20: الشّهداء ثلالاوس ورفقته، نقل عظام القدّيس نيقولاوس، القدّيسة ليديا بائعة الأرجوان *21: القدّيسَيْن قسطنطين وهيلانة المُعادِلَيْ الرُّسُل *22: الشّهيد باسيليسكوس *23: القدّيس ميخائيل المعترف، القدّيسة مريم لكلاوبا حاملة الطّيب، القدّيسة سوسنَّا، الشّهيدة ماركياني *24: البارّ سمعان الَّذي في الجبل العجيب *25: تذكار العثور على هامة السّابق ثالثًا.

كلمة الرّاعي 

المرأة مرآة الخدمة في الحبّ

”يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟“ (يوحنّا 20: 15)

المرأة كتلة مشاعِر بِطَاقَةٍ لا نهائيّة في الحبّ أو في الكره، هذا بسبب السّقوط، لكنّها مرشّحة وقادرة أكثر من الرّجل على أن تصير كلّها حبًّا إلهيًّا لأنّها تعرف سرّ الوحدة في التّمايز في كيانها، إذ هي مُعطاة أن تحمل في أحشائها آخَر مختلف عنها وواحد معها ومنفصل عنها في آن معًا. الأمومة في المسيح هي كشف سرّ الحبّ الإلهيّ خدمةً وعطاءً وبذل ذات كلّي في رجولة الإيمان والجهاد والثبات.

هكذا، حاملات الطّيب تَبِعْنَ الرَّبَّ في كلّ مسيرة بشارته وحتّى الصَّلب والدّفن، ولذلك، أُعطينَ امتيازًا على الرّسل أن تعاينَّ، أوَّلًا، الرّبّ القائم من بين الأموات.

*                 *                 *

الحبّ الطّاهِرُ، في طبيعته، لا ينسجم مع منطق العالم ومقاييسه وأحكامه، لأنّه امتداد دائم بواسطة إخلاء الذّات نحو المحبوب في حركة خروج من الذّات لاستقبال المعشوق في الكيان حياةً ووجودًا ومالئًا للقلب...

من هذا الحبّ الَّذي كان يتولَّد بالنِّعْمة في قلوب حاملات الطّيب نحو الرّبّ يسوع والَّذي كان يتطهَّر بالكلمة الإلهيَّة ومرافقتهنّ له، انبعثَتْ خدمتهنّ له ولمن معه فرحًا بالعطاء والتّعب، بلا تأفُّف ولا تذمُّر ولا ”تَرْبِيح منِّيَّة“، إذ كانت هذه الخدمة هي بركة حياتهنّ الَّتي لا تُقدَّر بثمنٍ.

بدون الحبّ لا فرح ولا إمكانيّة لتحمُّل مشاقّ حياة الخدمة والبشارة. الحبّ النّقيّ هو ثمرة النّعمة الإلهيَّة المتنزِّلة على الإنسان إذا ما جاهد بصدق ومثابرة ومعرفة لكي يكون مرضِيًّا للمسيح. بعِشْرَةِ الله نتعلَّم محبّته، وبمحبّته نتعلّم طاعته، وبطاعته نتعلّم صنع مشيئته، وبصنع مشيئته نحقِّق معنى وجودنا.

*                 *                 *

لا حبّ بدون حنان، والحنان يُطهِّرُ الكيان من الشّهوات والأهواء إذا كان منبثِقًا من فعل النّعمة الإلهيَّة في قلب الإنسان. من هنا، الإنسان قلب هو، والمرأة هي قلب القلب إذا كانت للمسيح لأنّها، حينذاك، تحمل في كيانها سرّ الحبّ المُخْصَب بالكلمة الإلهيَّة الَّتي تجعلها متطهِّرة من كلّ شهوة تسلُّط أو تملُّك أو استئثار إذ يكون فرحها أنّها تحمل في أحشائها، في المسيح، كلّ إنسانٍ في المحبَّة بالخدمة والعطاء وبذل الذّات.

النّسوة حاملات الطّيب يخبرنا الإنجيل عن الأكثر شهرة بينهنّ كـمريم المجدلية ”وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ“ (لوقا 8: 2—3)، تبعن يسوع وتنقَّت قلوبهِنّ بكلمة قدرته الَّتي كنّ يغتذين بها في مرافقتهنّ له في بشارته من خلال شخصه وحياته. لقد كنّ مساهمات في بشارة الرَّبّ عبر اهتمامهنّ بحاجات المعلّم وحاجات التّلاميذ الَّذين كانوا معه، إذ أعطوا كلّ ما لديهنّ ولم يبخلن عليه بشيء كونهنّ صنعن كباقي التّلاميذ حين تركوا كلّ شيء وتبعنه (متّى 19: 29)، لأنّهنّ وجدن لديه ”كلام الحياة الأبديَّة“ (يوحنا 6: 68).

*                 *                 *

أيُّها الأحبَّاء، منذ العهد القديم ومع الرَّبّ يسوع المسيح والرُّسُل وما بعد الرُّسُل ودَوْمًا، للمرأة في الكنيسة دور جوهريّ وأساسيّ: هي أمّ. أمومتها سرّ قداستها وقداسة من حولها، لأنّ الأمومة مع الإيمان والتّقوى وطاعة الوصيَّة هي كشف لسرّ الحبّ على الصَّليب، صليب التّضحيّة والبذل والكدّ والتّعب في فرح قيامة الخليقة الجديدة بالمسيح في ولادة الإنسان على صورة المخلِّص.

المرأة شريكة في خدمة الرّبّ منذ البدء، وتحقيق مشيئته في العالم. كان لها أدوار قياديّة في شعب الله منذ العهد القديم كمريم النبيّة أخت موسى كليم الله أو كدبورة القاضية وغيرهن كثيرات. أمّا مع الرّبّ يسوع فقد رافقنه في البشارة والآلام والصلب والدفن غير آبهات بالمخاطر والمخاوف البشريّة لأنّ محبَّتهنّ له كانت تطرد عنهنّ كلّ خوف خارجًا (راجع 1 يوحنا 4: 18)، ولذلك استأهلنّ أن تكنّ أوّل من يعاين الرّبّ القائم وأن تكرزن للرّسل بالقيامة. وفي زمن الرّسل كنّ يجاهدن مع الرّسل في نقل بشارة الإنجيل (راجع، مثلًا، فيليبي 4: 2—3) وفي خدمة المحتاجين والأرامل والفتيات والنّساء والتّعليم. هذه كانت رسالتهنّ الشّموسيّة الّتي تبنّتها الكنيسة وكرّستها على مدى أربعة عشر قرنًا قبل تختفي بسبب الاحتلال العثماني.

اليوم، ما زالت المرأة المؤمنة قادرة ومطلوب منها، بالأكثر، أن تخدم الرّبّ في كنيسته في التّعليم والرِّعاية للمحتاجين وتعزية المتألّمين والمهمَلين والمتروكين وفي بثّ روح التّقوى والإيمان لدى الأمّهات والفتيات وفي العائلات... لا يكتمل العمل البشاريّ والرّعائيّ والشّهاديّ في الكنيسة بدون أن تضطلع الفتاة والمرأة المؤمنتان بخدمة المحبَّة وعيش الكلمة الإلهيّة في اقتفاء آثار قدمي الرّبّ يسوع في كنيسته وفي العالم للبرّ والقداسة في اقتناء الحبّ النّقيّ بجهاد الطّاعة للرَّبّ المتجسِّد والَّذي صُلب وتألّم ومات وقام من أجل حياة العالم...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (باللّحن الثّاني) 

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الَّذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى، صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويِّين: أيُّها المسيحُ الإله، مُعطي الحياةِ، المجدُ لك.

طروباريَّة ليوسف الرّامي (باللَّحن الثاني)

إنّ يوسفَ المُتَّقي أحدَرَ جسدكَ الطّاهر من العود. ولَفَّهُ بالسَّباني النّقيّة وحنّطَهُ بالطّيب، وأضجعهُ في قبرٍ جديد ووضعهُ فيه. لكنّك قُمتَ لثلاثة أيّام يا ربّ مانحًا العالم عظيم الرَّحمة.

طروباريَّة أحد حاملات الطّيب (باللَّحن الثاني)

إنّ الملاك قد حَضَرَ عند القبر قائلًا للنّسوة حاملات الطّيب. أمّا الطّيب فهو لائقٌ بالأموات، وأمّا المسيح فقد ظهر غريبًا من الفساد. لكن اصرخنَ قائلاتٍ، قد قام الرَّبُّ مانحًا العالم عظيم الرّحمة.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن) 

ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبرٍ يا من لا يموت، إلّا أنَّكَ درستَ قوّة الجحيم، وقمتَ غالبًا أيّها المسيحُ الإله. وللنِّسْوَةِ الحاملاتِ الطِّيبِ قُلتَ: افرحنَ. ووهبتَ رُسُلكَ السَّلام، يا مانحَ الواقِعين القيام.

الرِّسالة (أع 6: 1-7)

قُوَّتي وتسبِحَتي الرَّبُّ أدبًا أدّبني الرَّبُّ

وإلى الموت لم يُسْلِمني

في تلك الأيّام، لمّا تكاثر التَّلاميذ، حدث تذمُّرٌ مِنَ اليونانيّين على العبرانيّين بأنّ أراملهم كنّ يُهمَلن في الخدمة اليوميّة. فدعا الإثنا عشرَ جُمهورَ التَّلاميذ وقالوا: لا يَحسُنُ أن نتركَ نحن كلمة الله ونخدمَ الموائد، فانتخِبوا أيُّها الإخوة  منكم سبعةَ رجالٍ مشهودٍ لهم بالفضل، ممتلئين من الرُّوح القُدُس والحكمة، فنُقيمَهم على هذه الحاجة، ونواظبَ نحن على الصَّلاة وخدمة الكلمة. فحسُن الكلامُ لدى جميع الجمهور، فاختاروا استفانوسَ رجلًا ممتلئًا من الإيمان والرُّوح القدس، وفيليبُّسَ وبروخورسَ ونيكانورَ وتيمنَ وبَرمِناسَ ونيقولاوسَ دخيلًا أنطاكيًّا. وأقاموهم أمام الرُّسُل، فصَلَّوا ووضعوا عليهم الأيدي. وكانت كلمةُ الله تنمو وعددُ التَّلاميذ يتكاثر في أورشليمَ جدًّا. وكان جمعٌ كثيرٌ من الكهنة يطيعون الإيمان.

الإنجيل (مر 15: 43- 47، 16: 1- 8)

في ذلك الزَّمان، جاء يوسفُ الَّذي من الرَّامَة، مشيرٌ تقيٌّ، وكان هو أيضًا منتظرًا ملكوت الله. فاجترأ ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع. فاستغرب بيلاطسُ أنَّه قد مات هكذا سريعًا، واستدعى قائد المئة وسأله: هل له زمانٌ قد مات؟ ولمّا عرف من القائد، وَهَبَ الجسد ليوسف. فاشترى كتّانًا وأنزله ولَفَّهُ في الكتّان، ووضعه في قبرٍ كان منحوتًا في صخرةٍ، ودَحْرَجَ حجرًا على باب القبر. وكانت مريمُ المجدليّة ومريمُ أمُّ يوسي تنظران أين وُضع. ولمّا انقضى السَّبتُ، اشترت مريمُ المجدليّةُ ومريمُ أمُّ يعقوب وسالومةُ حَنوطًا ليأتِين ويدهنَّه. وبكّرنَ جدًّا في أوّل الأسبوع وأتينَ القبر وقد طلعتِ الشَّمس، وكُنَّ يَقُلنَ في ما بينهنّ: من يدحرجُ لنا الحجرَ عن بابِ القبر؟ فتطلّعن فرَأَيْنَ الحجر قد دُحرج لأنّه كان عظيمًا جدًّا. فلمّا دخلن القبر رأين شابًّا جالسًا عن اليمين لابسًا حُلَّةً بيضاءَ فانذهلن. فقال لهنّ: لا تنذهلن. أنتنّ تطلبنَ يسوع النّاصريّ المصلوب، قد قام، ليس هو ههنا. هوذا الموضعُ الَّذي وضعوه فيه. فاذهبن وقُلْنَ لتلاميذه ولبطرس إنّه يسبقُكم إلى الجليل، هناك تَرونه كما قال لكم. فخرجن سريعًا وفرَرْنَ من القبر وقد أخذتهنَّ الرِّعدة والدَّهَشْ. ولم يَقُلنَ لأحدٍ شيئًا، لأنّهُنَّ كُنَّ خائفات.

حول الإنجيل

هذا النَّص يبرز لنا أمانة الأوفياء لمن يُحبُّون وقد جسّدها هنا يوسف الرّامي ومريم المجدليَّة ومريم أمُّ يوسي. كما ويظهر لنا جبن الكثيرين وخوفهم وضعفهم وعدم أمانتهم لمن كان معهم المعلِّم والمُرشد والهادي (الرُّسُل والتَّلاميذ). عرّض يوسف الرَّامي نفسه للخطر المُحدِق به وبكلِّ مَنْ يُظْهِر ذاته أنَّه من أحبّاء المسيح. فكان من المحتمل أن يخسر مركزه في المجتمع اليهوديّ كرجلٍ صاحب رأي ومشورة يلجأ إليه الكثيرون وممكن أن يُقبض عليه ويتعرَّض للسّجن والعقوبة. كلُّ هذه المَخاطِر لم تكن أقوى من أمانة يوسف الرّاميّ لمن آمن هو به وأحبَّه بعدما سمع عنه وعاينه واقتنع برسالته.

كان لا بدّ من إنزال الجسد قبل حلول الغروب لأنّ يوم الصَّلب (الجمعة) كان يوم الاستعداد ليوم السَّبت. "الاستعداد" يعني الاستعداد لأكل الفصح الجمعة مساءً والاستعداد أيضًا للسَّبت أوّل أيّام الفَطير .كما أعدَّ الله الخليقة في ستَّةِ أيَّام واستراح في اليوم السّابع هكذا صعد على الصَّليب في اليوم السّادس مجدِّدًا خليقته ليدخل بها إلى الرَّاحة الحقيقيّة. وضع يوسف الجسد في قبرٍ جديد كان قد اشتراه لنفسه إذ لم يكن للمسيح مقبرة خاصّة به. لأنّ القبر يُقام من أجل الَّذين يخضعون لقانون الموت، أمّا غالب الموت فليس له مقبرةً خاصّةً به لأنّ الموت لا يقدر عليه. تعجّب بيلاطس من موت المسيح السّريع إذ أنّه في عقوبة الصَّلب كان يمكن أن يظلّ المصلوب أكثر من يوم معلَّقًا دون أن يموت لهذا دعا قائد المئة للتَّأكُّد من تمام موت المسيح. شراء النّسوة للحنوط كان دليلًا على شِدَّة محبَّتهنّ للمسيح من جهّةٍ، وأنّ فكرة القيامة كانت مستبْعَدَة من ذهنهنّ من جهة أخرى. في (مر٦:١٦) بادر الملاك النِّسوة بالحديث مطمئنًّا إيّاهنّ أن لا يخفن ولا يندهشن فهو يعلم من يطلبن. كان يكفيه أن يقول يسوع أو النّاصريّ أو المَصلوب، لكنَّه قال الكلمات الثَّلاث ليؤكِّد لَهُنَّ أنَّه يتكلَّم عن نفس الشَّخص بلا التباس. في (مر ١٦ : ٧-٨) نتعلّم أنّ كلّ مَسيحيّ لا يَكفي إقراره بإيمانه. بل عليه إيصال البشرى بالخَلاص للآخَرين "الوَيْل لي إنْ لم أبَشِّر" (١ كورنثوس ١٦:٩). أخيرًا نجد أنّه وبالرُّغم من كلام الملاك للنِّسوة وتشجيعه لهنّ، إلَّا أنّ الضُّعف البشريّ أمام ضخامة هذا الحدث جعل مشاعر الخوف والحيرة تسيطر عليهنّ .

التَّسامي في المحبَّة

الله محبَّة، ومن فيض محبَّته خلق الكَوْن والإنسان، إذًا نحن نتيجة هذه المحبَّة المتدفِّقَة. كما أنّ وصيّة المحبَّة متجذّرة في الكتاب المقدَّس، ففي العهد القديم يؤكِّد الرَّبّ لموسى في الوصايا العشر على ضرورة محبَّة الإنسان لله وللآخر، فالخمس الأولى من هذه الوصايا تدعو إلى محبَّة الإله، والخمس الأخيرة تدعو إلى محبَّة الآخَر (راجع خرو 20: 3-17). كلُّ ما نقرأه في الكتاب المقدَّس بعهدَيه القديم والجديد من مسامحة وعطاء وبذل وغيرها من الفضائل كلِّها مرتبطة بالمحبَّة.

أمّا في العهد الجديد هناك أمر مُلْفِتْ وغريب وهو قَوْل الرَّبّ يسوع لتلاميذه في العظة الختاميّة بعد العشاء السّرّيّ "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (يو13: 34). هل هذه الوصيّة جديدة؟ ألم يتربّى التَّلاميذ على وصيّة المحبَّة؟ إذًا ما هو الجديد في هذه الوصيّة؟ يا أحبّة إنّ الجديد في هذه الوصيّة هو أنْ نحبَّ بعضُنا بعضًا كما أحبّنا المسيح. هذه هي المحبَّة المتساميَة الَّتي لا تطلب شيئًا لِذاتها. "ولكن الله بيّن محبَّته لنا لأنَّه ونحن بعد خطأة مات المسيح لأجلنا" (رو5: 8). إذًا وصيَّة المسيح الجديدة لنا أنْ نُحبَّ بعضُنا بعضًا كما أحبَّنا المسيح "إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. 33وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا". يتسامى الرَّبُّ في تعليمه عن المحبَّة لتتخطّى منطق العقول، كما في الآية 35 من الإصحاح نفسه "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ".

المحبَّة المتسامية هي محبَّة المسيح لنا وهي نفسها تسكن فينا لتمتدَّ إلى الآخَرين. هذه القدرة على المحبَّة نأخذها بالنِّعْمَة من الرَّبِّ يسوع وحده. هذا ما فعله قدِّيسو الرَّبّ، على غِرار ما فعله استفانوس أوَّل الشُّهداء عندما رجمه اليهود "يا ربّ لا تُقِم لهم هذه الخطيئة" (أع 7: 60). المحبَّة المتسامية عن كلِّ مصلَحةٍ هي المحبَّة الإلهيَّة الَّتي تحدَّث عنها القدِّيس بولس (راجع 1 كو 13). ولكن كي نصل لهذه المحبَّة علينا قبل كلِّ شيء أن نستذكر قول الرَّبّ يسوع "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو15: 5).