Menu Close
190125

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي

كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.

الأحد (12) من لوقا (البرص العشرة)    

العدد 3

الأحد 19 كانون الثّاني 2025

اللّحن 5- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *19: البارّ مكاريوس المصريّ، القدِّيس مرقس مطران أفسس *20: البارّ إفثيميوس الكبير، الشَّهيد إفسابيوس *21: البارّ مكسيموس المعترف، الشَّهيد نيوفيطس *22: الرَّسول تيموثاوس، الشَّهيد أنسطاسيوس الفارسيّ *23: القدِّيس إكليمنضوس أسقف أنقرة، الشَّهيد أغاثنغلوس، القدِّيس ديونيوسيوس الأولمبيّ البارّ *24: البارَّة كساني وخادمتها، الشَّهيد بابيلا الأنطاكيّ ورفقته *25: القدِّيس غريغوريوس الثّيولوغوس رئيس أساقفة القسطنطينيّة.

كلمة الرّاعي 

الرِّئاسَة والخدمة

"إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ" (مر 9: 35)

في العالم الرُّؤساء يَسودون شعوبهم، ولكن لَفَتَني في زيارتنا بِمَعِيَّة صاحب الغبطة البطريرك يوحنَّا العاشر مع الإخوة أصحاب السِّيادة مطارنة الأبرشيّات اللُّبنانِيَّة إلى فخامة رئيس جمهوريَّة لبنان العماد جوزيف عون قَوْل فخامته لنا بأنَّه كرئيس في خدمة الشَّعب وليس الشَّعب في خدمته وأنَّ الرِّئاسة خدمة. كلامٌ إنجيليّ لا غِشَّ فيه، وروحٌ إنجيليَّة في الرِّئاسة والخدمة تنسجم مع قَوْل الرَّبّ: "جئتُ لأخَدُمَ لا لأُخْدَمَ" (متّى 20: 28). إذا كان هذا كلام رأس الهرم في الدَّوْلَة اللُّبنانيَّة فلا يمكن إلَّا أنْ نتوقَّع هذه الرُّوح الجديدة لدى جميع المسؤولين في أيِّ موقعٍ كانوا، وهنا تأتي الجِدَّة في إدارة البلاد ومن هذه الرُّوح تأتي قيامة الوطن...

إذا كان هذا تفكيرُ مؤمنٍ بالمسيح وصل إلى أعلى مرتبة في قيادة البلاد، فكم علينا نحن المؤمنين إكليروس وعلمانيّين أن نتحلَّى بهذه الرُّوح وأن نلتصق بوصِيَّة الرَّبِّ القائل: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلًا، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا." (مر 10: 44)؟!...

*             *             *

النَّاس بحاجَةٍ إلى قُدْوَةٍ صالِحَة لتتشَجَّع في عمل الصَّلاح، والقُدْوَة السَّـــــيِّــئـة، أيضًا، تُشَجِّع النَّاس على سلوك طريق الباطِل. كمؤمنين علينا مسؤوليَّة، وهذه المسؤولِيَّة وُضِعَتْ على عاتقنا مِنْ قِبَلِ الرَّبّ يسوع يوم قال لتلاميذه: "وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أع 1: 8).

كيف نَشْهَد لِيَسوع؟ بِعَيْشِنا لِوَصيَّتِه الَّتي هي شهادتنا لحَقِيقَته ولِقُوَّته. طبعًا، لا يظُنَّنَّ أحدٌ أنّه بقُوَّته يستطيع أن يُتَمِّم مشيئةَ الرَّبّ، لأنَّ كلمة الله تفعلُ بالنِّعْمَة الإلهيَّة فِعْلَها وليس بقوَّتِنا نحن، إذ "لَنَا هذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ للهِ لاَ مِنَّا" (2 كورنثوس 4: 7).

علينا، إذن، أن نكون نحن بدَوْرِنا قُدْوَةً بعد أن نقتدي بالقدِّيسين الَّذين اقتدَوْا بالرَّبّ وحياتهم شاهدَةً لهم عن شهادتهم للمسيح وعن تَجَلِّي قوَّة الله فيهم رغم ضعفاتهم... فبولس الرَّسُول، مثلًا، يطلب من أهل كورنثوس صراحة: "اقتدُوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح" (1 كو 11: 1). جرأة بولس تأتي من تواضُعِه ومعرفَتِه لنفسه ولعمل الله فيه، فهو يُصَرِّح ويَعْتَرِف "أنَّ المسيح يسوع جاء إلى العالم ليُخَلِّص الخطأة الَّذين أوَّلُهم أنا." (1 تيموثاوس 1: 15). هذه المعرفة للذَّات ولعملِ الله في الإنسان تجعل هذا الأخير مُتواضِعًا لأنَّه يُدْرِكُ أنّه بدون المسيح لا يستطيع أنْ يعمل شيئًا!... (راجع يوحنا 15: 5).

*             *             *

أيُّها الأحبّاء، مطلوب منّا كمؤمنين أنْ نَخْدُمَ، لأنّ معلّمنا وربّنا هكذا صنع لمّا غسَل أرجل التَّلاميذ (راجع يو 13)، وليس لنا فضل إنْ خدَمْنَا لأنّه يقول صراحةً: "مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا" (لوقا 17: 10). هذه هي روح الخِدْمَةِ التَّواضُع والوَداعَة، فيسوع يدعونا قائلًا: "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (متّى 11: 29). إذًا، عندما نَعْمَل ونَخْدُم ونَبِني ونؤسِّس ونُطَوِّر ونُعطي إلخ. فكلّ ما نفعله هو عطيّةٌ مِنَ الله لنا منه، وليس لنا أن نفتخر أنّنا نحن عملنا وصنعنا كذا وكذا لأنّ الفاعل فينا هو الله وهو وَليُّ التَّوفيق، "إِذًا لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِالنَّاسِ! فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ: (...) وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ للهِ." (1 كو 3: 21 -23).

المسؤوليَّةُ، إذن، تقع على عاتِقِنا كإكليروس، أوَّلًا، وكمؤمنين ثانيًا، أنْ نَشْهَدَ للمَسيح بواسطة الخدمة، وأنْ نَعِي أنَّنا جميعنا خُدَّام، وأنَّ أوّلنا رئيس في الخدمة وليس في المنصب، فالخدمة نتيجة طبيعيّة للمحبَّة، محبّة الله ومحبّة القريب، ولا يمكن أنْ نُحِبَّ الله إن لم نُحِبّ أخانا والعكس صحيح... (راجع 1 يو 4: 20). وهكذا الرَّئيس يَخدم لأنّه يحبّ، ويُخدَم لأنّه مَحبوب، وبدون المحبَّة ينتَفِي مفهوم الخدمة فتَصير هذه مصلحة أو عبوديَّة...

ألَا مَنَحَنَا الله جميعًا، أنْ نُحِبَّهُ لنَخدم الإنسان وأنْ نُحِبَّ الإنسان لنخدم الله... لِيَصيرَ المسيحُ فينا الكلّ في الكلّ...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المـُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المـُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المـَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المـَوْت. ويُنهِضَ المـَوْتى بقيامتِهِ المـَجيدة.

طروباريَّة أبينا البارّ مكاريوس المصريّ (اللَّحن الأوَّل)

ظَهرتَ في البَرِّيَة مُستوطِنًا وبالجسم مَلاكًا، وللعجائب صانعًا، وبالأصوام والأسهار والصَّلَوات، تَقبَّلتَ المواهب السَّماويَّة، فأنتَ تَشْفِي السُّقماء ونفوس المـُبادِرين إليك بإيمان، يا أبانا المـُتوَشِّحَ بالله مَكاريُوس، فالمـَجدُ لِمَن وهبكَ القوّة، المـَجدُ للَّذي تَوَّجَكَ، المجدُ للفاعِلِ بكَ الأشفِيَةَ للجميع.

قنداق دُخول السَّيِّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)

يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، للمُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ولِيَدَيّْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.

الرّسالة (كول 3: 4- 11)

ما أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَارَبُّ كُلُّهَا بحكمةٍ صَنَعْتَ

بارِكي يا نَفْسِي الرَّبَّ.

يَا إِخْوَةُ، مَتَى ظَهَرَ الـمَسِيحُ الَّذِي هُوَ حَيَاتُنَا، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَظْهَرُونَ حِينَئِذٍ مَعَهُ فِي الـمَجْدِ. فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ الزِّنَى وَالنَّجَاسَةَ وَالـهَوَى وَالشَّهْوَةَ الرَّدِيئَةَ، وَالطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبادَةُ وَثَنٍ. لِأَنَّهُ لِأَجْلِ هَذِهِ يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ العِصْيَانِ. وَفِي هَذِهِ أَنْتُمْ أَيْضًا سَلَكْتُمْ حِينًا إِذْ كُنْتُمْ عَائِشِينَ فِيهَا. أَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ أَيْضًا اطْرَحُوا الكُلَّ، الغَضَبَ وَالسَّخْطَ وَالـخُبْثَ وَالتَّجْدِيفَ وَالكَلامَ القَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، وَلا يَكْذِبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بَلِ اخْلَعُوا الإِنْسَانَ العَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَالْبَسُوا الإِنْسَانَ الجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ عَلَى صُورَةِ خَالِقِهِ، حَيْثُ لَيْسَ يُونَانِيٌّ وَلا يَهُودِيٌّ، لا خِتَانٌ وَلا قَلَفٌ، لا بَرْبَرِيٌّ وَلا إِسْكِيثِيٌّ، لا عَبْدٌ وَلا حُرٌّ، بَلِ الـمَسِيحُ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ وَفِي الجَمِيعِ.

الإنجيل (لو 17: 12- 19)

فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فِيمَا يَسُوعُ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشْرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ، وَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ، وَرَفَعُوا أَصْوَاتَـهُمْ قَائِلِينَ: يَا يَسُوعُ الـمُعَلِّمُ ارْحَمْنَا. فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ لَـهُمْ: أُمْضُوا وَأَرُوا الكَهَنَةَ أَنْفُسَكُمْ. وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهُرُوا. وَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ، لَـمَّا رَأَى أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ قَدَمَيْهِ شَاكِرًا لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: أَلَيْسَ العَشْرَةُ قَدْ طَهُرُوا، فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَـمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُمَجِّدَ اللهَ إِلَّا هَذَا الأَجْنَبِيَّ؟ وَقَالَ لَهُ: قُمْ وَامْضِ، إِيـمَانُكَ قَدْ خَلَّصَكَ.

حول الإنجيل

قرأنا في إنجيل اليوم، أنَّ الرَّبَّ شفى عشرة من المصابين بالبَرَص، لكنَّ واحِدًا عادَ، وقد كان سامِرَّيًا، ليشكره على المعجزة الَّتي غَيَّرَتْ حياتَه. كان اليهود يكرهون السَّامِريِّين باعتبارهم خَليطًا دينيًّا وعرقيًّا دمَجَ عِبادَة الله الحَقّ مع الوثنيَّة. ولأنَّ المصابين بالبَرَص كانوا مَنْبُوذين أيضًا ويُعتَبَرون غَيْرَ طاهِرِين، لم تَكُن لهذا السَّامِريّ أيَّةُ مشكلة على الإطلاق في أن يكون في ذلك الزَّمان والمكان.

لكنَّه كان مُمْتَنًّا بشِدَّةٍ، لأنَّه كان يعلم مَنْ هو وكيف كان الآخَرون ينظرون إليه. لم يكن يتوقَّع أبدًا أنْ يُساعده المسيح "اليهوديّ". ومِنَ المحْتَمَل أنَّه شعر بعدم الانتماء وهو يَمْشِي مع البُرص اليهود ليُظهروا أنفسهم للكاهن في الهيكل. أو أنّهم أي التِّسْعَة، نَبَذُوه مِنْ بَيْنَهم بعد شفائهم. لكنَّه كان الوحيد الَّذي قَدَّم ذبيحة الشُّكْرِ، فَعَادَ لِيَشْكُرَ مَنْ غَيَّر حياته. أجابه المسيح: "إيمانَك قد خَلَّصَك".

شفاء هذا الرَّجُل هو علامة، لمحة، عن تحقيق "البشرى السَّارَّة"، الَّتي احتفلنا بها في عيدَيْ الميلاد والظُّهور الإلهيّ، وهي في قلب إيماننا. هذا التَّطْهير، هذا الشِّفاء هو أيقونة، صورة لخلاصنا، لتحقيقنا وتحوُّلنا في الإله-الإنسان يسوع المسيح. وبالطَّبع، هذه البركة العظيمة تمتدُّ إلى جميع الَّذين لَبِسُوا الإنسان الجديد في المعموديَّة، بِغَضِّ النَّظَر عن أمَّتهم، أو عرقهم، ومرضهم أو صحَّتهم. فرحمةُ الله تمتدّ إلى كلّ من يَقبل يسوع المسيح بالإيمان والتَّوْبة والشُّكران.

أمَّا نَحنُ، فَعَلينا أن نَكونَ مِثلَ ذٰلِكَ الأَبرَص، أَن نَتَلقَّى البَرَكَةَ بِتَواضُعٍ وَنَستَجيبَ بِشُكرٍ حَقيقيّ - بِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا يَفعَلُهُ الآخَرون. يَجِبُ أَن تَكونَ حَياتُنا عَلاماتٍ، لَمَحاتٍ، وَأَيقوناتٍ لِلحَياةِ الأَبدِيَّةِ الَّتي جَلبَها المَسيحُ إلى عالَمِنا المَليءِ بِالمَوت. وَلٰكِن، لِكَي نَفعَلَ ذٰلِكَ، عَلينا أَن نُميتَ الخَطايا، وَالفَسادَ وَأَمراضَ النَّفسِ الَّتي تَجَذَّرَت فينا. فَهٰذِهِ إِنَّما هِيَ طُرُقُ الإنسانِ القَديمِ، طُرُقُ الفَسادِ الَّتي تَقودُ فَقط إلى اليَأسِ وَالمَوت. هِيَ تُشبِهُ البَرَصَ الرُّوحيّ الَّذي يُشوِّهُنا وَيُدمِّرُنا، يُدمِّرُ المُجتَمَع، يُدمِّرُ الزَّواجَ، وَالعائِلات، وَالصَّداقة، وَيَقودُنا إلى عِبادَةِ أَنفُسِنا فَقط، وَيَجعَلُ مِنَ المُستَحيلِ أَن نُصبِحَ أَيقوناتٍ لِمَجدِ الرَّبّ.

صلاة القلب (الصَّلاة الرُّوحِيَّة)

المتروبوليت أفرام كرياكوس 

يقول القدّيس مكاريوس المصريّ (1) عندما يقترب الواحد من السَّيِّد عليه أن يَغْصِب نفسه من أجل عمل الخير حتّى ولو رفض قلبه ذلك، مُنتظرًا رحمةَ الرَّبّ بإيمانٍ غير متزعزع.

عليه أنْ يغصب نفسه أنْ يُحِبّ، أنْ يغصب نفسه أنْ يكون وَديعًا دون أنْ يكون له وَداعة، أنْ يغصب نفسه أنْ يكون رَحومًا دون أن يكون له قلبٌ رَحوم، أنْ يغصب نفسه على تحمُّل الازدِراء والاحتِقار مِنْ قِبَلِ الآخَرين مُتَّبِعًا هذه الوَصِيَّة الرَّسُولِيَّة: "لا تنتقموا لأنفسكم أيُّها الأحبّاء" (رومية 12: 19) عليه أيضًا وخصوصًا أنْ يَغصب نفسه على الصَّلاة دون أن يملُكَ الصَّلاةَ الرُّوحِيَّة. عندما يَراه الله مُجاهِدًا وغاصِبًا نفْسَه بينما قلبه لا يَوَدُّ ذلك، عندها يَمْنَحه الرَّبُّ الصَّلاةَ الرُّوحِيَّة الحقيقيَّة، يَمْنَحه المحبَّة الحقيقيَّة، الوَداعة الحقيقيَّة، يَمنحه أحشاء رحمةٍ وطيبة. بكلامٍ واحِدٍ يُعطيه موهَبَةَ الرُّوح القدس.

القدّيس مَكارْيُوس المصريّ يُوصي بكلِّ ذلك لأنّه علينا أن نُمارِس الفضائل والصَّلاة دون أن تكون لنا شهيَّةً من أجل ذلك، أنْ نَغْصُبَ أنفسَنا على كلّ ذلك، لأنّ كلمة الله تطلب منّا هذه الأشياء: "ملكوت السَّموات يُغصب والغاصِبون يأخذونه بالقوّة" (متّى 11: 12).

هذا لا يعني أنّ نعمة الله تكون غائبة، لكنّها في الوقت الحاضر غيرُ مَحْسُوسَة. علينا أن نُجذّف ramer لكي يتقدّم قاربنا كما يقول القدّيس يوحنّا السُّلَّميّ" علينا أن نضع فكرنا في كلمات الصَّلاة" (السُّلَّم الى الله صفحة 259، 28: 17). أي علينا أن ننتبه إلى ما نقوله في صلاتنا.

في النَّصِّ المَذكور أعلاه (راجع العظات (1))، يؤكِّد أنَّ غصبَ النَّفْس لا يَقتَصِر على الصَّلاة بل يتَّسِع لكلّ المجالات الَّتي تَخْتَصُّ بالحياة الرُّوحيَّة، لا بُدَّ مِنْ غصْبِ النَّفْس لممارسة الوَداعة، التَّواضع، الإنكسار والمحبَّة. علينا أنْ نَثِقَ بأنّ الله سوف يُحَقِّق مرادَنا من خلال هذا الجهاد المتواصل الدَّؤوب.

مجموعة هذه الجهادات تكون ما يَدْعُوه الآباء القدّيسون، ابتداءً من إفاغريوس البُنْطِيّ، "المرحلة العمَلِيَّة للحياة الرُّوحِيَّة" praxis عندما يصل الإنسان الى مرحلة التَّطَهُّر مِنَ الأهواء وممارسة التَّواضُع الحَقيقيّ، عندها يمنحه عطايا الرُّوح القدس. عندها، كما يقول القدّيس يوحنّا السُّلَّميّ، "لا يَعودُ الإنسان بحاجة أن يجذّف لكي يتقدّم المركب بل يُرْخِي الشِّراع ويدع رياحَ الرُّوح القدس تُسَيِّر القارب. عندها الرُّوح القدس نفسه سوف يُصَلِّي فينا ونصل إلى "صلاة القلب" الحقيقيّة. كلّها مِنْ ثَمَرَةِ نعمة الله وتواضع الإنسان.

*(1) راجع العظات الرُّوحيّة الخمسون 19: 3 إلى 9، صفحة 205 إلى 209، مكتبة المطرانيّة.

المرجع: نشرة الكرمة- الأحد 19 كانون الثّاني 2020- العدد 3.