نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (8) بعد العنصرة
العدد 33
الأحد 18 آب 2024
اللّحن 7- الإيوثينا 8
أعياد الأسبوع: *18: الشَّهيدَيْن فلورُس ولافْرُس، القدّيس أرسانيوس الجديد الَّذي من باروس *19: القدّيس أندراوس قائد الجيش والـ 2593 المستشهَدين معه *20: النَّبيّ صموئيل *21: الرَّسول تدَّاوس، الشُّهداء باسي وأولادها *22: الشُّهداء أغاثونيكس ورفقته *23: وداع عيد رُقاد والدة الإله، الشّهيد لوبُّس *24: الشّهيد في الكهنة أفتيشيس، القدّيس قزما الإيتوليّ.
كلمة الرّاعي
أعمال الله
"مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ" (مزمور 104: 24)
في ظلِّ بَشاعة شرّ الإنسان في هذا العالم، تنتصب الطّبيعة ويظهر الكَوْن كمَطَلَّين لعظمة الخالق وجماله وحكمته ومحبّته لخليقته. لم يُوجِدِ اللهُ براياه إلَّا للخير والصَّلاح أي للحياة، الموت أدخَلَه الإنسان إلى الوجود بسبب كبريائه. "هَلْ يُحْسَبُ الْجَابِلُ كَالطِّينِ، حَتَّى يَقُولُ الْمَصْنُوعُ عَنْ صَانِعِهِ: ’لَمْ يَصْنَعْنِي‘. أَوْ تَقُولُ الْجُبْلَةُ عَنْ جَابِلِهَا: ’لَمْ يَفْهَمْ؟‘" (إشعياء 29: 16). هنا تكمن مشكلة البشريّة مع الله، هذه مأساة كبرياء الإنسان. والكبرياء هو مولِّدُ الشَّرّ ومانعُ التّوبة وحاجزُ العداوة بين البشر أنفسهم وبينهم وبين الله. التّحدّي الّذي يواجهه المؤمن في كلّ حين هو بين أنْ يصنع أعمال الله أو أعمال إبليس... "مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ" (1 يوحنا 3: 8). مَنْ هو مع الله ينقض أعمال الشَّيطان أي يصنع ضدّها، لأنّ الحرب قائمة في الإنسان وفي العالم بين أبناء الله والمعانِد وزبانيّته.
* * *
حين سُئِلَ الرَّبّ يسوع من اليهود: "مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللهِ؟" (يوحنا 6: 28) أجابهم: "هذَا هُوَ عَمَلُ اللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذي هُوَ أَرْسَلَهُ" (يوحنا 6: 29). عمل الله، إذن، هو طاعة يسوع لأنّ الإيمان به يعني السُّلوك بحسب وصاياه. وصايا يسوع هي وصايا الله نفسه لأنّه هو الله... وما هي وصيّة يسوع يا ترى؟ "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (يوحنا 13: 34). كيف نترجم هذه المحبّة؟ بأعمال المحبّة الَّتي هي بذل الذَّات لأجل الله والآخَر دون قيود أو شروط ودون مِنَّة على أحد، بل بالشّكر لله الَّذي أعطانا أن نخدمه في الإنسان والكَوْن. أساس عمل المحبّة هذا هو قول الرَّبّ: "مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا" (لوقا 17: 10). فمتى عملنا وصيّة الله، نكون قد صنعنا عمل الله، وإذا صنعنا ما طلبه منّا الرَّبّ فلا فضل لنا في شيء، بل بالأحرى علينا أن نتواضع عالِمِينَ أنَّ عمل الله لا يكتمل بدون نعمته، فإذا لم تكن نعمته معنا فلن نستطيع أن نتمّم مشيئته، لأنّه هو قال: "بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يوحنا 15: 5).
* * *
أيُّها الأحبّاء، العالم يتخبَّط في صراع كيانيّ بين النّور والظّلمة بين الحقّ والباطل بين الخير والشَّرّ بين أبناء الله وأبناء إبليس. هذه الحرب نهايتها معروفة ومحسومة، لأنّ الله يغلب، ولكنّ غلبة الله يجب أن تصير أوّلًا فينا في عالمنا الدّاخليّ لتنتقل إلى العالم الخارجيّ. نحن المؤمنين غلبة الله في العالم، لأنّنا نحقِّق ملكوته أي سيادته فينا، ومن خلالنا تصير هذه الغلبة ظاهرة جليَّة حيث يشعُّ نور ألوهيّته منّا ليُنير ظلمة أبناء هذا الدّهر. فلنصنع أعمال الله في قلوبنا، أوَّلًا، أي فلتسكن كلمته في كياننا خبزًا يُشبِع توقنا إلى الحياة الأبديّة وماءً حيًّا يفيض جداول تعزية على العِطاشِ إلى البِرِّ. كم نحن بحاجة إلى من يصنعون أعمال الله في هذه الأيَّام، لأنّ بلادنا لن تقوم من خرابها المادّيّ ما لم يقم شعبها ومسؤولوها من خرابهم الرّوحيّ، "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23). بداية الطّريق ومنتصفه ونهايته هي التّوبة. بدون توبة لا خلاص، ومن لا يتوب لا يمكنه أن يصنع مشيئة الله القائل: "تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (متّى 3: 2). العالم بحاجة إلى التّوبة ليخلَّص من الشّرّ والظّلم والحقد والقتل والتَّدمير والفساد والسّرقة والحسد والكبرياء والزِّنى وعبادة المال والسُّلطة...
عمل الله أن نتوب!...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع!...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ السَّابع)
حَطَمْتَ بِصَليبِكَ المـَوْت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريَّة عيد رقاد السَّيِّدة (باللَّحن الأوَّل)
في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتوليَّةَ وصُنتِها، وفي رُقادِكِ ما أهْمَلْتِ العالم وتركتِهِ يا والدةَ الإلَه، لأنّك انتقلْتِ إلى الحياة، بما أنَّكِ أمُّ الحياة، فبِشفاعاتِكِ أنقذي من الموت نفوسَنا.
قنداق عيد رقاد السَّيِّدة (باللَّحن الثَّاني)
إنّ والدة الإله الَّتي لا تغفل في الشَّفاعات، والرَّجاء غير المـَردُود في النَّجَدات، لم يَضبطْها قبرٌ ولا مَوْت. ولكن بما أنّها أمُّ الحياة نَقَلَها إلى الحياة الَّذي حَلَّ في مُستودَعِها الدَّائم البتوليّة.
الرّسالة (1 كو 1: 10- 17)
الرَّبُّ يُعطِي قُوَّةً لِشَعْبِهِ.
قَدِّمُوا لِلرَّبِّ يَا أَبْنَاءَ اللهِ.
يَا إِخْوَةُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيحِ أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَنْ لا يَكُونَ بَيْنَكُمْ شِقَاقَاتٌ بَلْ تَكُونُوا مُكْتَمِلِينَ بِفِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ. فَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْكُمْ، يَا إِخْوَتِي، أَهْلُ خُلُوِي، أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ، أَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: أَنَا لِبُولُسَ أَوْ أَنَا لِأَبُلُّوسَ أَوْ أَنَا لِصَفَا أَوْ أَنَا لِلْمَسِيحِ. أَلَعَلَّ الـمَسِيحَ قَدْ تَجَزَّأَ؟ أَلَعَلَّ بُولُسَ صُلِبَ لِأَجْلِكُمْ أَوْ بِاسْمِ بُولُسَ اعْتَمَدْتُمْ؟ أَشْكُرُ اللهَ أَنِّي لَمْ أُعَمِّدْ مِنْكُمْ أَحَدًا سِوَى کْرِسْبُسَ وَغَایُوسَ لِئَلّا يَقُولَ أَحَدٌ إِنِّي عَمَّدْتُ بِاسْمِي. وَعَمَّدْتُ أَيْضًا أَهْلَ بَیْتِ اسْتِفَانَاسَ. وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلا أَعْلَمُ هَلْ عَمَّدْتُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، لِأَنَّ الـمَسِيحَ لَـمْ يُرْسِلْنِي لِأُعَمِّدَ بَلْ لِأُبَشِّرَ لا بِحِكْمَةِ كَلامٍ لِئَلّا يُبْطَلَ صَلِيبُ الـمَسِيحِ.
الإنجيل (متّى 14: 14- 22) (متّى 8)
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَبْصَرَ يَسُوعُ جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَأَبْرَأَ مَرْضَاهُمْ. وَلَـمَّا كَانَ الـمَسَاءُ دَنَا إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ وَقَالُوا: إِنَّ الـمَكَانَ قَفْرٌ، وَالسَّاعَةَ قَدْ فَاتَتْ، فَاصْرِفِ الجُمُوعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى القُرَى وَيَبْتَاعُوا لَـهُمْ طَعَامًا. فَقَالَ لَـهُمْ يَسُوعُ: لا حَاجَةَ لَـهُمْ إِلَى الذَّهَابِ، أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا. فَقَالُوا لَهُ: مَا عِنْدَنَا هَهُنَا إِلَّا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ. فَقَالَ لَـهُمْ: هَلُمَّ بِـهَا إِلَيَّ إِلَى هُنَا. وَأَمَرَ بِـجُلُوسِ الجُمُوعِ عَلَى العُشْبِ. ثُمَّ أَخَذَ الخَمْسَةَ الأَرْغِفَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَبَارَكَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِتَلامِيذِهِ، وَالتَّلامِيذُ لِلْجُمُوعِ. فَأَكَلُوا جَمِيعُهُمْ وَشَبِعُوا وَرَفَعُوا مَا فَضُلَ مِنَ الكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَـمْلُوءَةً. وَكَانَ الآ كِلُونَ خَمْسَةَ آلافِ رَجُلٍ سِوَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَلِلْوَقْتِ اضْطَرَّ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى العِبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الجُمُوعَ.
حول الرّسالة
في رسالة اليوم يطلب الرَّسُول مِنْ أهلِ كورنثوس أنْ يكونوا بَعيدين عن "الانشقاقات ومكتَمِلين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحدٍ"، بعد أن بَلَغَهُ أنّ بينهم خصومات وتحزُّبات لأشخاصِ بعد الرُّسُل وهو مِنْ بينهم. اللَّافِتْ أنَّ بولس يرى في كَوْنه لم يعمِّد منهم إلَّا قِلّةً باعثًا لضرورة عدم تحزُّبهم لشخصه. لذا نراه يشكر الله على هذه الواقعة، ويُضيف في آخِر هذا المقطع من الرِّسالة "أنّ المسيح لم يُرسله ليعمِّد بل ليبشّر".
في هذا النَّصّ إشكاليَّتان تفسيريّتان. الأولى هي في التَّرابُط الَّذي يفترضه الرَّسُول بين التَّحزُّب وبين شخص المعمِّد. والثَّانية تَكْمُن في قَولِهِ أنَّ المسيح لم يُرْسِله ليُعمِّد بل ليُبَشِّر وكأنَّ الرَّبَّ لم يَطلُب مِنَ الرُّسُل أنْ يُعَمِّدوا وأنّ البشارة تتعارض مع المعموديّة.
بحسب ما كان سائدًا في المجتمع اليهوديّ زمن المسيح، كانت المعموديّة طَقْسًا تَطْهِيريًّا يمارسه بعض المعلّمين على جماعاتهم الدِّينيَّة الَّتي كانت تنتمي لهم وتُسَمَّى على اسمهم. مثالًا على ذلك معموديّة يوحنّا وجماعة الآسيّين الَّذين كانوا يستخدمون الغسل بالماء بوفرة كوسيلة للتَّطهُّر مِنَ الدَّنَس. ومن المرجَّح أنَّه كان في زمنِ يسوع فِرَق أخرى مرتبطة بأشخاصٍ تخضع لطَقْسِ العِماد وتُسمَّى على اسمهم. وهكذا كانت الحال عند الكورنثيّين في الكورنثوس مع اختلاف طقس قبولهم في حلقة هذا الفيلسوف أو ذاك، أو هذه الدِّيانة السِّرّيّة أو تلك.
في كلِّ الأحوال الانتماء، عبر هذا الطَّقْس أو ذاك، هو إلى هذا المعلّم أو ذاك الفيلسوف أو ذاك الإله الوَثَنيّ. هذا مثبَّتْ في فكر اليَهود والوَثنيّين على السَّواء وفي تربيتهم الدِّينيّة. لذا يُبرِّر شكره لله أنّه لم يُعَمِّد الكثيرين منهم بقوله "لئلَّا يقول أحدٌ أنّي عمّدتُ باسمي"، "أو باسم بولس اعتمدتم".
هكذا يمكننا أنْ نفهم الإشكاليّة الثَّانية. المسيح لم يطلب من الرُّسُل أنْ يُعَمِّدوا بل أن "يتلمذوا كلّ الأمم معمّدين إيّاهم" (متّى 28 ، 19). التَّلْمَذَة هي البشارة والرَّبُّ أرسل بولس ليبشّر. فمن دون البشارة لا توجد معموديّة. وجوهر البشارة أنّ يسوع هو ابن الله وأنّه صُلب ومات وقام من بين الأموات. فمَنْ آمَنَ نال معموديّة الرُّوح القُدُس ولا ينتمي إلَّا لِيَسُوع المسيح. كلّ استقرار عند شخصٍ مخلوقٍ مهما سما في معرفته وتَقْواه وقَدَاسَتِهِ هو عبادةَ وَثَنٍ، وكلَّ تَرْحال وغُرْبَة لامُتناهيَين نحو وجه المسيح هو عبادةً لله بالرُّوح والحقّ.
الكنيسة مستشفى
للوَهْلة الأولى يبدو العنوان على شيءٍ من الالتِباس، وقابِلًا، تاليًا، لِسُوءِ الفَهْم. لذا، وجَبَ، أوّلًا بأوَّلِ، تَوْضيح أنَّ الكنيسة ليست مستشفًى بالمعنى العِياديّ للمُصطَلَح، وليس هذا، أصلًا، ما يعنيه العنوان. والأب الرُّوحيّ الَّذي يستقبل طالِبي الاعتراف والإرشاد والمشُورة- ومِنْ بينهم مرضى ومُتَعبون ومَوجوعون- لا يَتوانى، لحظةً، عن تَوْجيه مَنْ يلزمه علاج، جسديًّا أو نفسيًّا، إلى الطّبيب المختصّ. والطّبيب المؤمن يعرف، جيّدًا، أنّ يد اللّه هي الَّتي تفعل بواسطةِ يده، ويذكر، دومًا، قول النَّبيّ:
"أَفلعلّك للأموات تصنع العجائب أَمِ الأطبَّاء يقيمونهم فيعترفون لك ؟" ( مز 88: 10).
فيكون أنّ المعاني الَّتي ينطوي عليها العنوان ذات صِلَةٍ وَثيقةٍ بالحياة في المسيح، ومَن لا يختبر هذه الحياة يَصعب عليه أن يقرأ العنوان قراءةً صحيحة. أمّا من اختبر الحياة في المسيح فَيَعْرِف جيّدًا أنّ الكنيسة هي مَقام المسيح وقِدِّيسيه، وأنّ المسيح فيها هو، كما تُوَصِّفُهُ لنا ليتورجيا سرّ الشّكر، "طَبيب النُّفُوس والأجساد". كيف لا هو القائل: "تَعالَوا إليَّ أيُّها المتْعَبون والثّقيلةُ أحمالُهم، وأنا أُريحكم" (متّى 11:28). هكذا هو المسيح بالحقيقة، وهكذا تَنبَّأ به إشعياء ماسيانيًّا، فرآه مَصلوبًا ومُدمّى، فقال: "...حَمَل أحزاننا، وتَحَمّل أوجاعنا، ونحن حسبناه مُصابًا مضروبًا من اللّه ومذلولًا" (إش 53 :4). إنّ كنيسةً هذا مسيحها من البَدَهيّ أن تكون مستشفى، أي أن تكون المـَقام الوحيد الَّذي، إذا لُذْتَ به، تجدُ فيه مَن، إذا تعبتَ، أو خارَتْ قِوَاك، أو أجهدك المرض، يحمل عنك هذه كلّها، أو يساعدك في احتمالها، وذلك، طبعًا، بشفاعاتِ القدِّيسين وصلوات الإخوة، ففي هذا يقول يعقوب: "هل فيكم مريضٌ؟ فليَدْعُ كهنة الكنيسة لِيُصَلّوا عليه بعد أن يدهنوه بالزّيت باسم الرَّبّ. إنّ الصَّلاة مع الإيمان تُخلّص المريض، والرَّبُّ يُعافيه" (يعقوب 5 : 14 و 15). وفي هذه الخبرة تقول الأمّ العظيمة تيريزا: "عندما لا يغيّر اللّه ظروفك للأفضل، رغم صلاتك، اعلَم أنّه يُغيّرك أنتَ للأفضل أثناء صلاتك: يوُسّع قلبك... يُعَلِّمك التَّواضع... يُعلِّمك الرِّضى والشُّكر..."
إنّ الكنيسة مستشفًى بهذا المعنى، أي بمعنى أنَّها تمنحك القدرة على التَّكَيُّف مع المرض بالصَّبر عليه، بحيث لا يكون، بالنِّسبة لك سببًا للتَّشَكّي والتَّذَمُّر، بل مناسبةً للشَّكر والاستِرْحام والتَّوبة.
أَختُم هذا السِّياق برواية الحادثة التّالية: أُصيبت إحدى الإعلاميّات- وهي من المؤمنات جدًّا- بمرضِ عِضال. وبعد أن أتمّتْ علاجها وأُبلِلَت من مرضها، شكرت الرَّبّ على كلّ شيء، وخرجت من المستشفى لتضع كتابًا بالغ الأهمّيّة. ضَمّنَته خبرتها الطّويلة مع المرض والأوجاع، وخبرتها، بالمقابل، مع الفرح الَّذي لا يوصف، الَّذي غمرها لمـّا عرفَت أنّها أُبلِلَتْ مِن مرضها، واختارت لكتابها هذا عنوان "ليس بالدَّواء وحدَه يحيا الإنسان". فقد كانت هذه الإنسانة، طيلةَ فترة مرضها، تُصلّي وتشكر اللّه، وتسأله المعونة، هذا أوّلًا، وثانيًا، لقيتْ من الرِّعاية والعناية، ومن الحبّ، كَمًّا هائلًا ساعدها في الصَّبر على شدّتها، وكان هو- على ما يبدو- مع الصّلاة الحاّرة الدّائمة والشُّكر، العنصر الحاسم في شفائها قبل الدَّواء.
الكنيسة هي المقام الوحيد الَّذي، إذا لُذتَ به، مريضًا، تسمع فيه مَن يقول لك: "ليس هذا المرض للموت بل لأجل مجد اللّه..." ( يوحنّا 11 : 4 ).