نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد 18 حزيران 2023
العدد 25
الأحد (2) بعد العنصرة
اللّحن 1- الإيوثينا 2
أعياد الأسبوع: *18: الشّهداء لاونديوس ورفقته، تذكار جامع للآباء الآثوسيّين *19: الرّسول يهوذا نسيب الرَّبّ، القدِّيس بايسيوس الكبير *20: القدِّيس ميثوديوس أسقف بتارُن، القدِّيس نيقولاوس كباسيلاس *21: الشَّهيد يوليانوس الطَّرسوسيّ *22: الشّهيد أفسابيوس أسقف سميساط، البارّ إيسيخيوس رئيس دير العلّيقة في سيناء *23: الشّهيدة أغريپيني ورفقتها *24: مولد القدِّيس يوحنّا المعمدان، تذكار لزخريّا وأليصابات.
كلمة الرّاعي
يوحنّا المعمدان
صوت الكلمة ومصباح النّور
الدُّنيا كلماتٌ منطوقة بمحبّة الخالق. والكلمة الإله (Logos) هو الخالق بالرُّوح القُدُس بحسب مشيئة الأب. لا شيء ممّا كُوِّن إلَّا ومعروف لدى الله، أمَّا الله فمعروف عند الكائنات العاقلة أي الملائكة والبشر وهو معروف منها في خليقته. لكنّ كلّ مخلوق له ”كُلَيْمَة“ في فكر الكلمة (Logos) أي في فكر الله، دون أن يكون للمَخلوق وجود قبل انوجادِهِ في الزَّمان والمكان. الله يعرف كلَّ شيء، هذه خاصّيّته، هو الكلّيّ المعرفة...
خاطبنا الله الآب بالابن منذ البدء، والابن عرفناه في الرُّوح القُدُس، لأنّ الكلمة (أي الصَّادِرَة مِنَ الـ Logos) تفعل فعلها بالرُّوح، والرُّوح هو الَّذي يحقِّق الكلمة المنطوقة من الآب بالابن...
هذه ليست فلسفة إنّها حقيقة وجودنا. من هنا، لا يعرف الإنسان نفسه ما لم يعرف الكلمة (Logos)، ولا يستطيع أنْ يعرف الكلمة (Logos) إلَّا بالرُّوح، ولا يتقبَّل فعل الرُّوح القُدُس ما لم يؤمن بالكلمة...
* * *
يوحنّا المعمدان ”لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ“ (يو 1: 8). الكلمة كان هو النُّور ”وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا“ (يو 1: 14).
دَوْرُ يوحنّا المعمدان كان أنْ يُمهِّد الطَّريق للمَلِك والسَّيِّد. هو عَرَفَ النُّور لذلك استطاع أنْ يشهد للنُّور. هو عَايَنَ مَجْدَ المسيح في كونه ”حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!“ (يو 1: 29). معرفة يوحنّا للكلمة ليست تحليليَّة بل هي كشفٌ إلهيٍّ: ”وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ، ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلًا وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ...“ (يو 1: 33—34).
بنوّة الكلمة للآب تكشف أبوّتَه، وأبوّة الآب للكلمة تكشف بنوّتَه. وهذا الكشف أُعطي لنا بالرُّوح القُدُس الإله الَّذي بمشيئة الآب أَعلنَ سرّ الابن المتجسِّد حين نزل واستقرَّ عليه. وشهادة يوحنّا أنّ الآب أرسل الابن لخلاص العالم بقوّة الرُّوح الَّذي يعطيه للمؤمنين به بواسطة المعموديَّة. يوحنّا كان شاهدًا لِسِرِّ الله المثلَّث الأقانيم ببساطة التّسليم للَّذي اختاره قبل أن يُحبَلَ به في الحشا إذ انسكب عليه روح الرَّبّ حين التقى الطِّفل الإلهيّ في أحشاء مريم البتول الطّاهرة.
أيُّها الأحبَّاء، كلّنا مدعوٌّ ليكون صوتًا للكلمة ومصباحًا حاملًا نوره، على مثال يوحنّا المعمدان. السّبيل إلى حمل هذه الشّهادة هو التَّخَلِّي عن كلِّ مَجْدٍ زائِلٍ، إذ الَّذين يطلبون مجد البشر يخافون أنْ يَخْسَرُوا هذه الدّنيا وما فيها، لكنَّ مجد الله لا يُستَعلن في الَّذين يخضعون للعالم بل في الَّذين يغلبون العالم، ”وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا“ (1 يو 5: 4).
نحن في زمنٍ يُمتَحَنُ فيه إيماننا على كلّ الصُّعُد، والكنيسة يجب أن تشهد لإيمانها كما شهد يوحنَّا المعمدان بجرأةٍ وشجاعَةٍ وصراحَة. العالم لا يقبل كلمة الله ولن يقبلها طالما هو تحت سلطان إبليس أي خاضع للخطيئة.
الكنيسة تحتاج إلى توبةٍ أي كلّنا إكليروسًا وعلمانيّين يجب أنْ نَتوب، أنْ نعود إلى الله، أنْ نُحارِب العالم في جسدنا وبيئتنا لكيما بالطَّهارة نواجه عالم الرَّجاسَة والنَّجاسَة الَّذي يُحاربنا فرديًّا وجماعيًّا بخطّة شيطانيّة مُمَنْهَجَة.
اليوم، نحن مَدعوُّون إلى جرأةِ يوحنّا وحرِّيَّةِ ضميره في الله لنكون شهودًا للحَقّ والنُّور في ظلمة هذه الفانية، علينا أنْ نكون غلبة الإيمان في عالم الإلحاد واللّامُبالاة، في عالم الفساد والإفساد في هذا الزَّمَن الَّذي يُحارب فيه المسيح عبر السَّعِي لمسخ الإنسان في تشييئه من خلال اللَّذَّة والتّسلُّط عليه وفرض أفكار وعقائد غريبة عن حقيقته كصورة الله...
فلْنَكُن يُوحَنَّاوِيّين بِعَدَم مُحاباتِنا للوُجوه وصدق شهادتنا للحَقّ ومعمدانيّين إذ نسعى لتعميد العالم ”بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ“ (أف 5: 26) ...
ليُعطنا الله أنْ نَثْبُتَ في الإيمان ونشهد للرَّجاء في خدمة المحبَّة ليتعزّى المُتألِّمون ويشفى المرضى وينهض السّاقطون ويفرح الحزانى بالمسيح النّذور والحياة والسّلام...
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما
طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)
إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.
طروباريّة القدّيس لاونديوس (باللَّحن الثّالث)
يا لاونديوس مجاهدَ المُخَلّص، في أتعابك قد انتصرتَ، إذ أعطاكَ الله القوّةَ في الجسد، فمثلَ ليثٍ أقدمْتَ على الجهاد، لكي تُحطّمَ عِزَّة المُحارِبين. فيا أيّها الشّهيدُ المجيد، تشفّع إلى المسيحِ الإله، أن يمنحَنا الرَّحمةَ العُظمى.
القنداق (باللَّحن الثّاني)
يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.
الرّسالة(رو 2: 10-16)
لتكُن يا ربُّ رحمتُكَ علينا
ابتهجوا أيُّها الصِّدِّيقون بالرَّبّ
يا إخوةُ، المجدُ والكرامَة ُ والسَّلامُ لكلِّ مَن يفعَلُ
الخَيْرَ من اليَهودِ أوَّلًا ثمَّ من اليونانيّين، لأنْ ليسَ عندَ اللهِ مُحاباةٌ للوُجوه. فكلُّ الَّذين أخطأُوا بدونِ النَّاموس فَبِدون النَّاموس يَهلِكُون. وكلُّ الَّذين أخطأُوا في النَّاموسِ فبالنَّاموس يُدانون. لأنَّهُ ليسَ السَّامِعونَ للنّاموسِ هم أبرارًا عندَ الله بل العامِلونَ بالنّاموسِ هم يُبرَّرون. فإنَّ الأممَ الَّذينَ ليسَ عندهم النّاموس، إذا عملوا بالطَّبيعة بما هو في النَّاموس، فهؤلاء وإنْ لم يكن عندهم النَّاموسُ فهم ناموسٌ لأنفسهم، الَّذين يُظهِرونَ عملَ النّاموس مَكتوبًا في قلوبهم، وضميرُهم شاهدٌ وأفكارُهم تشكو أو تحتَجُّ في ما بينها، يومَ يدينُ الله سرائرَ النّاس بحسَبِ إنجيلي بيسوعَ المسيح.
الإنجيل(متّى 4: 18-23)
في ذلك الزَّمان، فيما كان يسوع ماشيًا على شاطئ بحرِ الجليل، رأى أخَوَين وهما سمعانُ المَدْعوُّ بطرسَ وأندَراوسُ أخوهُ يُلقيانِ شبكةً في البحر (لأنَّهما كانا صيَّادَين). فقال لهما هَلُمَّا ورائي فأجعلَكما صيَّادي النّاس، فللوقتِ تَرَكا الشِّباكَ وتبعاهُ. وجاز من هناك فرأى أخَوَينِ آخرَينِ وهما يعقوبُ بنُ زبَدَى ويوحنَّا أخوهُ في سفينةٍ معَ أبيهما زبَدَى يُصلِحانِ شباكَهما فدعاهما، وللوقتِ تركا السَّفينَةَ وأباهُما وتبعاهُ. وكانَ يسوع يطوفُ الجليلَ كلَّه يعلّم في مجامعهم ويكرزُ ببشارةِ الملكوتِ ويَشفي كلَّ مرضٍ وكلَّ ضُعفٍ في الشَّعب.
حول الرِّسالة
(١٠-١١): كان اليهوديّ يخدع نفسه عندما يفتكر بامتيازاته الخاصّة، ظنًّا منه أنَّ الله اختاره هو دون سائر الشُّعوب الأخرى، ومَيَّزه بالنَّاموس والشَّريعة والعهد دون الآخَرين، ممّا يجعل له وضعًا خاصًّا عنده. وكان يعتقد أنَّ الله سوف يُعامله مُعاملة مُغايرة مُتَمَيِّزة عنهم كلَّهم. بِمَعنى آخَر كان اليَهود يَفصلون شعبهم عن باقي شعوب العالم ويتوَهَّمون أنَّ الله يُحابي وجوههم ولا يُساويهم مع سائر النَّاس. فنَرى بولس الرَّسول هنا يصحِّح اعْوِجاج مفاهيم اليهود هذه عن نظرة الله للشُّعوب ، مُوْضِحًا أنّ الكلَّ سواسية عنده دون تمييز أو فرق بين عرق أو عرق آخر، مؤكِّدًا عدالة الله في أحكامه مع البشر. هو لا يُحابي الوُجوه بل يُجازي بالشِّدَّةِ والضِّيق على فعل الشَّرِّ، وبالمجد والكرامة والسَّلام على فعل الصَّلاح.
(١٢): إنْ كان اللهُ قد أعطى اليهود ناموسًا مكتوبًا، فإنَّه قد زَوّد غير اليهود من الأمميِّين بناموسٍ طبيعيّ. فكلُّ إنسانٍ يولد بالفطرة مزوَّدًا بهذا النَّاموس الأخلاقيّ الطَّبيعيّ وليس النَّاموس المَكتوب. وعلى ذلك فاليهوديّ يحاكَم وفق هذا النَّاموس المكتوب، أمّا غير اليهوديّ فَوِفْقَ هذا النَّاموس الطَّبيعيّ غير المَكتوب.
(١٣): كان اليهود كما قلنا يفتخرون بمجرَّد ما لهم من ناموس وكانوا يستمعون إليه في المجمع، فأوضح لهم الرَّسُول أنَّ مجرد الاستماع إلى النَّاموس أو حتّى حفظه غيبًا لا يُخَوِّل أحدًا الدُّخول إلى ملكوت الله بل العمل به وتطبيقه في الحياة اليوميّة المُعاشَة.
(١٤-١٥): يقدِّم النَّاموس الطَّبيعيّ للأمميِّين ما يقدِمه النَّاموس المكتوب لليهود. ذلك لأنَّ الأمم الَّذين لم يأخذوا ناموسًا مكتوبًا ولكنَّهم يعبدون الله ويسلكون بالفضيلة والبِرّ والصَّلاح مقَودين بناموسهم الفِطْريّ الطَّبيعيّ الأخلاقيّ، هؤلاء ينفِّذُون ما طلبه النَّاموس المَكتوب حتّى ولو كانوا يجهلونه. وبالتَّالي صاروا هم ناموسًا لأنفسهم أي لهم ناموس الضَّمير بشهادة أفعالهم.
(١٦): يؤكِّدُ الرَّسُول هنا حقيقةً أنَّ الله هو فاحص القلوب والكِلَى والُمدرِك بالخفيّات والظّاهرات والنَّوايا عند كلِّ البشر. وعلى حسب كلِّ هذا ستكون الدَّينونة العادِلَة في النِّهاية عند المجيء الثّاني.
عشق الكلمة
في العهد الجديد يدعو الرَّسُول يوحنّا المسيح بـ "الكلمة - Logos". قُرِنتْ هذه التَّسمية بشخص يسوع المسيح في العهد الجديد وتحديدًا عند يوحنّا الإنجيليّ. وردتْ في الإصحاح الأوّل من إنجيله خمس مرّات، ثلاث مرّات في الآية الأولى منه ومرّة في الآية التَّاسعة ومرّة في الآية الرَّابعة عشرة. كما وردت في سِفْرِ الرُّؤيا (19:13): "واسمه كلمة الله". الـLogos كلمة فلسفيّة والسُّؤال الَّذي يُطرح، لماذا أورد يوحنّا في بدء إنجيله هذه العبارة وبكثافة لافتة وهو لم يكن متوغّلًا في علوم فلسفة زمنه؟ لكن يبدو أنّه كان مطَّلِعًا على مضمون هذه الكلمة فهو غادر فلسطين وأُسِر في بَطْمُس في اليونان وعاش بقيّة حياته في آسيا الصُّغرى في أفسس، وكانت تتردّد في مسمعه هذه الكلمة في هذه البيئة الجغرافيّة الفلسفيّة. ولم يشأ عبر استعماله لهذه الكلمة أنْ يصبغ كلامه بصبغة فلسفيّة. الـ Logos عنده لا يشبه مثيله في الفلسفة إلَّا بشكل الأحرف.
لغويًّا، العبارة تعني "قَوْل" أو "كلمة" أو "منطق" أو "عقل". فلسفيًّا، يُقصد بها إلهٌ من درجة ثانية، قوّة عقليّة منطقيّة تسمو على كلّ الكائنات العقليّة، عبره يتواصل الإله من الدَّرجة الأولى، الَّذي يفوق الإدراك ويسمو على كلّ الخليقة، مع العالم المخلوق. يدرك يوحنّا بسبب عيشه ضمن محيط فلسفيّ بامتياز، أنّ "الكلمة" عند بعض الفلاسفة هو أدنى من الإله المُتعالي، وعند غيرهم هو كائنٌ مخلوق خُلِق ليتمّم عملًا يترفّع عنه إلهٌ من الدَّرجة الأولى، ليخلق العالم ويتعامل مع كائناته نيابةً عنه ويكون الوَسيط بينها وبين هذا الإله الَّذي لا يَلِيقُ به التَّنازل إلى مستوى المخلوقات. لذا كتب إلى هذه البيئة ما كتبه في بدء إنجيله ليقول أنّ "الكلمة" عند المسيحيّين هو كلمة الله هو الَّذي كان في البدء، هو الله الخالق، المُتعالي والمُتنازِل، غير المدرَك والكائن منذ البدء، ذاك الَّذي سمعناه ورأيناه بعيوننا، الَّذي تأمّلناه والَّذي لمسته أيدينا..." (1 يو 1:1). ليقول أنّنا لا نؤمن بآلهة متعدّدة المستويات. هذا هو الكلمة الَّذي نبشّركم به.
يُضيف يوحنّا: "والكلمة صار لحمًا فَسَكَنَ بيننا ورأينا مجده" (يو 1:14). هذا الإله الكلمة الَّذي أبشّركم به هو ابن الله الَّذي لم يترفّع عنكم وتنازل إليكم وصار "لحمًا". أخذ ما كنتم ترونه أنتم شرًّا ومصدرًا للشَّهوات واللَّذّات الدَّنيئة ليجعلَه مطرحًا لمجده الإلهيّ ويرفعَكم من لحميّتكم وشهواتكم إلى إنسانيّتكم الَّتي هي على صورته ومدعوّة إلى مثاله. هذا فعله لأنّه يحبّنا وفقط لأنّه يحبّنا. لا نُدرِك قيمةَ الأفعال الإلهيّة إلّا إذا أدرجناها ضمن إطار محبّته لنا، "انظروا أيّ محبّة خصّنا بها الآب" (1 يو 3:1).
أراد يوحنّا، عبر تكرار عبارة "الكلمة" في مستهلِّ إنجيله وعبر كثافة كلامه عن المحبّة في إنجيله ورسائله، أن يُقصيَ عن فكر من بشّرهم صورة إلهِ الفلاسفة المترفّع على الخليقة والقابض عليها بواسطة قدرٍ أعمى لا يتفلّت منه أحدٌ، أن يكشف لنا محبّة كلمته ويدعوَنا لبلوغ قممه الإلهيّة وللارتقاء من عالم معقوليّتنا المحدود إلى رحابة المجد الإلهيّ.
يعبّر القدّيس مكسيموس المُعْتَرِف عن هذه المحبّة بكلمة "عشق- Eros" إذ يعتبر العشق حالة إلهيّة تنبع منها كلّ الأفعال الإلهيّة. الخليقة هي نتيجة هذا العشق الإلهيّ الانحداريّ، والخليقة مدعوّة لمبادلة هذا العشق الانحداريّ بواسطة عشق إنسانيّ ارتقائيّ نحو كلمته خالقِها وعاشقِها.