نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
الأحد ١٨ شباط ۲٠١٨
العدد ٧
أحد الغفران
اللّحن ٤- الإيوثينا ٤
كلمة صاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر
برحمة الله تعالى
يوحنا العاشر
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
إلى إخوتي رعاة الكنيسة الأنطاكية المقدسة،
وأبنائي وبناتي حيثما حلوا في أرجاء هذا الكرسي الرسولي،
أيها الإخوة والأبناء الروحيون الأعزاء،
يطيب لي ونحن على عتبة هذه الأيام المقدسة أن أضم صوتي إلى صوت قلوبكم مصلياً من أجل سلام العالم ومن أجل خير جميع الناس. نحن على عتبة زمن مبارك نصلي لمن فارقنا إلى الديار الباقية ونرفع تضـرعنا إلى الرب الخالق أن يقدس حياتنا بذكره القدوس.
الصيام ملك الفضائل. وهذا ما تقوله ترنيمة أحد مرفع اللحم. إذ تدعو الصيام ملك الفضائل وتخاطبه بالتورية داعية المؤمنين كي يستقبلوه كملك على النفوس يرسو بها على موانئ الخلاص:
"لنسبق أيها الإخوة فننقِّ ذواتنا لملك الفضائل. لأن ها قد وافى (الصيام) جالباً لنا ثروة الصالحات مخمداً نهضات الأهواء ومصالحاً الأثمة مع السيد. فلنستقبله بسـرورٍ هاتفين إلى المسيح الإله: يا من قام من بين الأموات احفظنا أبرياء من المداينة نحن الممجدين إياك"
الصوم وسيلتُنا لنعبُر من قساوة الجسد إلى رحمانية الله. وبالصوم تُنتزع من النفس كل الأهواء ليسكن فيها جمر المحبة. الصوم هو ملك الفضائل بقدر ما ينزع أدران النفس ويغسلها بالتوبة الصافية لتبرق سلاماً ومحبةً للآخرين. المحبة هي كنز الكنوز والصوم هو خير تعبير عن تلك المحبة وخير سبيل إليها بالقدر الذي يشحذ من النفس أهواء الضغينة والاستكبار ويجلوها بالصَّدَقةِ والعطاء ويغسلها ببريق التوبة والتواضع لينجلي فيها نور قيامة المسيح.
الصوم المقدس مسيرة مصالحة مع الخالق ومع الذات ومع الآخر. هو مسيرة غفران وصفحٍ ومصالحة. وما أحوج إنسان هذا الدهر ومجتمعاته إلى المصالحة والغفران! وهذا ما تشدد عليه الكنيسة المقدسة. فالتوبة هي مصالحةٌ مع الخالق والمغفرة هي مصالحةٌ مع الآخر وهي عينُها قربان حمدٍ وتمجيد لرب السماوات الذي يُسر بنا بشراً متآخين.
الصوم الأربعيني جرن عمادٍ مآلُه قيامةٌ مع المسيح هو مسيرةٌ تبتدئ تحضيرياً بتواضع العشار الذي حنى الرأس فحنى السماوات إليه وبعودة الابن الضال رمزاً لعودة الإنسان إلى الحضن السماوي. الصوم إمساكٌ عن طعامٍ لنضعه في فم الفقير والمحتاج. والنفس الصائمة هي التي تنظر عالم الروح في الأيقونة لتمسي بذاتها أيقونة للمجد الإلهي عبر صالح أفعالها. وهي المستعطيةُ النعمةَ الإلهية التي من دونها لا تلج خدر السيد. وهي التي بقوة صليبه تجتاز مصاعبها مرتقيةً سلم الفضائل لترسو بعَبَرات توبتها على ميناء الرحمة الإلهية. النفس الصائمة بحقٍّ هي التي تفرش للرب الداخل إلى قدس النفس سعف الفضائل وتمخر عباب العمر الفاني متشبّثةً بيد سيدها الذي حطم الموت وخلع عليها وشاح القيامة البهي.
توافينا هذه الأيام المبارَكَة والشرق يرزح تحت صليبه. توافينا والعالم يتخبّط بحثاً عن سلام مفقود وجزعاً من قلاقل. توافينا وكلٌّ منا غارق في همٍّ من هموم حياته وفي قلقٍ وجوديٍّ. لكن كل هذا لا يمنعنا أن ننقب ولو قليلاً ستار واقعنا ونحني ركبة قلبنا أمام الله ليهبنا السلام والتعزية والفرح السماوي.
لقد آن لجلجلة هذا الشرق أن تُدفن تحت عتبة القيامة. منذ فجر التاريخ وهذه المنطقة تدفع من دم وأرواح أبنائها ضريبة الحرب والدمار. ندعو الجميع في كل بلدان هذه المنطقة إلى سلوك روح التلاقي ونبذ التكفير المدان دينياً كان أو خطابياً أو ثقافياً والحفاظ على الوحدة الداخلية. ونحن كمسيحيين كنا ولا نزال من صلب هذي الأرض ومن صلب المجتمعات التي ننتمي إليها ولنا فيها دور أساسٌ في مد جسور التواصل مع الآخر والنهوض معه بكل الأعباء.
نصلي من أجل السلام في سوريا ومن أجل صون استقرار لبنان. نصلي من أجل العراق ومصر وفلسطين والأردن ومن أجل كل العالم. نصلي من أجل أن يغلب تهليل السلام تهويل الحرب وأن يجد السلام طريقه إلى قلوب الناس في الوقت الذي يجد طريقه إلى المؤتمرات. نحن كمسيحيين متجذّرون هنا في الشرق في الأرض التي ولدنا فيها. وجه المسيح لن يغيب عن مشرقه الذي ولد فيه. ووجهه راسخ في فلسطين التي ولد فيها وفي القدس التي وافاها. ووجه القدس لا تغيره السياسات فهي قبلة لكل الناس وللمسيحيين والمسلمين خصوصاً.
ولا يسعنا هنا إلا أن نلفت الأنظار إلى قضية مطراني حلب التي تختزل شيئاً من قهر إنسان هذه الأرض الذي يمسي سلعة في سوق المصالح. لقد خطف المطرانان بولس يازجي ويوحنا إبراهيم في نيسان العام ٢٠١٣ وإلى اليوم ننتظر وينتظر الخيّرون أن ينجلي فجر هذا الملف. إن الأخطر والأكثر إيلاماً في هذا الملف هو هذا التعامي أو التعاجز الدولي وهذا الصمت المطبق تجاه قضيةٍ تختزل بعضاً من معاناة المخطوفين كل المخطوفين، الذين نصلي من أجلهم ومن أجل كل مخطوف ومشرد ومهجر وملتاع وشهيد طالته يد الحرب والتكفير والإرهاب.
نحن في هذا الشرق استمرارية لأصالة وجودٍ وعراقةِ تاريخ. ومنه انطلق آباؤنا وأبناؤنا الأنطاكيون إلى كل الدنيا حاملين إنجيلهم وكنيستهم رغم شظف التاريخ. في الشرق نغرس أقدامنا رغم كل الأهوال وإليه منّا حنين خاص إذ فيه تراب آبائنا وذكريات طفولتنا وفيه رضعنا إيماننا من صدور الأمهات وشربنا معه أصالةً ومحبةً لبلادنا. وإن قوةً في الدنيا لن تجتثنا من أرضنا. لأنها منا القلب والكيان.
بسلام الرب ومحبته أتوجه إليكم ضارعاً إليه أن يديم مراحمه في قلوبكم ويملأ كيانكم من فرحه السماوي، هو المبارك إلى الأبد، آمين.
صدر عن مقامنا البطريركي بدمشق
بتاريخ الحادي عشر من شباط للعام ألفين وثمانية عشر.
+ يوحنَّـا العاشِـر
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
طروباريّة القيامة (اللّحن الرّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ. تَعَلَّمْنَ مِنَ الملاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهِج. وطَرَحْنَ القَضَاءَ الجَدِّيَّ. وخَاطَبْنَ الرُّسُلَ مُفْتَخِرَاتٍ وقَائِلات. سُبِيَ الموتُ وقامَ المسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
القنداق لأحد الغفران (اللّحن السّادس)
أيُّها الهادي إلى الحكمةِ والرَّازقُ الفَهْمَ والفِطنةِ، والمؤَدِّبُ الجُهَّالَ والعاضِدُ المَسَاكِين، شدِّدْ قلبي وامْنَحْنِي فَهْمًا أيُّها السَّيِّد، وأَعْطِنِي كلمةً يا كلمةَ الآب، فها إنّي لا أمنعُ شَفتيَّ من الهُتافِ إليك: يا رحيمُ ارحَمْني أنا الواقِع.
الرّسالة (رو 13: 11-14، 14: 1-4)
رتّلوا لإلِهِنا رتّلوا
يا جميعَ الأُممِ صَفِّقُوا بالأيادي
يا إخوةُ، إنّ خَلاصَنا الآنَ أقربُ مِمّا كان حينَ آمَنّا. قد تَناهى الليلُ واقتربَ النّهار، فَلْنَدَعْ عَنّا أعمالَ الظُّلمةِ ونَلْبَسْ أسلِحَةَ النّور. لِنَسْلُكَنَّ سُلوكاً لائقاً كما في النّهار، لا بالقُصُوفِ والسُّكْرٍ، ولا بالمَضَاجِعِ والعَهَرِ، ولا بالخِصامِ والحَسَد. بَل اِلْبَسُوا الرَّبَّ يسوعَ المسيحَ، ولا تهتمّوا لأجسادِكُم لِقَضاءِ شَهَواتِها. مَنْ كان ضعيفاً في الإيمان فاتَّخِذوه بِغَيرِ مُباحَثةٍ في الآراء. مِنَ النَّاسِ مَن يعتقدُ أنَّ لهُ أن يأكُلَ كلَّ شيءٍ، أمّا الضَّعيفُ فيأكُلُ بُقولاً. فلا يَزْدَرِيَنَّ الذي يأكلُ مَن لا يأكل، ولا يَدِينَنَّ الذي لا يأكلُ مَن يأكل، فإنَّ اللهَ قدِ اتَّخَذه. مَنْ أنت يا من تَدينُ عبداً أجنبيّاً؟ إنّه لِمَولاهُ يَثبتُ أو يَسقُط. لكنَّه سيُثبَّتُ، لأنَّ اللهَ قادِرٌ على أن يُـثَـبِّـتَـهُ.
الإنجيل (متّى 6: 14-21)
قالَ الرَّبُّ: إنْ غَفَرْتُمْ للنَّاسِ زَلّاتِهِمْ يَغْفرُ لَكُم أبوكُمُ السَّماويُّ أيضاً. وإنْ لم تَغْفِروا للنَّاسِ زَلّاتِهِم فأبوكُمُ لا يغفرُ لَكُم زَلّاتِكُمْ. ومتى صُمتُمْ فلا تكونوا مُعَبِّسِين كالمُرائين، فإنّهم يُنَكِّرُون وُجوهَهْم ليَظْهَرُوا للنَّاسِ صائمين. الحقَّ أقولُ لَكُم إنّهم قد أَخَذُوا أجْرَهُم. أمّا أنتَ فإذا صُمْتَ فادْهَنْ رَأسَكَ واغْسِلْ وَجْهَكَ لئلَّا تَظْهَرَ للنّاس صائماً، بل لأبيكَ الَّذي في الخِفْيَةَ، وأبوكَ الَّذي يرى في الخِفيةِ يُجازيكَ عَلانِيَةً. لا تَكنِزوا لكم كنوزاً على الأرض، حيث يُفْسِدُ السُّوسُ والآكِلةُ ويَنقُبُ السّارقونَ ويَسرِقون، لكنْ اكنِزُوا لَكمْ كُنوزاً في السّماءِ حيث لا يُفسِدُ سوسٌ ولا آكِلَةٌ ولا يَنْقُبُ السّارقونَ ولا يسرِقون، لأنّه حيث تكونُ كنوزُكُم هناكَ تكونُ قلوبُكُم.
حول الإنجيل
إنّنا نقف اليوم على عتبة الصّوم الأربعينيّ المقدّس ونهيّئ ذواتنا للجهاد الطّويل نحو الفصح. نجاهد مرّةً جديدةً بمعونة المسيح، بعد أن قضينا سنةً أخرى مليئةً بالإحباط الرّوحيّ والاحتكاك مع كلّ ملذّات العالم. وقد أُعطِيَت لنا، اليوم تحديداً، فرصةٌ من أجل وضع أساسٍ حَسَنٍ للفترة الصّياميّة المُزْمِعَةِ أن تَبْزُغَ علينا.
نقيم في الكنيسة اليوم تذكار طرد آدم من الفردوس الّذي تصفه لنا الخدمة اللّيتورجيّة جالساً خارج جنّة عدن، باكياً على خطيئته وعلى كلّ ما خسـره. لكنّ القطع اللّيتورجيّة هذه تَسْتَخْدِمُ ضمائر المخاطب، كوننا كلّنا خطئنا مثل آدم وطُرِدنا من موطننا، وهذا ما نبكي عليه نحن أيضاً. لكن ما يميّزنا عن آدم هو أنّنا نبكي على ما هو مبهمٌ بما أنّنا لم نكن هناك في جنّة عدن أبداً. جلّ ما نعرفه هو هذه الحياة الوهنة المملوءة من الملذّات الفارغة وهجمات العدوّ المتكرّرة وشرّ الإنسان.
قد يبدو صعباً علينا أن نجوز مرّةً جديدةً عناء الصّوم بهدف بلوغ عيد الفصح. وقد ولا نجد تفسيراً لمسألة أنّ البشر يقضون حياةً في عالمٍ خاطئٍ وخاضعٍ أكثر فأكثر للشّرّ، وهذا كلّه بهدف بلوغ فردوسٍ لم نَره قطّ. عندما ننظر هذا الواقع الموجود حولنا وداخلنا، قد نصـرخ أحياناً مع التّلاميذ: "يا ربّ من يخلص؟".
لكن يجب أن نعلم أنّ الرّبّ قد أعطانا في هذا المنفى بالذّات الطّريق للعودة إليه. ولم يكن طردنا هذا إلّا بسبب رحمته العظيمة وإشفاقه علينا. يقول القدّيس دوروثاوس عند تـأمّله بخطايا الإنسان: "قال الرّبّ: قد جنّ الإنسان، ولا يعرف كيف يكون سعيداً، وسوف يهلك تماماً إلّا إذا اختبر أيّاماً شرّيرة". فالابن الشّاطر لم يكن ليعود إلى البيت الأبويّ لو ذهب إلى البلد البعيد وعاش هناك بسلامٍ وفرحٍ وطمأنينة. لو لم يسمح الرّبّ بأن نخضع للموت الجسديّ والألم، ولو خُلِقنا لنعيش أزليّاً في هذا العالم السّاقط دون أن نعرف سوى الأوقات السّلاميّة والفرح الأرضيّ، لما عرفنا أبداً شقاءنا على الصّعيد الرّوحيّ، وكنّا سنمضي حياتنا دون أيّ معنىً، ولكنّا أمضينا الأبديّة كلّها منفصلين عن الله. ما نستنتجه من ذلك هو أنّ البلاء الَّذي نعانيه يحوّله الله لنا بركة، وهذا ما يعبّر عنه القدّيس أفرام السّريانيّ بقوله: "العصا الّتي تُعاقَب بها مصنوعةٌ من خشب محبّته للبشر". فالرّبّ لا يقوم بشيءٍ كي ينتقم، فهو الرّحوم والمتعطّف.
لنتذكّر خلال الصّوم المقبل أنّ كلّ تجربةٍ، وكلّ ألمٍ وحزنٍ، وكلّ مرضٍ جسديٍّ، وكلّ سقطةٍ في الخطيئة يسمح بها كي يجعلنا نستدير نحوه، ويذكّرنا بأنّ هذا العالم ليس موطننا، وأنّ حياتنا بدونه مثل ظلٍّ عابر. لِنَحنِ أعناقنا ونَقْبَلْ بدموع الامتنان تأديبات الآب المحبّ من أجل شفائنا وسعادتنا. ولنرفع أعيننا عن هذا العالم ونرَ أمامنا الفصح المشرق، ولا ننسينَّ أبداً أنّ الطّريق الّذي يقودنا الرّبّ فيه هو الوحيد الّذي يوصلنا إلى موطننا الحقيقيّ. آمين.
هل من صوم من دون توبة؟
نظراً لأن الصوم الكبير هو فترة التوبة بامتياز، وبما أن التوبة هي الشيء الوحيد الذي يمكننا إظهاره، ومن خلاله يمكننا أن نطمح إلى اكتساب نعمة الله المُحِبَّة، لذا نحن نعتبرها عنصراً أساسياً جداً. العائق الأعظم، أو أحد أكبر العوائق، أمام التوبة هي رؤيتنا لأنفسنا: إنها الذات المثالية، الذات الخيالية والوهم الذي نكنّه لأنفسنا. فإن هذا الوهم حول ذاتنا المثالية والواجهة التي كوّنّاها وصدّقنا أنها تنطبق على شخصنا، هي بالتحديد ما يعطّل التوبة، ويشكّل العائق عندما نسعى إلى امتلاك حياة روحية. في محاولتنا لتغطية مشاعر الذنب التي لدينا، تتحرّك آلية التفاعل والتنافر. بدلاً من التعبير عن أنفسنا أو عرضها وإيجاد اتصال مناسب مع واقعنا عن طريق ملاحظة الفساد، والسعي لاستعادة جمال الصورة الإلهية، نلجأ إلى أمور أخرى. نحن لا نملك العلاقة الجدلية السليمة مع ذنبنا لبلوغ التوبة. نحن نصدّ ذنبنا. نحن نتفاعل مع الأحداث، سواء كان ذلك داخلياً في ضمائرنا أو خارجياً، مع تدخل الناس والظروف التي يسمح الله بها، فنتفاعل معها لنحمي الصورة المثالية التي بنيناها عن أنفسنا. هذه الأعراض تكشف نفسها، ليس فقط فينا وفي عائلتنا، بل في الكنيسة أيضاً. لإيضاح معنى هذا الكلام يجب أن نفهم أنّ كل الأمور التي تجري في أيامنا وزمننا مهمة. هناك أمر يُدعى التطهُّر (catharsis). عبارة التَّطَهُّر في الكنيسة مرتبطة بالتوبة، فما معناها؟ لكي نحمي أنفسنا نختار أن نحمي الصورة التي صنعناها لنفسنا وصورة الآخرين عنّا، حتّى لو بطرد نعمة الله من حياتنا. وهكذا، قد نعترف بأخطائنا، إلا إننا نسعى إلى عذر لها، وبالتالي إلى مخرج. بدلاً من أن تؤدّي سقطتنا إلى التوبة، ترانا نحاول استعادة صورتنا في أعيننا وأعين الآخرين. هذا لا يؤدّي إلى التطهّر على كل المستويات. هذا ما نراه في الأحداث الكنسية ونتصرّف بهذه الطريقة على كل المستويات. خلال الاعتراف، ماذا نفعل؟ هاكم مثالٌ للفهم. نخطأ، ونترك بعض الوقت يمر قبل أن نشير إلى أبينا المعرّف: ”آه! لم أقع في هذه الخطيئة الآن، بل قبل شهر“، وقد نضيف: ”لقد أخطأت فعلاً، إلا أنني قمت بمئتي سجدة من بعدها“. غالباً ما تكون الكفارات، ذات الدور التربوي في الكنيسة، عائقاً أمام التوبة. لماذا؟ مثال على الكفارات: ”إذا أخطأتَ في هذه عليك أن تقوم بكذا “. هذا ينشئ في داخلنا صراعاً للنجاح. نحن لا نفهم أن للكفارات دور تربوي يطمح إلى إصلاح علاقتنا بالله، وليست حدّاً بذاتها، إذا نجحنا في تخطيه نكون في وضع جيد. نحن نقوم بمحاولات مؤلمة لكي نكون ممتثلين ونشعر بالاكتفاء. هذا يولّد الذنب، لكنّه الذنب المَرَضِيّ، ولا يقود إلى التوبة، إذ يعيش الإنسان هذا النوع من القيود والتجربة التي جوهرها هو قانون مطلوب الامتثال به، وليس السعي إلى تحرير القلب والإحساس بالندم نحو الإنسان المُسَاء إليه، أو نحو المسيح الذي تعرَّضَت العلاقة معه للتشويش. وهكذا، في هذا الإطار، ننحو إلى القول: ”نعم لقد أخطأنا إلى هذا الشخص ولكننا نحاول أن نطهّر ذواتنا روحياً“ أي ”أننا أخطأنا لكننا ما زلنا نملك القوة للوقوف على أرجلنا“. لكن هذا ليس ما يريده الله. إنه يريد اعترافنا بالخطأ وندامتنا، لا طمأنينة العالم ولا اعترافه، بل إصلاح صورتنا في عينيه بالتوبة. هذه مشكلة كلّ واحد منا، على المستوى الشخصي. مشكلتي، وربّما مشكلتكم أيضاً: إنها محاولة الهروب من ذواتنا المثالية. المشكلة الكبرى هي ذواتنا التي جعلناها مثالاً، أي الصورة التي رسمناها عن أنفسنا. بتعبير آخر، نحن نقدّم إرادتنا على إرادة الله. ومن ثمّ ماذا يحصل؟ التَّدَيُّنُ يكون مَرَضِيّاً عندما يكون مصدراً للشعور بالاكتفاء الذاتي روحياً لكي نحافظ على قيمتنا الشخصية، لكن لا علاقة له بالله ولا بالتوبة. وبالتالي لا يُطَهِّر. التوبة هي الانقباض الذي نحس به، ليس لأننا تغرّبنا عن الفكرة التي شكّلناها عن ذواتنا وصرنا نجاهد إمّا لمحو الإحساس الذنب لدينا أو للتفاعل ديناميكياً مع الذين يشيرون إلى أخطائنا ويتفحصوننا، بل لأننا تغرّبنا عن الله وصار جهادنا للتَّطَهُّر من الذَّنب والتَّخَلُّصِ منه وليس التَّخلّص من الإحساس به وحَسْب. من هنا، لكي يوصلنا الصوم إلى التَّطَهُّر، لا مكان لصوم من غير توبة (للأب برنابا ياغوس).
أخبارنا
غروب الغفران
يترأس صاحب السيادة المتروبوليت أنطونيوس راعي الأبرشيّة صلاة الغروب بمناسبة أحد الغفران في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس—الميدان وذلك عند الساعة السادسة مساء. ويتخلّل الصلاة التبرُّك برفاة القدّيسين.