نشرة كنيستي
نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.
أُنقُر على الملف لتصفُّح نشرة كنيستي
كما يمكن قراءة النص الكامل في المقطع أدناه.
الأحد (21) بعد العنصرة
العدد 46
الأحد 17 تشرين الثّاني 2024
اللّحن 4- الإيوثينا 10
أعياد الأسبوع: *17: تذكار القدّيس غريغوريوس العجائبيّ أسقف قيصريَّة جديدة*18: الشَّهيدين بلاطن ورومانُس *19: النَّبيّ عوبَدْيا، الشَّهيد بَرْلَعام *20: تقدمة عيد دخول السَّيِّدة إلى الهيكل، القدِّيس غريغوريوس البانياسيّ، القدِّيس بروكلس بطريرك القسطنطينيّة *21: عيد دخول سيّدتنا والدة الإله إلى الهيكل *22: تذكار الرَّسول فيليمُن ورفقته، الشَّهيدة كيكيليَّا ومَن معها *23: القدِّيس أمفيلوخيوس أسقف إيقونيَّة، القدِّيس غريغوريوس أسقف أكراغندينون.
كلمة الرّاعي
هيكل الرّبّ
"أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1 كو 3: 16)
ليسَ البحثُ في دخولِ الطِّفلَةِ مريمَ ابنةَ يواكيمَ وحنَّةَ إلى الهيكل تاريخيًّا بل هو لاهوتيٌّ، لأنّ الهيكلَ في العهدِ القديمِ هو مطرحُ سُكنى الله، هكذا كانَ يرى اليهودُ المسألةَ، أمَّا الرَّبُّ فهو لا يَسكُنُ في هياكلَ من صُنعِ أيدي البشرِ (راجع 2 صم 7)، لأنَّهُ صَنعَ الإنسانَ هيكلًا له ليسكُنَهُ إلى الأبدِ...، ومع ذلكَ سمحَ الرَّبُّ لابنِ داودَ سليمانَ أنْ يَبنيَ له هيكلًا لسُكنى مجدِه. أمَّا مريمُ الفتاةُ الَّتي اختارَها اللهُ لتكونَ أُمًّا لابنِهِ الوحيدِ، المولودِ منه خلوًّا من زمنٍ، فهيَ الهيكلُ الَّذي سَبقَ اللهُ فحدَّدَهُ، بسابقِ علمِه، ليَخرُجَ منه "الَّذي يَكونُ مُتَسَلِّطًا على إسرائيلَ، ومَخارِجُهُ مُنذُ القَديمِ، مُنذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (مي 5: 2). من هنا، ليسَ مُستغرَبًا في تدبيرِ اللهِ لتهيئةِ الفتاةِ البتولِ أنْ يَجعَلَها في هيكلِه تتربّى على غذاءِ كلمتِهِ بروحِهِ القدوسِ إلى أنْ يتصوّرَ فيها الكلمةُ الإلهيُّ إنسانًا كاملًا ويُولَدَ لخلاصِ البشريّةِ جمعاء...
* * *
كُلُّ مُؤمِنٍ بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ يَصيرُ بِالمَعمُودِيَّةِ هَيْكَلًا للهِ لأَنَّ رُوحَ الرَّبِّ القُدُّوسَ يَسكُنُ فيهِ وَيَستَقِرُّ، وَهُوَ تالِيًا مَملُوءٌ مِنَ الحُضُورِ الإلهيِّ سِرِّيًّا (sacramentally)، هذا الحُضُورُ الفاعِلُ بِالنِّعْمَةِ بِحَسبِ تَجاوُبِ الإنسانِ مَعَ المَشِيئَةِ الإلهِيَّةِ. النِّعْمَةُ الإلهيَّةُ هِيَ قُوَّةُ اللهِ وَهِيَ طاقَةٌ لا مَحدُودَةٌ بِها يَصيرُ الإنسَانُ شَبيهًا بِاللهِ في صِفَاتِهِ. هَذا ما عَبَّرَ عنهُ الرَّسُولُ بُطرُسُ في رِسالَتِهِ الثّانِيَةِ بِأنَّنَا نَصيرُ "شُرَكاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ" (1: 4). أَن نَكونَ هَيكَلَ اللهِ هُوَ أنَّنَا شُرَكاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، لَيسَ بِحَسَبِ الجَوْهَرِ بَل بِحَسبِ النِّعْمَةِ، لأَنَّ الجَوْهَرَ الإلهيَّ واحِدٌ هُوَ وَوَحيدٌ لِلهِ وَلا شَرِيكَ لهُ فيهِ، بَل الآبُ وَالابنُ وَالرُّوحُ القُدُسُ هُم مُتَساوُونَ فيهِ. فَالطَّبيعَةُ هِيَ التَّعبيرُ عَنِ الجَوْهَرِ وَهيَ المَمدُودَةُ كَقُوًى إلهِيَّةٍ وَنِعْمَةٍ إِلَينَا لِنَشترِكَ فِيها بِهَذِهِ الطَّريقَةِ فَنَتَّحِدَ بِاللهِ الآبِ في الرُّوحِ القُدُّسِ بِواسِطَةِ الابْنِ، وَهَكَذا نَصيرُ وَرَثَةَ الدَّهْرِ الآتي وَمَلَكُوتَ اللهِ...
النِّعْمَةُ الإِلهِيَّةُ هِيَ الَّتي تَمْنَحُنَا الإِمكانِيَّةَ لِعَيشِ الإِيمَانِ بِالفَضِيلَةِ، وَالفَضِيلَةُ تُعَاشُ عَنْ مَعرِفَةٍ أَي عَنْ خِبرَةٍ، وَهَذِهِ المَعرِفَةُ تَتَجَسَّدُ في التَّعَفُّفِ، وَالتَّعَفُّفُ جَوهَرُهُ الصَّبرُ، وَالصَّبرُ في جِهَادِ طَاعَةِ الكَلِمَةِ يُولِّدُ التَّقوَى، وَالتَّقوَى تَتَجلَّى مَودَّةً أَخَوِيَّةً أَي لُطفًا وَعَطفًا، وَالمودَّةُ كَمالُها المَحبَّةُ على صُورَةِ مَحبَّةِ اللهِ لَنَا في المَسِيحِ يَسُوعَ... (رَاجِع 2 بط 1: 4 – 7). وَهَذِهِ كُلُّها لا يُمكِنُ تَحقِيقُهَا مَا لَم نَغلِبِ الكَسَلَ، وَمَتى غَلَبْنَا الكَسَلَ أَثمَرَت فِينَا هَذِهِ حُضُورًا إِلهِيًّا وَجَعَلَتْنَا هَياكِلَ مُتنقِّلَةً على رَجلَينِ...
* * *
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، مَريَمُ الفَتاةُ مِثالٌ لَنَا في التَّكرِيسِ لِلَّهِ، وَنَحنُ إِن عِشنا عِيشَتَهَا صِرنَا مُشَابِهِينَ لَهَا في الفَضِيلَةِ، وَفَضِيلَتُهَا الأُولَى عِشقُ الكَلِمَةِ الإِلهيَّةِ الَّتي مِنْهَا يَنْبُعُ كُلُّ صَلاحٍ وَبِرٍّ وَصَلاةٍ وَعَمَلٍ وَنِعْمَةٍ. نَحنُ المُؤمِنونَ عَلَيْنَا وَاجِبٌ تُجَاهَ هَذَا العالَمِ وَلَنَا دَوْرٌ وَشَهَادَةٌ أَنْ نَحْمِلَ البُشرَى السَّارَّةَ إِلَى الَّذِينَ "فِي الظُّلْمَةِ وَظِلَالِ المَوْتِ" (لو 1: 79)، لِإِنَارَةِ حَيَاتِهِمْ وَالعَالَمِ أَجْمَعَ بِعَيْشِ الفَضِيلَةِ وَكَشْفِ حُضُورِ اللهِ بِالمَحَبَّةِ الفَاعِلَةِ بِالخِدْمَةِ لِلتَّعزِيَةِ وَالشِّفَاءِ مِنْ آلَامِ الأَهْوَاءِ وَأَمْرَاضِهَا، وَلِدَحْضِ أَعْمَالِ الشَّرِّ.
المَسِيحُ يَسُوعُ، هُوَ الَّذِي عَنْهُ "يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: 'سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الأُمَمِ، عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ" (رو 15: 12). بِدُونِ يَسُوعَ المَسِيحِ لا رَجَاءَ لِلعَالَمِ بِحَيَاةٍ أَفْضَلَ (راجع يو 10: 10)، وَهَذِهِ الحَيَاةُ قَدْ أُعْطِيَتْ بِهِ في الكَنِيسَةِ، وَالمُؤْمِنُونَ بِهِ هُم نَاقِلُوهَا في العَالَمِ وَكَاشِفُوهَا بِرُوحِهِ إِذَا مَا أَدْرَكُوا دَعْوَتَهُمْ وَتَكْرِيسَهُمْ لِلَّهِ وَعَاشُوا مَرْيَمِيِّينَ، أَي مُتَقَبِّلِينَ لِلْكَلِمَةِ حَيَاةً لَهُمْ وَلِرُوحِهِ قَائِدًا وَمُطَهِّرًا وَمُثَبِّتًا إِيَّاهُمْ فِيهِ (أَي في يَسُوعَ).
سَعْيُنَا كَمُؤْمِنِينَ أَنْ يَصِيرَ العَالَمُ كُلُّهُ هَيْكَلَ اللهِ أَي مَطْرَحَ مُلْكِهِ وَتَجَلِّي مَجْدِهِ بِالفَضِيلَةِ النَّابِعَةِ مِنْ تَكْرِيسِنَا لَهُ وَتَسْلِيمِنَا حَيَاتِنَا إِلَيْهِ لِيَصِيرَ هُوَ حَيَاةَ العَالَمِ وَالكُلَّ في الكُلِّ...
وَمَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ...
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
طروباريّة القيامة (بِاللَّحْنِ الرَّابع)
إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ الملاكِ الكرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.
طروباريّة القدِّيس غريغوريوس العجائبيّ (اللَّحن الثَّامِن)
أيُّها الأب غريغوريوس، لقد نِلْتَ لَقَبَكَ بتَقويماتِكَ، لِتَيَقُّظِكَ في الصَّلواتِ ومواظَبَتِكَ على صُنعِ العَجائب، فتشفَّع إلى المـَسيحِ الإله أنْ يُنيرَ نفوسَنا، لئلَّا نَنام في الخطايا إلى الموت.
قنداق دخول السَّيّدة إلى الهيكل (باللَّحن الرَّابع)
إِنَّ الهَيْكَلَ الكُلِّيَّ النَّقَاوَةِ هَيْكَلَ الـمُخَلِّصِ، البَتُولَ الخِدْرَ الجَزِيلَ الثَّمَنِ، وَالكَنْزَ الطَّاهِرَ لِمَجْدِ اللهِ، اليَوْمَ تَدْخُلُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَتُدْخِلُ مَعَهَا النِّعْمَةَ الَّتِي بِالرُّوحِ الإِلَهِيِّ. فَلْتُسَبِّحْهَا مَلائِكَةُ اللهِ لأَنَّهَا هِيَ الـمِظَلَّةُ السَّمَاوِيَّةُ.
الرّسالة (غل 2: 16- 20)
مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ، كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ.
بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ.
يَا إِخْوَةُ، إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ إِنَّمَا بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ لِكَيْ نُبَرَّرَ بِالإِيمَانِ بِالـمَسِيحِ لا بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، إِذْ لا يُبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الجَسَدِ. فَإِنْ كُنَّا، وَنَحْنُ طَالِبُونَ التَّبْرِيرَ بِالـمَسِيحِ، وُجِدْنَا نَحْنُ أَيْضًا خَطَأَةً، أَفَيَكُونُ الـمَسِيحُ إِذًا خَادِمًا لِلْخَطِيئَةِ؟ حَاشَى. فَإِنِّي إِنْ عُدْتُ أَبْنِي مَا قَدْ هَدَمْتُ أَجْعَلُ نَفْسِي مُتَعَدِّيًا لِأَنِّي بِالنَّامُوسِ مُتُّ لِكَيْ أَحْيَا للهِ. مَعَ الـمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا، لا أَنَا، بَلِ الـمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. وَمَا لِي مِنَ الحَيَاةِ فِي الجَسَدِ أَنَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ بِابْنِ اللهِ الَّذِي أَحَبَّنِي وَبَذَلَ نَفْسَهُ عَنِّي.
الإنجيل (لو 12: 16- 21) (لوقا 9)
قال الرَّبُّ هذا المثل: إنسانٌ غَنيٌّ أَخصبَتْ أرضُهُ فَفكَّر في نفّسِه قائلًا: ماذا أصنع؟ فإنَّه ليْسَ لي موضِعٌ أَخْزِنُ فيه أثماري. ثمَّ قال: أصْنَعُ هذا، أهْدِمُ أهْرَائي وأبْني أكبَرَ منها، وأجْمَعُ هناكَ كُلَّ غَلَّاتِي وخَيْراتي، وأقولُ لِنفسي: يا نْفسُ إنَّ لكِ خيراتٍ كثيرةً، موضوعةً لِسِنِينَ كَثِيرةٍ فاسْتَريحي وكُلِي واشْرَبي وافْرَحي. فقال لهُ الله: يا جاهِلُ، في هذه اللَّيلةِ تُطْلَبُ نَفسُكَ منْكَ، فهذه الَّتي أعدَدْتَها لِمَنْ تَكون؟ فهكذا مَنْ يدَّخِر لنفسِهِ ولا يستغني بالله. ولمـَّا قالَ هذا نادى: مَنْ لَهُ أُذنانِ للسَّمْعِ فَلْيسْمَع.
حول الرّسالة
الموضوع الأساس الَّذي يَطرحه الرَّسُول بولس في رسالته إلى كنيسة غلاطية هو كيفيّة حصول الإنسان على "البِرّ مِنَ الله"، فبأيَّة طريقةٍ يُمكن للإنسان أن يتبرَّرَ أمام الله؟ أبناموس موسى أم بالإيمان بالمسيح المـَصلُوب يسوع النَّاصِريّ؟ هذه هي القضيّة المـَطروحة.
فالله، في عهده القديم مع النَّاس، كان قد فتح أمامهم مجالًا ليَكُونوا بارِّين أمامَهُ إذا ما سَلَكُوا في طاعَتِهِ بمـُوجَبِ وَصايا النَّاموس الَّذي أُعطِيَ على يَدِ موسى. وهكذا يتبرَّر الإنسان بـ "أعمال النَّاموس". ولكن ما مِن إنسانٍ نَجَحَ في الامتحان؛ فأبناء آدم وحوّاء، على مثال والدَيهم الأوّلَين، سلكوا في المعْصِيَة ومَا نَجَحُوا في طاعَةِ الله، وحَصَلُوا تَحْتَ "غَضَبِ الله"، وإزاء فشَلِ الإنسان في بُلُوغ البِرِّ أمام َالله، قرّر أنْ يفتح أمام الإنسان طريقًا جديدًا للبِرّ، وأن يُقيم عهدًا جديدًا معه، يُتيح له أن "يتبرّر مجّانًا" أمام الله.
هذا التَّبرير المجّانيّ يناله الإنسان بإيمانه بعمل الله الخلاصيّ الجديد الَّذي أتمّه إذ أقام يسوع النَّاصِرِيّ المـَصْلُوب مِنَ الموْت، ورفعه إلى السَّماء، وأجْلَسَهُ عن يمينه، وأعطاه الاِسم الَّذي يَفُوقُ كلَّ اسم: "الرَّبّ" (النَّشيد الوارِد في فيليبي 2: 6-11).
"مَلْعُونٌ كلَّ مَنْ عُلِّقَ على خَشَبَةٍ"، هذا ما جاءَ في ناموسَ مُوسَى (تث 23:21)، وبالتَّالي فإنّ يسوع النَّاصريّ المـَصلُوب الَّذي عُلِّق على خَشَبَةٍ هو "مَلْعُونٌ" بِحَسَبِ ناموس موسى. مِنْ هنا كان الإيمان بـ"يَسوع النَّاصريّ المصلوب" هو، بحسب الرَّسول بولس، "عثرةً لليَهُود" (1 كو 23:1). وبالتَّالي، أن تؤمن بأنّ يسوع المصلوب هو "المسيح" (مسيح الله) الَّذي "افتدانا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوس إذْ صارَ لَعْنَةً لأجلِنا" (غلا 13:3)، أنْ تُؤمِنَ بأنّ يسوع النَّاصِريّ قد صار على الصَّليب "لَعْنَةً لأجلنا"، طاعةً لله، لأنّ الله "سُرَّ أنْ يَسْحَقَهُ" (إش 10:53)، كما جاء في النَّشيد الرَّابِع لـ"عَبْد يَهْوَه"، لَهُوَ الإيمانُ الإبراهيميّ (راجع مثلًا رو 4: 3 وغل 3: 6 ويع 2: 23) الَّذي به يتبرَّرُ الإنسان أمام الله. لقد أثبت يسوع على الصَّليب أنّه وحده هو "العبد البارّ" لله، الَّذي أضحى واسِطَةَ تبريرٍ لجميع المؤمنين به "مسيحًا وربًّا". "يُبرِّر عبدي البارّ الكثيرين" (إش 11:53)، يقول الله على لسان نَبِيِّهِ صاحب النَّشيد.
"بسبب معصِيَةِ شعبي ضُرِبَ حتَّى الموت" (إش 8:53)، يقول الله مفسّرًا لنا موتَ عبده البارّ ذبيحًا. فقد "قُرِّبَتْ نفسُه ذبيحةَ إثمٍ" و"حَمَل آثامَنا" (إش 10:53 و11)، فَبِهِ وَحْدَه التَّبرير والخلاص. وقد حمل الرَّسول بولس "إنجيل الله" هذا إلى الأمم؛ وتقبّل الغلاطيّون هذا الإنجيل وبرَّرَهم الله لإيمانهم. وها هم الآن يَعُودون، إذْ تَقَبَّلُوا تَعليمًا آخَر حَمَلَهُ إليهم بعض الَّذين آمَنُوا بمسيحانيّة يسوع من اليهود، إلى الْتِماس البِرِّ بواسطة شريعة موسى، مِنْ خِلال الخِتان والتِزَام "أعمال النَّاموس"! لذا يُحذِّرُهُم الرَّسول بولس قائلًا: "إذا عُدْتُ إلى بناء ما سبق أنْ هدمْتُ، أكون متعدِّيًا" (غلا 18:2). فالاعتماد على البِرّ الَّذي مِنَ النَّاموس قد تَمَّ هَدْمَهُ، فإذا ما عُدْتُم إلى اعتمادِهِ مِنْ جَدِيد تَكونون مُتَعَدِّين على مشيئة الله وناموسِهِ الجَدِيد "فأجابهم يسوع: عمل الله أن تؤمنوا بالَّذي أرسله. (...) فمشيئة أبي هي أنّ كلُّ من رأى الاِبن وآمَنَ به كانت له الحياة الأبديَّة" (يو 26:6و40). إذا عُدْتُم إلى المـَعْصِيَة مجدَّدًا تَخسرونَ "التَّبريرَ المجّانيّ" وتعودون تحت "غضب الله".
(المرجع: من نشرة الكرمة، العدد 44، الأحد (21) بعد العنصرة، 29 تشرين الأوّل 2017)
اللِّيتورجيا في حياتنا
الصَّلاة هي الحياة لكُلِّ شخصٍ يَعِي علاقَتَه مع الله، فهي توجِدُ وتُحَرِّك الإنسان.
إنَّ كُلَّ حياةٍ وعلاقةٍ بالله هي في النَّتيجة ما يُسَمُّونَه صلاة. والصَّلاة سِرٌّ هي، والمطلوب أنْ يُصْبِحَ هذا السِّرّ مُعْلَنًا ومحقَّقًا في اللِّيتورجيا، ويَعني أنْ يَكونَ داخِليًّا، هذا السِّرُّ، سِرُّ نعمةٍ ورحمةٍ به تنوجِدُ كائناتٍ طبيعيِّة وكائناتٍ مولودين مجدَّدًا في المعمودِيَّة.
الإنسان هو ثمرةُ هذا السِّرّ إذْ يُزْرعُ فيه بالأسرار الكنسيَّة والحياة المسيحيَّة فيتحقَّق بحياةِ الصَّلاة إذا ما سارَ بها إلى حُدودِها الأخيرة.
في حياة الصَّلاة يتحقَّقُ ازدهار النِّعْمَة أي البُنُوَّة لله: فالحياةُ الصَّلاتِيَّة هي حركة اللِّيتورجيا نفسها وتَعْبُر بالإنسان ِمَن الموت إلى الحياة، مِنَ الخوف إلى المحبَّة، مِنَ النِّير إلى الخدمة، مِنْ عبوديَّةِ الأهواء إلى مَجدِ حرِّيَّةِ أبناء الله.
بدون حياة صلاة، مهما كانت صغيرة، لا يمكن التَّكلُّم عن حياةٍ روحيَّة. بل يَبْقى الإنسانُ كائنًا بيولوجيًّا متطوِّرًا، أو وَلِيدَ بيئتِهِ الاجتماعيَّة يخضع فيها لكُلِّ الضَّروريَّات، لأنَّه بِقَدْرِ ما يحيا الإنسانُ في الله بِقَدْرِ ما يُصَلِّي حقًّا، وبِقَدْرِ ما يُصَلِّي يَحيا مِنَ الله. فالصَّلاة هي عَمَلٌ شَخْصِيّ أوَّلًا وعَمَلٌ جَماعِيّ تَسْمَح وَحْدَها بأنْ يَعِي الإنسان نَفْسَهُ ويتقَدَّم في الله ويَزْداد اتِّحادًا بقريبه.
نعم إنَّ الشَّرطَ الأساسِيّ للصَّلاة هو الإيمان المـُعاش في كُلِّ غِناه وعُمْقه.
إنَّ فَهْمَ علاقةِ الله بالإنسان هي أساسٌ في فَهْمِ العَلاقَةِ والطَّريِقَةِ لِتَعاطِي الواحِد مع الآخَر مِنْ خِلالِ العالَم!
فالإيمان ليس ماوَرائيًّا بل ليتورجيًّا. وتعاطي الإنسان مع العالم كعلاقةٍ مع الله يجعلُهُ يأخذ دوْرَهُ الشُّكريّ الكَهَنوتيّ، وهذه هي اللِّيتورجيا إنّها تبادُل العالم مع الله في "علاقة إفخارستيّة"! لذلك إذا كانت كلمة ليتورجيا بالأصلِ اللُّغَوِيّ اليُونانيّ للكلمة تَعني "عَمَل الشَّعْب"، فهذا معناه، كما أنّ "عمل الله" كان وما زالَ الخَلْق والمحبَّة فإنَّ "عَمَل الشَّعْب" هو الشُّكر على عَطِيَّةِ الله في شُكْرٍ أي إفخارستيّة.
اللِّيتورجيا عمليّة تَقْدِمَة العالم بواسطة الإنسان لله وتَحويل الكَوْن كُلَّهُ وبِكُلِّ مَسائِلِهِ إلى "ذبيحَةِ تَسبيح".
مِنْ هذا المـَفهومِ للِّيتورجيا، نستطيعُ أنْ نُدْرِكَ لماذا التَّقليدُ الأرثوذكسِيُّ هو ليتورجيٌّ؛ وهل يُمكِنُ أنْ يَكونَ غيرَ ذلك؟ إنَّ الكنيسةَ تَحيا باللِّيتورجيا وفي اللِّيتورجيا. اللِّيتورجيا هي "عَمَلُ الشَّعبِ" أي عَمَلُ الكنيسةِ وحياتُها وغايَةُ وطبيعَةُ وُجودِها. إذن، مِنْ هذه النَّظرةِ إلى اللِّيتورجيا، نقولُ إنَّ كُلَّ اللَّاهوتِ وبِكُلِّ أجزائِهِ ما هو إلَّا تعبيرٌ وتسبِحَةٌ إفخارستِيَّةٌ، تُريدُ أنْ تَشْكُرَ وتُفَسِّرَ المَحبَّةَ الإلهيَّةَ.
اللِّيتورجيا لَيْسَتْ ساعاتٍ محدَّدَة يَقضيها المؤمنون معًا كهنةً وشعبًا سويّةً للاشتراكِ في القُدَّاس الإلهيِّ والصَّلَواتِ، إنَّما هي خبرةٌ يَعِيشُها كُلَّ عُضْوٍ في الجماعَةِ، يَذوقُها ويَخْتَبِرُها كُلَّ أيَّامِ حَياتِه،ِ وتُصْبِحُ الجَماعَةَ في أعْماقِ قَلْبِهِ، ويَكُونُ هو مَحْمُولًا في أعماق الكنيسة أو الجماعة. فَعِنْدَ دُخُولِ المؤمِنِ مَخْدَعَهُ للصَّلاةِ يحملُ كُلَّ الكنيسة في قَلْبِهِ لِيُصَلِّي باسمها فيُنادِي: "أبانا" بِصِيغَةِ الجَمْع، لا "أبي الَّذي في السَّماوات" بِرُوحِ الانفراديَّة؛ وإذْ ما وَقَفْتْ الجماعة للعِبادَةِ حَمَلَتْ بالحُبِّ كُلَّ عُضْوٍ حاضرًا كان أمْ غائبًا عَنْها بالجَسَدِ لتُصَلِّي مِنْ أجْلِه.
مِنَ الواجِبِ أنْ نَحْيَا الحياة اللِّيتورجِيَّة كطَريقَةِ تَواجُدٍ وحياةِ "شِرْكَةٍ" كَنَسِيَّةٍ، حيثُ يَجِدُ فيها الإنسانُ ذاتَهُ وعلاقَتَهُ مع الله والقَرِيبِ في حُرِّيَّةِ الرُّوح.